(وفي الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتدرون ما الغيبة " قالوا الله ورسوله أعلم , قال " ذكرك أخاك بما يكره " قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول , قال " إن كان فيه ما تقول اغتبته , وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " .
تنبيه : اعلم أن الغيبة كما قال صلى الله عليه وسلم هي أن تذكر أخاك بما يكرهه لو سمعه , وإجماع الأمة على هذا , سواء ذكرت شيئاً في بدنه كقولك: أعمش , أحول , أقرع , طويل , قصير , أسود , أصفر , ونحو هذا .
أو ذكرت شيئاً في نسبه كقولك كان أبوه فاسقاً , أو مكاساً , أو زبالاً , أو إسكافاً , أو حائكاً أو صعلوكاً ونحو ذلك .
أو ذكرت شيئاً في خُلقه كقولك : إنه سيء الخلق , متكبر , أحمق , جبان , عاجز , ضعيف القلب [ ومثله ضعيف الشخصية ] ,عجول خليع , عبوس ليس في عينه من أحد شيئاً ونحو ذلك .
أو ذكرت شيئاً من أفعاله كقولك : إنه خاين , سارق , كاذب , يشرب الخمر , كسلان , لا يعرف البيع والشراء , لا ينصح في فعله , متهاون بالصلاة , لا يحسن الركوع والسجود , لا يحترز عن النجاسات , ليس بار بوالديه , يغتاب الناس , قليل الأدب , كثير الكلام , كثير الأكل , ينام في غير وقته , يجلس في غير موضعه , لا يحسن الكتابة , لا يعرف علم كذا , لا يبحث كما ينبغي , لا ينصف في المناظرة , لا يسُلم إذا ظهر الحق , كثير الدعوى ونحو هذا
أو ذكرت شيئاً من ملبسه كقولك واسع الكم , طويل الذيل , كبير العمامة , وسخ الثياب , يلبس مالا يليق به , ونحو هذا .
فكل هذا وأشباهه وإن كنت صادقاً فأنت به مغتاب وعاص لربك وآكل لحم أخيك .
وكذلك إذا ذكرت ما يكره في ولده كقولك : إنه قبيح أو دلع , أو قليل الأدب , أو ليس فيه تربية ونحو هذا .
أو ذكرت زوجته بأنها تكثر الخروج من البيت , أو تحكم عليه , أو يحبها , أو هي عجوز , أو قبيحة , أو بذية اللسان , أو لا تعرف التقانة , أو لا تحسن الطبخ أو قليلة النظافة في بيتها ونحو هذا .
أو ذكرت خادمه أو مملوكه بأنه آبق , او سارق , أو قبيح , أو قليل الأدب , ونحو هذا .
وفي هذه الأنواع الثلاثة الغيبة غيبتان غيبة من ذكرته وغيبة من هو منسوب إليه من والد أو زوج ,أو سيد إذا كان يكره ذلك .
وكذلك إذا ذكرت دابته بأنها جموح مثلاً أ و عاجزة أو قطوفه أو لا تسوى كذا .
أو ذكرت داره بأنها قليلة المرافق مثلاً أو مظلمة ضيقة أو ضيع ما صرف عليها ونحو ذلك .
فكل ما تعلم أن أخاك يكرهه لو بلغه فهو غيبة محرمة فاجتنبه .
واعلم أن الغيبة باللسان إنما حرمت لأن فيها تفهيم الغير نقصان الذي اغتبته فكذلك إذا أفهمته بغير اللسان , فالتعريض فيه كالتصريح , والفعل فيه كالقول , وكذلك الإشارة والإيماء والغمز والرمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم منه المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام .
قال النووي رحمه الله بلا خلاف .
وكذلك إذا حاكيته بأن تلبس لبسته , أو تمشي مشيته أو تنظر نظره ونحو ذلك من حرماته .
قال الغزالي بل هذا أشد من الغيبة لأنه أعظم في التفهيم وأنكى للقلب , قال وأخبث الغيبة غيبة القراء المرائين فإنهم يفهمون المقصود على صيغة أهل الصلاح ليظهروا من أنفسه التعفف عن الغيبة ويفهمون المقصود ولا يدرون بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين الرياء والغيبة وذلك مثل أن يُذكَر عنده إنسان فيقول الحمد لله الذي لم يبلنا يالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام , أو يقول : نحنو نعوذ بالله من قلة الحياء نسأل الله أن يعصمنا , وإنما قصده أن يفهم عيب الغير فيذكره بصيغة الدعاء .
وكذلك قد يقدم مدح من يريد غيبته فيقول ما أحسن أحوال فلان ما كان يقصر في العبادات ولكن قد اعتراه فتور وابتلي بما نبتلى به كلنا فيذكر نفسه ومقصوده أن يذم غيره وأن يمدح نفسه بالتشبه بالصالحين في ذم أنفسهم فيكون مغتاباً مرائياً ومزكياً نفسه ويجمع بين ثلاث فواحش وهو يظن بجهله أنه من الصالحين المتعففين عن الغيبة .
