قاَلَ الِإمَام أَبُو إِسْحَاق إبرَاهِيم اللَّخمي الغَرْناَطي الشّهير بالشَّاطِبِي -رحمه الله- :
كتب إليّ بعض شيوخ المغربِ في فصلٍ يتضمّن ما يجب على طالب الآخرة النظر فيه والشغل به ، فقال فيه : " وإذا شغله شاغل عن لحظة في صلاته فرّغ سرّه منه بالخروج عنه ، ولو كان يساوي خمسين ألفاً كما فعله المتّقون " .
فاستشكلت هذا الكلام وكتبتُ إليه بأن قلت : أما أنه مطلوب بتفريغ السرّ منه فصحيح ، وأمّا أن تفريغَ السر بالخروج عنه واجبٌ ، فلا أدري ما هذا الوجوب ؟ ولو كان واجباً بإطلاق لوجب على جميع الناس الخروج عن ضياعهم وديارهم وقراهم وأزواجهم وذرياتهم وغير ذلك ممّا يقع لهم به الشغل في الصلاة ، وإلى هذا فقد يكون الخروج عن المال سبباً للشغل في الصّلاة أكثر من شغله بالمال .
وأيضاً ؛ فإذا كان الفقر هو الشاغل فماذا يفعل ، فإنّا نجد كثيراً ممّن يحصل له الشغل بسبب الإقلال ، ولا سيّما إن كان له عيال لا يجد إلى إغاثتهم سبيلاً ، ولا يخلو أكثر الناس عن الشّغل بآحاد هذه الأشياء ، أفيجب على هؤلاء الخروج عما سبّب لهم الشّغلَ في الصلاة ، هذا ما لا يفهم ، وإنما الجاري على الفقه والاجتهاد في العبادة طلبُ مجاهدة الخواطر الشاغلة خاصّة ، وقد يُندب إلى الخروج عمّا شأنه أن يشغله من مال أو غيره ، إن أمكنه الخروج عنه شرعاً ، وكان ممّا لا يؤثّر فيه فقدُه تأثيراَ يؤدّي إلى مثل ما فرّ منه أو أعظم ، ثم ينظر بعد في حكم الصّلاة الواقع فيها الشغل كيف حال صاحبها من وجوب الإعادة أو استحبابها أو سقوطها ؟ وله موضع غير هذا . اهـ حاصل المسألة .
فلما وصل إليه ذلك ؛ كتب إلي بما يقتضي التّسليم فيه ، وهو صحيح ؛ لأن القول بإطلاق الخروج عن ذلك كله غير جارٍ في الواقع على استقامة ؛ لاختلاف أحوال الناس فلا يصحّ اعتماده أصلاً فقهيًّا البتّة . إهـ
--------
الموافقات :دار الفكر ج 1 الصفحة 65