أَخْلَاقُنَا الإِسْلَامِيَّةُ
فَضِيلَةُ الشَيْخِ الدَّكْتُورِ مُحَمَد عُمَر بَازمُول- وَفَقَهُ اللهُ-
نعيش في عصر يسمى بعصر العولمة حيث تكون الدنيا قرية صغيرة يمتزج فيها أصحاب الديانات بمجتمعاتهم وأعرافهم وقيمهم ومبادئهم، فيختلطون و يتحدون، وفي سبيل ذلك دعوا إلى وحدة الأديان، وعقدوا لأجل ذلك الاجتماعات والمؤتمرات، فهل أفلحوا؟لقد تكشفت تلك الدعوات عن عداء مستحكم لهذا الدين، وعدم الرضا به، وهذه حقيقة أخبرنا بها القرآن العظيم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120)!
والفتن تتايع على المسلم يمنة ويسرة وهو يقف ثابتاً على مبادئه مهما نزل عليه من بلاء، وهذا مثل المؤمن بعكس الكافر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنْ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ وَالْفَاجِرُ كَالْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ" متفق عليه.
وهذا الحديث فيه أن المؤمن يصبر على البلاء الذي ينزل به، وهو عام يشمل المصائب والأمراض والفتن!
فالمسلم مهما تعطف يمنة ويسرة إلا أنه ثابت الأصل، يتحمل بفضل إيمانه ودينه هذا البلاء؛ فمهما حاول أعداء الإسلام تغيير مسار الحياة الإسلامية فإنهم سيفاجئون بثبات الإسلام في نفوس أصحابه، لا غرو فإن الأخلاق الإسلامية تتميز بمزايا ليست عند غير المسلمين من أصحاب الحضارات المعاصرة، وهذه المزايا هي التالية:
- الميزة الأولى : أخلاق المسلم تنبع من دينه، فالشريعة الإسلامية عقيدة وأحكاماً تدعوا إلى مكارم الأخلاق، في كل تشريع منها تجد الجانب الأخلاقي متمثلاً أمامك، وهذا الأمر يلمسه لمس اليد كل من نظر في الإسلام، بل حتى الناس في الجاهلية لمّا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لمسوا في هذا الدين أنه دين تنبع منه مكارم الأخلاق.
جاء في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه ما قصه علينا الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قَالَ : "لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي.
فَانْطَلَقَ الْأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ ... " متفق عليه.
فانظر كيف وصف هذا الرجل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: "يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ"!
وهذا ما أجمله الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله الذي نقله أبوهريرة رضي الله عنه فقال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ" أخرجه أحمد، والحاكم وصححه، وأخرجه البزار إلا أن عنده: "مكارم الأخلاق" بدل "صالح الأخلاق".
يصدق المسلم في بيعه وشرائه يطلب بركة البيع التي وعده إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما جاء عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا" متفق عليه.
ويخشى إن غش في بيعه أن يلحقه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" أخرجه مسلم. فشأن المسلم كله قائم على مكارم الأخلاق، تنبع أخلاقه من دينه، بلا كلفة، شاء أم أبى!
- الميزة الثانية : أخلاق المسلم مبنية على مراقبة الله تعالى وطلب ما عنده، ليست مبنية على مصالح دنيوية، تزول بزوالها، فهو يعطف على الفقير ويطعم المسكين يرجو رحمة الله ويخاف عقابه، (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) (الإنسان:9).
فهو حينما يحسن إلى أحد يرجو ما عند الله تعالى، ويتأدب في صدقته بما أدّبه الله عزوجل به فلا يتبع صدقته بالمن والأذى لأن دينه يأمره أن لا يمن بصدقته فيضيع أخلاقه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:264).
وهو حين يراقب الله في أخلاقه لا يرجو من الناس شيئاً، بل هو لا يرجو منهم مصلحة شيء، إن حصل من أخلاقه ذكراً حسناً في الدنيا فهذه من عاجل بشرى المؤمن، وإن كان غير ذلك، فلا ضير:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
- الميزة الثالثة : أخلاقه ثابتة مستقرة في الحرب والسلم، لا تتغير في حال عن حال، فليست أخلاقه عبئاً ثقيلاً عليه، فإذا ما استغنى أو شبع بطر واستكبر، أو إذا ما قدر وقوي كشر عن أنيابه ومخالبه فلا قيم و لا أخلاق!
ففي الحرب لا يقتل النساء و لا الصبيان عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ" متفق عليه.
و لا يقتل الشيخ الفاني الذي لا يشارك في الحرب:
عَنْ خَالِدِ بْنِ الْفِزْرِ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" أخرجه أبوداود وابن أبي شيبة، وقد ورد ما يشهد له، ويرقيه إلى مرتبة الحسن لغيره.
وعن صالح بن كيسان قال: لما بعث أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع خرج أبو بكر رضي الله عنه معه يوصيه ويزيد راكب وأبو بكر يمشي فقال يزيد: يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل.