ومن ذلك أن يُذكر عيب إنسان فلا ينتبه له بعض الحاضرين فيقول سبحان الله ما أعجب هذا حتى يصغى إلى المغتاب ويُعلم ما يقوله فيذكر الله ويستعمل اسمه تعالى في تحقيق خبثه , فهو يمن على الله سبحانه بجهله جهلاً منه وغروراً , وكذلك يقول: لقد ساءني ما جرى على صديقنا فلان من الاستخفاف فنسأل الله تعالى أن يروح سره ,ويكون كاذباً في دعوى الاغتمام وفي إظهار الدعاء , بل لو قصد الدعاء لأخفاه عقيب صلاته ولو كان يغتم به لاغتم أيضن بإظهار ما يكره , وكذلك بقول: المسكين قد بلي بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه ,في كل ذلك يُظهر الدعاء والله تعالى مطلع على خبث ضميره وخفي قصده وهو بجهله لا يدري أنه قد تعرض لمقت أعظم مما يتعرض له الجهال إذا جاهروا .
ومن ذلك الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب بأنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب بالغيبة فيندفع فيها فكأنه يستخرج الغيبة منه بهذا الطريق فيقول : عجباً ما علمت أنه كذلك ما عرفته إلى الآن إلا بالخير وكنت أحسبه فيه غير هذا عافانا الله تعالى من بلائه ,فإن ذلك تصديق للمغتاب والتصديق بالغيبة غيبة بل الساكت شريك المغتاب ولا يخرج من إثم الغيبة إلا أن ينكر بلسانه فإن خاف فبقلبه فإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام غيره آخر لزمه فإن لم يفعل عصى وإن قال بلسانه اسكت وهو يشتهي ذلك بقلبه فهو نفاق ولا يخرجه عن الإثم ما لم يكرهه بقلبه .
ولا يكفيه أن يشير باليد أي اسكت أو يشير بحاجبيه وجبينه أو غير ذلك فإن ذلك استخفاف للمذكور بل ينبغي أن يعظمه ويذب عنه صريحاً , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أُذل عنده مؤمن وهو يقدر على أن ينصره فلم ينصره أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق "
وقال صلى الله عليه وسلم : " من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقاً على الله أن يعتقه من النار " انتهى . )
تنبيه الغافلين لابن النحاس ص 125-128
تنبيه : اعلم أن الغيبة كما قال صلى الله عليه وسلم هي أن تذكر أخاك بما يكرهه لو سمعه , وإجماع الأمة على هذا , سواء ذكرت شيئاً في بدنه كقولك: أعمش , أحول , أقرع , طويل , قصير , أسود , أصفر , ونحو هذا .
أو ذكرت شيئاً في نسبه كقولك كان أبوه فاسقاً , أو مكاساً , أو زبالاً , أو إسكافاً , أو حائكاً أو صعلوكاً ونحو ذلك .
أو ذكرت شيئاً في خُلقه كقولك : إنه سيء الخلق , متكبر , أحمق , جبان , عاجز , ضعيف القلب [ ومثله ضعيف الشخصية ] ,عجول خليع , عبوس ليس في عينه من أحد شيئاً ونحو ذلك .
أو ذكرت شيئاً من أفعاله كقولك : إنه خاين , سارق , كاذب , يشرب الخمر , كسلان , لا يعرف البيع والشراء , لا ينصح في فعله , متهاون بالصلاة , لا يحسن الركوع والسجود , لا يحترز عن النجاسات , ليس بار بوالديه , يغتاب الناس , قليل الأدب , كثير الكلام , كثير الأكل , ينام في غير وقته , يجلس في غير موضعه , لا يحسن الكتابة , لا يعرف علم كذا , لا يبحث كما ينبغي , لا ينصف في المناظرة , لا يسُلم إذا ظهر الحق , كثير الدعوى ونحو هذا
أو ذكرت شيئاً من ملبسه كقولك واسع الكم , طويل الذيل , كبير العمامة , وسخ الثياب , يلبس مالا يليق به , ونحو هذا .
فكل هذا وأشباهه وإن كنت صادقاً فأنت به مغتاب وعاص لربك وآكل لحم أخيك .
وكذلك إذا ذكرت ما يكره في ولده كقولك : إنه قبيح أو دلع , أو قليل الأدب , أو ليس فيه تربية ونحو هذا .
أو ذكرت زوجته بأنها تكثر الخروج من البيت , أو تحكم عليه , أو يحبها , أو هي عجوز , أو قبيحة , أو بذية اللسان , أو لا تعرف التقانة , أو لا تحسن الطبخ أو قليلة النظافة في بيتها ونحو هذا .
