المطويات الدعوية ...159
أدب العالم مع طلبته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه مطوية مختصرة في أدب العالم لخصتها من تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّم في أَدَب العَالِم والمُتَعَلِّم للشيخ بدر الدين ابن جماعة الكناني رحمه الله راجيا من الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
فمن الآداب وهي كثيرة :
الأول:أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى ونشر العلم وإحياء الشرع قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها يصلون على معلم الناس الخير".
الثاني: أن يرغبه في العلم وطلبه في أكثر الأوقات بذكر ما أعد الله تعالى للعلماء من منازل الكرامات وأنهم ورثة الأنبياء وعلى منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء أو نحو ذلك مما ورد في فضل العلم والعلماء من الآيات والآثار والأخبار والأشعار.
الثالث: أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه، قال ابن عباس: أكرم الناس عَلَيَّ جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ لو استطعت أن لا يقع الذباب عليه لفعلت, وفي رواية: إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني.
الرابع:أن لا يدخر عنه من أنواع العلوم ما يسأله عنه وهو أهل له لأن ذلك ربما يوحش الصدر وينفر القلب ويورث الوحشة.
وكذلك لا يلقي إليه ما لم يتأهل له لأن ذلك يبدد ذهنه ويفرق فهمه فإن سأله الطالب شيئًا من ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وأن منعه إياه منه لشفقة عليه ولطف به لا بخلاً عليه، ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك وغيره، وقد روي في تفسير الرباني أنه الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
الخامس: لا يمتنع من ذكر لفظة يستحي من ذكرها عادة إذا احتيج إليها ولم يتم التوضيح إلا بذكرها، فإن كانت الكناية تفيد معناها وتحصل منتهاها تحصيلاً بينًا لم يصرح بذكرها بل يكتفي بالكناية عنها.
السادس:إذا فرغ الشيخ من شرح درس فلا بأس بطرح مسائل تتعلق به على الطلبة يمتحن بها فهمهم وضبطهم لما شرح لهم، فمن ظهر استحكام فهمه له بتكرار الإصابة في جوابه شكره، ومن لم يفهمه تلطف في إعادته له، والمعنى بطرح المسائل أن الطالب ربما استحيا من قوله لم أفهم إما لرفع كل الإعادة على الشيخ أو لضيق الوقت أو حياء من الحاضرين أو كيلا تتأخر قراءتهم بسببه.
السابع:أن يطالب الطلبة في بعض الأوقات بإعادة المحفوظات ويمتحن ضبطهم لما قدم لهم من القواعد المهمة والمسائل الغريبة ويختبرهم بمسائل تبنى على أصل قرره أو دليل ذكره.
الثامن: إذا علم أو غلب على ظنه أنه لا يفلح في فن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه.
التاسع:أن يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنخرم وكذلك كل أصل وما يبنى عليه من كل فن يحتاج إليه من علمي التفسير والحديث وأبواب أصول الدين والفقه والنحو والتصريف واللغة ونحو ذلك إما بقراءة كتاب في الفن أو بتدريج على الطول.
وهذا كله إذا كان الشيخ عارفًا بتلك الفنون وإلا فلا يتعرض لها بل يقتصر على ما يتقنه منها.
العاشر:أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في مودة أو اعتناء مع تساويهم في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة فإن ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر القلب، فإن كان بعضهم أكثر تحصيلاً وأشد اجتهدًا أو أبلغ اجتهادًا أو أحسن أدبًا فأظهر إكرامه وتفضيله وبين أن زيادة إكرامه لتلك الأسباب فلا بأس بذلك؛ لأنه ينشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات.
الحادي عشر:أن يراقب أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطنًا وظاهرًا،وكذلك يتعاهد ما يعامل به بعضهم بعضًا من إفشاء السلام وحسن التخاطب في الكلام والتحابب والتعاون على البر والتقوى وعلى ما هم بصدده، وبالجملة فكما يعلمهم مصالح دينهم لمعاملة الله تعالى يعلمهم مصالح دنياهم لمعاملة الناس لتكمل لهم فضيلة الحالتين.
الثاني عشر:أن يسعى في مصالح الطلبة وجمع قلوبهم ومساعدتهم بما تيسر عليه من جاه ومال عند قدرته على ذلك وسلامة دينه وعدم ضرورته فإن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله تعالى في حاجته، ومن يسر على معسر يسر الله عليه حسابه يوم القيامة ولاسيما إذا كان ذلك إعانة على طلب العلم الذي هو من أفضل القربات.
وإذا غاب بعض الطلبة أو ملازمي الحلقة زائدًا عن العادة سأل عنه وعن أحواله وعن من يتعلق به، فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه أو قصد منزله بنفسه وهو أفضل.
ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وعمله وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر .
الثالث عشر:أن يتواضع مع الطالب وكل مسترشد سائل إذا قام بما يجب عليه من حقوق الله تعالى وحقوقه، ويخفض له جناحه ويلين له جانبه، قال الله تعالى لنبيه: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء:215].
وكان البويطي يدني القُرَّاء ويقربهم إذا طلبوا العلم ويعرفهم فضل الشافعي رضي الله عنه وفضل كتبه ويقول: كان الشافعي يأمر بذلك ويقول: اصبر للغرباء وغيرهم من التلاميذ. وقيل: كان أبو حنيفة أكرم الناس مجالسة وأشدهم إكرامًا لأصحابه.
