بسم الله
تفريغ
فمن طمع أن يقوم من آخر الليل فإنه يستحب له أن يجعل وتره في آخره. وقولنا: (من طمع) هو الذي ذكره النبي ﷺ في الحديث المروي في «صحيح مسلم»، وأما الحنابلة فإنهم قالوا عند هذا الموضع: (وجعله آخر الليل لمن يثق بنفسه أفضل). وهذه الجملة - الثقة بالنفس - عبر بها الحنابلة في موضعين: أحدهما: في الوتر؛ وهو الذي ذكرناه. والآخر: في باب إخراج الزكاة، وأن الأفضل أن يدفعها صاحبها لمستحقها، قالوا: (فإن لم يثق بنفسه دفعها إلى الساعي) أي إلى الذي يجمع الزكاة نائبا عن ولي الأمر. واستعمال هذه الجملة (الثقة بالنفس) مهجور في الكتاب والسنة وكلام السلف؛ بل في قوله ﷺ: «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» إشارة إلى البراءة من الثقة بالنفس. ولهذا ذهب شيخ شيوخنا محمد بن إبراهيم آل الشيخ إلى عدم جواز قول: (تجب الثقة بالنفس)؛ فإنه في تقريره على «الحموية» لما سئل عن قول من يقول: تجب الثقة بالنفس؟ قال: «لا تجب ولا تجوز»، ثم استدل بما ذكرناه. وقد ذهب شيخنا ابن عثيمين رحمه الله إلى الجواز. والذي يظهر – والله أعلم - أن القائل بالمنع اعتبر معنى، وأن القال بالجواز اعتبر معنى. فالذي قال بالمنع اعتبر الباطن؛ لأن حقيقة الثقة أمر باطن عند العبد؛ ولهذا كانت الثقة خلاصة التوكل؛ أشار إلى هذا ابن القيم في «مدارج السالكين». والذي قال بالجواز نظر إلى الظاهر، وهو وجود القدرة والاستطاعة. وإذا اعتبرنا هذين المعنيين في المنع والجواز، فالذي يظهر أنه لا يطلق القول بمنعها، ولا يطلق القول بجوازها؛ بل الثقة بالنفس نوعان: أحدهما: ثقة سكون؛ وهو أن تسكن نفس العبد إلى ما لديه من استطاعة وأسباب. والآخر: ثقة ركون؛ وهو كمال تعلق العبد بما عنده تعلقا يذهل به عن التوكل على الله واتخاذ الأسباب أسبابا. فالأول جائز، والثاني حرام. ويحكم على استعمالها في كل مقام بما يدل عليه السياق. والشائع على ألسنة المتكلمين في تنمية الذات والاعتداد بالقوى والقدرات أنهم يطلقونها ويريدون المعنى الثاني؛ لأن عامة ما لديهم مأخوذ عن قوم ليسوا بمسلمين؛ فاستعمالهم لها حينئذ ممنوع. وأما إذا استعملها أحد باعتبار المعنى الأول فالذي يظهر جوازها، والله أعلم. والأفضل: ترك استعمال هذه الكلمة؛ لهجرها في القرآن والسنة وكلام السلف رحمهم الله تعالى.
تفريغ
فمن طمع أن يقوم من آخر الليل فإنه يستحب له أن يجعل وتره في آخره. وقولنا: (من طمع) هو الذي ذكره النبي ﷺ في الحديث المروي في «صحيح مسلم»، وأما الحنابلة فإنهم قالوا عند هذا الموضع: (وجعله آخر الليل لمن يثق بنفسه أفضل). وهذه الجملة - الثقة بالنفس - عبر بها الحنابلة في موضعين: أحدهما: في الوتر؛ وهو الذي ذكرناه. والآخر: في باب إخراج الزكاة، وأن الأفضل أن يدفعها صاحبها لمستحقها، قالوا: (فإن لم يثق بنفسه دفعها إلى الساعي) أي إلى الذي يجمع الزكاة نائبا عن ولي الأمر. واستعمال هذه الجملة (الثقة بالنفس) مهجور في الكتاب والسنة وكلام السلف؛ بل في قوله ﷺ: «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» إشارة إلى البراءة من الثقة بالنفس. ولهذا ذهب شيخ شيوخنا محمد بن إبراهيم آل الشيخ إلى عدم جواز قول: (تجب الثقة بالنفس)؛ فإنه في تقريره على «الحموية» لما سئل عن قول من يقول: تجب الثقة بالنفس؟ قال: «لا تجب ولا تجوز»، ثم استدل بما ذكرناه. وقد ذهب شيخنا ابن عثيمين رحمه الله إلى الجواز. والذي يظهر – والله أعلم - أن القائل بالمنع اعتبر معنى، وأن القال بالجواز اعتبر معنى. فالذي قال بالمنع اعتبر الباطن؛ لأن حقيقة الثقة أمر باطن عند العبد؛ ولهذا كانت الثقة خلاصة التوكل؛ أشار إلى هذا ابن القيم في «مدارج السالكين». والذي قال بالجواز نظر إلى الظاهر، وهو وجود القدرة والاستطاعة. وإذا اعتبرنا هذين المعنيين في المنع والجواز، فالذي يظهر أنه لا يطلق القول بمنعها، ولا يطلق القول بجوازها؛ بل الثقة بالنفس نوعان: أحدهما: ثقة سكون؛ وهو أن تسكن نفس العبد إلى ما لديه من استطاعة وأسباب. والآخر: ثقة ركون؛ وهو كمال تعلق العبد بما عنده تعلقا يذهل به عن التوكل على الله واتخاذ الأسباب أسبابا. فالأول جائز، والثاني حرام. ويحكم على استعمالها في كل مقام بما يدل عليه السياق. والشائع على ألسنة المتكلمين في تنمية الذات والاعتداد بالقوى والقدرات أنهم يطلقونها ويريدون المعنى الثاني؛ لأن عامة ما لديهم مأخوذ عن قوم ليسوا بمسلمين؛ فاستعمالهم لها حينئذ ممنوع. وأما إذا استعملها أحد باعتبار المعنى الأول فالذي يظهر جوازها، والله أعلم. والأفضل: ترك استعمال هذه الكلمة؛ لهجرها في القرآن والسنة وكلام السلف رحمهم الله تعالى.