بيان الحق و رحمة الخلق هو المنهاج الشرعي للدّعوة
بسم الله الرحمن الرحيم
أ) دعاني الأستاذ/ معن بن حمد الجاسر لحضور خميسينيَّته، ولما علمتُ أن المتكلم سمير عطا وكنت أعدّه من خير الصّحفيّين العرب، وأن المناقش محمد نصر الله وكنت أظنّه من أبرز الصحفيّين السّعوديين رغبت في إجابة الدّعوة، فذكر لي أحد الدّعاة على منهاج النّبوّة أن محمد نصر الله متعصّب لطائفته مجرّد حميّة جاهليّة لأنه لا يُعْرف عنه الاهتمام بالأمور الدّينيّة على أيّ مذهب، وكعادتي بفضل الله: التّثبّت طلبت منه الدّليل فأطلعني على ما كتبه في زاويته (أصوات) بجريدة الرياض العدد (12777) بتاريخ: 1424/4/18، ولم يكن ذلك ليمنعني من حضور الخميسينيّة لأن سمير عطا ومحمد نصر الله وأهل الخميسينية لا يبحثون أمرًا دينيًّا (وحسنًا يفعلون لأنهم غير مؤهّلين للقول على الله وشرعه وليت جميع الصّحفيِّين والكتّاب تُكَفُّ أقلامهم عنه) ولو كان البحث في الدّين لحرصت أكثر على حضوره لعلَّي آمر بمعروف أو أنهى عن منكر.
ب) روى محمد نصر الله عن حسن الصفّار فَرَح الأخير [والأوّل] (بحفاوة سلمان العودة به وطلبه إطالة الاجتماع به ومرافقته في سيارته جَذِلَين بروح التّآخي والتّسامح، واعتراف الفريقين بإسلاميّة الجميع). ولو صدقت الرّواية بما يظهر فيها من مبالغة لما كان لمحمد نصر الله ولا لحسن الصفّار الاحتفاء بها؛ فإسلاميّة سلمان (على حدّ تعبيره) نسخة تقليدية من إسلاميّة سيّد قطب (تجاوز الله عن الجميع)، وسبق أن أعلنَتْ مرجعيّة الشيعة في إيران (هداها الله لدينه الحقّ) جَذَلها بها فأضْفَتْ على سيّد ما خصّت به آياتها العظمى وقدوتها مثل نوّاب صفوي قَبْلُ والخميني بَعْدُ. فأصْدَرَتْ طابعًا تذكاريًّا باسمه ورسمه ووَضَعَت اسمه على ما لا يقلّ عن سبعة شوارع وطُرُق عامّة.
ونادى حزب الإخوان المسلمين في مصر وغيرها منذ عقود بالتّقريب بين السنة والشيعة؛ فلا جديد يستثير الجَذَل في التقارب بين الصفّار وسلمان (هداهما الله لأقرب من هذا رشدًا). لا أعْلَم أن سلمان وصل (من إرضاء المرجعيّة الشيعيّة في إيران) إلى ما وصل إليه سيّد مِنْ سبِّ عدد من الصّحابة رضي الله عنهم ولَمْز عدد من العشرة المبشرين بالجنّة رضي الله عنهم (انظر: كتابه العدالة الاجتماعية ص(164) و(175)، وكتابه: كتب وشخصيات ص(242)، ط.دار الشّروق)، ولا أظنّه تأهّل للطابع التذكاري أو للشارع يحمل اسمه أو رسمه. ولكنّها قد تَقْنع من أبناء بلاد ودولة الدعوة النّبويّة بما لا تقنع به من أبناء غيرها مَيْلاً أو انحرافًا أو خروجًا عن السنة.
ج) لعل المرجعية الشيعيّة في إيران (هداها الله وردّها إلى السنة) يكفيها من سلمان ما سبق من مخالفته السنة والجماعة وعلماء الأمة يوم تحركت الفتنة أثناء احتلال الكويت، وتسمية موقعه ومؤسّسته ومجلته: (الإسلام اليوم) مُطْمئنّةً لما خِفْتُ منه؛ أن يعني ذلك: الانحراف عن الفقه في الدّين على منهاج السنة إلى فقه (بل فكر) سيّد للواقع والحركة والموقف والمرحلة على منهاج الهوى الموصوف بالفكر الإسلامي؛ ووصْفُه بالفكر القطبيّ أَوْلى.
