السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))رواه مسلم.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ . " صحيح البخاري
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث :
.. قوله : ( الأرواح جنود مجندة إلخ ) قال الخطابي : يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد , وأن الخيِّر من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر , فإذا اتفقت تعارفت , وإذا اختلفت تناكرت . ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام , وكانت تلتقي فتتشاءم , فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم .
وقال غيره : الأرواح) التي تقوم بها الأجساد (جنود مجندة) أي جموع متجمعة وأنواع مختلفة (فما تعارف) توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق (منها ائتلف) أي ألف قلبه قلب الآخر وإن تباعدا كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة (وما تناكر منها) أي لم يتوافق ولم يتناسب (اختلف) أي نافر قلبه قلب الآخر وإن تقاربا جسدا فالإئتلاف والاختلاف للقلوب والأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على ضرائب مختلفة وشواكل متباينة فكل ما تشاكل منها في عالم الأمر تعارف في عالم الخلق وكل ما كان في غير ذلك في عالم الأمر تناكر في عالم الخلق فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه وبالتناكر ما بينهما من التباين والتنافر وذلك لأنه سبحانه عرف ذاته للأرواح [ص:175] بنعوته فعرفها بعض بالقهر والجلال وبعض باللطف والجمال وبعض بصفات أخر ثم استنطقها بقوله {ألست بربكم} ثم أوردها في الأبدان فالتعارف والتنافر يقع بحسب ذلك والتعارف والتناكر بحسب الطباع التي جبل عليها من خير وشر وكل شكل يميل إلى شكله فالتعارف والتناكر من جهة المناسبة المحكمة بين الفريقين فيميل الطيب للطيب والخبيث للخبيث ويألفه ومنشأ ذلك أحكام التناسب ولهذا قال الشافعي: العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم. (حكى) الشيرواني أن تمرلنك كان يحب رجلا من معتقدي العجم ويتردد إليه فوجد الرجل في قلبه ميلا لتمرلنك فتخوف وقال: ما المناسبة فمنع تيمورا من دخوله عليه فسأله عن سببه فذكر ما خطر له فقال تمرلنك: بيني وبينك مناسبة وهي أنك تحب بيت آل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا والله أحبهم وأنت رجل كريم وأنا أحب الكرم فهذه المناسبة المقتضية للميل لا ما في من الشر وقد يتفق اجتماع مادتي الخبيث والطيب في شخص واحد فيصدران منه ويميل لكل منهما بكل من الوصفين (نكتة) حكى بعضهم أن اثنين اصطحبا في سفينة فقعد أحدهما على طرفها والآخر بوسطها فسقط من على الطرف في البحر فرما الآخر نفسه عليه فأخرجا بالحياة فقال الأول للثاني: أنا كنت بطرفها فوقعت فمالك أنت قال لما وقعت:
أنت غبت بك عني. . . فحسبت أنك أني!!
أنت غبت بك عني. . . فحسبت أنك أني!!
و قال أخرون : أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين , ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف . ولا يعكر عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا , لأنه محمول على مبدأ التلاقي , فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب . وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة كإيمان الكافر وإحسان المسيء . وقوله " جنود مجندة " أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة , قال ابن الجوزي : ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم , وكذلك القول في عكسه . وقال القرطبي : الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها , فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة , ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها . ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر , وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها .
و قال الطيبي: الفاء في فما تعارف للتعقيب أتبعت المجمل بالتفصيل فدلّ قوله: ما تعارف على تقدّم اختلاط في الأزل ثم تفرق بعد ذلك في أزمنة متطاولة ثم ائتلاف بعد التعارف كمن فقد أنيسه وإلفه ثم اتصل به، وهذا التعارف إلهامات يقذفها الله تعالى في قلوب العباد من غير إشعار منهم بالسابقة.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ إِيَّاكُمْ وَمَنْ تُبْغِضُهُ قُلُوبُكُمْ
أَخَذَهُ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ
(شَاهِدِي مَا فِي مُضْمَرِي ... مِنْ صِدْقِ وُدِّي مُضْمَرِكْ)
(فَمَا أُرِيدُ وَصْفَهُ ... قَلْبُكِ عَنِّي يُخْبِرُكْ).
أَخَذَهُ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ
(شَاهِدِي مَا فِي مُضْمَرِي ... مِنْ صِدْقِ وُدِّي مُضْمَرِكْ)
(فَمَا أُرِيدُ وَصْفَهُ ... قَلْبُكِ عَنِّي يُخْبِرُكْ).
وفي حديث ابن مسعود عند العسكري مرفوعًا "الأرواح جنود مجندة تلتقي فتشامّ كما تشامّ الخيل فما تعارت منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فلو أن رجلاً مؤمنًا جاء إلى مجلس فيه مائة منافق وليس فيه إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقًا جاء إلى مجلس فيه مائة مؤمن وليس فيه إلا منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه".
وللديلمي بلا سند عن معاذ بن جبل مرفوعًا: "لو أن رجلاً دخل مدينة فيها ألف منافق ومؤمن واحد لشم روحه روح ذلك المؤمن وعكسه".
ولأبي نعيم في الحلية في ترجمة أويس أنه لما اجتمع به هرم بن حيان العبدي ولم يكن لقيه
وخاطبه أويس باسمه قال له هرم: من أين عرفت اسمي واسم أبي فوالله ما رأيتك ولا رأيتني؟ قال: عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نأت بهم الدار. وقال بعضهم: أقرب القرب مودة القلوب وإن تباعدت الأجسام، وأبعد العبد تنافر التداني. ولبعضهم:
إن القلوب لأجناد مجندة ... قول الرسول فمن ذا فيه يختلف
فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف.
وخاطبه أويس باسمه قال له هرم: من أين عرفت اسمي واسم أبي فوالله ما رأيتك ولا رأيتني؟ قال: عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نأت بهم الدار. وقال بعضهم: أقرب القرب مودة القلوب وإن تباعدت الأجسام، وأبعد العبد تنافر التداني. ولبعضهم:
إن القلوب لأجناد مجندة ... قول الرسول فمن ذا فيه يختلف
فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف.
الأرواح جنود، مثلما الأبدان جنود، تجد الإنسان يحب إنساناً آخر بمجرد أن ينظر إليه، ويشعر أنه يعرفه من قبل، والأرواح من جنود الله عز وجل، يعارفها على بعضها بما شاء سبحانه وتعالى، فما عرفه الله عز وجل على غيره في وقت يعلمه الله عز وجل تجده يحبه ويميل إليه.فكأن الإنسان ينزل على الشبيه له، والتآلف والمحبة التي تكون بين القلوب تكون في الأرواح قبل ذلك، فالمرء مرآة قرينه، والمرء ينزل على شكيله ومن كان مثله.
ذلك حاول أن تتعرف على الصالحين وتحبهم ولا تنظر إلى الغنى والفقر، ولا تنظر إلى المراكز وإلى العلو، ولا تنظر إلى القوة والضعف، ولكن انظر إلى الصلاح تنتفع وتنفع صاحبك.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يمن علينا برفقة الصالحين.
ذلك حاول أن تتعرف على الصالحين وتحبهم ولا تنظر إلى الغنى والفقر، ولا تنظر إلى المراكز وإلى العلو، ولا تنظر إلى القوة والضعف، ولكن انظر إلى الصلاح تنتفع وتنفع صاحبك.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يمن علينا برفقة الصالحين.
تعليق