فقال: ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله.
يا يزيد إنكم ستقدمون بلادا تؤتون فيها بأصناف من الطعام فسموا الله على أولها واحمدوه على آخرها.
وإنكم ستجدون أقواما قد حبسوا أنفسهم في هذه الصوامع فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم. وستجدون أقواما قد اتخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعد يعني الشمامسة فاضربوا تلك الأعناق. ولا تقتلوا كبيرا هرما. ولا امرأة. ولا وليدا. ولا تخربوا عمرانا. ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع. ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع. ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه. ولا تغدر. ولا تمثل. ولا تجبن. ولا تغلل.
ولينصرن الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز أستودعك الله وأقرئك السلام ثم انصرف" أخرجه البيهقي.
فهذه أخلاق المسلم في الحرب لم تتغير و لم تتبدل عما كانت عليه في السلم، لم تزده قدرته وقوته إلا خيراً!
- الميزة الرابعة : أخلاق المسلم شاملة لكل شيء حوله، فقد انتظم دينه كل ما حوله، ونظم علاقته به؛ وذلك أن المسلم تنتظم حياته علاقة بربه وعلاقة بنفسه وعلاقة بأخيه الإنسان وعلاقة بالحيوان وعلاقة بالجماد.
أمّا علاقته بربه فهي عبادته وتوحيده قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِي) (الأنعام:162).
وأمّا علاقته بنفسه فقد بينها الشارع، من ذلك ما جاء عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ. قَالَ: فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ " أخرجه أحمد وأبوداود وهو حديث حسن. وبين له أن النفس تعتريها أحوال فتكون تارة أمّارة بالسؤ قال تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف:53). وتارة تكون لوامة: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة:2). وتارة تكون آمنة مطمئنة كما قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)(الفجر:27).
وأمّا علاقته بأخيه الإنسان فإن كان مؤمناً أخوة إيمانية: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10)، لا تفاضل فيها إلا بالتقوى قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِي) (الحجرات:13). على تفاصيل في علاقته بالأقارب وغيرهم، والجيران وغيرهم، مع توضيح الحقوق العامة للمسلم على المسلم. وإن كان كافراً فهي براءة مما هو عليه من الكفر كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22)، فإن كان كافراً يحتاج إلى بر، فإن له أن يبره ويحسن إليه مادام غير حربي ، قال تبارك وتعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِي) (الممتحنة:.
وأمّا علاقته بالحيوان فقد بينها في قوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" أخرجه مسلم. وكذا فيما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" متفق عليه. و عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ" متفق عليه.
وأمّا علاقته بالجمادات فهي مبنية على أساس النظر في دلالتها على عظمة الله وقدرته، فيذكر المسلم ربه متفكراً متأملاً، قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:191).
- الميزة الخامسة : أخلاق المسلم تجمع على حسنها الشرائع والعقول. قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90).
أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره عند هذه الآية عن قتادة قال: إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها.
وقال تبارك وتعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِي) (الأعراف:199).
قال أبو جعفر الطبري في تفسير هذه الآية: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بالعرف، وهو المعروف في كلام العرب، مصدر في معنى المعروف، يقال أوليته عرفا وعارفا وعارفة كل ذلك بمعنى المعروف. فإذا كان معنى العرف ذلك، فمن المعروف صلة رحم من قطع، وإعطاء من حرم، والعفو عمن ظلم. وكل ما أمر الله به من الأعمال أو ندب إليه فهو من العرف. ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى؛ فالحق فيه أن يقال: قد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف كله لا ببعض معانيه دون بعض.
وأما قوله: )وأعرض عن الجاهلين( فإنه أمر من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض عمن جهل. وذلك وإن كان أمرا من الله لنبيه، فإنه تأديب منه عز ذكره لخلقه باحتمال من ظلمهم أو اعتدى عليهم، لا بالإعراض عمن جهل الواجب عليه من حق الله ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته، وهو للمسلمين حرب"اهـ
و لا يزال أهل الإنصاف من غير المسلمين يشهدون بفضل الإسلام وأخلاقه وأنها في أعلى درجات الإنسانية والسمو و لا يضاهيها شيء من أخلاق غير المسلمين.
وعموماً فإن أخلاقنا الإسلامية هي معالي الأخلاق عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كريم يحب الكرم و يحب معالي الأخلاق و يكره سفسافها" أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني.
هذه الأخلاق الإسلامية كانت رسول الدعوة الإسلامية في جهات كثيرة من العالم، دون أن يكون هناك دعاة يتكلفون أمر الدعوة.
فهل تكون أخلاقنا الإسلامية باباً للدعوة من خلال العولمة؟
هذا ما أرجوه إذا ما تمسك المسلم بدينه وأخلاقه.