أعد المطويات: أبو أسامة سمير الجزائري
قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
مدونة المطويات
http://www.ahlos-sunnah.com/matwyat
أدب العالم مع طلبته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه مطوية مختصرة في أدب العالم لخصتها من تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّم في أَدَب العَالِم والمُتَعَلِّم للشيخ بدر الدين ابن جماعة الكناني رحمه الله راجيا من الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
فمن الآداب وهي كثيرة :
الأول:أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى ونشر العلم وإحياء الشرع قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها يصلون على معلم الناس الخير".
الثاني: أن يرغبه في العلم وطلبه في أكثر الأوقات بذكر ما أعد الله تعالى للعلماء من منازل الكرامات وأنهم ورثة الأنبياء وعلى منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء أو نحو ذلك مما ورد في فضل العلم والعلماء من الآيات والآثار والأخبار والأشعار.
الثالث: أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه، قال ابن عباس: أكرم الناس عَلَيَّ جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ لو استطعت أن لا يقع الذباب عليه لفعلت, وفي رواية: إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني.
الرابع:أن لا يدخر عنه من أنواع العلوم ما يسأله عنه وهو أهل له لأن ذلك ربما يوحش الصدر وينفر القلب ويورث الوحشة.
وكذلك لا يلقي إليه ما لم يتأهل له لأن ذلك يبدد ذهنه ويفرق فهمه فإن سأله الطالب شيئًا من ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وأن منعه إياه منه لشفقة عليه ولطف به لا بخلاً عليه، ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك وغيره، وقد روي في تفسير الرباني أنه الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
الخامس: لا يمتنع من ذكر لفظة يستحي من ذكرها عادة إذا احتيج إليها ولم يتم التوضيح إلا بذكرها، فإن كانت الكناية تفيد معناها وتحصل منتهاها تحصيلاً بينًا لم يصرح بذكرها بل يكتفي بالكناية عنها.
السادس:إذا فرغ الشيخ من شرح درس فلا بأس بطرح مسائل تتعلق به على الطلبة يمتحن بها فهمهم وضبطهم لما شرح لهم، فمن ظهر استحكام فهمه له بتكرار الإصابة في جوابه شكره، ومن لم يفهمه تلطف في إعادته له، والمعنى بطرح المسائل أن الطالب ربما استحيا من قوله لم أفهم إما لرفع كل الإعادة على الشيخ أو لضيق الوقت أو حياء من الحاضرين أو كيلا تتأخر قراءتهم بسببه.
السابع:أن يطالب الطلبة في بعض الأوقات بإعادة المحفوظات ويمتحن ضبطهم لما قدم لهم من القواعد المهمة والمسائل الغريبة ويختبرهم بمسائل تبنى على أصل قرره أو دليل ذكره.
الثامن: إذا علم أو غلب على ظنه أنه لا يفلح في فن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه.
التاسع:أن يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنخرم وكذلك كل أصل وما يبنى عليه من كل فن يحتاج إليه من علمي التفسير والحديث وأبواب أصول الدين والفقه والنحو والتصريف واللغة ونحو ذلك إما بقراءة كتاب في الفن أو بتدريج على الطول.
وهذا كله إذا كان الشيخ عارفًا بتلك الفنون وإلا فلا يتعرض لها بل يقتصر على ما يتقنه منها.
العاشر:أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في مودة أو اعتناء مع تساويهم في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة فإن ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر القلب، فإن كان بعضهم أكثر تحصيلاً وأشد اجتهدًا أو أبلغ اجتهادًا أو أحسن أدبًا فأظهر إكرامه وتفضيله وبين أن زيادة إكرامه لتلك الأسباب فلا بأس بذلك؛ لأنه ينشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات.
الحادي عشر:أن يراقب أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطنًا وظاهرًا،وكذلك يتعاهد ما يعامل به بعضهم بعضًا من إفشاء السلام وحسن التخاطب في الكلام والتحابب والتعاون على البر والتقوى وعلى ما هم بصدده، وبالجملة فكما يعلمهم مصالح دينهم لمعاملة الله تعالى يعلمهم مصالح دنياهم لمعاملة الناس لتكمل لهم فضيلة الحالتين.
الثاني عشر:أن يسعى في مصالح الطلبة وجمع قلوبهم ومساعدتهم بما تيسر عليه من جاه ومال عند قدرته على ذلك وسلامة دينه وعدم ضرورته فإن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله تعالى في حاجته، ومن يسر على معسر يسر الله عليه حسابه يوم القيامة ولاسيما إذا كان ذلك إعانة على طلب العلم الذي هو من أفضل القربات.
وإذا غاب بعض الطلبة أو ملازمي الحلقة زائدًا عن العادة سأل عنه وعن أحواله وعن من يتعلق به، فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه أو قصد منزله بنفسه وهو أفضل.
ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وعمله وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر .
الثالث عشر:أن يتواضع مع الطالب وكل مسترشد سائل إذا قام بما يجب عليه من حقوق الله تعالى وحقوقه، ويخفض له جناحه ويلين له جانبه، قال الله تعالى لنبيه: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء:215].
وكان البويطي يدني القُرَّاء ويقربهم إذا طلبوا العلم ويعرفهم فضل الشافعي رضي الله عنه وفضل كتبه ويقول: كان الشافعي يأمر بذلك ويقول: اصبر للغرباء وغيرهم من التلاميذ. وقيل: كان أبو حنيفة أكرم الناس مجالسة وأشدهم إكرامًا لأصحابه.
أعد المطويات: أبو أسامة سمير الجزائري
قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
مدونة المطويات
http://www.ahlos-sunnah.com/matwyat