د) ولعل المرجعيّة الشيعيّة في إيران (ردّها الله إلى السنة) يعجبها من سلمان مناداته بما تنادي به من (الانسجام النّفسي والصفاء والنقاء القلبي وعدم الانشغال بالاختلافات في الرّأي والاجتهاد عن جوانب الاتفاق) بلا ضابط ولا التزام بفقه الصحابة وتابعيهم رضي الله عنهم، بل هو الخلط بين ما يسميه سلمان: (العلم والتجربة والرّؤية والفهم).
هـ) ولعل المرجعيّة الشيعيّة في إيران (دلّها الله على الحق وثبتها عليه) شمّت من قول سلمان (دلّه الله على الحق وثبته عليه): (يجب ألا نسمح لأيّ طرف حكوميّ أو دَعَويّ أن يستأثر بالخطاب دون غيره) ما خَشِيْتُ أن يكون معناه: إهمال فقه السلف ورد خطاب دار الإفتاء واللجنة الدّائمة وهيئة كبار العلماء (وعلى رأسها مفتي المملكة المباركة) وردّ خطاب الدّعوة في وزارة الشؤون الإسلاميّة (وعلى رأسها خير وزراء الشؤون الإسلامية في بلاد ودول المسلمين علمًا وفقهًا ومنهاجًا) إذا خالَفَت الخطاب الفكري أو الحركي أو الحزبي، بل والصّوفي والشيعي، أو على الأقلّ فَتْح الباب لكلّ خطاب فكري ليختار منه المسلم ما يوافق هواه، ولا أرى ترجمة لهذه الحداثة – الإسلاميّة بزعم أهلها – (في فهم عامة المسلمين: الأمّي والمفكّر والحركي والحزبي) إلا إهمال قول الله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ“ بعد قوله: ” إنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا“، وبالتّالي: اتّباع {غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ} [النساء: 115].
و) يروي محمد نصر الله (هداه الله) أنه استشفع بأحد ولاة الأمر أعزهم الله وأعزّ بهم دينه لدى الشيخ ابن باز رحمه الله لاستقبال وفد شيعي بقصد (كسر الحاجز النّفسي ومحاصرة الفتاوى التكفيريّة) ويزعم أنه فوجئ بقبول الشيخ ذلك.
ويظهر لي في هذه الرواية مبالغة أشنع فباب الشيخ ابن باز رحمه الله مفتوح للجميع (منذ اصطفاه الله للدعوة إلى التّوحيد والسنة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن) للاستفتاء والتّعلّم بل للطعام والنّوم، لا يُعْرف أنه رد من قصد مكتبه أو بيته لأمرٍ من خير الدّين أو الدّنيا، ولا أكَل طعامه مع أهل بيته بل مع أضيافه؛ الصّالح منهم والطّالح.
ز) ويروي محمد نصر الله (ردّه الله إلى السنة) أن الشيخ تطارح مع الشيعة توحيد الرّبوبية، ولا أَشكُّ أن محمد نصر الله (على أحسن الأحوال) أخطأ في هذه الرّواية، وربما أنساه مَرُّ السّنين ما حدث حقّاً، وليته قدّم الرّواية قبل موت الشيخ رحمه الله لنتبيّن الوجه الآخر للواقعة، (ولعلّه تعلّم تأخير الرّواية حتى يموت طرفها الآخر مِنْ كبيرهم الذي علّمهم المكْر حسنين هيكل)؛ الشيخ ابن باز في كتبه ودروسه وفتاواه ومجادلته الفرق الضالة لا يقدّم توحيد الرّبوبيّة على توحيد العبوديّة فضلاً عن أن يتذكر الرّبوبيّة وينسى العبوديّة؛ لأن الله أرسل كلّ رسله ليقرّروا قبل كلّ أمر: توحيد العبادة أي: إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه كما في قول الله تعالى عنهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَـكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة: 31].
وخلافًا لفِكْر وخَلْط سيّد قطب رحمه الله (في ظلال القرآن ص(1846) و(1852) و(2111)، ط.دار الشروق) كان الخلاف بين الرسل وأقوامهم على توحيد الألوهية أو العبودية، أما توحيد الرّبوبيّة فأكثر الناس (ومنهم إبليس من الجنّ) مُقرُّون به كما قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61]، وقوله تعالى عن إبليس: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12].
