المطويات الدعوية ...123
آداب الأكل والشرب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه فوائد في آداب الأكل لخصتها من الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله راجيا من الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
يقول صاحب الروض: «تسن التسمية» وهذا قول كثير من العلماء إن لم يكن أكثرهم، والصواب أن التسمية واجبة عند الأكل والشرب، وأن الإنسان يأثم بتركها لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك، حيث قال لعمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنه ـ: «يا غلام سمِّ الله» مع أنه صغير، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر أن الإنسان إذا لم يسمِّ فإن الشيطان يشاركه في طعامه وشرابه.
قوله: «جهراً» وهذا من أجل التعليم إذا كان معه أحد، ومن أجل إعلان هذا الذكر الذي يطرد به الشيطان إذا لم يكن معه أحد، فيقول: بسم الله.
وإذا كان الإنسان لا يحسن البسملة باللغة العربية، ويحسنها بلسانه فإنه يسمي بلسانه، وإذا كان أخرسَ لا ينطق أبداً فبالإشارة، وإذا كان معه أناس وبدؤوا بالأكل جميعاً، فهل تكفي تسمية الواحد، أو لا بد أن يسمي كل إنسان بنفسه؟
الجواب: إن جاؤوا مرتبين، بحيث يأتي الإنسان ولم يسمع تسمية الأول، فلا بد أن يسمي، كما جاء في الحديث في قصة الجارية، وأما إذا كانوا بدؤوا جميعاً فالظاهر أن التسمية تكفي من واحد، لا سيما إذا نوى أنه سمى عن نفسه وعمن معه، ومع ذلك فالذي أختار أن يسمي كل إنسان بنفسه، وإن بدؤوا جميعاً.
قوله: «والحمد إذا فرغ» أي: يسن الحمد إذا فرغ، فيقول: الحمد لله
ولكن هل نقول: إذا فرغ من جميع الأكل، أو من كل أكلة، ومن كل شربة؟
الظاهر: الأول؛ لأن الأكلات، وإن تتابعت فهي أكلة واحدة، فإذا فرغ من أكله فليحمد الله.
قوله: «وأكله مما يليه» ، هذا إذا كان معه أحد، فإن من الأدب أن يأكل مما يليه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ وهو ربيبه: «وكل مما يليك» ولأن هذا من المروءة والأدب، لكن إذا كان وحده فله أن يأكل من أي جانب، ولكن لا يأكل من أعلى الصحفة؛ لأن البركة تنزل في أعلاها، فيأكل من الجوانب، ولا حرج.
واستثنى العلماء ـ رحمهم الله ـ إذا كان الأكل أنواعاً فلا بأس أن يأخذ مما لا يليه، وقد جاءت بذلك السنة، كما لو كان على الطعام لحم، فاللحم في الوسط، فله أن يتناول منه، وكذلك لو فرض أن المائدة فيها أنواع من الإدام، ويوجد نوع يلي صاحبه، ونوع لا يليه، فله أن يتناول منه، لكن هنا يحسن أن يستأذن؛ لأنه من كمال الأدب.
قوله: «بيمينه» يعني يسن أكله بيمينه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر ابن أبي سلمة ـ رضي الله عنها ـ: «كل بيمينك» ، وهذا الذي ذكره ـ رحمه الله ـ هو المشهور من المذهب أن الأكل باليمين أفضل من الأكل باليسار.
والقول الراجح في هذه المسألة: أن الأكل باليمين واجب، ودليل هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الأكل بالشمال، وقال: «لا يأكل أحد بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» ، وقد نهينا عن اتباع خطوات الشيطان.
قوله: «ومسح الصحفة» ، وهذا ـ أيضاً ـ مما جاءت به السنة، يعني أن تمسحها من بقية الطعام، وتلعق أصابعك أيضاً، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» .
قوله: «وأكل ما تناثر» وهذا سنة أيضاً، ولكن بعد إزالة ما فيه من أذى، مثل لو سقطت تمرة، أو قطعة من الطعام، فخذها وامسح ما بها من أذى ثم كُلْها لأن الشيطان يأكل ما تناثر إذا لم يؤكل، وأما إذا لم يمكن أكل ما تناثر فإنه يترك.
