إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛
{يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاتِهِ ولا تموتنّ إِلّا وأنْتمْ مسْلِمون}[سورة آل عمران:102]
{يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذِي خلقكمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها وبثّ مِنْهما رِجالًا كثِيرًا ونِساءً واتّقوا اللّه الّذِي تساءلون بِهِ والْأرْحام إِنّ اللّه كان عليْكمْ رقِيبًا}[سورة النساء:1]
{يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قوْلًا سدِيدًا (70) يصْلِحْ لكمْ أعْمالكمْ ويغْفِرْ لكمْ ذنوبكمْ ومنْ يطِعِ اللّه ورسوله فقدْ فاز فوْزًا عظِيمً}[سورة الأحزاب:70 - 71]
ألا وإن أصدق الحديث كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ، وشر الأمر محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة
أما بعد:
فهذا حديث عظيم ومهم قد ينور بصيرة كثير من الناس من قد يقع في نفسه حزن وهو لا يدري وما أكثر ما إذا سئل قال لا أدري ما بي ...
وهذا الحديث رواه:
الترمذي في جامعه (79/4ح3251 ط التأصيل) في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ومن سورة البقرة قال وفي علله الكبير (ص353 ح654 ط عالم الكتب):
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً [من ابن آدم]الطبري بِابْنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ [وللملائكة]ابن أبي حاتم لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ [فاتعاد]أبي يعلى بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ [الملائكة]ابن أبي حاتم فَإِيعَادٌ [فاتعاد]أبي يعلى بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى [الآخر]النسائي فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [سورة البقرة:268] الآية.
شرح الغريب:
قوله "لَمَّةً": الهمّة والخطرة تقع في القلب. (النهاية، مادة لمم).
تخريج الحديث:
وعن هناد به مرفوعا رواه:
النسائي في الكبرى (51/13ح11161 ط التأصيل)، وأبي يعلى في مسنده (203/4ح5011 ط التأصيل) وعنه ابن حبان في صحيحه (397/2ح1560 ط ابن حزم)، وابن جرير في تفسيره (170/3ح428 ط ابن الجوزي)، وابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان (ص61 ح41 ط مجدي السيد)، وابن أبي حاتم في تفسيره (660/2 ط ابن الجوزي) عن أبي زرعة الرازي الإمام المشهور وصاحب أبو حاتم الرازي.
وتابع هناد، أبو علي الحسن بن الربيع بن سليمان البوراني الكوفي روى حديثه:
البزار في مسنده (394/5ح2027) عن أبي يعقوب يوسف بن موسى الرازي، والبيهقي في الشعب (284/6ح4187 ط الرشد): عن أبي محمد جناح بن نذير بن جناح المحاربي القاضي بالكوفة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي، عن أبي عمرو أحمد بن حازم بن محمد الغفاري الكوفي،
ورواه مرفوعا كذلك ابن مردويه في تفسيره كما نقله ابن كثير في تفسيره (700/1 ط طيبة) قال: وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره،
عن محمد بن أحمد [بن إبراهيم الأصبهاني، المشهور بالعسال ثقة حافظ متقن]، عن محمد بن عبد الله بن رسته [أبو عبد الله الضبي الأصبهاني ثقة]، عن هارون الفروي [ابن موسى بن عبد الله أبو موسى، ثقة]، عن أبي ضمرة [أنس بن عياض بن ضمرة الليثي، ثقة] عن ابن شهاب [الزهري]، عن عبيد الله بن عبد الله [بن عتبة المدني، أبو عثمان ثقة ثبت أحد الفقهاء السبعة]، عن ابن مسعود، مرفوعا نحوه.
وعبيد الله لم يسمع من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه،
قال المزي في تحفة الأشراف (356/6 /9401 ط الغرب): عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود، ولم يدركه، وفي تهذيب الكمال (73/7 ترجمة3653 ط الرسالة): روى عن: ... وعم أبيه عبد الله بن مسعود (م ق) مرسل، ...