أو ذكرت خادمه أو مملوكه بأنه آبق , او سارق , أو قبيح , أو قليل الأدب , ونحو هذا .
وفي هذه الأنواع الثلاثة الغيبة غيبتان غيبة من ذكرته وغيبة من هو منسوب إليه من والد أو زوج ,أو سيد إذا كان يكره ذلك .
وكذلك إذا ذكرت دابته بأنها جموح مثلاً أ و عاجزة أو قطوفه أو لا تسوى كذا .
أو ذكرت داره بأنها قليلة المرافق مثلاً أو مظلمة ضيقة أو ضيع ما صرف عليها ونحو ذلك .
فكل ما تعلم أن أخاك يكرهه لو بلغه فهو غيبة محرمة فاجتنبه .
واعلم أن الغيبة باللسان إنما حرمت لأن فيها تفهيم الغير نقصان الذي اغتبته فكذلك إذا أفهمته بغير اللسان , فالتعريض فيه كالتصريح , والفعل فيه كالقول , وكذلك الإشارة والإيماء والغمز والرمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم منه المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام .
قال النووي رحمه الله بلا خلاف .
وكذلك إذا حاكيته بأن تلبس لبسته , أو تمشي مشيته أو تنظر نظره ونحو ذلك من حرماته .
قال الغزالي بل هذا أشد من الغيبة لأنه أعظم في التفهيم وأنكى للقلب , قال وأخبث الغيبة غيبة القراء المرائين فإنهم يفهمون المقصود على صيغة أهل الصلاح ليظهروا من أنفسه التعفف عن الغيبة ويفهمون المقصود ولا يدرون بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين الرياء والغيبة وذلك مثل أن يُذكَر عنده إنسان فيقول الحمد لله الذي لم يبلنا يالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام , أو يقول : نحنو نعوذ بالله من قلة الحياء نسأل الله أن يعصمنا , وإنما قصده أن يفهم عيب الغير فيذكره بصيغة الدعاء .
وكذلك قد يقدم مدح من يريد غيبته فيقول ما أحسن أحوال فلان ما كان يقصر في العبادات ولكن قد اعتراه فتور وابتلي بما نبتلى به كلنا فيذكر نفسه ومقصوده أن يذم غيره وأن يمدح نفسه بالتشبه بالصالحين في ذم أنفسهم فيكون مغتاباً مرائياً ومزكياً نفسه ويجمع بين ثلاث فواحش وهو يظن بجهله أنه من الصالحين المتعففين عن الغيبة .
ومن ذلك أن يُذكر عيب إنسان فلا ينتبه له بعض الحاضرين فيقول سبحان الله ما أعجب هذا حتى يصغى إلى المغتاب ويُعلم ما يقوله فيذكر الله ويستعمل اسمه تعالى في تحقيق خبثه , فهو يمن على الله سبحانه بجهله جهلاً منه وغروراً , وكذلك يقول: لقد ساءني ما جرى على صديقنا فلان من الاستخفاف فنسأل الله تعالى أن يروح سره ,ويكون كاذباً في دعوى الاغتمام وفي إظهار الدعاء , بل لو قصد الدعاء لأخفاه عقيب صلاته ولو كان يغتم به لاغتم أيضن بإظهار ما يكره , وكذلك بقول: المسكين قد بلي بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه ,في كل ذلك يُظهر الدعاء والله تعالى مطلع على خبث ضميره وخفي قصده وهو بجهله لا يدري أنه قد تعرض لمقت أعظم مما يتعرض له الجهال إذا جاهروا .
ومن ذلك الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب بأنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب بالغيبة فيندفع فيها فكأنه يستخرج الغيبة منه بهذا الطريق فيقول : عجباً ما علمت أنه كذلك ما عرفته إلى الآن إلا بالخير وكنت أحسبه فيه غير هذا عافانا الله تعالى من بلائه ,فإن ذلك تصديق للمغتاب والتصديق بالغيبة غيبة بل الساكت شريك المغتاب ولا يخرج من إثم الغيبة إلا أن ينكر بلسانه فإن خاف فبقلبه فإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام غيره آخر لزمه فإن لم يفعل عصى وإن قال بلسانه اسكت وهو يشتهي ذلك بقلبه فهو نفاق ولا يخرجه عن الإثم ما لم يكرهه بقلبه .
ولا يكفيه أن يشير باليد أي اسكت أو يشير بحاجبيه وجبينه أو غير ذلك فإن ذلك استخفاف للمذكور بل ينبغي أن يعظمه ويذب عنه صريحاً , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أُذل عنده مؤمن وهو يقدر على أن ينصره فلم ينصره أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق "
وقال صلى الله عليه وسلم : " من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقاً على الله أن يعتقه من النار " انتهى . )
تنبيه الغافلين لابن النحاس ص 125-128
تعليق