..وقد كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن هذه المسألة أيهما أفضل: رجل لم تخطر له الشهوات ولم تمر بباله, أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله؟ فكتب عمر: أن الذي تشتهي نفسه المعاصي ويتركها لله عز وجل من: { الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}, ذكره ابن كثير في التفسير 4\207 وعزّاه للإمام أحمد في كتاب الزهد وإسناده منقطع لأن مجاهد بن جبر لم يسمعه عن عمر بن الخطاب.
وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله, وحذرها وحذّر منها, ودفعها عن نفسه, ولم يدعها تخدش وجه إيمانه, ولا تورثه شبهة ولا شكا, بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له, وكراهة لها ونفرة عنها, أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه. فإنه كلما مرت بقلبه وتصورت له ازداد محبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به, فيقوى إيمانه به. كما أن صاحب خواطر الشهوات والمعاصي كلما مرت به فرغب عنها إلى ضدها ازداد محبة لضدها ورغبة فيه, وطلبا له وحرصا عليه, فما ابتلى الله سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشهوات والمعاصي وميل نفسه إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ما هو أفضل منها, وخير له وأنفع وأدوم, وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه, فتورثه تلك المجاهدة الوصول إلى المحبوب الأعلى. فكلما نازعته نفسه إلى تلك الشهوات واشتدت إرادته لها وشوقه إليها: صرف ذلك الشوق والمحبة والإرادة إلى النوع العـــــــالي الــــــدائم, فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أتم, بخلاف النفس الباردة الخالية من ذلك, فإنها وإن كانت طالبة للأعلى لكن بين الطلبين فرق عظيم. ألا ترى أن من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك أعظم ممن مشى إليه راكبا على النجائب!
فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها إلى غيره, فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات, إما حِجاباً له عنه, أو حَاجباً(1) له يوصله إلى رضاه وقربه وكرامته.
وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله, وحذرها وحذّر منها, ودفعها عن نفسه, ولم يدعها تخدش وجه إيمانه, ولا تورثه شبهة ولا شكا, بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له, وكراهة لها ونفرة عنها, أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه. فإنه كلما مرت بقلبه وتصورت له ازداد محبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به, فيقوى إيمانه به. كما أن صاحب خواطر الشهوات والمعاصي كلما مرت به فرغب عنها إلى ضدها ازداد محبة لضدها ورغبة فيه, وطلبا له وحرصا عليه, فما ابتلى الله سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشهوات والمعاصي وميل نفسه إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ما هو أفضل منها, وخير له وأنفع وأدوم, وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه, فتورثه تلك المجاهدة الوصول إلى المحبوب الأعلى. فكلما نازعته نفسه إلى تلك الشهوات واشتدت إرادته لها وشوقه إليها: صرف ذلك الشوق والمحبة والإرادة إلى النوع العـــــــالي الــــــدائم, فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أتم, بخلاف النفس الباردة الخالية من ذلك, فإنها وإن كانت طالبة للأعلى لكن بين الطلبين فرق عظيم. ألا ترى أن من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك أعظم ممن مشى إليه راكبا على النجائب!
فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها إلى غيره, فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات, إما حِجاباً له عنه, أو حَاجباً(1) له يوصله إلى رضاه وقربه وكرامته.
[الفوائد_153] لابن القيم
_______________
(1)الحاجب: هو حارس بوابة الملك
(1)الحاجب: هو حارس بوابة الملك