حديث: لا يتمنين أحدكم الموت
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( لا يتمنين أحدكم الموت ؛ لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي).
**********************************************
هذا الخبر عن أنس له شاهد -أيضا- من حديث أبي هريرة، معناه: وهو النهي عن تمني الموت ، " لا يتمنين ": نهي مؤكد بنون التوكيد الثقيلة، " أحدكم الموت ؛ لضر نزل به " فلا يتمنى الإنسان الموت ؛ لضر نزل به: شدة مرض، أو مصيبة نزلت به من موت قريب، أو فقر، أو ما أشبه ذلك من المصائب النازلة، وظاهره يشمل جميع أنواع الضرر، في الدين والدنيا.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا بأس أن يتمنى الموت عند نزول الضرر في الدين، وأنه إذا حلت الفتن، وكثر الفساد، وصار العبد لا يَدَ له بهذه الأمور، أو خشي الفتنة على نفسه، أو خشي الفتنة في دينه؛ فلا بأس أن يتمنى الموت ؛ لأنها حالة حسنة، وحالة طيبة من جهة: أنه يخشى من الفتنة.
قال الإمام أحمد: "أنا أتمنى الموت صباحا ومساء " لما حصل من الفتن في وقته، فإذا كان هذا في وقته، فقد يحصل من الفتن في الدين، التي يخشى العبد أن يفتن فيها.
فإذا تمنى لأجل أن يلقى ربه على دينه مستقيما، فلا بأس به، لكن مهما أمكن -إذا كان يمكن- أن يدفع هذا الشر والفساد، كان هو الأولى وهو مقيد بما إذا خشي من الفتنة.
وهذا أمر نسبي: قد يكون لبعض الناس خشية الفتنة قريبة، أو ربما تكون حاصلة، ولغيره ربما يدفعها بقوة إيمانه، أو علمه، أو من يعينه من إخوانه؛ فالأحوال مختلفة اختلافا كثيرا؛ لضر نزل به .
والدليل على هذا: ما جاء في الأخبار الدالة على أن تمني الموت لأجل فتنة في الدين لا بأس به؛ ولهذا في حديث معاذ -رضي الله عنه- عن أهل السنن، وغيرهم، قال: )وإذا أردت بعبادك فتنة؛ فاقبضني غير مفتون (سأل أن يقبض عند وجود الفتن، وفي رواية عند النسائي قال: )لضر نزل به في الدنيا (دل على أن المراد: النهي عن تمني الموت ؛ إذا كان الضر في الدنيا.
وقالت مريم: )يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا (وكان الجمع من السلف يتمنون الموت ؛ لأحوال عرضت لهم، بل جاء عن عمر -رضي الله عنه- كما في " الموطأ " أنه قال: "اللهم قد كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفرط، ولا مضيع " فما تتام الشهر، أو فما تناهى الشهر؛ إلا وقُبِض -رضي الله عنه-.
وجاء عن بعض السلف يروى عن عُلَيْم الكندي، أو عن عابس أبي عبس الغافري: "أنه تمنى الموت " فقال له عليم الكندي: "ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: )لا يتمنين أحدكم الموت (أو قال: نهى عن تمني الموت ".
قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في مسألة الفتن: )بادروا بالموت ستا (ذكر الفتن، وقال: )بادروا بالموت ستا (، وجاء -أيضا- عن عوف بن مالك، وجماعة من السلف.
المقصود: أنه إذا كان لأجل فتنة في الدين؛ فهو لا بأس به، وربما كان حالا محمودة، إذا اشتد الأمر، وقد ثبت في صحيح مسلم عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: )لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني مكانك (.
قال: ما به الدِّين، إنما مما يشتد به، ويعرف له من الشدة في أمر دنياه: إما لشدة مرض، أو لشدة فقر، فمفهومه: أنه لو كان للدين لكانت حالا حسنة.
" فإن كان لا بد " يعني: لا محالة، ولا فراق، يعني: فإن كان اشتد به الأمر؛ فقد يدل على أنه لا يتمنى، ونُهِىَ عن ذلك، " فإن كان لا بد واقعا؛ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ".
" ما " هنا: مصدرية ظرفية، يعني: مدة دوام الحياة خيرا لي، " وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " فكأن الأولى، والأفضل أنه لا يتمناه، ولا يذكر هذا التفصيل، وأنه يسأل الله أن يحييه حياة طيبة.
ولهذا؛ في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة أنه قال: )لا يتمنى أحدكم الموت ، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه؛ فإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا (فلا يتمناه، ولا يدعو به، إلا إذا حضر الموت ، ونزل.
إذا وجدت أمارات الموت ، ورأي علامات الموت ؛ فلقاء الله خير، مَن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومَن كره لقاء الله، كره الله لقاءه.
وهذا لا ينافي الأخبار الدالة على النهي؛ لأن هذا النهي في حال الحياة والصحة، وفي حال حياته قبل نزول الموت ، لكن إذا رأي علامات الموت ، ودلائل الموت ؛ فإنه في هذه الحالة يحب لقاء الله، ومَن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه.
شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام (الجزء الثالث)
شرح الشيخ عبد المحسن بن عبد الله الزامل
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( لا يتمنين أحدكم الموت ؛ لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي).
**********************************************
هذا الخبر عن أنس له شاهد -أيضا- من حديث أبي هريرة، معناه: وهو النهي عن تمني الموت ، " لا يتمنين ": نهي مؤكد بنون التوكيد الثقيلة، " أحدكم الموت ؛ لضر نزل به " فلا يتمنى الإنسان الموت ؛ لضر نزل به: شدة مرض، أو مصيبة نزلت به من موت قريب، أو فقر، أو ما أشبه ذلك من المصائب النازلة، وظاهره يشمل جميع أنواع الضرر، في الدين والدنيا.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا بأس أن يتمنى الموت عند نزول الضرر في الدين، وأنه إذا حلت الفتن، وكثر الفساد، وصار العبد لا يَدَ له بهذه الأمور، أو خشي الفتنة على نفسه، أو خشي الفتنة في دينه؛ فلا بأس أن يتمنى الموت ؛ لأنها حالة حسنة، وحالة طيبة من جهة: أنه يخشى من الفتنة.
قال الإمام أحمد: "أنا أتمنى الموت صباحا ومساء " لما حصل من الفتن في وقته، فإذا كان هذا في وقته، فقد يحصل من الفتن في الدين، التي يخشى العبد أن يفتن فيها.
فإذا تمنى لأجل أن يلقى ربه على دينه مستقيما، فلا بأس به، لكن مهما أمكن -إذا كان يمكن- أن يدفع هذا الشر والفساد، كان هو الأولى وهو مقيد بما إذا خشي من الفتنة.
وهذا أمر نسبي: قد يكون لبعض الناس خشية الفتنة قريبة، أو ربما تكون حاصلة، ولغيره ربما يدفعها بقوة إيمانه، أو علمه، أو من يعينه من إخوانه؛ فالأحوال مختلفة اختلافا كثيرا؛ لضر نزل به .
والدليل على هذا: ما جاء في الأخبار الدالة على أن تمني الموت لأجل فتنة في الدين لا بأس به؛ ولهذا في حديث معاذ -رضي الله عنه- عن أهل السنن، وغيرهم، قال: )وإذا أردت بعبادك فتنة؛ فاقبضني غير مفتون (سأل أن يقبض عند وجود الفتن، وفي رواية عند النسائي قال: )لضر نزل به في الدنيا (دل على أن المراد: النهي عن تمني الموت ؛ إذا كان الضر في الدنيا.
وقالت مريم: )يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا (وكان الجمع من السلف يتمنون الموت ؛ لأحوال عرضت لهم، بل جاء عن عمر -رضي الله عنه- كما في " الموطأ " أنه قال: "اللهم قد كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفرط، ولا مضيع " فما تتام الشهر، أو فما تناهى الشهر؛ إلا وقُبِض -رضي الله عنه-.
وجاء عن بعض السلف يروى عن عُلَيْم الكندي، أو عن عابس أبي عبس الغافري: "أنه تمنى الموت " فقال له عليم الكندي: "ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: )لا يتمنين أحدكم الموت (أو قال: نهى عن تمني الموت ".
قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في مسألة الفتن: )بادروا بالموت ستا (ذكر الفتن، وقال: )بادروا بالموت ستا (، وجاء -أيضا- عن عوف بن مالك، وجماعة من السلف.
المقصود: أنه إذا كان لأجل فتنة في الدين؛ فهو لا بأس به، وربما كان حالا محمودة، إذا اشتد الأمر، وقد ثبت في صحيح مسلم عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: )لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني مكانك (.
قال: ما به الدِّين، إنما مما يشتد به، ويعرف له من الشدة في أمر دنياه: إما لشدة مرض، أو لشدة فقر، فمفهومه: أنه لو كان للدين لكانت حالا حسنة.
" فإن كان لا بد " يعني: لا محالة، ولا فراق، يعني: فإن كان اشتد به الأمر؛ فقد يدل على أنه لا يتمنى، ونُهِىَ عن ذلك، " فإن كان لا بد واقعا؛ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ".
" ما " هنا: مصدرية ظرفية، يعني: مدة دوام الحياة خيرا لي، " وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " فكأن الأولى، والأفضل أنه لا يتمناه، ولا يذكر هذا التفصيل، وأنه يسأل الله أن يحييه حياة طيبة.
ولهذا؛ في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة أنه قال: )لا يتمنى أحدكم الموت ، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه؛ فإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا (فلا يتمناه، ولا يدعو به، إلا إذا حضر الموت ، ونزل.
إذا وجدت أمارات الموت ، ورأي علامات الموت ؛ فلقاء الله خير، مَن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومَن كره لقاء الله، كره الله لقاءه.
وهذا لا ينافي الأخبار الدالة على النهي؛ لأن هذا النهي في حال الحياة والصحة، وفي حال حياته قبل نزول الموت ، لكن إذا رأي علامات الموت ، ودلائل الموت ؛ فإنه في هذه الحالة يحب لقاء الله، ومَن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه.