قال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله [1]:
اللهّم علّمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علّمتنا و اجعل ما نتعلّمه حجّة لنا لا علينا يا ذا الجلال و الإكرام.
ثم أما بعد أيها الإخوة الكرام, الكلمة حول قول نبيّنا عليه الصلاة و السلام : " اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ.." و هي جملة من حديث خرّجه مسلم من حديثه الصحيح من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم :" اَلْمُؤْمِنُ اَلْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اَللَّهِ مِنْ اَلْمُؤْمِنِ اَلضَّعِيفِ, وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ, اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ, وَلَا تَعْجَزْ, وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا, وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اَللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ; فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ اَلشَّيْطَانِ".
و هذا الحديث كما أوضح و بيّن أهل العلم, اشتمل على كلمات جوامع و أصول عظيمة و فوائد جمّة.
و الوقفة في هذه الكلمة مع قول نبيّنا –صلوات الله و سلامه عليه-:" اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ ".
و هي كلمة جامعة نافعة مفيدة للغاية , حَوَت ما فيه سعادة العبد في دنياه و أُخراه, و فيها أمر النبي عليه الصلاة و السلام بأصلين عظيمين و أساسين متينين لا سعادة للعبد و لا فلاح في دنياه و أخراه إلا بهما.
الأمر الأوّل: في قوله عليه الصلاة والسلام :" اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ " و هذا فيه حثٌّ على بذل الأسباب النافعة في ما يفيد المرء و ينفعه في أمور دينه و دنياه .
و الأمر الثاني : في قوله :" وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ " و فيه عدم الالتفات إلى الأسباب و الاعتماد عليها و الدعوة إلى الاعتماد و التوكل التام على الله سبحانه و تعالى طلبا لعونه و توفيقه و تسديده .
و قوله في هذا الحديث :".. عَلَى مَا يَنْفَعُكَ " ,احرص على ما ينفعك .الأمور النافعة المأمور في الحديث بالحرص عليها, يشمل الأمور الدينية كما يشمل الأمور الدنيوية و ذلك لأن العبد يحتاج إلى الأمور الدنيوية كما أنه يحتاج إلى الأمور الدينية. فوجّه عليه الصلاة والسلام العبد إلى أن يكون حريصا على الأمور النافعة في دينه و دنياه. و أن يُتبِع هذا الحرص ببذل الأسباب, مجاهدةً للنفس على سلوك المسالك الصحيحة و الطرائق القويمة التي يُتوَصَّل من خلالها إلى المقاصد العظيمة , و أن يكون في ذلك كلّ مستعينا بالله تبارك و تعالى. لأن العبد لاحول له و لا قوة إلا بالله و ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن . و الأمور النافعة التي تتعلق بالدين ترجع إلى أساسين عظيمين و هما العلم النافع و العمل الصالح . ﴿هو الّذِي أرْسل رسوله بِالْهدىٰ ودِينِ الْحقِّ لِيظْهِره على الدِّينِ كلِّهِ﴾[ التوبة:33].
و الهدى هو العلم النافع و دين الحق هو العمل الصالح. و العلم النافع هو المستمد من كتاب الله و سنّة نبيه –صلوات الله و سلامه و بركاته عليه- و هو العلم المزكّي للقلوب المصلح للنفوس المحقّق لسعادة الدنيا و الآخرة . فيجتهد العبد في هذا المقام مع نفسه في تحصيل العلم النافع و يجعل لنفسه في كل يوم من أيّامه نصيبا من هذا العلم . و لا ينبغي أن يُفوّت على نفسه يوما من أيّامه يكون خُلوا من العلم النافع. و كان نبينا –عليه الصلاة و السلام- كل يوم إذا أصبح, بعد أن يُسلّم من صلاة الفجر يقول:"اللهم إني أسألك علما نافعا و رزقا طيبا و عملا مٌتَقَبَّلا" و هذا يُبيّن أن العلم النافع من أعظم أهداف المسلم في يومه. فلا ينبغي للمسلم أن يمرَّ عليه يوم من أيامه لا يحصّل فيه علما نافعا, و هذا يفيد أن المسلم ينبغي أن يُرَتّب لنفسه برنامجا مع العلم النافع في كل يوم من أيّامه , يحصّل فيع نصيبا و إن قلّ , و لا يٌفوّت على نفسه العلم النافع في أي يوم من أيّامه.
