بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكم تنزيله :{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله القائل : (( مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى )) و على آله و صحبه و من اتبع هداه .
أما بعد ،
إخواني السلفيين و أخواتي السلفيات أنا لست أهلا للكتابة و لكن حز أمر في نفسي من بعض المواقف أقولها بصدق المخزية من بعض من يتبع المنهج السلفي لإخوانه
فأحببت أن أذكر نفسي المقصرة و معشر إخواننا السلفيين و أخواتنا السلفيات لنقف وقفات صادقة مع أنفسنا أين نحن من هذه الآيات و الأحاديث و سير سلفنا الصالح
نعم أمر طيب و قربة عظيمة إلى الله أننا نتعلم العلم الشرعي و نسعى لتحصيله و لكن أين نحن من العمل بهذا العلم
فكل واحد منا يقف وقفة صادقة مع نفسه و يسأل نفسه هل أنا أعمل بالعلم الذي تعلمته حقا أما أنني فقط أستكثر حجج الله علي
أخرج الترمذي في سننه و صححه الشيخ الألباني - رحمه الله- في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2382 ) أنه :
: " أخاف أن أدعى يوم القيامة فيقال: يا عويمر ماذا عملت فيما علمت "
فلنقف إخواني أخواتي و قفات مع أنفسنا عسى الله أن يصلح حالنا و أخلاقنا
الوقفة الأولى :
أين نحن من خلق الإيثار
قال الله تعالى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ- أو يضيف- هذا؟ » فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ضحك الله اللّيلة- أو عجب من فعالكما- فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» أخرجه البخاري- الفتح 7 (379
و عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قدم عبد الرّحمن بن عوف فآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ وعند الأنصاريّ امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال:
بارك الله لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق، فأتى السّوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن فرآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أيّام وعليه وضر من صفرة ، فقال:
مهيم يا عبد الرّحمن ؟ فقال: تزوّجت أنصاريّة. قال:
«فما سقت؟» . قال: وزن نواة من ذهب قال: «أو لم ولو بشاة» أخرجه البخاري- الفتح 9 (5072) واللفظ له، ومسلم (1427)
عن سهل بن سعد، قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة فقال سهل للقوم، أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟ فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها؟ فقال: «نعم» فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها ثمّ سألته إيّاها وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه فقال: رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها) أخرجه البخاري- الفتح 10 (6036) .
عن مالك الدّار: أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرّة، ثمّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، ثمّ تلكّأ ساعة في البيت حتّى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها. فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل.
وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكّأ في البيت ساعة حتّى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه فقال:
يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك،فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران فنحا بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسرّ بذلك عمر وقال: إنّهم إخوة! بعضهم من بعض) أورده القرطبي في تفسيره (18/ 19)
الوقفة الثانية :
أين نحن من خلق الرحمة و التراحم و الشفقة فيما بيننا
قال الله - جل و علا - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ } .
عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» أخرجه مسلم (2586)
و عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» أخرجه البخاري- الفتح 4 (2076)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء» أخرجه أبو داود (4941)
و عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ» أخرجه الترمذي (1923) و صححه الشيخ الألباني
و عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرحم الله من لا يرحم النّاس» أخرجه البخاري- الفتح 13 (7376)
و عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن تؤمنوا حتّى ترحموا» . قالوا: كلّنا رحيم يا رسول الله، قال: «إنّه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنّها رحمة النّاس، رحمة العامّة» قال الحافظ في الفتح (10/ 453) : أخرجه الطبراني ورجاله ثقات
قال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الشّريعة كلّها مبنيّة على الرّحمة في أصولها وفروعها، وفي الأمر بأداء الحقوق سواء كانت لله أو للخلق، فإنّ الله لم يكلّف نفسا إلّا وسعها، وإذا تدبّرت ما شرعه الله- عزّ وجلّ- في المعاملات والحقوق الزّوجيّة وحقوق الوالدين والأقربين، والجيران، وسائر ما شرع وجدت ذلك كلّه مبنيّا على الرّحمة، ثمّ قال: لقد وسعت هذه الشّريعة برحمتها وعدلها العدوّ والصّديق، ولقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفّقون من الخلق» الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة (61- 65)
وقال ابن حجر تعليقا علي حديث «من لا يرحم لا يرحم» ، قال ابن بطّال: فيه الحضّ على استعمال الرّحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التّعاهد بالإطعام، والسّعي، والتّخفيف في الحمل، وترك التّعدّي بالضّرب» الفتح 10 (455)
الوقفة الثالثة :
أين نحن من المشي و السعي في قضاء حوائج إخواننا في الله و مساعدتهم بالنفس و النفيس
قال تعالى :{ وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ }
عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» فقالوا: يا نبيّ الله، فمن لم يجد؟ قال: «يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» أخرجه مسلم (100
عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» أخرجه البخاري- الفتح 5 (2442)
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرّج عن معسر»ذكره الهيثمي (4/ 133) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات
قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى-: «تفقّدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكّروهم»
و قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس»
و قال داود الطّائيّ لرجل طلب منه الوصيّة: «اصحب أهل التّقوى، فإنّهم أيسر أهل الدّنيا عليك مئونة، وأكثرهم لك معونة»
من كتاب " الإخوان" لابن أبي الدنيا - رحمه الله -
قال بعض الشّعراء:
هموم رجال في أمور كثيرة ... وهمّي من الدّنيا صديق مساعد
نكون كروح بين جسمين قسّمت ... فجسماهما جسمان والرّوح واحد
فهذا ما أردت نقله و أسأل الله أن يجنبنا منكرات الأخلاق و الأهواء و الأدواء و يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو
و سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
الحمد لله القائل في محكم تنزيله :{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله القائل : (( مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى )) و على آله و صحبه و من اتبع هداه .
أما بعد ،
إخواني السلفيين و أخواتي السلفيات أنا لست أهلا للكتابة و لكن حز أمر في نفسي من بعض المواقف أقولها بصدق المخزية من بعض من يتبع المنهج السلفي لإخوانه
فأحببت أن أذكر نفسي المقصرة و معشر إخواننا السلفيين و أخواتنا السلفيات لنقف وقفات صادقة مع أنفسنا أين نحن من هذه الآيات و الأحاديث و سير سلفنا الصالح
نعم أمر طيب و قربة عظيمة إلى الله أننا نتعلم العلم الشرعي و نسعى لتحصيله و لكن أين نحن من العمل بهذا العلم
فكل واحد منا يقف وقفة صادقة مع نفسه و يسأل نفسه هل أنا أعمل بالعلم الذي تعلمته حقا أما أنني فقط أستكثر حجج الله علي
أخرج الترمذي في سننه و صححه الشيخ الألباني - رحمه الله- في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2382 ) أنه :
" دَخَلَ شُفَي الأَصْبَحِيَّ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلا ، قُلْتُ لَهُ : نَشَدْتُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ ،
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلا ، ثُمَّ أَفَاقَ ،
فَقَالَ : لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَيْتِ ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ ،
ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ ، فَقَالَ : أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ ، وَأَسْنَدْتُهُ طَوِيلا ، ثُمَّ أَفَاقَ ،
فَقَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ ، وَرَجُلٌ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ،
فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ : أَلَمْ أُعِلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلانٌ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ،
وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعَكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ ، أَنْ يُقَالَ : فُلانٌ جَوَّادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ،
وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَيَقُولُ لَهُ : فِي مَاذَا قُتِلْتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلانٌ جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ،
ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتَيَّ ، فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ أَوَّلُ خَلْقٍ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
و عن أبي الدرداء- رضي الله عنه - أنه قال: " أخاف أن أدعى يوم القيامة فيقال: يا عويمر ماذا عملت فيما علمت "
فلنقف إخواني أخواتي و قفات مع أنفسنا عسى الله أن يصلح حالنا و أخلاقنا
الوقفة الأولى :
أين نحن من خلق الإيثار
قال الله تعالى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ- أو يضيف- هذا؟ » فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ضحك الله اللّيلة- أو عجب من فعالكما- فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» أخرجه البخاري- الفتح 7 (379
و عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قدم عبد الرّحمن بن عوف فآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ وعند الأنصاريّ امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال:
بارك الله لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق، فأتى السّوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن فرآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أيّام وعليه وضر من صفرة ، فقال:
مهيم يا عبد الرّحمن ؟ فقال: تزوّجت أنصاريّة. قال:
«فما سقت؟» . قال: وزن نواة من ذهب قال: «أو لم ولو بشاة» أخرجه البخاري- الفتح 9 (5072) واللفظ له، ومسلم (1427)
عن سهل بن سعد، قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة فقال سهل للقوم، أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟ فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها؟ فقال: «نعم» فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها ثمّ سألته إيّاها وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه فقال: رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها) أخرجه البخاري- الفتح 10 (6036) .
