إعــــــــلام الصديق بآداب الطـــــــــــريق
أما بعد فإن ديننا الحنيف, قد شرع الله لنا فيه آدابا جليلة, وخصالا جميلة, تدل على وجه مشرق للإسلام, ومن ذلكم آداب الطريق.
أهمية هذا الموضوع
1- إن هذا الموضوع ملتصق بحياة الناس التصاقا,و هو يأخذ جزءا كبيرا من حياتهم,ولا يمكن لأحد أن يخرج عنه,ومن ثَمَّ كانت حاجة الناس إلى معرفة آداب الطريق متأكدة.
2- أن هذا الموضوع تعلقت به آداب أكثرها واجب الأداء,و في الجهل بها وقوع في الإثم,و سلوك في الظلم.
3- أن كثيرا من الناس يجهلون هذه الآداب, أو يتجاهلونها.فتذكيرهم بها-والحال هذه- من أهم الأمور.
أصل هذا الموضوع
1-[غض البصر]
2-[وكف الأذى]
3-[ورد السلام]
4-[والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وللحديث طرق أخرى فيها زيادات,وخصال أخريات,يحسن بنا الإتيان بها,وهاهي دونك أخي القارئ:
5-{ إرشاد الضال}قوله عليه الصلاة والسلام:{و إرشاد الضال}.وهي رواية الطحاوي في المشكل ( 1 / 58 ) و البزار في " مسنده " ( 2 / 425 / 2018 ) - كشف الأستار.من حديث عمر-رضي الله عنه.
وقوله:{وأرشدوا السائل} وهي رواية لأحمد ( 3 / 61 ) من طريق عبد الرزاق في " المصنف " ( 11 / 20 / 19786 ). قال العلامة الألباني:وهي بمعنى {إرشاد الضال}
6-{حسن الكلام}: و لفظ أبي طلحة : [ " غض البصر و رد السلام و حسن الكلام " ]عند أحمد ( 3 / 61 ).وهي زيادة صحيحة ذكرها الألباني في الصحيحة عند ذكره للطرق.
7-[وتغيثوا الملهوف] رواها أبو داود[4817] وصححها الألباني.
8-[و تشميت العاطس إذا حمد الله ]. أخرجه البخاري ( 1014 ) و أبو داود ( 4816 ) و ابن حبان ( 595 ) .قال الألباني: و إسناده جيد على شرط مسلم.
9-[و أعينوا المظلوم] : أخرجه الترمذي ( 2727 ) و الدار مي ( 2 / 282 ) و ابن حبان ( 596 ) و الطحاوي أيضا , و أحمد ( 4 / 282 و 292 و 393 و 304 ) و قال الترمذي : " حديث حسن " . قال الألباني: بل هو صحيح لشواهده.
10-[واهدوا السبيل]نفس التخريج السابق.
11-[ إنشاد الضال] رواه مسلم ( 6 / 135 ) في رواية له : "من حديث آخر للبراء بلفظ : " أمرنا بسبع .. " الحديث.
12-[وأعينوا على الحمولة]أخرجه البزار ( 2019 ) و قال :" لا نعلم لابن عباس غير هذا الطريق , و روي عن غيره بألفاظ , و لا نعلم في حديث " و أعينوا على الحمولة " إلا في هذا , و داود ليس بالقوي في الحديث , و لا يتوهم عليه إلا الصدق , و إنما يكتب من حديثه ما لم يروه غيره.
والجملة لها شواهد في المعنى سيأتي ذكرها.
13-[و اهدوا الأعمى] أخرجه الطبراني أيضا ( 22 / 138 / 367 ) . قال الهيثمي : " و رجاله ثقات , و في بعضهم ضعف " . قلت : حرب بن وحشي لم يوثقه غير ابن حبان ( 4 / 173 ) و فيه جهالة كما بينته في " تيسير الانتفاع ".وهو في ضعيف الجامع[4682]وهذا وإن كان ضعيفا فإن كونه من آداب الطريق يدل له حديث أبي ذر الغفاري-رضي الله عنه- وفيه:{وتُهدي الأعمى} رواه ابن حبان[8/171] و البيهقي[6/106]وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب[2970] و حديث رواه البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [لعنَ اللهُ مَنْ كَمَّهَ أعمى عنِ السبيل]أخرجه في كتابه الأدب المفرد- رقم 892 ، وقال العلامة الألباني رحمه الله تعالى : حسن صحيح
14-[ذكر الله كثيرا] من حديث سهل بن حنيف عند الطبراني.عزاها إليه الحافظ في الفتح {11/9}.