وقال الذهبي تهذيب تهذيب الكمال (216/6 ت4338 طبعة الفاروق): أرسل عن: عمر (س)، وعمار (دق)، وابن مسعود (ع) ...
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (603/ ترجمته4536 ط دبي): وأرسل عن عمّ أبيه عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر، وعمر، وفي إتحاف المهرة (341/10 ط الجامعة الإسلامية): عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عم أبيه. ولم يسمع منه، وفي فتح الباري (236/23 ط الرسالة): إلا أنه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه.
قال الترمذي في جامعه:
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِى الأَحْوَصِ، لاَ نَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى الأَحْوَصِ.
وقال في العلل الكبير:
سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن عطاء بن السائب وأوقفه. وأرى أنه قد رفعه غير أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، وهو حديث أبي الأحوص.
وقال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، بهذا الإسناد، وقد رواه غير أبي الأحوص موقوفا.
قال ابن أبي حاتم في العلل (636/5 مسألة 2224 ط الجريسي) قال:
وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن للملك لمة، وللشيطان لمة … ، الحديث؟
فقال أبو زرعة: الناس يوقفونه عن عبد الله؛ وهو الصحيح.
فقال أبي: رواه حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، موقوف.
قلت: فأيهما الصحيح؟
قال: هذا من عطاء بن السائب؛ كان يرفع الحديث مرة، ويوقفه أخرى، والناس يحدثون من وجوه عن عبد الله موقوف.
ورواه الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن مسعود، موقوف، وذكر أشياء من هذا النحو موقوف.
ورواه موقوفا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب به، روى حديثه:
الطبراني في الكبير (2233/7ح8531 ط الريان) قال:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
"أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ، إِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَلِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ،
أَلا وَإِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةٌ، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةٌ، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِيعَادٌ لِلْخَيْرِ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ، فَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الْمَلَكِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الشَّيْطَانِ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ}[سورة البقرة: 268] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ،
قَالَ: أَلا إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ، رَجُلٍ قَامَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنْ فِرَاشِهِ وَلِحَافِهِ وَدِثَارِهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلاةٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِمَلائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي هَذَا عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ، وَرَجُلٍ كَانَ فِي فِئَةٍ فَعَلِمَ مَا لَهُ فِي الْفِرَارِ، وَعَلِمَ مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَيَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي هَذَا عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ " أَوْ كَلِمَةً شَبِيهَةً بِهَا.
وتابع حماد بن زيد ورووه موقوفا:
عمرو بن القيس الملائي الرازي، [سمع من عطاء بعد الإختلاط] ح429
وإسماعيل بن علية، [سمع من عطاء بعد الإختلاط] ح430
وحماد بن سلمة [بسند ضعيف فيه المثنى بن إبراهيم شيخ الطبري مجهول، وحماد سمع من عطاء قبل الإختلاط]، ح432
جرير بن عبد الحميد، [سمع من عطاء بعد الإختلاط] 434
أربعتهم عن عطاء بن السائب، به موقوفا على عبد الله رضي الله عنه، غير أن ابن علية شك في روايته، فقال: عن أبي الأحوص، أو عن مرة [ولا يضر ذلك ما دام التردد بين ثقتين].
أخرج حديثهم الطبري في تفسيره (3/ 170-171-172).
مسعر بن كدام، [سمع من عطاء بعد الإختلاط]
قاله ابن كثير في تفسيره (700/1): ولكن رواه مسعر، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن ابن مسعود. فجعله من قوله، والله أعلم.
ومن هنا نفهم أن عطاء اضطرب فرواه قبل الإختلاط موقوفا وبعد الإختلاط رواه موقوفا ومرفوعا كما قال أبو حاتم في العلل.