وأهمّ خلاف بين السنة والشيعة: إفراد الله بالعبادة (توحيد الألوهية)؛ وأبرز مظاهر مخالفة الشيعة لشرع الله في هذا الأمر العظيم: تعظيمهم المشاهد والمراقد والمزارات ودعاء من سمّيت باسمه مع الله أو دونه.
والشيخ ابن باز وغيره من علماء السنة لا يَخُصون الشيعة بهذه الكبيرة الموبقة بل يعدّونها أكبر الكبائر وأشنع الموبقات سواء وقع فيها من يدّعي الشيعة أو يدّعي السنة، لا تحزّب ولا تعصب.
وأشهد أن أكثر عَبَدة هذه الأوثان في بلاد العرب والعجم هم ممّن ينتمون إلى السنة، وقد نبّه إلى اشتراك أكثر أفراد الطائفتين في هذه المعصية خير الشيعة (وكثير من أهل السنة انتماءً) الأستاذ د. موسى الموسوي الذي أنار الله بصيرته بعد حصوله على درجة الاجتهاد من (قمّ) فسعى إلى (تصحيح التّشيّع) وردِّه إلى فقه آل البيت حقّاً لا ادّعاءً، وتطهيره من البدع الشركية فما دونها (انظر كتابه: تصحيح التّشيّع: مراقد الأئمة، وغير ذلك)، ولو تحقق ذلك لهان الخلاف. وابن باز وأمثاله لا يكفّرون دون رويّة كما فعل سيّد قطب ومن سار على نهجه دون بصيرة، ولا يكفّر المعيّن إلا إذا قامت عليه الحجّة فأصرّ على الشرك أو الكفر، بصرف النّظر عن انتمائه الطّائفي.
وابن باز رحمه الله يرى أن (الشّيعة فِرَق كثيرة، وكل فرقة لديها أنواع من البدع) الفتاوى والمقالات (ص: 4 – 439)، والمنتمون للسنة كذلك، وتعدّد الفِرَق خروج عن الجماعة والطّائفة الواحدة النّاجية سواء انتمى الخارجون إلى الشيعة أو للسنة أو غيرهما، بل صرّح بأن جماعة التّبليغ وجماعة الإخوان المسلمين مثل المرجئة والخوارج (وكلهم ينتمون إلى السنة) من الثنتين وسبعين فرقة التي قال عنها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ” وستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة… من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي“. النصيحة، لسعيد بن هليل العمر (ص:10 –11)، وصرّح بمثل ذلك الشيخ د.صالح الفوزان حفظه الله، الأجوبة المفيدة، لجمال بن فريحان الحارثي (ص:35).
فهل يرتفع الآيات وأتباعهم إلى ما دون هذه الدّرجة العالية من القيام لله مثنى وفرادى وقول الحق ولو على أنفسهم والمنتمين إلى فِرَقِهم؟ أمّا تجارب الحزب الإخواني في التقريب فتنفي ذلك.
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله في شأن معاملة هذه الجماعات والفِرَق والأحزاب (الخارجة عن السنة من المنتمين إليها وغيرهم): (الواجب على المسلم نُصح الجميع بأن يسيروا في الخطّ الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تجاوز هذا أو استمرّ في عناده فإن الواجب التّشهير به والتّحذير منه، وممّا لا شكّ فيه أن كثرة الفِرَق والجماعات في البلد المسلم مما يحرص عليه الشيطان أوّلاً وأعداء الإسلام من الإنس ثانيًا). الفتاوى والمقالات (5/202).
ولا يحتاج محمد نصر الله إلى رواية غير موثّقة مات أوثق أطرافها من أجل معاملةٍ غير متبادلة بالحسنى فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المشرك والكتابيّ بأكثر أنواع المعاملات حتى مات ودرعه مرهون عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير وكان يزور اليهودي ويزوره اليهودي ويقبل هديته ويدرأ سيئته بالحسنة ويدعوه ويَدْعُو له بالهداية.