قال ابن حجر-رحمه الله:ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدبا,وقد نظمتها في ثلاثة أبيات,وهي:
جمعت آداب من رام الجلوس على الـ***طريق من قول خير الخلق إنسانا
أفش السلام وأحسن في الكلام وشمِّـــ***تْ عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث***لهفان اهد سبيلا و اهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكرٍ وكف أذى ***وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
قال النووي-رحمه الله-:هذا الحديث كثير الفوائد, ومن الأحاديث الجامعة, وأحكامه ظاهرة, وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث ا.هـ [شرح النووي على مسلم7/287].ط مكتبة الإيمان-المنصورة.الأزهر.
تفصيل هذه الآداب:
وسنذكر خمسة أقوال في غض البصر:
1-قال القرطبي: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب,وأعمر طرق الحواس إليهوبحسب ذلك كثر السقوط من جهته. و وجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله.تفسير القرطبي [12/148]ط دار الكتب العلمية.
2-قال السعدي :ومن غض بصره ، أنار الله بصيرته.تيسير الكريم الرحمن[515]ط-مؤسسة الرسالة.
وهذه المقالة من السعدي رحمه الله تكتب بماء الذهب.
3- وقال الحجاوي: فضول النظر أصل البلاء لأنه رسول الفرج, أعني الآفة العظمى والبلية الكبرى, والزنا إنما يكون سببه في الغالب النظر, فإنه يدعو إلى الاستحسان ووقوع صورة المنظور إليه في القلب والفكرة, فهذه الفتنة من فضول النظر, وهو من الأبواب التي يفتحها الشيطان على ابن آدم.تفسير الثعالبي[3/116].
4- قال الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله-:كم نظرة قد ألقت في قلب صاحبها البلابل.
5- قال ابن القيم-رحمه الله-: ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه.
فوائد غض البصر:
قد ذكر ابن القيم فوائد جمة لغض البصر في روضة المحبين [ص 97-104]ط- دار الكتب العلمية بيروت.نلخصها فيما يأتي:
أحدها: تخليص القلب من ألم الحسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
قال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ثانيها: أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه ولهذا والله أعلم ذكر الله سبحانه آية النور في قوله تعالى{الله نور السموات والأرض}عقيب قوله{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}.
ثالثها: أنه يورث صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته وإذا استنار القلب صحت الفراسة.
وقال شجاع الكرماني من عمر ظاهره بإتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وأكل منالحلال لم تخطيء فراسته .
رابعها:أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه.فإنه كما قيل العلم نور والمعصية تطفئه.
خامسها:أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل له سلطان البصير مع سلطان الحجة,ولهذا يوجد في المتبع لهواه من ذل القلب وضعفه ومهانة النفس وحقارتها ما جعله الله لمن آثر هواه على رضاه قال الحسن إنهم وإن هملجت بهم البغال طقطقت بهم البراذين إن ذل المعصية لفي قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
سادسها:أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه.
سابعها: أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه فهو كما قيل
طليق برأي العين وهو أسير.
ثامنها: أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل المحرم.و إذا اجتنبه نجا منه فقد سد عنه باب من أبواب النار-أعاذنا الله وإياكم منها.
وختام الفوائد: أن فوائد غض البصر وآفات إرساله أضعاف أضعاف ما ذكرنا وإنما نبهتا عليه تنبيها ولا سيما النظر إلى من لم يجعل الله سبيلا إلى قضاء الوطر منه شرعا كالمردان الحسان فإن إطلاق النظر إليهم السم الناقع والداء العضال.
