بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحصري في كتابه جمع الجواهر في الملح والنودر:
من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم
قال الحصري في كتابه جمع الجواهر في الملح والنودر:
من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم
فمن مزاحه صلى الله عليه وسلم ما روى أنس بن مالك قال: كان لنا أخ يكنى أبا عمير. وكان له نغر يلعب به. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه حزيناً فقال: مال له ؟ قالوا: مات نغره، فكان إذا رآه بعد ذلك قال: يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ وكان رجل من أشجع يقال له زاهر بن حرام لا يزال يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالهدية من البادية والطرفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه. فبينما هو في بعض أسواق المدينة إذ أتاه النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه فاحتضنه وقال: من يشتري مني هذا العبد ؟ فالتفت الرجل فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقبل يده وقال: تجدني كاسداً يا رسول الله. فقال: لا، لكنك عند الله ربيح.
وأتت إليه صلى الله عليه وسلم امرأة فذكرت زوجها بشيء. فقال: زوجك الذي في عينه بياض. قال: فمضت فجعلت تتأمل زوجها فقال: ما لك ؟ قالت: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إن في عينك بياضاً. فقال: بياض عيني أكثر من سوادها.
سماع النبي صلى الله عليه وسلم للمزاح
وأما سماعه صلى الله عليه وسلم لذلك فقد روي: أن صهيباً دخل عليه وعينه وجعة وبين يديه تمر، فأقبل صهيب يأكل؛ فقال: أتأكل التمر وعينك وجعة ؟ فقال: إنما آكل بحذاء العين الصحيحة، فتبسم صلى الله عليه وسلم.
وذكروا أن أعرابياً أتاه فألفاه مغموماً ممتقع اللون؛ فقيل له: لا تكلمه وهو على هذه الحالة، فقال: لا أدعه أو يضحك. ثم جثا بين يديه فقال: يا رسول الله؛ بأبي أنت وأمي ! إن الدجال يخرج وقد هلك الناس جوعاً فيأتيهم بالثريد، فترى أن آكل من ثريده حتى إذا تضلعت كذبته ؟ فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: يغنيك الله بما يغني به المؤمنين حينئذ.
وقالت أم سلمة: خرج أبو بكر رضي الله عنه في تجارة إلى البصرة، قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه سويبط بن حرملة وكان قد شهد بدراً ونعيمان، وكان سويبط على الزاد، وكان نعيمان مزاحاً، فقال له نعيمان: أطعمني، فقال: حتى يجيء أبو بكر، فقال: أما لأغيظنك، فمروا بقوم فقال نعيمان: أتشترون مني عبداً ؟ فقالوا: نعم ! فقال: إنه عبد له كلام وهو قائل لكم: إنه حر، فإذا قال هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا علي عبدي. فقالوا: بل نشتريه. قال: فاشتروه مني بعشر قلائص، ثم أخذوه فوضعوا في عنقه حبلاً، فقال سويبط: إني حر ولست بعبد وهذا يستهزىء بكم. فقالوا له: قد خبرنا خبرك، فانطلقوا به، فجاء أبو بكر فأخبروه الخبر، فاتبع القوم فرد عليهم القلائص وأخذ منهم سويبطاً. ولما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر، ضحك صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله. وكان سويبط قد كف بصره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه نعيمان في المسجد وهو يقول: من يخرجني حتى أبول ؟ قال: أنا، وأخذ بيده فمضى به إلى زاوية في المسجد عامرة بالناس، فقال له: بل ههنا، فلما كشف ثوبه صاح الناس عليه من كل ناحية. فقال: من غرني ؟ قالوا: نعيمان، فقال: لله علي لئن لقيته لأضربنه بعصاي؛ فلقيه بعد أيام فقال: أتحب أن أدلك على نعيمان لتوفي نذرك ؟ قال: نعم، لله أبوك ! فأخذ بيده حتى أتى عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يصلي فقال: هذا هو. فرفع عصاه وضربه؛ فصاح به الناس وقالوا: أوجعت أمير المؤمنين، فقال: من قادني ؟ قالوا: نعيمان، قال: لا يغرني بعدها.
وابتاع عبد الله بن رواحة جاريةً وكتم ذلك امرأته؛ فبلغا ذلك فالتمست كونه عندها فأخبرت بذلك؛ فلما جاءها قالت له: بلغني أنك ابتعت جاريةً وأنك الساعة خرجت من عندها، وما أحسبك إلا جنباً ؟ قال: ما فعلت، قالت: فاقرأ آيات من القرآن فقال:
شهدت بأنّ وعد اللّه حقٌ ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طافٍ ... وفوق العرش ربّ العالمينا
وتحمله ملائكةٌ شدادٌ ... ملائكة الإله مقربينا
فقالت: أما إذ قد قرأت القرآن فقد علمت أنك مكذوب عليك.
وافتقدته ليلةً أخرى فلم تجده على فراشها، فلم تزل تطلبه حتى قدرت عليه في ناحية الدار، فقالت: الآن صدقت ما بلغني فجحدها. فقالت: اقرأ آيات من القرآن، فقال:
وفينا رسول اللّه يتلو كتابه ... كما انشقّ معروفٌ من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا أثقلت بالمشركين المضاجع
وأعلم علماً ليس بالظنّ أنني ... إلى اللّه محشورٌ هناك فراجع
فقالت: آمنت بالله وكذبت ظني. فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فضحك وقال: هذا لعمري من معاريض الكلام، يغفر الله يابن رواحة خياركم خيركم لنسائكم.
وقال العجاج: أنشدت أبا هريرة:
طاف الخيالان فهاجا سقماً ... خيال سلمى وخيالٌ تكتّما
قامت تريك رهبة أن تصرما ... ساقاً بخنداةً وكعباً أدرما
فقال أبو هريرة: قد كان يحدي بها ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكر.
المصدر: المكتبة الشاملة
المصدر: المكتبة الشاملة
تعليق