مِن آدابِ حُضور مَجالِسِ العِلم
قال شيخُنا مُصطفى مبرم حفظه الله:
لاشكَّ أنَّ من بركة العلم وتحصيله: الاِلتزام بآدابه، وبقدر ما يكون عند طالب العلم من الأدب في العلم بقدر ما يُبارك الله له فيه ويفتح عليه فيه:
فليس من الأدب أن تكون مُسجِّلًا مُعرِّفك بأنَّك حاضر وتسمع الدَّرس لكنَّك في الواقع تقوم بتفريغ مادَّة من المواد مثلًا، أو بكتابة درس آخر، أو بالتَّكلُّم مع صاحبك، أو الاِشتغال بما يُسمَّى -ولا أعرفه إنَّما أعرف لفظه- بما يُسمَّى بالشَّات بدُون مناسبة؛ فتحضر الدَّرس وتُرسل لهذا تحيَّة، ولهذا سلام، ولهذا كلام، وتشغل نفسك بغير شيء من الدَّرس. فبقدر ما يكون عندك من توجُّه القلب وتوجُّه الذَّات وتوجه النَّفس إلى ما يُلقى عليك من الدَّرس بقدر ما تُحصِّل من بركته.
والكلام في هذا لا شكَّ أنَّه يطول ويحتاج إلى نقل كثيرٍ من الآثار؛ وطالب العلم يحتاج إلى معرفة أدبه بكلِّ أنواع الأدب، يحتاج إلى معرفة أدبه مع الله الَّذي يُوصل إليه هذا العلم، يحتاج إلى أن يعرف أدبه مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذي أُخذ عنه هذا العلم وتحُمِّل عنه، يحتاج أن يعرف أدبه مع العالِم أو الشَّيخ أو المدرِّس الَّذي يُدرِّسه لأنَّ هذه منزلة الأنبياء في العلم، لأنَّ العُلماء ورثة الأنبياء وأهل العلم حَملته فهم وُرَّاثه، ويعرف أيضًا -وهذا من المهمَّات- يعرف أدبه مع نفسه في معاملته لهذا العلم -وهذا أيضًا أمرٌ مُهمٌّ- فيعرف ما هي مُلحه، وما هي عُقده، ما الأمر الَّذي يحتاج إلى تكرار وإلى فهم وإلى بيان، وما الأمر الَّذي يكون من مُلح العلم يطَّلع عليه اِطَّلاعًا سريعًا.
أيضًا من الآداب: أن يتعرَّف طالب العلم على أدبه مع زُملائه وأقرانه وإن لم يكونوا مجتمعين في غرفة واحدة أو في مسجد واحد بل ربَّما يكونون متفرِّقين في بُلدان شتَّى، فإنَّه يحفظ لهم حُرمتهم وحقَّهم ورعايتهم ويدعوا لهم، وإذا لم يفهم أحدٌ منهم الدَّرس لم يسخر منه، وإذا أرسل أحد بسؤال فيه نوع من الضَّعف ونوع ممَّا يدلُّ على قلَّة الفهم أو ما أشبه ذلك فإنَّه لا يسخر به أو يقول:"هذا ما يفهم، وهذا وش دخَّله في هذه الدُّروس؟ وش دخَّله في هذا العلم؟"وما أشبه هذا، هذا غلط، فينبغي لطالب العلم أن يكون متواضعًا في نفسه، متواضعًا مع ربِّه، مُتواضعًا مع من يتعلَّم منه، متواضعًا مع من يُزامله في طلب العلم.
هذه على كلِّ حال نصيحة بناءً على طلب الطَّالب لها، وإلَّا فإنَّ الأمر كبير صُنِّفت فيه الكتب الكبيرة ككتاب "جامع بيان العلم وفضله وما يجب في روايته وحمله" للحافظ أبي عمر ابن عبد البر، و"آداب الرَّاوي والسَّامع" للحافظ الخطيب البغدادي، وكُتب كثيرة جدًّا من كتب الأئمَّة الكبار المتقدِّمين فضلًا عمَّا صنَّفه كثيرٌ من المتأخِّرين والمعاصرين من المنثور والمنظوم في طلب العلم وما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم في آدابه.¹
****
وسُئل -حفظه الله- عن طريقة جلوس طالب العلم أمام الحاسوب وهل يتأدَّب في الجلوس وكأنَّه أمام الشَّيخ؟
فَـقَــال حَـفِـظَـهُ الله:
والله هذا الَّذي أنصحه به لأنَّه يحضره فيما نحسب الملائكة؛ وقد سمعتُ شيخنا العلاَّمة زيد بن محمَّد المدخلي -رحمه الله وغفر له- وسُئل مرَّة عن نحو هذا السُّؤال فقال: (ينبغي التأدُّب بهذا الأدب لأن هذا مجلس علم والملائكة تحضره، وعسى الله أن يعفو عنَّا)²
-----------
[1] المصدر شرح النووية (باختصار)
[2] المصدر شرح الورقات.