بسم الله
الصورة للتوثيق
التفريغ منقول
إنَّ الدُّنيا دار ابتلاءٍ وفتنةٍ، ومركب اختبارٍ ومحنةٍ، يميِّز الله بها الخبيث من الطَّيِّب، ويظهر المحقَّ من المبطل، ويفصل بين الصَّادق والكاذب. قال الله - تعالى -: ﴿ أحسب النَّاس أن يُترَكوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتَنون * ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فلَيعلمنَّ الله الذين صدقوا ولَيعلمنَّ الكاذبين *﴾ [العنكبوت: 2-3]، وقال - تعالى -: ﴿ونبلوكم بالشَّرِّ والخير فتنةً ﴾ [الأنبياء: 35]، وقال - تعالى -: ﴿ أوَلا يرون أنَّهم يُفتَنون في كلِّ عامٍ مرَّةً أو مرَّتين ﴾ [التَّوبة: 126]. لقد كتب الله على عباده أنَّهم يُفتَنون، فلا يُترَكون مُهمَلين؛ بل يُفتَنون بالابتلاء بالخير والشَّرِّ. قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما – في قوله تعالى: ﴿ ونبلوكم بالشَّرِّ والخير فتنةً ﴾ [الأنبياء: 35]: «نبتليكم بالشِّدَّة والرَّخاء، والصِّحَّة والسَّقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطَّاعة والمعصية، والهدى والضَّلالة». أخرجه ابن جريرٍ وغيره. فيجري على العبد فنونٌ متعدِّدةٌ، وألوانٌ متنوِّعةٌ، من الابتلاء بالمتقابِلات: الشِّدَّة والرَّخاء، السَّرَّاء والضَّرَّاء، الصِّحَّة والسَّقم، القوَّة والضَّعف، الفقر والتَّرف، السَّعة والضِّيق، الحلال والحرام، الطَّاعة والمعصية، الهدى والضَّلالة. والابتلاء بهذه الفتن لا ينتهي إلى أمدٍ محدودٍ، أو أجلٍ مضروبٍ؛ بل تتتابع فتن الابتلاء بالخير والشَّرِّ على العبد، كما قال تعالى: ﴿ أوَلا يرون أنَّهم يُفتَنون في كلِّ عامٍ مرَّةً أو مرَّتين ﴾ [التَّوبة: 126]، فيُختبَرون في كلِّ عامٍ مرَّةً أو مرَّتين بما يكون زاجرًا لهم عن غيِّهم، ورادعًا لهم عن مفاسدهم ومساوئهم. ومن مُحكَم التَّقدير الإلهيِّ: أن جعل الله النَّاسَ بعضَهم لبعضٍ فتنةً، قال تعالى: ﴿ وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون﴾ [الفرقان: 20]، قال الحسن البصريُّ: «جعلنا الغنيَّ فتنةً للفقير، والفقير فتنةً للغنيِّ». رواه ابن جريرٍ والخطَّابيُّ في «العزلة» - واللَّفظ له. فأحدنا يُقلَّب بين الفتن، ويُعرَض على نارها، ويُختبَر مَعدِنه، فليست الدُّنيا إلَّا دار البلوى والفتن، والاختبار والمحن، ولم يبقَ منها إلَّا بلاءٌ وفتنةٌ. قال ابن ماجه: حدَّثنا غِياث بن جعفرٍ الرَّحبيُّ، قال: أخبرنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سمعتُ ابن جابرٍ يقول: سمعتُ أبا عبد ربِّه يقول: سمعت معاويةَ - رضي الله عنه – يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «لَمْ يَبْقَ مِن الدُّنْيَا إِلَّا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ»، وإسناده جيِّدٌ، وبوَّب عليه ابن ماجه: (باب شدَّة الزَّمان). وبعد هذا الخبر الموثوق، عن الصَّادق المصدوق ﷺ، فما المنتظَر من الدُّنيا المبهرَجة المزخرفة؟! قال أبو موسى الأشعريُّ - رضي الله عنه –: «ما يُنتظَر من الدُّنيا إلَّا كلُّ محزنٍ، أو فتنةٌ تُنتظَر». رواه وكيعٌ في «الزُّهد» بسندٍ صحيحٍ. وإن أردتَ أن تعرف قدر الفتن المنتظرة؛ فانظر إلى الأرض إذا وقع عليها قَطْر المطر، كم تعدُّ من حبَّات المطر وزَخَّاته عليها؟! قال البخاريُّ رحمه الله: حدَّثنا عليٌّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرنا عروةُ، قال: سمعتُ أسامةَ - يعني ابن زيدٍ - رضي الله عنهما – يقول: أشرف النَّبيُّ ﷺ على أُطُمٍ من آطام المدينة، ثمَّ قال: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَواقِعِ القَطْرِ»، ورواه مسلمٌ من حديث سفيانَ بن عُيينةَ به نحوه. فمواقع الفتن بيننا كمواقع القَطْر على أرضنا وهي تتساقط خلال بيوتنا أهلَ الإسلام، فليست خارجةً عنها، ولا بائنةً منها؛ بل هي متوسِّطةٌ لها. قال معاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه –: «إنَّكم لن تروا من الدُّنيا إلَّا بلاءً وفتنةً، ولن يزداد الأمر إلَّا شدَّةً، ولن تروا من الأئمَّة إلَّا غلظةً، ولن تروا أمرًا يهولكم ويشتدُّ عليكم إلَّا حَقَره بعدُ ما هو أشدُّ منه». رواه البغويُّ في «معجم الصَّحابة»، والخلَّال في «السُّنَّة» بسندٍ صحيحٍ عنه، ومثله لا يُقال من قِبل الرَّأي، ولمَّا حدَّث به الإمام أحمدُ - فيما رواه الخلَّال عنه - قال: «اللَّهمَّ رضِّنا»، يمدُّ بها صوته، مرَّتين أو ثلاثًا. فالدُّنيا دار بلاءٍ وفتنةٍ، والأمر مزدادٌ شدَّةً، ولن نرى من الأئمَّة إلَّا غلظةً، ولن نرى أمرًا يهولنا إلَّا جاء بعده ما حقَّره لهوله وعظمه، فإذا سكنت فتنةٌ، فما هي إلَّا مُدَيدةٌ فتتبعها فتنةٌ أخرى. قال حذيفةُ - رضي الله عنه –: «إنَّ للفتنة بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ؛ فإن استطعتَ أن تموت في وقفاتها فافعل». رواه ابن أبي شيبةَ والحاكم بسندٍ صحيحٍ، وزاد الحاكم عن زيد ابن وهبٍ قال: سُئل حذيفةُ: ما وقفاتها؟ قال: «إذا غُمِد السَّيف»، قيل: وما بعثاتها؟ قال: «إذا سُلَّ السَّيف».
الصورة للتوثيق
التفريغ منقول
إنَّ الدُّنيا دار ابتلاءٍ وفتنةٍ، ومركب اختبارٍ ومحنةٍ، يميِّز الله بها الخبيث من الطَّيِّب، ويظهر المحقَّ من المبطل، ويفصل بين الصَّادق والكاذب. قال الله - تعالى -: ﴿ أحسب النَّاس أن يُترَكوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتَنون * ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فلَيعلمنَّ الله الذين صدقوا ولَيعلمنَّ الكاذبين *﴾ [العنكبوت: 2-3]، وقال - تعالى -: ﴿ونبلوكم بالشَّرِّ والخير فتنةً ﴾ [الأنبياء: 35]، وقال - تعالى -: ﴿ أوَلا يرون أنَّهم يُفتَنون في كلِّ عامٍ مرَّةً أو مرَّتين ﴾ [التَّوبة: 126]. لقد كتب الله على عباده أنَّهم يُفتَنون، فلا يُترَكون مُهمَلين؛ بل يُفتَنون بالابتلاء بالخير والشَّرِّ. قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما – في قوله تعالى: ﴿ ونبلوكم بالشَّرِّ والخير فتنةً ﴾ [الأنبياء: 35]: «نبتليكم بالشِّدَّة والرَّخاء، والصِّحَّة والسَّقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطَّاعة والمعصية، والهدى والضَّلالة». أخرجه ابن جريرٍ وغيره. فيجري على العبد فنونٌ متعدِّدةٌ، وألوانٌ متنوِّعةٌ، من الابتلاء بالمتقابِلات: الشِّدَّة والرَّخاء، السَّرَّاء والضَّرَّاء، الصِّحَّة والسَّقم، القوَّة والضَّعف، الفقر والتَّرف، السَّعة والضِّيق، الحلال والحرام، الطَّاعة والمعصية، الهدى والضَّلالة. والابتلاء بهذه الفتن لا ينتهي إلى أمدٍ محدودٍ، أو أجلٍ مضروبٍ؛ بل تتتابع فتن الابتلاء بالخير والشَّرِّ على العبد، كما قال تعالى: ﴿ أوَلا يرون أنَّهم يُفتَنون في كلِّ عامٍ مرَّةً أو