ورواه موقوفا كذلك عبد الله بن المبارك في الرقائق (ص669 ح1434 ط البحرين) قال:
أَخْبَرَنَا فِطْرٌ [خليفة المخزومي، ثقة متشيع]، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ [الأسدي، ثقة]، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدَةَ [أبو إياس البجلي، ثقة]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لابْنِ آدَمَ لَمَّتَانِ: لَمَّةٌ مِنَ الْمَلَكِ، وَلَمَّةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، وَتَطْيِيبٌ بِالنَّفْسِ، وَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ، فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَتَخْبِيثٌ بِالنَّفْسِ".
ورواه الطبري في تفسيره (172/3ح433 ط ابن الجوزي): عن المثنى عن الحجاج بن المنهال [الأنماطي، ثقة]، عن سويد بن نصر [بن سويد المروزي، ثقة] عن ابن المبارك به،
وأحمد في الزهد (ص196 ط القديمة): عن إسرائيل [ن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة]، عن سعيد بن مسروق [بن حمزة الثوري والد سفيان الثوري، ثقة]، عن المسيب بن رافع، به
ورواه موقوفا كذلك عبد الرزاق في تفسيره (109/1 ط الرشد) قال:
نا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [سورة البقرة: 268] قال: "إن للملك لمة وللشيطان لمة ، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب الحق، فمن وجدها فليستعذ بالله".
ورواه أبو داود في الزهد (ص164 ح174 ط المشكاة):عن محمد بن عبيد عن ابن ثور عن معمر به.
وتابع الزهري؛ صالح بن كيسان روى حديثه البيهقي في الشعب (286/6ح4188 ط الرشد) وأعقبه بعد الحديث المرفوع من طريق الحسن بن الربيع عن أبي الحوص السابق قال:
وحدثنا أبو الحسن [محمد بن الحسين بن داود النيسابوري، ثقة] العلوي إملاء، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ [ثقة]، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي [ثقة ثبت إمام مشهور]، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد [أبو يوسف القرشي، ثقة]، حدثنا أبي [إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري، ثقة]، عن صالح بن كيسان [الدوسي المدني، ثقة ثبت] أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن مسعود كان يقول ولا نراه يأثره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم … فذكره غير أنه زاد في لمة الملك ورجاء صالح ثواب، وزاد في لمة الشيطان وقنوط من الخير وقال: فإذا وجدتم لمة الملك فاحمدوا الله واسألوه من فضله، وإذا وجدتم لمة الشيطان فاستعيذوا بالله واستغفروه ولم يذكر الآية.
وقد مر الكلام على أنه منقطع فعبيد الله بن عبد الله لم يسمع ابن مسعود.
فالراجح في هذا الحديث أنه موقوف، على أن له حكم الرفع إن شاء الله تعالى.
شرح الحديث:
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي (360/7 ط أسفار ح2013):
حديث: "إنَّ للشيطان لَـمَّةََ"، إلى آخره.
الله خَلَقَ من كلِّ زوجين اثنين، فخلَقَ الآدمي والملك والشَّيطان، وخلَقَ العقل والشهوة، وأمَرَ الآدمي ونهاه، وركَّب فيه ما ركَّب من هواه، وحِبالةُ الشيطان الهوى، ومنجاةُ الإنسان الإيثار للعقل، وهو جندُ الملَك، والشهوةُ جندُ الشيطان ولا يزالان يتنازعان ويتباريان، والقدرُ من فوق، فإذا نزلت العصمةُ غَلَبَ جندُ الملَك، وهو العقل، وتبصَّرَ العبد، فامتثل وازدجر، وإذا نزل الخِذلان غَلَبَ جند الشيطان باستيلاء الشهوة وارتكاب المخالفة، فهلك العبد.
