أَثَرُالصَّدَقَةِ وَ الْعَفْوِ وَ التَّوَاضُعِ
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك ياأرحم الراحمين. أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: )مَانَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًابِعَفْوٍإِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّارَفَعَهُ اللَّهُ(رَوَاهُ مُسْلِمٌ. .
-----------------------------------------------------------------
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدىبهداه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )مانقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا، وماتواضع أحد لله إلا رفعه(اشتمل هذا الحديث على الترغيب في ثلاث خصال من الخصالالحميدة والأخلاق الكريمة: الإحسان بالصدقة، بذل المال في سبيل الله،والعفوعن المسيء، والتواضع، كل هذه الخصال الثلاث قد تضافرتالنصوص من الكتاب والسنة على الأمر بها، والترغيب فيها، والثناء على أهلها.
فأول ذلك إنفاق المال وهي الصدقة، الصدقة سواء كانت فرضا أو تطوعا، الصدقة فيهذا الحديث شاملة لصدقة الفرض الزكاة، وصدقة التطوع: )الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّاوَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُمْ يَحْزَنُونَ) (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَايُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْوَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَأَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍفَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ(.
والآيات في الأمر بالإنفاق والثناء على المنفقين كثيرة كثيرة، وكذلك الدلائل علىمضاعفة الصدقات، فالصدقة حسنة من الحسنات تضاعف إلى عشر إلى سبعمائة ضعف)مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِكَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُحَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يشاء(.
وفي هذا الحديث دلالة على أن الصدقة لا تنقص المال: )ما نقصت صدقة من مال(وهذاالفعل يأتي لازما يعني ليس له مفعول، ويأتي متعديا يعني يتعدى إلى مفعول، وهذاالفعل الذي عندنا هو من المتعدي لكن المفعول محذوف، فالمعنى (ما نقصت صدقة من مالشيئا)، وفي هذا دفع لتوهم أن الصدقة تنقص المال؛ فمن أجل هذا بخل من بخل خوفا علىماله من الذهاب، نعم الصدقة في الصورة الحسية تنقص المال إذا أخذت واحدا من عشرةصارت تسعة، وإذا أخذت من الأربعين واحدا صارت تسعا وثلاثين، لكن إذا قارنت هذاالنقص المشهود المحسوس بالمردود، بمردود الصدقة مما يجعله الله من البركة في ذلكالمال، ومما يحصل من الإخلاف: )قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِوَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه(ُ) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُوَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ(فوعد بالإخلاف يعني أن الله يخلف عليه ما أنفق ويرزقه منحيث لا يحتسب، ينفق قليلا فيخلف الله عليه كثيرا.
إذا الصدقة لم تنقص بل زادت المال، الصدقة سبب لزيادة المال لا لنقصه فيالحقيقة، هذا كله مع ما يدخره الله للمتصدق من الأجر الجزيل المضاعف، وفي هذا ترغيبفي الصدقة، ودفع لما يلقيه الشيطان من التخويف ليعوق عن هذا العمل الجليل)الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ(يعدكمالفقر يخوف إذا تصدقت نفد مالك وبقيت فتعطي المال تعطي مالك لغيرك ينتفع به)الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ(وهوالبخل)وَاللَّهُيَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا(فذكر للصدقة جزاءين المغفرة، والفضلمنه سبحانه وتعالى: )وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌعَلِيمٌ) (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَاوَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْسَيِّئَاتِكُمْ(فيها تكفير الخطايا، وفيها الأجور)ما نقصت صدقة من مال(.
