بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
مختارات من الفتاوى السعدية
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى :
حسن المعاتبة (1 )
يا أخي إنك إذا تركت ما يجب عليك من المودة الدينية ، وسلكت ما يحرم عليك من اتهام أخيك بالقصد السيء على فرض أنه أخطاْ و تجنبت الدعوة إلى الله بالحكمة في مثل هذة الامور ، فإني
أخبرك قبل الشروع في جوابي لك عما انتقدتنى عليه :بأني لا أترك ما يجب علي من الإقامة على مودتك ، و الاستمرار على محبتك المبنية على ما أعرفه من دينك انتصاراً لنفسي ، بل أزيد على ذلك بإقامة العذر لك في قدحك في أخيك ، بأن الدافع لك على ذلك قصد حسن ، لكن لم يصحبه علم يصححه ، و لا معرفة تبين مرتبته ، و لا ورع صحيح يوقف العبد عند حده الذي أوجبه الشارع عليه . فلحسن قصدك عفوت لك عما كان منك لي من الاتهام بالقصد السيء ، فهب أن الصواب معك يقيناً ، فهل خطأ الإنسان عنوان على سوء قصدة ، فلو كان الامر كذلك ، لوجب رمي جميع علماء الأمة باقصود السيئة ، فهل سلم أحد من الخطأ ؟ وهل هذا الذي تجرأت عليه إلا مخالف لما أجمع عليه المسلمون ، من أنه لا يحل رمي المسلم بالقصد السيء إذا أخطأ ، و الله تعالى قد عفا عن خطأ المؤمنين في الأقوال و الافعال ، و جميع الاحوال . ثم نقول : هب أنه جاز للانسان القدح في إرادة من دلت القرائن و العلامات على قصده السيء ، أفيحل القدح فيمن عندك من الادلة الكثيرة على حسن قصدة ، و بعده عن إرادة السوء ما لا يسوغ لك أن تتوهم فيه شيئاً بما رميته به ، وإن الله أمر المؤمنين أن يظنوا باخوانهم خيراً إذا قيل فيهم خلاف ما يقتضيه الإيمان فقال تعالى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } (النور : 12 ) و أعلم أن هذه المقدمة ليس الغرض منها مقابلتك بما قلت ، فإني كما أشرت لك : قد عفوت عن حقي إن كان لي حق ولكن الغرض النصيحة ، وبيان موقع هذا الاتهام من العقل و الدين و المروءة الانسانية . ثم إنه بعد هذا أخذ يتكلم عن الجواب عن انتقاده بما لا محل لذكره هنا .
الفتاوى السعدية ص 61 - 62