فأمر الله على لسان رسوله العبدَ إذا وجد لَمَّةَ الملك أن يحمد الله على ما وهبه من العصمة، وإذا وجد الحالة الأخرى أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإنه يجادله، والله يعيذُنا من منه برحمته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛
{يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاتِهِ ولا تموتنّ إِلّا وأنْتمْ مسْلِمون}[سورة آل عمران:102]
{يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذِي خلقكمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها وبثّ مِنْهما رِجالًا كثِيرًا ونِساءً واتّقوا اللّه الّذِي تساءلون بِهِ والْأرْحام إِنّ اللّه كان عليْكمْ رقِيبًا}[سورة النساء:1]
{يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قوْلًا سدِيدًا (70) يصْلِحْ لكمْ أعْمالكمْ ويغْفِرْ لكمْ ذنوبكمْ ومنْ يطِعِ اللّه ورسوله فقدْ فاز فوْزًا عظِيمً}[سورة الأحزاب:70 - 71]
ألا وإن أصدق الحديث كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ، وشر الأمر محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة
أما بعد:
فهذا حديث عظيم ومهم قد ينور بصيرة كثير من الناس من قد يقع في نفسه حزن وهو لا يدري وما أكثر ما إذا سئل قال لا أدري ما بي ...
وهذا الحديث رواه:
الترمذي في جامعه (79/4ح3251 ط التأصيل) في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ومن سورة البقرة قال وفي علله الكبير (ص353 ح654 ط عالم الكتب):
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً [من ابن آدم]الطبري بِابْنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ [وللملائكة]ابن أبي حاتم لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ [فاتعاد]أبي يعلى بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ [الملائكة]ابن أبي حاتم فَإِيعَادٌ [فاتعاد]أبي يعلى بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى [الآخر]النسائي فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [سورة البقرة:268] الآية.
شرح الغريب:
قوله "لَمَّةً": الهمّة والخطرة تقع في القلب. (النهاية، مادة لمم).
تخريج الحديث:
وعن هناد به مرفوعا رواه:
النسائي في الكبرى (51/13ح11161 ط التأصيل)، وأبي يعلى في مسنده (203/4ح5011 ط التأصيل) وعنه ابن حبان في صحيحه (397/2ح1560 ط ابن حزم)، وابن جرير في تفسيره (170/3ح428 ط ابن الجوزي)، وابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان (ص61 ح41 ط مجدي السيد)، وابن أبي حاتم في تفسيره (660/2 ط ابن الجوزي) عن أبي زرعة الرازي الإمام المشهور وصاحب أبو حاتم الرازي.
وتابع هناد، أبو علي الحسن بن الربيع بن سليمان البوراني الكوفي روى حديثه:
البزار في مسنده (394/5ح2027) عن أبي يعقوب يوسف بن موسى الرازي، والبيهقي في الشعب (284/6ح4187 ط الرشد): عن أبي محمد جناح بن نذير بن جناح المحاربي القاضي بالكوفة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي، عن أبي عمرو أحمد بن حازم بن محمد الغفاري الكوفي،
ورواه مرفوعا كذلك ابن مردويه في تفسيره كما نقله ابن كثير في تفسيره (700/1 ط طيبة) قال: وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره،
عن محمد بن أحمد [بن إبراهيم الأصبهاني، المشهور بالعسال ثقة حافظ متقن]، عن محمد بن عبد الله بن رسته [أبو عبد الله الضبي الأصبهاني ثقة]، عن هارون الفروي [ابن موسى بن عبد الله أبو موسى، ثقة]، عن أبي ضمرة [أنس بن عياض بن ضمرة الليثي، ثقة] عن ابن شهاب [الزهري]، عن عبيد الله بن عبد الله [بن عتبة المدني، أبو عثمان ثقة ثبت أحد الفقهاء السبعة]، عن ابن مسعود، مرفوعا نحوه.
وعبيد الله لم يسمع من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه،
قال المزي في تحفة الأشراف (356/6 /9401 ط الغرب): عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود، ولم يدركه، وفي تهذيب الكمال (73/7 ترجمة3653 ط الرسالة): روى عن: ... وعم أبيه عبد الله بن مسعود (م ق) مرسل، ...