قوله: «وغض طرفه عن جليسه» وهذا ـ أيضاً ـ من الآداب، أن يغض طرفه عن جليسه الذي يأكل معه، فلا تجلس تنظر ما أكل هذا، وما أخذ هذا، وتجلس تراقبه من حين يأخذ الشيء حتى يضعه في فمه، فهذا ليس من الأدب، والناس كلهم ينتقدون هذا.
قوله: «وشربه ثلاثاً مصًّا» أي: سن أن يشرب بثلاثة أنفاس ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا شرب شرب مصًّا، وقال: «إنه أهنأ وأبرأ»
ولذلك يقول العارفون: إنك إذا وجدت شخصاً عطشان جداً لا تعطيه الماء دفعة واحدة؛ لأنك إن فعلت فإنه يهلك، لكن أعطه شربة وجرعة واحدة، ثم تمهل قليلاً، ثم أعطه الثانية، وهكذا؛ لئلا يهلك.
قوله: «ويتنفس خارج الإناء» فيكره أن يتنفس في الإناء، يعني لو فرض أن رجلاً نفسه قليل، ولا يصبر عن النفس، وأراد أن يتنفس، فليَبِنْ الإناءَ عن فمه ثم يتنفس.
قوله: «وكره شربه من فم سقاء» لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك ، ولأنه قد يكون في السقاء أشياء مؤذية لا يدري عنها.
قوله: «وكره رد شيء من فمه إلى الإناء» ، لأن هذا خلاف المروءة، ويُكرِّه الطعام للناس، والإنسان ينبغي له أن يتعامل معاملة طيبة مع الناس، ويتأدب بالأدب الرفيع.
أما إذا كانت ثمرة أو لقمة فهي أشد وأشد، ومن ذلك أيضاً أن يأخذ قطعة اللحم يريد أكلها، فيجدها قاسية فيردها في الإناء، فهذا مكروه وخلاف المروءة.
قوله: «وفعله ما يستقذره من غيره» هذه مهمة جداً، والمعنى أنك لو فعل غيرك هذا لرأيته قذراً، فلا تفعل مثله، وهذا مأخوذ من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
قوله: «ومدح طعامه وتقويمه» أي: أن هذا مكروه؛ لأنه يمنُّ به على الضيف.
قوله: «وعيب الطعام» أي أنه مكروه، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يعيب الطعام، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه أما أن تعيبه وتقول: طعامك مالح! وشايك مر! وتمرك حشف! فهذا مكروه، أما إن أراد أن يعيبه عند أهله حتى لا يعودوا لمثل ذلك، فهذا جائز، بل هو من التعليم، وهنا لم يعب الطعام، ولكن عاب صنعة أهله.
قوله: «وأن يفجأ قوماً عند وضع طعامهم تعمداً» ، وهذا ما يسمى بالطفيلي، فإذا ظن أنهم قدموا الطعام فاجأهم حتى لا يستطيعوا أن يقولوا له شيئاً.
فمثل هذا يكره؛ لأنه أولاً: دناءة، وثانياً: إن فيه إحراجاً لأهل البيت.
أما إذا كان عن غير عمد، كإنسان أراد أن يزور صاحبه، فدخل ووجدهم على الطعام فهذا لا بأس به.
قوله: «وكره نفض يده في القصعة» لأنه يقذرها على الناس، حتى لو قال: أنا أنفضها في جهتي؛ لأن الطعام كالرز ينتشر في القصعة.
قوله: «وأن يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فمه» ، هذا أيضاً مكروه؛ لأنه دناءة.
قوله: «وينبغي أن يحول وجهه عند السعال والعطاس عن الطعام» السعال، أي: الكحة، فينبغي أن يبعد وجهه عن الطعام لئلا يخرج شيء من الريق، ويقع في الطعام وهذا حق، والعطاس من باب أولى والله أعلم.
