بسم الله الرحمن الرحيم
الغش صناعة الشياطين
الغش صناعة الشياطين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن الأخلاق الذميمة الغش، وله صور وأنواع، وهو محرم بجميع أشكاله.
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب (5 ] .
قال العلامة فيصل آل مبارك رحمه الله في ((تطريز رياض الصالحين)) (ص: 886) : ((أي: ومن أشد الإيذاء الغش، لما فيه من تزيين غير المصلحة والخديعة، لما فيها من إيصال الشر إليه من غير علمه)) اهـ.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)).
أخرجه مسلم.
قال العلامة فيصل آل مبارك رحمه الله في ((تطريز رياض الصالحين)) (ص: 886) : ((وفيه أيضا: وعيد شديد لمن غشهم. ومن الغش خلط الجيد بالرديء، ومزج اللبن بالماء، وترويج النقد الزغل)) اهـ.
أخذ أهل العلم من قوله: ((فليس منا)) على أن هذه الأشياء من كبائر الذنوب.
والغش صناعة إبليس وجنده.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الفوائد)) (ص: 239) : ((أما شأن إبليس فإن الله سبحانه قال للملائكة: {إني أعلم مالا تعلمون}؛ فالرب تعالى كان يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد ما لا يعلمه الملائكة، فلما أمروا بالسجود ظهر ما في قلوبهم من الطاعة والمحبة والخشية والانقياد فبادروا إلى الامتثال، وظهر ما في قلب عدوه من الكبر والغش والحسد فأبى واستكبر وكان من الكافرين)) اهـ.
وقال العلامة الفوزان حفظه الله في ((إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد)) (1/224) : ((قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}، هذا خبر من الله سبحانه وتعالى أنّ الكهان والسحرة يتلّقون عن الشياطين، فهذا فيه بُطلان السحر والكهانة، وأن مصدرهما واحد؛ عن الشياطين الذين هم أكفر الخلق، وأَغَشُّ الخلق للخلق)) اهـ.
ومن صور الغش، الغش في النصيحة.
قال الله تعالى عن إبليس: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 21].
قال ابن القيم رحمه الله في ((النونية)):
والله لولا هيبة الإسلام *** والقرآن والأمراء والسلطان
لأتوا بكل مصيبة ولدكدكوا *** الإسلام فوق قواعد الأركان
فلقد رأيتم ما جرى لأئمة *** الإسلام من محن على الأزمان
لاسيما لما استمالوا جاهلا *** ذا قدرة في الناس مع سلطان
وسعوا إليه بكل إفك بين *** بل قاسموه بأغلظ الأيمان
أن النصيحة قصدهم كنصيحة *** الشيطان حين خلا به الأبوان
وقال العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى رحمه الله في ((شرح القصيدة النونية)) (2/90) : ((قوله: بل قاسموه بأعظم الأيمان أن النصيحة قصدهم ... إلخ؛ أي: يحلفون له بأعظم الأيمان أن قصدهم النصيحة، كما قاسم إبليس الأبوين كما في قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 21])) اهـ.لأتوا بكل مصيبة ولدكدكوا *** الإسلام فوق قواعد الأركان
فلقد رأيتم ما جرى لأئمة *** الإسلام من محن على الأزمان
لاسيما لما استمالوا جاهلا *** ذا قدرة في الناس مع سلطان
وسعوا إليه بكل إفك بين *** بل قاسموه بأغلظ الأيمان
أن النصيحة قصدهم كنصيحة *** الشيطان حين خلا به الأبوان
ومن صور الغش، تساهل الموظفين في أعمالهم.
قال الله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } [الأنبياء: 82].
وقوله تعالى: {مِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } [سبأ: 14].
في آية سورة الأنبياء جاء لفظ الشياطين وفي سورة سبأ بلفظ الجن – يشمل الشياطين وغيرهم - وهو من باب ذكر العام والمراد به الخاص.
ولو علموا بموته لتركوا العمل.
وقال الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].
فمثل الموظف والعامل الذي لا يعمل بإتقان ويتساهل في عمله في غياب المراقب - فهذا من الغش - مثله كمثل الشياطين الذين كانوا يعملون عند سليمان عليه الصلاة والسلام.
ومن صور الغش الكثيرة، الغش في الأخبار.
وعن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إن الملائكة تنزل في العنان: وهو السحاب، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم)).
أخرجه البخاري.
فلنكن على حذر من الغش بجميع صورة فهو من خصاص الشياطين.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍️ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 9 ذي القعدة سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 30 يونيو سنة 2020 ف