وقال الذهبي تهذيب تهذيب الكمال (216/6 ت4338 طبعة الفاروق): أرسل عن: عمر (س)، وعمار (دق)، وابن مسعود (ع) ...
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (603/ ترجمته4536 ط دبي): وأرسل عن عمّ أبيه عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر، وعمر، وفي إتحاف المهرة (341/10 ط الجامعة الإسلامية): عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عم أبيه. ولم يسمع منه، وفي فتح الباري (236/23 ط الرسالة): إلا أنه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه.
قال الترمذي في جامعه:
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِى الأَحْوَصِ، لاَ نَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى الأَحْوَصِ.
وقال في العلل الكبير:
سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن عطاء بن السائب وأوقفه. وأرى أنه قد رفعه غير أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، وهو حديث أبي الأحوص.
وقال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، بهذا الإسناد، وقد رواه غير أبي الأحوص موقوفا.
قال ابن أبي حاتم في العلل (636/5 مسألة 2224 ط الجريسي) قال:
وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن للملك لمة، وللشيطان لمة … ، الحديث؟
فقال أبو زرعة: الناس يوقفونه عن عبد الله؛ وهو الصحيح.
فقال أبي: رواه حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، موقوف.
قلت: فأيهما الصحيح؟
قال: هذا من عطاء بن السائب؛ كان يرفع الحديث مرة، ويوقفه أخرى، والناس يحدثون من وجوه عن عبد الله موقوف.
ورواه الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن مسعود، موقوف، وذكر أشياء من هذا النحو موقوف.
ورواه موقوفا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب به، روى حديثه:
الطبراني في الكبير (2233/7ح8531 ط الريان) قال:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
"أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ، إِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَلِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ،
أَلا وَإِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةٌ، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةٌ، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِيعَادٌ لِلْخَيْرِ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ، فَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الْمَلَكِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الشَّيْطَانِ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ}[سورة البقرة: 268] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ،
قَالَ: أَلا إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ، رَجُلٍ قَامَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنْ فِرَاشِهِ وَلِحَافِهِ وَدِثَارِهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلاةٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِمَلائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي هَذَا عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ، وَرَجُلٍ كَانَ فِي فِئَةٍ فَعَلِمَ مَا لَهُ فِي الْفِرَارِ، وَعَلِمَ مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَيَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي هَذَا عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ " أَوْ كَلِمَةً شَبِيهَةً بِهَا.
وتابع حماد بن زيد ورووه موقوفا:
عمرو بن القيس الملائي الرازي، [سمع من عطاء بعد الإختلاط] ح429
وإسماعيل بن علية، [سمع من عطاء بعد الإختلاط] ح430
وحماد بن سلمة [بسند ضعيف فيه المثنى بن إبراهيم شيخ الطبري مجهول، وحماد سمع من عطاء قبل الإختلاط]، ح432
جرير بن عبد الحميد، [سمع من عطاء بعد الإختلاط] 434
أربعتهم عن عطاء بن السائب، به موقوفا على عبد الله رضي الله عنه، غير أن ابن علية شك في روايته، فقال: عن أبي الأحوص، أو عن مرة [ولا يضر ذلك ما دام التردد بين ثقتين].
أخرج حديثهم الطبري في تفسيره (3/ 170-171-172).
مسعر بن كدام، [سمع من عطاء بعد الإختلاط]
قاله ابن كثير في تفسيره (700/1): ولكن رواه مسعر، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن ابن مسعود. فجعله من قوله، والله أعلم.
ومن هنا نفهم أن عطاء اضطرب فرواه قبل الإختلاط موقوفا وبعد الإختلاط رواه موقوفا ومرفوعا كما قال أبو حاتم في العلل.
