بسم الله الرحمن الرحيم
التفاخر بفعل القبيح صناعة إبليس
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد جاء في شريعتنا الغراء التحذير من التفاخر والتمدح بعمل الذنوب والمعاصي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجانة أن يعمل الرجل عملا بالليل ثم يصبح وقد ستره الله. فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)).
متفق عليه.
ما في هذا الفعل القبيح من نشر الرذيلة وتشجيع السفهاء لركوب المعاصي والاستخفاف بحق الله تعالى.
قال العلامة الاثيوبي حفظه الله في ((البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج)) : ((بيان قبح المجاهرة بالمعاصي، وأن الله تعالى لا يغفر لأصحابها؛ لمبارزتهم له بها، واستخفافهم بشأنها)) اهـ.
قال الله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16-17].
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) : ((فيهما: ...
الثانية: أن الاحتجاج به على المعاصي من طريقة إبليس.
الثالثة: ذكر تجرده لهذا الأمر بذكر القعود.
الرابعة: أنه قاعد على صراط الله المستقيم.
الخامسة: تفصيله ما أراد فعله أنه يأتي من الجهات كلها.
السادسة: أن القوة على فعل القبيح والتمدح بذلك من فعله)) اهـ.
فالمتبجحين بفعل القبيح مشابهين لأبي الشياطين.
ومن صور التفاخر بفعل القبيح عرضه على من في المجلس:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول: من أخذل اليوم مسلما ألبسته التاج.
قال: فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته.
فيقول: يوشك أن يتزوج.
ويجيء لهذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه.
فيقول يوشك أن يبرهما.
ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك.
فيقول: أنت أنت.
ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل.
فيقول أنت أنت؛ ويلبسه التاج)).
أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) واللفظ له والحاكم في ((المستدرك)) والروياني في ((المسند)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) وصححه الإمام الألباني.
وأقبح من هذا من يفتخر بطعنه في علمائنا ومشايخنا، ويسمي هذه القبيحة بغير اسمها، يسمي هذه الطعونات بالردود العلمية والنقد البناء، وقد ملأ هذه المسودات بالسب والشتم والغمز واللمز.
فزاد الطين بلة مع التبجح بهذا الطعن زاد تسمية المسميات بغير اسمها، وهذا أيضا من قباح إبليس.
قال الله عز وجل على لسان إبليس: {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه: 120] .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)): ((وإنما كذبهما عدو الله، وغرّهما، وخدعهما؛ بأن سمّى تلك الشجرة شجرة الخلد، فهذا أول المكر والكيد، ومنه وَرِثَ أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحبُّ النفوسُ مسمَّياتها، فسمَّوا الخمر أمَّ الأفراح، وسمَّوا أخاها بلُقَيْمة الراحة، وسمَّوا الربا بالمعاملة، وسمَّوا المُكُوسَ بالحقوق السلطانية، وسمَّوا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسمَّوا أبلغ الكفر -وهو جحد صفات الرب- تنزيهًا، وسمَّوا مجالس الفسوق مجالس الطَّيبة! فلما سمَّاها شجرة الخلد قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا في الجنة ولا تموتا؛ فتكونان مثل الملائكة الذين لا يموتون)) اهـ.
فاحذر أن تكون من جند إبليس فتزخرف الباطل وتسمي الطعن في العلماء بغير اسمه، وتفتخر بهذه القبيحة.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍️ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 21 ذي القعدة سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 12 يوليو سنة 2020 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 21 ذي القعدة سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 12 يوليو سنة 2020 ف