أعد المطويات: أبو أسامة سمير الجزائري
قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
آداب الأكل والشرب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه فوائد في آداب الأكل لخصتها من الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله راجيا من الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
يقول صاحب الروض: «تسن التسمية» وهذا قول كثير من العلماء إن لم يكن أكثرهم، والصواب أن التسمية واجبة عند الأكل والشرب، وأن الإنسان يأثم بتركها لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك، حيث قال لعمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنه ـ: «يا غلام سمِّ الله» مع أنه صغير، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر أن الإنسان إذا لم يسمِّ فإن الشيطان يشاركه في طعامه وشرابه.
قوله: «جهراً» وهذا من أجل التعليم إذا كان معه أحد، ومن أجل إعلان هذا الذكر الذي يطرد به الشيطان إذا لم يكن معه أحد، فيقول: بسم الله.
وإذا كان الإنسان لا يحسن البسملة باللغة العربية، ويحسنها بلسانه فإنه يسمي بلسانه، وإذا كان أخرسَ لا ينطق أبداً فبالإشارة، وإذا كان معه أناس وبدؤوا بالأكل جميعاً، فهل تكفي تسمية الواحد، أو لا بد أن يسمي كل إنسان بنفسه؟
الجواب: إن جاؤوا مرتبين، بحيث يأتي الإنسان ولم يسمع تسمية الأول، فلا بد أن يسمي، كما جاء في الحديث في قصة الجارية، وأما إذا كانوا بدؤوا جميعاً فالظاهر أن التسمية تكفي من واحد، لا سيما إذا نوى أنه سمى عن نفسه وعمن معه، ومع ذلك فالذي أختار أن يسمي كل إنسان بنفسه، وإن بدؤوا جميعاً.
قوله: «والحمد إذا فرغ» أي: يسن الحمد إذا فرغ، فيقول: الحمد لله
ولكن هل نقول: إذا فرغ من جميع الأكل، أو من كل أكلة، ومن كل شربة؟
الظاهر: الأول؛ لأن الأكلات، وإن تتابعت فهي أكلة واحدة، فإذا فرغ من أكله فليحمد الله.
قوله: «وأكله مما يليه» ، هذا إذا كان معه أحد، فإن من الأدب أن يأكل مما يليه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ وهو ربيبه: «وكل مما يليك» ولأن هذا من المروءة والأدب، لكن إذا كان وحده فله أن يأكل من أي جانب، ولكن لا يأكل من أعلى الصحفة؛ لأن البركة تنزل في أعلاها، فيأكل من الجوانب، ولا حرج.
واستثنى العلماء ـ رحمهم الله ـ إذا كان الأكل أنواعاً فلا بأس أن يأخذ مما لا يليه، وقد جاءت بذلك السنة، كما لو كان على الطعام لحم، فاللحم في الوسط، فله أن يتناول منه، وكذلك لو فرض أن المائدة فيها أنواع من الإدام، ويوجد نوع يلي صاحبه، ونوع لا يليه، فله أن يتناول منه، لكن هنا يحسن أن يستأذن؛ لأنه من كمال الأدب.
قوله: «بيمينه» يعني يسن أكله بيمينه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر ابن أبي سلمة ـ رضي الله عنها ـ: «كل بيمينك» ، وهذا الذي ذكره ـ رحمه الله ـ هو المشهور من المذهب أن الأكل باليمين أفضل من الأكل باليسار.
والقول الراجح في هذه المسألة: أن الأكل باليمين واجب، ودليل هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الأكل بالشمال، وقال: «لا يأكل أحد بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» ، وقد نهينا عن اتباع خطوات الشيطان.
قوله: «ومسح الصحفة» ، وهذا ـ أيضاً ـ مما جاءت به السنة، يعني أن تمسحها من بقية الطعام، وتلعق أصابعك أيضاً، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» .
قوله: «وأكل ما تناثر» وهذا سنة أيضاً، ولكن بعد إزالة ما فيه من أذى، مثل لو سقطت تمرة، أو قطعة من الطعام، فخذها وامسح ما بها من أذى ثم كُلْها لأن الشيطان يأكل ما تناثر إذا لم يؤكل، وأما إذا لم يمكن أكل ما تناثر فإنه يترك.
