ذكر الحث على لزوم الحياء وترك القحة
أنبأنا الفضيل بن الحباب الجمحي حدثنا القعنبي عن شعبة عن منصور عن ربعي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل لزوم الحياء لأنه أصل العقل وبذر الخير وتركه أصل الجهل وبذر الشر والحياء يدل على العقل كما أن عدمه دال على الجهل ومن لم ينصف الناس منه حياؤه لم ينصفه منهم قحته ولقد أحسن الذي يقول ... وليس بمنسوب الى العلم والنهى ... فتى لا ترى فيه خلائق أربع ... فواحدة تقوى الإله التي بها ... ينال جسيم الخير والفضل أجمع ... وثانية صدق الحياء فإنه ... طباع عليه ذو المرؤة يطبع ... وثالثة حلم إذا الجهل أطلعت ... إليه خبايا من فجور تسرع ... ورابعة جود بملك يمينه ... إذا نابه الحق الذي ليس يدفع ...
وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ... فلا خير في وجه إذا قل ماؤه ... حياءك فاحفظه عليك فانما ... يدل على وجه الكريم حياؤه ...
أنبأنا أبو خليفه حدثنا ابن كثير حدثنا سفيان الثوري عن ابي اسحاق عن ابى الأحوص عن عبد الله قال الأم شيء في المؤمن الفحش.
قال أبو حاتم رضى الله عنه الحياء أسم يشتمل على مجانبة المكروه من الخصال والحياء حيا آن أحدهما استحياء العبد من الله جل وعلا عند الإهتمام بمباشرة ما خطر عليه والثاني استحياء من المخلوقين عند الدخول فيما يكرهون من القول والفعل معا
والحيا آن جميعا محمودان إلا أن أحدهما فرض والآخر فضل فلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه فرض ولزوم الحياء عند مقارفة ما كره الناس فضل
وأنشدني محمد بن المنذر بن سعيد عن محمد بن خلف التيمي قال أنشدني رجل من خزاعه ... إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء ... فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء ... يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللحاء ...
حدثنا اسحاق بن ابراهيم القاضي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري أن أبا بكر الصديق قال يوما وهو يخطب أيها الناس استحيوا من الله فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الغائط إلا وأنا مقنع رأسي حياء من الله.
قال أبو حاتم رضى الله عنه الحياء من الإيمان والمؤمن في الجنة والبذاء من الجفاء والجافي في النار إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه
فإذا لزم المرء الحياء كانت أسباب الخير منه موجودة كما أن الواقح إذا لزم البذاء كان وجود الخير منه معدوما وتواتر الشر منه موجودا لأن الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها فبقوة الحياء يضعف ارتكابه إياها وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها ولقد أحسن الذي يقول ... ورب قبيحة ما حال بيني ... وبين ركوبها إلا الحياء ... فكان هو الدواء لها ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء ...
وأنبأنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثنا عمر بن شبة حدثنا عبد الأعلى ابن عبد الأعلى حدثنا هشام عن محمد عن كثير بن افلح عن زيد بن ثابت قال من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله.
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن يعود نفسه لزوم الحياء من الناس وإن من أعظم بركته تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ومجانبتها الخلال المذمومه كما أن من أعظم بركة الحياء من الله الفوز من النار بلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه لأن ابن آدم مطبوع على الكرم واللؤم معا في المعاملة بينه وبين الله والعشرة بينه وبين المخلوقين وإذا قوى حياؤه قوى كرمه وضعف لؤمه وإذا ضعف حياؤه قوى لؤمه وضعف كرمه ولقد أنشدني على بن محمد البسامي ... إذا رزق الفتى وجها وقاحا ... تقلب في الأمور كما يشاء ... ولم يك للدواء ولا لشيء ... يعالجه به فيه غناء ... فما لك في معاتبة الذي لا ... حياء لوجهه إلا العناء ...
قال أبو حاتم إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه ودفن مساويه ونشر محاسنه ومن ذهب حياؤه ذهب سروره ومن ذهب سروره هان على الناس ومقت من مقت أوذى ومن أوذى حزن ومن حزن فقد عقله ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له ولا دواء لمن لا حياء له ولا حياء لمن لا وفاء له ولا وفاء لمن لا إخاء له ومن قل حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب.
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش ... إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ... وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع ... إذا كنت تأتي المرء تعظم حقه ... ويجهل منك الحق فالصرم أوسع ...
أنبأنا محمد بن سعيد القزاز حدثني عبد الله بن مسعود الثعلبي باليمن حدثنا أحمد بن زيد بن السكن الجندي عن سفيان بن عيينه قال قال يحيى بن جعدة إذا رأيت الرجل قليل الحياء فاعلم أنه مدخول في نسبه. انتهى
مقتطف من
كتاب
رَوْضة العُقلاء وَنزهَة الفضلاء
للإمام
الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان
البسيتي