الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.. أما بعد
فهذه درّة نفيسة جدا من درر الإمام الجهبذ ابن القيم رحمه الله أحببت أن يطّلع عليها إخوتي الكرام لما فيها من فوائد تكثر الحاجة إليها سلّمني الله و إياكم من مضلات الفتن، قال رحمه الله في كتابه الممتع " هداية الحيارى" ما نصه :-
والأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جداً فمنها: الجهل به ، وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس، فإنّ من جهل شيئاً عاداه وعادى أهله ، فإن انضاف إلى هذا السبب بغض من أمره بالحق ومعاداته له وحسده كان المانع من القبول أقوى، فإن انضاف إلى ذلك ألفه وعادته ومرباه على ما كان عليه أباؤه ومن يحبه ويعظّمه قوي المانع، فإن انضاف إلى ذلك توهمه أنّ الحق الذي دعي إليه يحول بينه وبين جاهه وعزه وشهواته وأغراضه قوي المانع من القبول جداً.
فإن انضاف إلى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ازداد المانع من قبول الحق قوة، فإنّ هرقل عرف الحق وهمّ بالدخول في الإسلام فلم يطاوعه قومه، وخافهم على نفسه فاختار الكفر على الإسلام بعد ما تبين له الهدى، كما سيأتي ذكر قصته إن شاء الله تعالى.
ومن أعظم هذه الأسباب : الحسد، فإنه داء كامن في النفس، ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه و أوتي ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون من أتباعه.
وهل منع إبليس من السجود لآدم إلا الحسد ؟! فإنه لما رآه قد فضل عليه ورفع فوقه، غص بريقه واختار الكفر على الإيمان بعد أن كان بين الملائكة.
وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الإيمان بعيسى ابن مريم وقد علموا علماً لا شك فيه أنّه رسول الله جاء بالبيّنات والهدى فحملهم الحسد على أن اختاروا الكفر على الإيمان وأطبقوا عليه، وهم أمة فيهم الأحبار والعلماء والزهاد والقضاة والملوك والأمراء.
هذا وقد جاء المسيح بحكم التوراة ولم يأت بشريعة يخالفهم ولم يقاتلهم، وإنما أتى بتحليل بعض ما حرم عليهم تخفيفاً ورحمة وإحسانا ، وجاء مكملاً لشريعة التوراة، ومع هذا فاختاروا كلهم الكفر على الإيمان ، فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع ، مبكتاً لهم بقبائحهم، ومنادياً على فضائحهم، ومخرجاً لهم من ديارهم، وقد قاتلوه وحاربوه، وهو في ذلك كله ينصر عليهم ويظفر بهم ويعلو هو وأصحابه، وهم معه دائماً في سفال، فكيف لا يملك الحسد والبغي في قلوبهم؟ وأين يقع حالهم معه من حالهم مع المسيح وقد أطبقوا على الكفر به من بعد ما تبين لهم الهدى؟ وهذا السبب وحده كاف في رد الحق، فكيف إذا انضاف إليه زوال الرياسات والمأكل كما تقدم؟.
و قال أيضا رحمه الله:-
" فلم يزل في الناس من يختار الباطل، فمنهم من يختاره جهلاً وتقليداً لمن يحسن الظن به، ومنهم من يختاره مع علمه ببطلانه كبراً وعلواً، ومنهم من يختاره طمعاً ورغبة في مأكل أو جاه أو رياء، ومنهم من يختاره حسداً وبغياً، ومنهم من يختاره محبة في صورة وعشقاً، ومنهم من يختاره خشية، ومنهم من يختاره راحة ودعة.."اهـ
أسأل الله جل و عز أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه، و أن ينفعنا جميعا بما سطره الإمام ابن القيم من نفائسه القيمة بإذن الله.
و صلى الله وسلم و بارك على محمد و على آله و صحبه أجمعين
منقول
فهذه درّة نفيسة جدا من درر الإمام الجهبذ ابن القيم رحمه الله أحببت أن يطّلع عليها إخوتي الكرام لما فيها من فوائد تكثر الحاجة إليها سلّمني الله و إياكم من مضلات الفتن، قال رحمه الله في كتابه الممتع " هداية الحيارى" ما نصه :-
والأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جداً فمنها: الجهل به ، وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس، فإنّ من جهل شيئاً عاداه وعادى أهله ، فإن انضاف إلى هذا السبب بغض من أمره بالحق ومعاداته له وحسده كان المانع من القبول أقوى، فإن انضاف إلى ذلك ألفه وعادته ومرباه على ما كان عليه أباؤه ومن يحبه ويعظّمه قوي المانع، فإن انضاف إلى ذلك توهمه أنّ الحق الذي دعي إليه يحول بينه وبين جاهه وعزه وشهواته وأغراضه قوي المانع من القبول جداً.
فإن انضاف إلى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ازداد المانع من قبول الحق قوة، فإنّ هرقل عرف الحق وهمّ بالدخول في الإسلام فلم يطاوعه قومه، وخافهم على نفسه فاختار الكفر على الإسلام بعد ما تبين له الهدى، كما سيأتي ذكر قصته إن شاء الله تعالى.
ومن أعظم هذه الأسباب : الحسد، فإنه داء كامن في النفس، ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه و أوتي ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون من أتباعه.
وهل منع إبليس من السجود لآدم إلا الحسد ؟! فإنه لما رآه قد فضل عليه ورفع فوقه، غص بريقه واختار الكفر على الإيمان بعد أن كان بين الملائكة.
وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الإيمان بعيسى ابن مريم وقد علموا علماً لا شك فيه أنّه رسول الله جاء بالبيّنات والهدى فحملهم الحسد على أن اختاروا الكفر على الإيمان وأطبقوا عليه، وهم أمة فيهم الأحبار والعلماء والزهاد والقضاة والملوك والأمراء.
هذا وقد جاء المسيح بحكم التوراة ولم يأت بشريعة يخالفهم ولم يقاتلهم، وإنما أتى بتحليل بعض ما حرم عليهم تخفيفاً ورحمة وإحسانا ، وجاء مكملاً لشريعة التوراة، ومع هذا فاختاروا كلهم الكفر على الإيمان ، فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع ، مبكتاً لهم بقبائحهم، ومنادياً على فضائحهم، ومخرجاً لهم من ديارهم، وقد قاتلوه وحاربوه، وهو في ذلك كله ينصر عليهم ويظفر بهم ويعلو هو وأصحابه، وهم معه دائماً في سفال، فكيف لا يملك الحسد والبغي في قلوبهم؟ وأين يقع حالهم معه من حالهم مع المسيح وقد أطبقوا على الكفر به من بعد ما تبين لهم الهدى؟ وهذا السبب وحده كاف في رد الحق، فكيف إذا انضاف إليه زوال الرياسات والمأكل كما تقدم؟.
و قال أيضا رحمه الله:-
" فلم يزل في الناس من يختار الباطل، فمنهم من يختاره جهلاً وتقليداً لمن يحسن الظن به، ومنهم من يختاره مع علمه ببطلانه كبراً وعلواً، ومنهم من يختاره طمعاً ورغبة في مأكل أو جاه أو رياء، ومنهم من يختاره حسداً وبغياً، ومنهم من يختاره محبة في صورة وعشقاً، ومنهم من يختاره خشية، ومنهم من يختاره راحة ودعة.."اهـ
أسأل الله جل و عز أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه، و أن ينفعنا جميعا بما سطره الإمام ابن القيم من نفائسه القيمة بإذن الله.
و صلى الله وسلم و بارك على محمد و على آله و صحبه أجمعين
منقول
المصدر: شبكة المنهاج السلفية