ثانيا: قوله صلى الله عليه وسلم: )وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا(العفوخلقجليل وصف الله به نفسه وندب إليه عباده فهوالعفو، وهو يحبالعفوللعباد، يحب لعباده أن يعفو بعضهم عن بعض: )وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَفَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ(فالعفوعن الإساءة،العفوعن المسيء سبب للأجر الجزيل)لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍفَإِنَّ اللَّهَ كَانَعَفُوًّاقَدِيرًا(فيه إشارةإلى أن من عفا عفا الله عنه، وفي هذا أيضا دفعالتوهم أنالعفومذلة، كما يتوهم الذين يأخذون بالثأر وينتقمون لأنفسهم، أو يعتدون أيضا يعنيمن الناس من يعفو في حقه من المسيء وينتقم لنفسه، ويطالب بحقه، ومنهم من لا يقف عندهذا الحد بل يعتدي ويظلم.
هذه ثلاث مواقف في معاملة المسيء؛ لأن المعاقبة بالمثل، هذا عدل)وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍسَيِّئَةٌ) (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِوَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ(.
الحال الثاني أن يعفو ويصبر، وهذا فضل)فَمَنْعَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (وَلَئِنْصَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور(.
وفي الحقيقة أنالعفوهو الذي فيه العزة ليس فيه مذلة،بل هو عزة وقوة، الله يقول: )وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُيُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(فليس فيالعفومذلة بل فيالعفوعزة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: )وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا(ففي هذا دفع للتوهم أن فيالعفومذلة؛ ومن أجل ذلك يمتنع بعض الناس منالعفويظن أن هذا ضعف ومذلة فيأبى إلا أن ينتقم بعدل أو بظلم، ففيالعفوأجر، وفيه محمدة، وفيه ما يرجى منعفوالله فمن عفا عفا الله عنه)وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا(.
خصلة ثالثة قوله: )وما تواضع أحد لله إلارفعه(التواضع في الخضوع والتذلل، وضد التواضع الكبر، وهو من قبيح الخصال، والتواضع منخير الخصال، وكريم السجايا، وإذا الكبر هو بطر الحق - رده - وغمط الناس، كما فسرهالنبي عليه الصلاة والسلام بذلك، فالتواضع هو الانقياد للحق، وقبول الحق ممن جاءبه، واحترام الناس وإنزالهم منازلهم، وهذا يتضمن النصيحة كما تقدم. التواضع للخلقهو من النصيحة لهم، يتضمن رحمة الصغير، وتوقير الكبير، وإرشاد الضال، وبذل المعروف.
)وما تواضع أحد لله إلارفعه(وهذا من جنس ما قبله، فيه توهم أن التواضع يورث الانحطاط، فقابله بالرفعة، ففيتناسب من تواضع،)وما تواضع أحد لله إلارفعه(لأن المتكبر يريد الرفعة والعلو عن الناس، وهو حقيق بأن يذله الله، وضد ذلك التواضعجعله الله سببا للرفعة، وقوله: "لله" يحتمل عندي أن المراد أنه تواضع مخلصا فيتواضعه لله من أجل الله، لا تزينا وتصنعا وإظهارا للتواضع، وهو في قلبه بخلاف ذلك. بل تواضع لله "وما تواضع أحد لله" يعني تواضع لعباد الله مخلصا في ذلك لله "إلارفعه" يحتمل أن المراد: تواضع لله، يعني تذلل لربه، وانقاد لأمره، وبهذا تحقيقالعبودية، العبودية لله تتضمن الذل والخضوع، وكل من الأمرين مطلوب، التواضع للهبعبادته، والانقياد لأمره.
والتواضع لعباد الله باحترامهم، وعدم التطاول والترفع عليهم، وهذا مما يرفع اللهبه العبد، هذا وهذا)يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(فالمقصود أن هذه ثلاث خصال كريمة جمعها النبي صلى اللهعليه وسلم في هذا الحديث، وفي هذا البيان دفع لتوهم ما يظنه الجاهلون من أن الصدقةسبب للفقر؛ لأنها تنقص المال، وأنالعفوسبب المذلةوالهوان، وأن التواضع سبب الانحطاط بل الصدقة سبب للمزيد،والعفوسبب للعز، والتواضع سبب للرفعة، نعم والله أعلم.