ومع أن د.محمد صادق الشيعي لم يَفِ باتّفاق بيننا في المسجد الحرام ليدعوا كلّ منّا طائفته لمعاملة الأخرى بالحسنى قبل ثلاثين سنة؛ فقد أعَدْت الوفاء مرّة أخرى فكتبت العام الماضي مقالاً افتتحت به مجموعة مقالاتي الثالثة بعنوان: (الدعوة والدعاء من شرع الله لجميع عباده) وهو منشور في موقع باسمي على الانترنت، هدى الله الجميع للحقّ والعدل.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى. 1429هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
أ) دعاني الأستاذ/ معن بن حمد الجاسر لحضور خميسينيَّته، ولما علمتُ أن المتكلم سمير عطا وكنت أعدّه من خير الصّحفيّين العرب، وأن المناقش محمد نصر الله وكنت أظنّه من أبرز الصحفيّين السّعوديين رغبت في إجابة الدّعوة، فذكر لي أحد الدّعاة على منهاج النّبوّة أن محمد نصر الله متعصّب لطائفته مجرّد حميّة جاهليّة لأنه لا يُعْرف عنه الاهتمام بالأمور الدّينيّة على أيّ مذهب، وكعادتي بفضل الله: التّثبّت طلبت منه الدّليل فأطلعني على ما كتبه في زاويته (أصوات) بجريدة الرياض العدد (12777) بتاريخ: 1424/4/18، ولم يكن ذلك ليمنعني من حضور الخميسينيّة لأن سمير عطا ومحمد نصر الله وأهل الخميسينية لا يبحثون أمرًا دينيًّا (وحسنًا يفعلون لأنهم غير مؤهّلين للقول على الله وشرعه وليت جميع الصّحفيِّين والكتّاب تُكَفُّ أقلامهم عنه) ولو كان البحث في الدّين لحرصت أكثر على حضوره لعلَّي آمر بمعروف أو أنهى عن منكر.
ب) روى محمد نصر الله عن حسن الصفّار فَرَح الأخير [والأوّل] (بحفاوة سلمان العودة به وطلبه إطالة الاجتماع به ومرافقته في سيارته جَذِلَين بروح التّآخي والتّسامح، واعتراف الفريقين بإسلاميّة الجميع). ولو صدقت الرّواية بما يظهر فيها من مبالغة لما كان لمحمد نصر الله ولا لحسن الصفّار الاحتفاء بها؛ فإسلاميّة سلمان (على حدّ تعبيره) نسخة تقليدية من إسلاميّة سيّد قطب (تجاوز الله عن الجميع)، وسبق أن أعلنَتْ مرجعيّة الشيعة في إيران (هداها الله لدينه الحقّ) جَذَلها بها فأضْفَتْ على سيّد ما خصّت به آياتها العظمى وقدوتها مثل نوّاب صفوي قَبْلُ والخميني بَعْدُ. فأصْدَرَتْ طابعًا تذكاريًّا باسمه ورسمه ووَضَعَت اسمه على ما لا يقلّ عن سبعة شوارع وطُرُق عامّة.
ونادى حزب الإخوان المسلمين في مصر وغيرها منذ عقود بالتّقريب بين السنة والشيعة؛ فلا جديد يستثير الجَذَل في التقارب بين الصفّار وسلمان (هداهما الله لأقرب من هذا رشدًا). لا أعْلَم أن سلمان وصل (من إرضاء المرجعيّة الشيعيّة في إيران) إلى ما وصل إليه سيّد مِنْ سبِّ عدد من الصّحابة رضي الله عنهم ولَمْز عدد من العشرة المبشرين بالجنّة رضي الله عنهم (انظر: كتابه العدالة الاجتماعية ص(164) و(175)، وكتابه: كتب وشخصيات ص(242)، ط.دار الشّروق)، ولا أظنّه تأهّل للطابع التذكاري أو للشارع يحمل اسمه أو رسمه. ولكنّها قد تَقْنع من أبناء بلاد ودولة الدعوة النّبويّة بما لا تقنع به من أبناء غيرها مَيْلاً أو انحرافًا أو خروجًا عن السنة.
ج) لعل المرجعية الشيعيّة في إيران (هداها الله وردّها إلى السنة) يكفيها من سلمان ما سبق من مخالفته السنة والجماعة وعلماء الأمة يوم تحركت الفتنة أثناء احتلال الكويت، وتسمية موقعه ومؤسّسته ومجلته: (الإسلام اليوم) مُطْمئنّةً لما خِفْتُ منه؛ أن يعني ذلك: الانحراف عن الفقه في الدّين على منهاج السنة إلى فقه (بل فكر) سيّد للواقع والحركة والموقف والمرحلة على منهاج الهوى الموصوف بالفكر الإسلامي؛ ووصْفُه بالفكر القطبيّ أَوْلى.