قوله: «وغض طرفه عن جليسه» وهذا ـ أيضاً ـ من الآداب، أن يغض طرفه عن جليسه الذي يأكل معه، فلا تجلس تنظر ما أكل هذا، وما أخذ هذا، وتجلس تراقبه من حين يأخذ الشيء حتى يضعه في فمه، فهذا ليس من الأدب، والناس كلهم ينتقدون هذا.
قوله: «وشربه ثلاثاً مصًّا» أي: سن أن يشرب بثلاثة أنفاس ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا شرب شرب مصًّا، وقال: «إنه أهنأ وأبرأ»
ولذلك يقول العارفون: إنك إذا وجدت شخصاً عطشان جداً لا تعطيه الماء دفعة واحدة؛ لأنك إن فعلت فإنه يهلك، لكن أعطه شربة وجرعة واحدة، ثم تمهل قليلاً، ثم أعطه الثانية، وهكذا؛ لئلا يهلك.
قوله: «ويتنفس خارج الإناء» فيكره أن يتنفس في الإناء، يعني لو فرض أن رجلاً نفسه قليل، ولا يصبر عن النفس، وأراد أن يتنفس، فليَبِنْ الإناءَ عن فمه ثم يتنفس.
قوله: «وكره شربه من فم سقاء» لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك ، ولأنه قد يكون في السقاء أشياء مؤذية لا يدري عنها.
قوله: «وكره رد شيء من فمه إلى الإناء» ، لأن هذا خلاف المروءة، ويُكرِّه الطعام للناس، والإنسان ينبغي له أن يتعامل معاملة طيبة مع الناس، ويتأدب بالأدب الرفيع.
أما إذا كانت ثمرة أو لقمة فهي أشد وأشد، ومن ذلك أيضاً أن يأخذ قطعة اللحم يريد أكلها، فيجدها قاسية فيردها في الإناء، فهذا مكروه وخلاف المروءة.
قوله: «وفعله ما يستقذره من غيره» هذه مهمة جداً، والمعنى أنك لو فعل غيرك هذا لرأيته قذراً، فلا تفعل مثله، وهذا مأخوذ من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
قوله: «ومدح طعامه وتقويمه» أي: أن هذا مكروه؛ لأنه يمنُّ به على الضيف.
قوله: «وعيب الطعام» أي أنه مكروه، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يعيب الطعام، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه أما أن تعيبه وتقول: طعامك مالح! وشايك مر! وتمرك حشف! فهذا مكروه، أما إن أراد أن يعيبه عند أهله حتى لا يعودوا لمثل ذلك، فهذا جائز، بل هو من التعليم، وهنا لم يعب الطعام، ولكن عاب صنعة أهله.
قوله: «وأن يفجأ قوماً عند وضع طعامهم تعمداً» ، وهذا ما يسمى بالطفيلي، فإذا ظن أنهم قدموا الطعام فاجأهم حتى لا يستطيعوا أن يقولوا له شيئاً.
فمثل هذا يكره؛ لأنه أولاً: دناءة، وثانياً: إن فيه إحراجاً لأهل البيت.
أما إذا كان عن غير عمد، كإنسان أراد أن يزور صاحبه، فدخل ووجدهم على الطعام فهذا لا بأس به.
قوله: «وكره نفض يده في القصعة» لأنه يقذرها على الناس، حتى لو قال: أنا أنفضها في جهتي؛ لأن الطعام كالرز ينتشر في القصعة.
قوله: «وأن يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فمه» ، هذا أيضاً مكروه؛ لأنه دناءة.
قوله: «وينبغي أن يحول وجهه عند السعال والعطاس عن الطعام» السعال، أي: الكحة، فينبغي أن يبعد وجهه عن الطعام لئلا يخرج شيء من الريق، ويقع في الطعام وهذا حق، والعطاس من باب أولى والله أعلم.
أعد المطويات: أبو أسامة سمير الجزائري
قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم
تعليق