2-[وكف الأذى]:المراد به على ما قاله العلامة ابن عثيمين-رحمه الله-: الأذى القولي والفعلي,القولي:أن يعيره إذا مر,والفعلي:أن يمد رجله ليعثر بها.
ذكر هذا تمثيلا رحمه الله.
قال الحافظ في الفتح [11/10]ط دار إحياء التراث العربي بيروت.:وأما كف الأذى فالمراد بت كف الأذى عن المارة بأن لا يجلس حيث يضيق عليهم الطريق,أو على باب منزل من يتأذى بجلوسه عليه أو حيث يكشف عياله أو ما يريد التستر به من حاله قاله عياض.قال:ويحتمل أن يكون المراد كف أذى الناس بعضهم عن بعض ا.هـ
3-[ورد السلام]:أي من حق الطريق رد السلام,و لهذا الرد أحكام:
1- حكم رد السلام:إن رد السلام فرض وعلى هذا إجماع أهل العلم, قال النووي في شرح مسلم[7/320]ط مكتبة الإيمان المنصورة القاهرة.{واعلم أن ابتداء السلام سنة,و رده واجب-إلى أن قال-ونقل ابن عبد البر وغيره إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة,وأن رده فرض}
قال الصنعاني في السبل[ص1225]مركز فجر الطباعة والنشر والتوزيع-القاهرة.{وإذا لقيته فسلم عليه}[والأمر دليل على وجوب ابتداء السلام,إلا أنه نقل ابن عبد البر وغيره الإجماع على أن الإبتداء سنة وأن الرد فرض.]
والذين ذهبوا إلى وجوب الإبتداء لم يسلموا بالإجماع المحكي في المسألة وقالوا بأن المازري قد حكى الخلاف فيه فيكون دليلا على نقض الإجماع .
ورد هذا الحافظ في الفتح[11/ص3]نفس الطبعة. فقال:{وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن الإبتداء بالسلام سنة,ولكن في كلام المازري ما يقتضي إثبات خلاف في ذلك,كذا زعم بعض من أدركناه,وقد راجعت كلام المازري وليس فيه ذلك,فإنه قال:ابتداء السلام سنة ورده واجب,هذا هو المشهور عند أصحابنا وهو من عبادات الكفاية,فأشار بقوله المشهور إلى الخلاف في وجوب الرد هل هو فرض عين أو كفاية وقد صرح بعد ذلك بخلاف أبي يوسف كما سأذكره بعد} انتهى كلام الحافظ0
قال ابن دقيق العيد:استدل بالأمر بإفشاء السلام من قال بوجوب الابتداء بالسلام,وفيه نظر إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين,وهو أن يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه,لما في ذلك من الحرج والمشقة,فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانب الخصوصين إذ لا قائل[بأنه]يجب على واحد دون الباقين,ولا يجب السلام على واحد دون الباقين,قال:وإذا سقط على هذه الصورة لم يسقط الإستحباب,لأن العموم بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن انتهى.
-إن كان المسلم عليه واحدا تعين عليه الرد,وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم,فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين,والأفضل أن يبتدء الجميع بالسلام,وأن يرد الجميع,وعن أبي يوسف أنه لابد أن يرد الجميع. شرح صحيح مسلم للنووي[7/320].نفس الطبعة السابقة الذكر.
2- صفته:أي صفة رد السلام:
أ-أقله السلام عليكم قال العلامة ابن عثيمين-رحمه الله-:ويقول الراد:وعليكم السلام,ثم إن كان المسلم لم يزد على قول السلام عليكم كفى.
ب- وإن كان قد قال: السلام عليك ورحمة الله, فعلى الراد أن يقول: السلام عليك ورحمة الله.
ت- وإن زدت وبركاته فهو خير,لحديث عمران بن حصين-رضي الله عنه-قال جاء رجل إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال السلام عليكم,فرد عليه ثم جلس,فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-{عشر} ثم جاء آخر فقال:السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس,فقال {عشرون} ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس,فقال:{ثلاثون}.روه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.وهو في صحيح أبي داود للألباني[4328].