د) ولعل المرجعيّة الشيعيّة في إيران (ردّها الله إلى السنة) يعجبها من سلمان مناداته بما تنادي به من (الانسجام النّفسي والصفاء والنقاء القلبي وعدم الانشغال بالاختلافات في الرّأي والاجتهاد عن جوانب الاتفاق) بلا ضابط ولا التزام بفقه الصحابة وتابعيهم رضي الله عنهم، بل هو الخلط بين ما يسميه سلمان: (العلم والتجربة والرّؤية والفهم).
هـ) ولعل المرجعيّة الشيعيّة في إيران (دلّها الله على الحق وثبتها عليه) شمّت من قول سلمان (دلّه الله على الحق وثبته عليه): (يجب ألا نسمح لأيّ طرف حكوميّ أو دَعَويّ أن يستأثر بالخطاب دون غيره) ما خَشِيْتُ أن يكون معناه: إهمال فقه السلف ورد خطاب دار الإفتاء واللجنة الدّائمة وهيئة كبار العلماء (وعلى رأسها مفتي المملكة المباركة) وردّ خطاب الدّعوة في وزارة الشؤون الإسلاميّة (وعلى رأسها خير وزراء الشؤون الإسلامية في بلاد ودول المسلمين علمًا وفقهًا ومنهاجًا) إذا خالَفَت الخطاب الفكري أو الحركي أو الحزبي، بل والصّوفي والشيعي، أو على الأقلّ فَتْح الباب لكلّ خطاب فكري ليختار منه المسلم ما يوافق هواه، ولا أرى ترجمة لهذه الحداثة – الإسلاميّة بزعم أهلها – (في فهم عامة المسلمين: الأمّي والمفكّر والحركي والحزبي) إلا إهمال قول الله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ“ بعد قوله: ” إنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا“، وبالتّالي: اتّباع {غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ} [النساء: 115].
و) يروي محمد نصر الله (هداه الله) أنه استشفع بأحد ولاة الأمر أعزهم الله وأعزّ بهم دينه لدى الشيخ ابن باز رحمه الله لاستقبال وفد شيعي بقصد (كسر الحاجز النّفسي ومحاصرة الفتاوى التكفيريّة) ويزعم أنه فوجئ بقبول الشيخ ذلك.
ويظهر لي في هذه الرواية مبالغة أشنع فباب الشيخ ابن باز رحمه الله مفتوح للجميع (منذ اصطفاه الله للدعوة إلى التّوحيد والسنة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن) للاستفتاء والتّعلّم بل للطعام والنّوم، لا يُعْرف أنه رد من قصد مكتبه أو بيته لأمرٍ من خير الدّين أو الدّنيا، ولا أكَل طعامه مع أهل بيته بل مع أضيافه؛ الصّالح منهم والطّالح.
ز) ويروي محمد نصر الله (ردّه الله إلى السنة) أن الشيخ تطارح مع الشيعة توحيد الرّبوبية، ولا أَشكُّ أن محمد نصر الله (على أحسن الأحوال) أخطأ في هذه الرّواية، وربما أنساه مَرُّ السّنين ما حدث حقّاً، وليته قدّم الرّواية قبل موت الشيخ رحمه الله لنتبيّن الوجه الآخر للواقعة، (ولعلّه تعلّم تأخير الرّواية حتى يموت طرفها الآخر مِنْ كبيرهم الذي علّمهم المكْر حسنين هيكل)؛ الشيخ ابن باز في كتبه ودروسه وفتاواه ومجادلته الفرق الضالة لا يقدّم توحيد الرّبوبيّة على توحيد العبوديّة فضلاً عن أن يتذكر الرّبوبيّة وينسى العبوديّة؛ لأن الله أرسل كلّ رسله ليقرّروا قبل كلّ أمر: توحيد العبادة أي: إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه كما في قول الله تعالى عنهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَـكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة: 31].
وخلافًا لفِكْر وخَلْط سيّد قطب رحمه الله (في ظلال القرآن ص(1846) و(1852) و(2111)، ط.دار الشروق) كان الخلاف بين الرسل وأقوامهم على توحيد الألوهية أو العبودية، أما توحيد الرّبوبيّة فأكثر الناس (ومنهم إبليس من الجنّ) مُقرُّون به كما قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61]، وقوله تعالى عن إبليس: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12].