شرح جوامع الأخبار
شرح الشيخ عبد الرحمن البراك
شرح الشيخ عبد الرحمن البراك
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك ياأرحم الراحمين. أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: )مَانَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًابِعَفْوٍإِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّارَفَعَهُ اللَّهُ(رَوَاهُ مُسْلِمٌ. .
-----------------------------------------------------------------
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدىبهداه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )مانقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا، وماتواضع أحد لله إلا رفعه(اشتمل هذا الحديث على الترغيب في ثلاث خصال من الخصالالحميدة والأخلاق الكريمة: الإحسان بالصدقة، بذل المال في سبيل الله،والعفوعن المسيء، والتواضع، كل هذه الخصال الثلاث قد تضافرتالنصوص من الكتاب والسنة على الأمر بها، والترغيب فيها، والثناء على أهلها.
فأول ذلك إنفاق المال وهي الصدقة، الصدقة سواء كانت فرضا أو تطوعا، الصدقة فيهذا الحديث شاملة لصدقة الفرض الزكاة، وصدقة التطوع: )الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّاوَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُمْ يَحْزَنُونَ) (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَايُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْوَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَأَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍفَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ(.
والآيات في الأمر بالإنفاق والثناء على المنفقين كثيرة كثيرة، وكذلك الدلائل علىمضاعفة الصدقات، فالصدقة حسنة من الحسنات تضاعف إلى عشر إلى سبعمائة ضعف)مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِكَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُحَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يشاء(.
وفي هذا الحديث دلالة على أن الصدقة لا تنقص المال: )ما نقصت صدقة من مال(وهذاالفعل يأتي لازما يعني ليس له مفعول، ويأتي متعديا يعني يتعدى إلى مفعول، وهذاالفعل الذي عندنا هو من المتعدي لكن المفعول محذوف، فالمعنى (ما نقصت صدقة من مالشيئا)، وفي هذا دفع لتوهم أن الصدقة تنقص المال؛ فمن أجل هذا بخل من بخل خوفا علىماله من الذهاب، نعم الصدقة في الصورة الحسية تنقص المال إذا أخذت واحدا من عشرةصارت تسعة، وإذا أخذت من الأربعين واحدا صارت تسعا وثلاثين، لكن إذا قارنت هذاالنقص المشهود المحسوس بالمردود، بمردود الصدقة مما يجعله الله من البركة في ذلكالمال، ومما يحصل من الإخلاف: )قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِوَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه(ُ) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُوَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ(فوعد بالإخلاف يعني أن الله يخلف عليه ما أنفق ويرزقه منحيث لا يحتسب، ينفق قليلا فيخلف الله عليه كثيرا.
إذا الصدقة لم تنقص بل زادت المال، الصدقة سبب لزيادة المال لا لنقصه فيالحقيقة، هذا كله مع ما يدخره الله للمتصدق من الأجر الجزيل المضاعف، وفي هذا ترغيبفي الصدقة، ودفع لما يلقيه الشيطان من التخويف ليعوق عن هذا العمل الجليل)الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ(يعدكمالفقر يخوف إذا تصدقت نفد مالك وبقيت فتعطي المال تعطي مالك لغيرك ينتفع به)الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ(وهوالبخل)وَاللَّهُيَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا(فذكر للصدقة جزاءين المغفرة، والفضلمنه سبحانه وتعالى: )وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌعَلِيمٌ) (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَاوَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْسَيِّئَاتِكُمْ(فيها تكفير الخطايا، وفيها الأجور)ما نقصت صدقة من مال(.