عن مالك الدّار: أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرّة، ثمّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، ثمّ تلكّأ ساعة في البيت حتّى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها. فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل.
وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكّأ في البيت ساعة حتّى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه فقال:
يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك،فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران فنحا بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسرّ بذلك عمر وقال: إنّهم إخوة! بعضهم من بعض) أورده القرطبي في تفسيره (18/ 19)
الوقفة الثانية :
أين نحن من خلق الرحمة و التراحم و الشفقة فيما بيننا
قال الله - جل و علا - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ } .
عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» أخرجه مسلم (2586)
و عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» أخرجه البخاري- الفتح 4 (2076)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء» أخرجه أبو داود (4941)
و عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ» أخرجه الترمذي (1923) و صححه الشيخ الألباني
و عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرحم الله من لا يرحم النّاس» أخرجه البخاري- الفتح 13 (7376)
و عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن تؤمنوا حتّى ترحموا» . قالوا: كلّنا رحيم يا رسول الله، قال: «إنّه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنّها رحمة النّاس، رحمة العامّة» قال الحافظ في الفتح (10/ 453) : أخرجه الطبراني ورجاله ثقات
قال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الشّريعة كلّها مبنيّة على الرّحمة في أصولها وفروعها، وفي الأمر بأداء الحقوق سواء كانت لله أو للخلق، فإنّ الله لم يكلّف نفسا إلّا وسعها، وإذا تدبّرت ما شرعه الله- عزّ وجلّ- في المعاملات والحقوق الزّوجيّة وحقوق الوالدين والأقربين، والجيران، وسائر ما شرع وجدت ذلك كلّه مبنيّا على الرّحمة، ثمّ قال: لقد وسعت هذه الشّريعة برحمتها وعدلها العدوّ والصّديق، ولقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفّقون من الخلق» الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة (61- 65)
وقال ابن حجر تعليقا علي حديث «من لا يرحم لا يرحم» ، قال ابن بطّال: فيه الحضّ على استعمال الرّحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التّعاهد بالإطعام، والسّعي، والتّخفيف في الحمل، وترك التّعدّي بالضّرب» الفتح 10 (455)
الوقفة الثالثة :
أين نحن من المشي و السعي في قضاء حوائج إخواننا في الله و مساعدتهم بالنفس و النفيس
قال تعالى :{ وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ }
عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» فقالوا: يا نبيّ الله، فمن لم يجد؟ قال: «يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» أخرجه مسلم (100
عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» أخرجه البخاري- الفتح 5 (2442)
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرّج عن معسر»ذكره الهيثمي (4/ 133) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات
قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى-: «تفقّدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكّروهم»
و قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس»
و قال داود الطّائيّ لرجل طلب منه الوصيّة: «اصحب أهل التّقوى، فإنّهم أيسر أهل الدّنيا عليك مئونة، وأكثرهم لك معونة»
من كتاب " الإخوان" لابن أبي الدنيا - رحمه الله -
قال بعض الشّعراء:
هموم رجال في أمور كثيرة ... وهمّي من الدّنيا صديق مساعد
نكون كروح بين جسمين قسّمت ... فجسماهما جسمان والرّوح واحد
فهذا ما أردت نقله و أسأل الله أن يجنبنا منكرات الأخلاق و الأهواء و الأدواء و يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو
و سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
تعليق