ورواه موقوفا كذلك عبد الله بن المبارك في الرقائق (ص669 ح1434 ط البحرين) قال:
أَخْبَرَنَا فِطْرٌ [خليفة المخزومي، ثقة متشيع]، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ [الأسدي، ثقة]، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدَةَ [أبو إياس البجلي، ثقة]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لابْنِ آدَمَ لَمَّتَانِ: لَمَّةٌ مِنَ الْمَلَكِ، وَلَمَّةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، وَتَطْيِيبٌ بِالنَّفْسِ، وَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ، فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَتَخْبِيثٌ بِالنَّفْسِ".
ورواه الطبري في تفسيره (172/3ح433 ط ابن الجوزي): عن المثنى عن الحجاج بن المنهال [الأنماطي، ثقة]، عن سويد بن نصر [بن سويد المروزي، ثقة] عن ابن المبارك به،
وأحمد في الزهد (ص196 ط القديمة): عن إسرائيل [ن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة]، عن سعيد بن مسروق [بن حمزة الثوري والد سفيان الثوري، ثقة]، عن المسيب بن رافع، به
ورواه موقوفا كذلك عبد الرزاق في تفسيره (109/1 ط الرشد) قال:
نا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [سورة البقرة: 268] قال: "إن للملك لمة وللشيطان لمة ، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب الحق، فمن وجدها فليستعذ بالله".
ورواه أبو داود في الزهد (ص164 ح174 ط المشكاة):عن محمد بن عبيد عن ابن ثور عن معمر به.
وتابع الزهري؛ صالح بن كيسان روى حديثه البيهقي في الشعب (286/6ح4188 ط الرشد) وأعقبه بعد الحديث المرفوع من طريق الحسن بن الربيع عن أبي الحوص السابق قال:
وحدثنا أبو الحسن [محمد بن الحسين بن داود النيسابوري، ثقة] العلوي إملاء، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ [ثقة]، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي [ثقة ثبت إمام مشهور]، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد [أبو يوسف القرشي، ثقة]، حدثنا أبي [إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري، ثقة]، عن صالح بن كيسان [الدوسي المدني، ثقة ثبت] أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن مسعود كان يقول ولا نراه يأثره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم … فذكره غير أنه زاد في لمة الملك ورجاء صالح ثواب، وزاد في لمة الشيطان وقنوط من الخير وقال: فإذا وجدتم لمة الملك فاحمدوا الله واسألوه من فضله، وإذا وجدتم لمة الشيطان فاستعيذوا بالله واستغفروه ولم يذكر الآية.
وقد مر الكلام على أنه منقطع فعبيد الله بن عبد الله لم يسمع ابن مسعود.
فالراجح في هذا الحديث أنه موقوف، على أن له حكم الرفع إن شاء الله تعالى.
شرح الحديث:
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي (360/7 ط أسفار ح2013):
حديث: "إنَّ للشيطان لَـمَّةََ"، إلى آخره.
الله خَلَقَ من كلِّ زوجين اثنين، فخلَقَ الآدمي والملك والشَّيطان، وخلَقَ العقل والشهوة، وأمَرَ الآدمي ونهاه، وركَّب فيه ما ركَّب من هواه، وحِبالةُ الشيطان الهوى، ومنجاةُ الإنسان الإيثار للعقل، وهو جندُ الملَك، والشهوةُ جندُ الشيطان ولا يزالان يتنازعان ويتباريان، والقدرُ من فوق، فإذا نزلت العصمةُ غَلَبَ جندُ الملَك، وهو العقل، وتبصَّرَ العبد، فامتثل وازدجر، وإذا نزل الخِذلان غَلَبَ جند الشيطان باستيلاء الشهوة وارتكاب المخالفة، فهلك العبد.
فأمر الله على لسان رسوله العبدَ إذا وجد لَمَّةَ الملك أن يحمد الله على ما وهبه من العصمة، وإذا وجد الحالة الأخرى أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإنه يجادله، والله يعيذُنا من منه برحمته.
تعليق