وأهمّ خلاف بين السنة والشيعة: إفراد الله بالعبادة (توحيد الألوهية)؛ وأبرز مظاهر مخالفة الشيعة لشرع الله في هذا الأمر العظيم: تعظيمهم المشاهد والمراقد والمزارات ودعاء من سمّيت باسمه مع الله أو دونه.
والشيخ ابن باز وغيره من علماء السنة لا يَخُصون الشيعة بهذه الكبيرة الموبقة بل يعدّونها أكبر الكبائر وأشنع الموبقات سواء وقع فيها من يدّعي الشيعة أو يدّعي السنة، لا تحزّب ولا تعصب.
وأشهد أن أكثر عَبَدة هذه الأوثان في بلاد العرب والعجم هم ممّن ينتمون إلى السنة، وقد نبّه إلى اشتراك أكثر أفراد الطائفتين في هذه المعصية خير الشيعة (وكثير من أهل السنة انتماءً) الأستاذ د. موسى الموسوي الذي أنار الله بصيرته بعد حصوله على درجة الاجتهاد من (قمّ) فسعى إلى (تصحيح التّشيّع) وردِّه إلى فقه آل البيت حقّاً لا ادّعاءً، وتطهيره من البدع الشركية فما دونها (انظر كتابه: تصحيح التّشيّع: مراقد الأئمة، وغير ذلك)، ولو تحقق ذلك لهان الخلاف. وابن باز وأمثاله لا يكفّرون دون رويّة كما فعل سيّد قطب ومن سار على نهجه دون بصيرة، ولا يكفّر المعيّن إلا إذا قامت عليه الحجّة فأصرّ على الشرك أو الكفر، بصرف النّظر عن انتمائه الطّائفي.
وابن باز رحمه الله يرى أن (الشّيعة فِرَق كثيرة، وكل فرقة لديها أنواع من البدع) الفتاوى والمقالات (ص: 4 – 439)، والمنتمون للسنة كذلك، وتعدّد الفِرَق خروج عن الجماعة والطّائفة الواحدة النّاجية سواء انتمى الخارجون إلى الشيعة أو للسنة أو غيرهما، بل صرّح بأن جماعة التّبليغ وجماعة الإخوان المسلمين مثل المرجئة والخوارج (وكلهم ينتمون إلى السنة) من الثنتين وسبعين فرقة التي قال عنها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ” وستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة… من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي“. النصيحة، لسعيد بن هليل العمر (ص:10 –11)، وصرّح بمثل ذلك الشيخ د.صالح الفوزان حفظه الله، الأجوبة المفيدة، لجمال بن فريحان الحارثي (ص:35).
فهل يرتفع الآيات وأتباعهم إلى ما دون هذه الدّرجة العالية من القيام لله مثنى وفرادى وقول الحق ولو على أنفسهم والمنتمين إلى فِرَقِهم؟ أمّا تجارب الحزب الإخواني في التقريب فتنفي ذلك.
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله في شأن معاملة هذه الجماعات والفِرَق والأحزاب (الخارجة عن السنة من المنتمين إليها وغيرهم): (الواجب على المسلم نُصح الجميع بأن يسيروا في الخطّ الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تجاوز هذا أو استمرّ في عناده فإن الواجب التّشهير به والتّحذير منه، وممّا لا شكّ فيه أن كثرة الفِرَق والجماعات في البلد المسلم مما يحرص عليه الشيطان أوّلاً وأعداء الإسلام من الإنس ثانيًا). الفتاوى والمقالات (5/202).
ولا يحتاج محمد نصر الله إلى رواية غير موثّقة مات أوثق أطرافها من أجل معاملةٍ غير متبادلة بالحسنى فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المشرك والكتابيّ بأكثر أنواع المعاملات حتى مات ودرعه مرهون عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير وكان يزور اليهودي ويزوره اليهودي ويقبل هديته ويدرأ سيئته بالحسنة ويدعوه ويَدْعُو له بالهداية.
ومع أن د.محمد صادق الشيعي لم يَفِ باتّفاق بيننا في المسجد الحرام ليدعوا كلّ منّا طائفته لمعاملة الأخرى بالحسنى قبل ثلاثين سنة؛ فقد أعَدْت الوفاء مرّة أخرى فكتبت العام الماضي مقالاً افتتحت به مجموعة مقالاتي الثالثة بعنوان: (الدعوة والدعاء من شرع الله لجميع عباده) وهو منشور في موقع باسمي على الانترنت، هدى الله الجميع للحقّ والعدل.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى. 1429هـ.