ث- يستحب أن يقول {وعليكم } بزيادة الواو,قال ابن عثيمين-رحمه الله-:وهذا حسن.شرح رياض الصالحين. ط المكتبة الإسلامية بالقاهرة.
ج- قال الحافظ:{ولو حذف اللام فقال سلام عليكم أجزأ قال الله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم.} وقال تعالى:{فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}وقال تعالى:{سلام على نوح في العالمين}.إلى غير ذلك,لكن باللام أولى.لأنها للتفخيم والتكثير.ا.هـ
د- يكره أن يقول في الإبتداء:{عليك السلام}.لحديث أبي جري-مصغرا-الهجيمي-مصغرا أيضا-رضي الله عنه قال:أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:عليك السلام يا رسول الله.فقال:{لا تقل عليك السلام,فإن عليك السلام تحية الموتى}رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة[1403}.وفي تعليل ظاهر التعارض بينه وبين أحاديث أخر أقوال تركناها اختصارا ينظر لها الفتح والزاد وغيرهما.
ر- الرد على تحية اليهود والنصارى إذا سلموا على المسلمين, هذا فيه تفصيل:
1- إذا قالوا لفظ التحية واضحا لا لبس فيه{السلام عليكم], فإننا نرد عليهم بلفظ صريح, { وعليكم السلام}.
قال العلامة الألباني في الصحيحة[ص251/المجلد الخامس}:{والرد عليهم بـ{وعليكم} محمول عندي على إذا ما لم يكن سلامهم صريحا,وإلا وجب مقابلتهم بالمثل :{وعليكم السلام}لعموم قوله تعالى:{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها},ولمفهوم قوله-صلى الله عليه وسلم-{إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم:السام عليكم-فقل وعليك}أخرجه البخاري[6257].و مسلم وغيرهما.
2- أما إذا قالوا لفظ السلام غير واضح, أو بلفظ السام فإننا نرد عليهم بـ{وعليكم} على ما مر.
ز- ترك رد السلام على المهجور هجرا شرعيا, استنبط الحافظ ابن حجر-رحمه الله- من قصة المخلفين, ترك رد السلام على المهجور في هجر شرعي.
س- رد نقل السلام,قال العلامة ابن عثيمين:ثم إنه من السنة إذا نقل السلام من شخص إلى شخص أن يقول:{عليه السلام}و إن قال{عليك وعليه السلام}أو {عليه وعليك السلام}فحسن لأن هذا الذي نقل السلام محسن,فتكافئه بالدعاء له.لأن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ عائشة أن جبريل يَقرَأ عليها السلام فقالت عليه السلام ورحمة الله وبركاته. متفق عليه.شرح رياض الصالحين [3/11] .ط المكتبة الإسلامية بالقاهرة.
س-الرد بالإشارة:الأصل في السلام بالإشارة أنه غير جائز,قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-:{ولا تكفي الإشارة باليد ونحوه وقد أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه{لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف} ويستثنى من ذلك حالة الصلاة,فقد وردت أحاديث جيدة أنه-صلى الله عليه وسلم رد السلام وهو يصلي إشارة,منها حديث أبي سعيد أن رجلا سلم على النبي-صلى الله عليه وسلم-وهو يصلي فرد عليه إسارة,ومن حديث ابن مسعود نحوه,وكذا من كان بعيدا بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة,ويتلفظ مع ذلك بالسلام ا.هـ
وقوله{ويتلفظ مع ذلك بالسلام} يشير إلى الجمع بين الإشارة والقول حتى تحصل المخالفة لليهود فإن تسليمهم بالإشارة وحدها وقد قال بهذا الجمع العلامة بن عثيمين- رحمه الله-.
وللرد أحكام كثيرة غير ما ذكرنا, لو ذكرناها كلها لخرجنا عن المقصود.
4-[و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]:أي ومن حقوق الطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1- تعريف المعروف والمنكر:قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:{والمعروف اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه,والمنكر اسم جامع لكل ما يكرهه ويسخطه}. فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام تحقيق الدكتور عبد المجيد جمعة-حفظه الله- [ص 21]ط مكتبة الحافظ الذهبي.