ثانيا: قوله صلى الله عليه وسلم: )وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا(العفوخلقجليل وصف الله به نفسه وندب إليه عباده فهوالعفو، وهو يحبالعفوللعباد، يحب لعباده أن يعفو بعضهم عن بعض: )وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَفَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ(فالعفوعن الإساءة،العفوعن المسيء سبب للأجر الجزيل)لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍفَإِنَّ اللَّهَ كَانَعَفُوًّاقَدِيرًا(فيه إشارةإلى أن من عفا عفا الله عنه، وفي هذا أيضا دفعالتوهم أنالعفومذلة، كما يتوهم الذين يأخذون بالثأر وينتقمون لأنفسهم، أو يعتدون أيضا يعنيمن الناس من يعفو في حقه من المسيء وينتقم لنفسه، ويطالب بحقه، ومنهم من لا يقف عندهذا الحد بل يعتدي ويظلم.
هذه ثلاث مواقف في معاملة المسيء؛ لأن المعاقبة بالمثل، هذا عدل)وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍسَيِّئَةٌ) (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِوَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ(.
الحال الثاني أن يعفو ويصبر، وهذا فضل)فَمَنْعَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (وَلَئِنْصَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور(.
وفي الحقيقة أنالعفوهو الذي فيه العزة ليس فيه مذلة،بل هو عزة وقوة، الله يقول: )وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُيُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(فليس فيالعفومذلة بل فيالعفوعزة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: )وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا(ففي هذا دفع للتوهم أن فيالعفومذلة؛ ومن أجل ذلك يمتنع بعض الناس منالعفويظن أن هذا ضعف ومذلة فيأبى إلا أن ينتقم بعدل أو بظلم، ففيالعفوأجر، وفيه محمدة، وفيه ما يرجى منعفوالله فمن عفا عفا الله عنه)وما زاد الله عبدابعفوإلا عزا(.
خصلة ثالثة قوله: )وما تواضع أحد لله إلارفعه(التواضع في الخضوع والتذلل، وضد التواضع الكبر، وهو من قبيح الخصال، والتواضع منخير الخصال، وكريم السجايا، وإذا الكبر هو بطر الحق - رده - وغمط الناس، كما فسرهالنبي عليه الصلاة والسلام بذلك، فالتواضع هو الانقياد للحق، وقبول الحق ممن جاءبه، واحترام الناس وإنزالهم منازلهم، وهذا يتضمن النصيحة كما تقدم. التواضع للخلقهو من النصيحة لهم، يتضمن رحمة الصغير، وتوقير الكبير، وإرشاد الضال، وبذل المعروف.
)وما تواضع أحد لله إلارفعه(وهذا من جنس ما قبله، فيه توهم أن التواضع يورث الانحطاط، فقابله بالرفعة، ففيتناسب من تواضع،)وما تواضع أحد لله إلارفعه(لأن المتكبر يريد الرفعة والعلو عن الناس، وهو حقيق بأن يذله الله، وضد ذلك التواضعجعله الله سببا للرفعة، وقوله: "لله" يحتمل عندي أن المراد أنه تواضع مخلصا فيتواضعه لله من أجل الله، لا تزينا وتصنعا وإظهارا للتواضع، وهو في قلبه بخلاف ذلك. بل تواضع لله "وما تواضع أحد لله" يعني تواضع لعباد الله مخلصا في ذلك لله "إلارفعه" يحتمل أن المراد: تواضع لله، يعني تذلل لربه، وانقاد لأمره، وبهذا تحقيقالعبودية، العبودية لله تتضمن الذل والخضوع، وكل من الأمرين مطلوب، التواضع للهبعبادته، والانقياد لأمره.
والتواضع لعباد الله باحترامهم، وعدم التطاول والترفع عليهم، وهذا مما يرفع اللهبه العبد، هذا وهذا)يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(فالمقصود أن هذه ثلاث خصال كريمة جمعها النبي صلى اللهعليه وسلم في هذا الحديث، وفي هذا البيان دفع لتوهم ما يظنه الجاهلون من أن الصدقةسبب للفقر؛ لأنها تنقص المال، وأنالعفوسبب المذلةوالهوان، وأن التواضع سبب الانحطاط بل الصدقة سبب للمزيد،والعفوسبب للعز، والتواضع سبب للرفعة، نعم والله أعلم.
------------------------------
منقول
تعليق