المطويات الدعوية ...163
إياك و الغضب
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اعلم رحمني الله وإياك: أن الغضب شعلة من النار، وأن الإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال: {خلقتني من نار وخلقته من طين} [الأعراف: 12] فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاشتعال، والحركة والاضطراب.
من نتائج الغضب: الحقد والحسد، ومما يدل على ذم الغضب قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي قال له: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردد عليه مراراً، قال: "لا تغضب".
وفى المتفق عليه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.وعن عكرمة في قوله تعالى: {وسيداً وحصوراً} [آل عمران: 39] قال: السيد الذي يملك نفسه عند الغضب ولا يغلبه غضبه.
وروينا أن ذا القرنين لقي ملكاً من الملائكة فقال: علمني علماً ازداد به إيماناً ويقيناً، قال: لا تغضب، فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فرد الغضب بالكظم، وسكنه بالتؤدة، وإياك والعجلة، فإنك إذا عجلت أخطأت حظك، وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد، ولا تكن جباراً عنيداً.
وروينا أن إبليس لعنه الله بدا لموسى عليه السلام، فقال يا موسى: إياك والحدة، فإني ألعب بالرجل الحديد كما يلعب الصبيان بالكرة، وإياك والنساء، فإني لم انصب فخاً في نفسي قط أثبت في نفسي من فخ أنصبه بامرأة، وإياك والشح، فإني أفسد على الشحيح الدنيا والآخرة.
وكان يقال: اتقوا الغضب، فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل، والغضب عدو العقل.
حقيقة الغضب: غليان دم القلب لطلب الانتقام، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلى به دم القلب، وينتشر بى العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن، كما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر.
بيان الأسباب المهيجة للغضب: فمن أسبابه: العجب، والمزاح، والمماراة، والمضادة، والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهذه الأخلاق رديئة مذمومة شرعاً، فينبغي أن يقابل كل واحد من هذه بما يضاده، فيجتهد على حسم مواد الغضب وقطع أسبابه.
وأما علاج الغضب فيعالج بأمور:
أحدها: أن يتفكر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ، والعفو، والحلم، والاحتمال، كما جاء في البخاري من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلاً استأذن على عمر رضى الله عنه، فآذن له، فقال له: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضى الله عنه، حتى هم أن يوقع به . فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : {خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر رضى الله عنه حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل.
الثاني: أن يخوف نفسه من عقاب الله تعالى، وهو أن يقول: قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبى، لم آمن أن يمضى الله عز وجل غضبه علي يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو. وقد قال الله تعالى في بعض الكتب: يا ابن آدم! اذكرني عند الغضب، أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق.
الثالث: أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والإنتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فان الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف من الآخرة وهذا هو تسليط شهوة على غضب ولا ثواب عليه، لأنه تقديم لبعض الحظوظ على بعض، إلا أن يكون محذوره أن يتغير عليه أمر يعينه على الآخرة، فيثاب على ذلك.
الرابع: أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب وأنه يشبه حينئذ الكلب الضارى، والسبع العادي، وانه يكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء في عادتهم، لتميل نفسه إلى الاقتداء بهم.
الخامس: أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيراً في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين.وينبغى أن يكظم غيظه، فذلك يعظمه عند الله تعالى، فماله وللناس؟ أفلا يجب أن يكون هو القائم يوم القيامة إذا نودي: ليقم من وقع أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا، فهذا وأمثاله ينبغي أن يقرره على قلبه.
السادس: أن يعلم أن غضبه إنما كان من شىء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى، هذا ما يتعلق بالقلب.
وأما العمل، فينبغي له السكون، والتعوذ، وتغيير الحال.
السابع : كظم الغيظ قال الله تعالى: { والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] فذكر ذلك في معرض المدح.وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال"من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء".رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن .
وروي عن عمر رضى الله عنه أنه قال: من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون.
وقيل: غضب المهدى على رجل، فدعا بالسياط فلما رأى شبيب شدة غضبه، وإطراق الناس، فلم يتكلموا بشيء، قال: يا أمير المؤمنين، لا تغضبن لله بأشد مما غضب لنفسه، فقال: خلوا سبيله.
فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسول.
وقال رجل لوهب بن منبه: إن فلاناً شتمك، فقال: ما وجد الشيطان بريداً غيرك.
التاسع :العفو والرفق اعلم: أن معنى العفو أن تستحق حقاً فتسقطه، وتؤدى عنه من قصاص أو غرامة، وهو غير الحلم والكظم. وقال الله تعالى: {والعافين عن الناس} .[آل عمران:134] وقال: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40]، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عقبة، ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك" ينظر جامع العلوم والحكم.
وروي أن منادياً ينادى يوم القيامة: ليقم من وقع أجره على الله؟ فلا يقوم إلا من عفا عمن ظلمه.
وفى "الصحيحين" من حديث عائشة رضى الله عنها، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله".وفى حديث آخر "من يحرم الرفق يحرم الخير".
من كتاب "مختصر منهاج القاصدين"
قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
مدونة المطويات
http://www.ahlos-sunnah.com/matwyat
تعليق