ثم يحرص على العمل, و العمل هو مقصود العلم , كما جاء عن علي –رضي الله عنه- :"يهتف بالعلم العمل, فإن أجابه و إلا ارتحل", فيحرص على أن يكون له حضّه و نصيبه من العمل المقرّب إلى الله سبحانه و تعالى . و أهم ما يكون في هذا الباب: العناية بفرائض الدين و واجباته. و في الحديث القدسي :"ما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه" . و لا يليق بالمؤمن أن تمرَّ أيّامه و لياليه مضيّعا لفرائض الاسلام و واجبات الدين, بل يجب عليه في كل يوم من أيّامه أن يكون في أشد الحرص على العناية بالفرائض و الاهتمام بواجبات الدين . و يدخل في هذا المقام تجنّب الحرام و البعد عن الآثام طاعة لله سبحانه و تعالى و طلبا لرضاه و خوفا من عقابه جلّ في علاه . و فيما يتعلق بمنافع العبد الدنيوية , جاء الحديث حاثّا على الحرص عليها, فإن قوله " اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ " يتناول ما ينفع من أمور الدنيا كما أنه يتناول ما ينفع من أمور الدين ما يُقرّب إلى الله سبحانه و تعالى.
و العبد لا غنى له عن حاجاته الدنيوية التي هي سبب لتحقيق مصالحه و مقاصده الدينية ,فيهتم بها ,لكن لا يطغى هذا الاهتمام على ما خُلق لأجله و أوجد لتحقيقه و هو عبادة الله تبارك و تعالى ,كما قال الله عزّ و جلّ ﴿وما خلقْت الْجِنّ والْإِنْس إِلّا لِيعْبدونِ﴾[ الذاريات:56] . و على كلٍّ فهذا الحديث معدود في جوامع كلِم النبي الكريم –صلوات الله و سلامه و بركاته عليه- و هو مليء بالفوائد العظام و التنبيهات الجليلة التي لا غنى للمسلم عنها فيما يتعلق بأموره الدينية و الدنيوية . و أسأل الله الكريم أن يُصلح لي و لكم ديننا الذي هو عصمة أمرنا و أن يُصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا و أن يُصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا و أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير و الموت راحة لنا من كل شرّ إنّه تبارك و تعالى سميع الدعاء و هو أهل الرجاء و هو حسبنا و نعم الوكيل ,و الله تعالى أعلم و صلّى الله و سلّم على عبده و رسوله نبيّنا محمد و آله و صحبه أجمعين ,و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
[1]تجد الملف الصوتي و ملف pdf في المرفقات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله –صلى الله و سلم عليه و على آله و أصحابه أجمعين-.اللهّم علّمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علّمتنا و اجعل ما نتعلّمه حجّة لنا لا علينا يا ذا الجلال و الإكرام.
ثم أما بعد أيها الإخوة الكرام, الكلمة حول قول نبيّنا عليه الصلاة و السلام : " اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ.." و هي جملة من حديث خرّجه مسلم من حديثه الصحيح من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم :" اَلْمُؤْمِنُ اَلْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اَللَّهِ مِنْ اَلْمُؤْمِنِ اَلضَّعِيفِ, وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ, اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ, وَلَا تَعْجَزْ, وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا, وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اَللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ; فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ اَلشَّيْطَانِ".
و هذا الحديث كما أوضح و بيّن أهل العلم, اشتمل على كلمات جوامع و أصول عظيمة و فوائد جمّة.
و الوقفة في هذه الكلمة مع قول نبيّنا –صلوات الله و سلامه عليه-:" اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ ".
و هي كلمة جامعة نافعة مفيدة للغاية , حَوَت ما فيه سعادة العبد في دنياه و أُخراه, و فيها أمر النبي عليه الصلاة و السلام بأصلين عظيمين و أساسين متينين لا سعادة للعبد و لا فلاح في دنياه و أخراه إلا بهما.
الأمر الأوّل: في قوله عليه الصلاة والسلام :" اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ " و هذا فيه حثٌّ على بذل الأسباب النافعة في ما يفيد المرء و ينفعه في أمور دينه و دنياه .
و الأمر الثاني : في قوله :" وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ " و فيه عدم الالتفات إلى الأسباب و الاعتماد عليها و الدعوة إلى الاعتماد و التوكل التام على الله سبحانه و تعالى طلبا لعونه و توفيقه و تسديده .
و قوله في هذا الحديث :".. عَلَى مَا يَنْفَعُكَ " ,احرص على ما ينفعك .الأمور النافعة المأمور في الحديث بالحرص عليها, يشمل الأمور الدينية كما يشمل الأمور الدنيوية و ذلك لأن العبد يحتاج إلى الأمور الدنيوية كما أنه يحتاج إلى الأمور الدينية. فوجّه عليه الصلاة والسلام العبد إلى أن يكون حريصا على الأمور النافعة في دينه و دنياه. و أن يُتبِع هذا الحرص ببذل الأسباب, مجاهدةً للنفس على سلوك المسالك الصحيحة و الطرائق القويمة التي يُتوَصَّل من خلالها إلى المقاصد العظيمة , و أن يكون في ذلك كلّ مستعينا بالله تبارك و تعالى. لأن العبد لاحول له و لا قوة إلا بالله و ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن . و الأمور النافعة التي تتعلق بالدين ترجع إلى أساسين عظيمين و هما العلم النافع و العمل الصالح . ﴿هو الّذِي أرْسل رسوله بِالْهدىٰ ودِينِ الْحقِّ لِيظْهِره على الدِّينِ كلِّهِ﴾[ التوبة:33].
و الهدى هو العلم النافع و دين الحق هو العمل الصالح. و العلم النافع هو المستمد من كتاب الله و سنّة نبيه –صلوات الله و سلامه و بركاته عليه- و هو العلم المزكّي للقلوب المصلح للنفوس المحقّق لسعادة الدنيا و الآخرة . فيجتهد العبد في هذا المقام مع نفسه في تحصيل العلم النافع و يجعل لنفسه في كل يوم من أيّامه نصيبا من هذا العلم . و لا ينبغي أن يُفوّت على نفسه يوما من أيّامه يكون خُلوا من العلم النافع. و كان نبينا –عليه الصلاة و السلام- كل يوم إذا أصبح, بعد أن يُسلّم من صلاة الفجر يقول:"اللهم إني أسألك علما نافعا و رزقا طيبا و عملا مٌتَقَبَّلا" و هذا يُبيّن أن العلم النافع من أعظم أهداف المسلم في يومه. فلا ينبغي للمسلم أن يمرَّ عليه يوم من أيامه لا يحصّل فيه علما نافعا, و هذا يفيد أن المسلم ينبغي أن يُرَتّب لنفسه برنامجا مع العلم النافع في كل يوم من أيّامه , يحصّل فيع نصيبا و إن قلّ , و لا يٌفوّت على نفسه العلم النافع في أي يوم من أيّامه.
ثم يحرص على العمل, و العمل هو مقصود العلم , كما جاء عن علي –رضي الله عنه- :"يهتف بالعلم العمل, فإن أجابه و إلا ارتحل", فيحرص على أن يكون له حضّه و نصيبه من العمل المقرّب إلى الله سبحانه و تعالى . و أهم ما يكون في هذا الباب: العناية بفرائض الدين و واجباته. و في الحديث القدسي :"ما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه" . و لا يليق بالمؤمن أن تمرَّ أيّامه و لياليه مضيّعا لفرائض الاسلام و واجبات الدين, بل يجب عليه في كل يوم من أيّامه أن يكون في أشد الحرص على العناية بالفرائض و الاهتمام بواجبات الدين . و يدخل في هذا المقام تجنّب الحرام و البعد عن الآثام طاعة لله سبحانه و تعالى و طلبا لرضاه و خوفا من عقابه جلّ في علاه . و فيما يتعلق بمنافع العبد الدنيوية , جاء الحديث حاثّا على الحرص عليها, فإن قوله " اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ " يتناول ما ينفع من أمور الدنيا كما أنه يتناول ما ينفع من أمور الدين ما يُقرّب إلى الله سبحانه و تعالى.
و العبد لا غنى له عن حاجاته الدنيوية التي هي سبب لتحقيق مصالحه و مقاصده الدينية ,فيهتم بها ,لكن لا يطغى هذا الاهتمام على ما خُلق لأجله و أوجد لتحقيقه و هو عبادة الله تبارك و تعالى ,كما قال الله عزّ و جلّ ﴿وما خلقْت الْجِنّ والْإِنْس إِلّا لِيعْبدونِ﴾[ الذاريات:56] . و على كلٍّ فهذا الحديث معدود في جوامع كلِم النبي الكريم –صلوات الله و سلامه و بركاته عليه- و هو مليء بالفوائد العظام و التنبيهات الجليلة التي لا غنى للمسلم عنها فيما يتعلق بأموره الدينية و الدنيوية . و أسأل الله الكريم أن يُصلح لي و لكم ديننا الذي هو عصمة أمرنا و أن يُصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا و أن يُصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا و أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير و الموت راحة لنا من كل شرّ إنّه تبارك و تعالى سميع الدعاء و هو أهل الرجاء و هو حسبنا و نعم الوكيل ,و الله تعالى أعلم و صلّى الله و سلّم على عبده و رسوله نبيّنا محمد و آله و صحبه أجمعين ,و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
فرَّغها أبو عبد الجليل صالح الجزائري
غفر الله له و لوالديه
يوم السبت 9 من صفر 1434 ه
______________________________________غفر الله له و لوالديه
يوم السبت 9 من صفر 1434 ه
[1]تجد الملف الصوتي و ملف pdf في المرفقات