مرَّتين ﴾ [التَّوبة: 126]، فيُختبَرون في كلِّ عامٍ مرَّةً أو مرَّتين بما يكون زاجرًا لهم عن غيِّهم، ورادعًا لهم عن مفاسدهم ومساوئهم. ومن مُحكَم التَّقدير الإلهيِّ: أن جعل الله النَّاسَ بعضَهم لبعضٍ فتنةً، قال تعالى: ﴿ وجعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون﴾ [الفرقان: 20]، قال الحسن البصريُّ: «جعلنا الغنيَّ فتنةً للفقير، والفقير فتنةً للغنيِّ». رواه ابن جريرٍ والخطَّابيُّ في «العزلة» - واللَّفظ له. فأحدنا يُقلَّب بين الفتن، ويُعرَض على نارها، ويُختبَر مَعدِنه، فليست الدُّنيا إلَّا دار البلوى والفتن، والاختبار والمحن، ولم يبقَ منها إلَّا بلاءٌ وفتنةٌ. قال ابن ماجه: حدَّثنا غِياث بن جعفرٍ الرَّحبيُّ، قال: أخبرنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سمعتُ ابن جابرٍ يقول: سمعتُ أبا عبد ربِّه يقول: سمعت معاويةَ - رضي الله عنه – يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «لَمْ يَبْقَ مِن الدُّنْيَا إِلَّا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ»، وإسناده جيِّدٌ، وبوَّب عليه ابن ماجه: (باب شدَّة الزَّمان). وبعد هذا الخبر الموثوق، عن الصَّادق المصدوق ﷺ، فما المنتظَر من الدُّنيا المبهرَجة المزخرفة؟! قال أبو موسى الأشعريُّ - رضي الله عنه –: «ما يُنتظَر من الدُّنيا إلَّا كلُّ محزنٍ، أو فتنةٌ تُنتظَر». رواه وكيعٌ في «الزُّهد» بسندٍ صحيحٍ. وإن أردتَ أن تعرف قدر الفتن المنتظرة؛ فانظر إلى الأرض إذا وقع عليها قَطْر المطر، كم تعدُّ من حبَّات المطر وزَخَّاته عليها؟! قال البخاريُّ رحمه الله: حدَّثنا عليٌّ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرنا عروةُ، قال: سمعتُ أسامةَ - يعني ابن زيدٍ - رضي الله عنهما – يقول: أشرف النَّبيُّ ﷺ على أُطُمٍ من آطام المدينة، ثمَّ قال: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَواقِعِ القَطْرِ»، ورواه مسلمٌ من حديث سفيانَ بن عُيينةَ به نحوه. فمواقع الفتن بيننا كمواقع القَطْر على أرضنا وهي تتساقط خلال بيوتنا أهلَ الإسلام، فليست خارجةً عنها، ولا بائنةً منها؛ بل هي متوسِّطةٌ لها. قال معاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه –: «إنَّكم لن تروا من الدُّنيا إلَّا بلاءً وفتنةً، ولن يزداد الأمر إلَّا شدَّةً، ولن تروا من الأئمَّة إلَّا غلظةً، ولن تروا أمرًا يهولكم ويشتدُّ عليكم إلَّا حَقَره بعدُ ما هو أشدُّ منه». رواه البغويُّ في «معجم الصَّحابة»، والخلَّال في «السُّنَّة» بسندٍ صحيحٍ عنه، ومثله لا يُقال من قِبل الرَّأي، ولمَّا حدَّث به الإمام أحمدُ - فيما رواه الخلَّال عنه - قال: «اللَّهمَّ رضِّنا»، يمدُّ بها صوته، مرَّتين أو ثلاثًا. فالدُّنيا دار بلاءٍ وفتنةٍ، والأمر مزدادٌ شدَّةً، ولن نرى من الأئمَّة إلَّا غلظةً، ولن نرى أمرًا يهولنا إلَّا جاء بعده ما حقَّره لهوله وعظمه، فإذا سكنت فتنةٌ، فما هي إلَّا مُدَيدةٌ فتتبعها فتنةٌ أخرى. قال حذيفةُ - رضي الله عنه –: «إنَّ للفتنة بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ؛ فإن استطعتَ أن تموت في وقفاتها فافعل». رواه ابن أبي شيبةَ والحاكم بسندٍ صحيحٍ، وزاد الحاكم عن زيد ابن وهبٍ قال: سُئل حذيفةُ: ما وقفاتها؟ قال: «إذا غُمِد السَّيف»، قيل: وما بعثاتها؟ قال: «إذا سُلَّ السَّيف».