وما أحسن ما قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله-:{فالمعروف ما عرفه الشرع وأقرَّه من العبادات القولية و الفعلية الظاهرة و الباطنة ,والمنكر ما أنكره الشرع ومنعه من أنواع المعاصي,من الكفر والفسوق والعصيان,والكذب والغيبة والنميمة,وغير ذلك}.
2- أهمية الأمر بالمعروف,والنهي عن المنكر:
1- قال الدكتور عبد المجيد جمعة-حفظه الله-:{وبعد فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات,وأفضل الطاعات,إذ به تحفظ الشرائع والحرمات,و تصان الأحكام والمحرمات,وتضمن الحقوق والواجبات,وتُحل المشكلات وتفض الخصومات,ولولاه لا ندرست معالم الدين,وطويت السماوات,إذ لا تقوم الساعة إلا على شرار المخلوقات.
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- :{وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لعقوبة الدنيا قبل الأخرى,فلا يظنن ظان أنها تصيب الظالم الفاعل للمعصية دونه,مع سكوته عن الأمر والنهي,بل تعم الجميع} فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام تحقيق الدكتور عبد المجيد جمعة-حفظه الله- [ص22 -21]ط مكتبة الحافظ الذهبي.
نسأل الله العافية والسلامة.
3- حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية,قال ابن عطية:والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه,وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين.تفسير القرطبي[6/164]ط-دار الكتب العلمية.ط5 تـ:1417هـ -1996م .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله-:{واتفق أئمة الدين على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر واجب على الناس,لكنه فرض على الكفاية,كالجهاد وتعلم العلم ونحو ذلك,فإذا قام بت من يستكفي بت سقط عن الناس,وكان الأجر والدرجة لمن قام به . } فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام تحقيق الدكتور عبد المجيد جمعة-حفظه الله- [19-20]ط مكتبة الحافظ الذهبي.
4- شروط الآمر بالمعروف,الناهي عن المنكر:
1- أن يكون عالما بالمعروف والمنكر.
2- أن يتحقق من أن هذا الإنسان تارك للمعروف,فاعل للمنكر.فلا يأخذ الناس بالظن والتهمة.
3- أن لا يزول المنكر إلى ما هو أعظم منه.
4- أن يقصد بذلك إصلاح الخلق, و إقامة شرع الله لا أن يقصد الانتقام من المعاصي,أو الانتصار لنفسه.
شرح رياض الصالحين [1/510-511].ط المكتبة الإسلامية بالقاهرة.
5- { و إرشاد الضال}:ومن حق الطريق إرشاد الضال,والضال هنا هو من أضاع الطريق وتاه فيه,وإرشاده هدايته إياه عن طريق الوصف,أو إرسال الدليل الخريت.وجاء بلفظ إرشاد السائل,وهو بمعنى إرشاد الضال,قاله الألباني,إلا أن لفظه أعم, إذ السائل أعم من أن يكون ضال الطريق.وهو بمعنى { و اهدوا السبيل}عند أحمد والترمذي.
فعلى المسلم أن يسارع إلى إرشاد صاحب الحاجة من سائل و ضال طريق ونحوهما فإنه من حق الطريق الذي أمرنا بالقيام به.
6-{إنشاد الضال}المراد بهالجنس يعنيإنشاد الضالة, و هي التي تبقى بمضيعة بلا رب, للذكر و الأنثى.القاموس المحيط[ص922] ط دار الفكر.أي ومن حقوق الطريق إنشاد الضالة.
ورب الضالة يسمى{ المضل} كما قال أحد الشعراء يصف:ثورا بريا يستمع صوت قانص:
ويصيخ أحيانا كما استمع الــ***مضل لصوت ناشد
والمضل:الذي قد ضل بعيره أو دابته أو شيئه,يقال منه :أضل الرجل دابته فهو مضل,وضلت البهيمة فهي ضالة,والناشد الطالب,يقال منه:قد نشدت ضالتي إذا ناديت فيها وطلبتها,ومنه نشدتك الله أي سألتك بالله,وأما المنشد فهو المعرف بالضالة,وقيل هو الدال عليها,والمعنى واحد متقارب,ومنه قوله-صلى الله عليه وسلم-في لقطة مكة{لا تحل إلا لمنشد} رواه أحمد[1/348] عن ابن عباس.ذكر هذا ابن عبد البر في التمهيد[9/340]ط دار الكتب العلمية بيروت. ط-1ت:1419هـ-1999م.
ويحتمل أنه أراد بها العبد المملوك,قال الجرجاني في التعريفات[ص225]ط شركة ابن باديس للكتاب. :الضال:المملوك الذي ضل الطريق إلى منزل مالكه من غير قصد} ولا تعارض
بينهما إذ الضالة تنشد على قوارع الطرقات,كما أن العبد المملوك يرشد إذا ضل الطريق بالطريق.
والضال جمع ضوال:- وهو كما قال إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان- :اسم للحيوان خاصة,ويقال لها الهوا مي,والهوا في,والهوا مل.وهي التي تمتنع من صغار السبع بنفسها كالإبل والبقر والخيل والبغال والحمير ويدخل فيها الظباء التي تمتنع بسرعة عدْوها.
وهذه يحرم التقاطها.منار السبيل في شرح الدليل[413] ط- دار اليقين ت:1425هـ-2004م.
7-{حسن الكلام}:ومن آداب الطريق حسن الكلام للناس, و قد قال الله تعالى:{وقولوا للناس حسنا.} الآية من سورة البقرة.
قال ابن كثير:أي كلموهم طيبا, و لينوا لهم جانبا,و يدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.تفسير ابن كثير[1/146] ط مكتبة الصفا ط1 ت:1425هـ -2004م.
قال الثعالبي:{قرأ حمزة و الكسائي [حسَنا]بفتح الحاء والسين,قال الأخفش:وهما بمعنى واحد.
وقال الزجاج:بل المعنى في القراءة الثانية, و قولوا قولا حسنا بفتح الحاء والسين,أو قولا ذا حسن بضم الحاء وسكون السين في الأولى.
قال ابن عباس:معنى الكلام قولوا للناس لا إله إلا الله, و مروهم بها.
وقال ابن جريج:قولوا لهم حسنا في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمد-صلى الله عليه وسلم-.
وقال سفيان الثوري:مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر.
وقال أبو العالية:قولوا لهم الطيب من القول,و حاوروهم بأحسن ما تحبون أن تحاوروا به .وهذا حض على مكارم الأخلاق.[الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي[1/106]ط المؤسسة الوطنية للكتاب تحقيق عمار الطالبي.ت:1985م.
قال القرطبي:و حكى المهدوي عن قتادة أن هذه الآية منسوخة بآية السيف,وحكاه أبو نصر عبد الرحيم عن ابن عباس:نزلت هذه الآية في الابتداء ثم نسختها آية السيف.تفسير القرطبي [2/13]ط دار الكتب العلمية.
والقول بالنسخ هنا لا يعني النقل والإزالة والتبديل,وإنما هو على معنى كلام المتقدمين بالنسخ,وهو التخصيص,فإن الكلام الحسن من محاسن الأخلاق التي جاءت بها شريعة الإسلام,ويستثنى من الآية ما ثبت من التغليظ في حق الكفار المحاربين,و أهل الأهواء من المبتدعة المتبعين لسبل أهل الباطل.والله أعلم.
تنبيه:هذه الأقوال المنقولة في الآية,ليس بينها تضاد,وإنما هي من اختلاف التنوع,ومن باب تفسير الآية ببعض أفرادها,إذ لا مانع من حمل الآية جميع معانيها إذا لم تكن متضادة على ما قرره شيخ الإسلام في[ مقدمة في أصول التفسير.].
وتم الفراغ منه على يد الفقير إلى الله أبي العباس محمد رحيل يوم 11/ربيع الثاني/1433هـ الموافق لـ04/مارس/2012م
تعليق