من أسباب محبة الله للعبد للشيخ عبيد بن عبد الله الجابري
من أسباب محبة الله للعبد
للشيخ عبيد بن عبدالله الجابري حفظه الله تعالى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71]. أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فيا أيها المسلمون والمسلمات إن محبة الله لعباده ومحبته لبعض الأعمال وأهل بعض الأعمال مما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم صفة لله، هذه المحبة صفة لله ثبتت فيما لا يحصى من آي التنزيل الكريم وكذلك فيما لا يحصى من صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة السلفيون أهل الأثر يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه وكذلك ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل ولا تكييف، وإعتقاداً أن ذلك حق على حقيقته يُصان عن الخيالات الباطلة والظنون الكاذبة وذلكم يا أيها المسلمون والمسلمات:
أولاً: لأنّ الله أعلم بنفسه، ثم رسوله صلى الله عليه وسلم صادق مصدوق وهو أعلم الخلق بالله سبحانه وتعالى فما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات هو حق وصدق.
ثانياً: لإن ربنا جل في علاه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]،كما أن أهل السنة والجماعة السلفيين أهل الأثر ينفون ما نفاه الله عن نفسه من الصفات في كتابه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ويثبتون كمال الضد، ينفون ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ويثبتون لله كمال ضد ذلك، فينفون عن الله على سبيل المثال العجز ويثبتون له كمال القدرة، وينفون عنه الظلم لإنه نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ويثبتون لله كمال العدل، وينفون عن الله كما نفى عن نفسه عز وجل ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم الجهل ويثبتون لله سبحانه وتعالى كمال العدل، فإذا تقرر هذا أيها المسلمون والمسلمات فاعلموا أن محبة الله لعباده على فعلهم بعض الأعمال التي يؤدونها تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى مما ثبت في آي التنزيل الكريم ومما ثبت كذلكم في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم واعلموا أيها المسلمون أن محبة الله لعباده مطلب عظيم وأُمنيةً غالية ما من مسلم ولا مسلمة إلا وهو يرجو أن يحبه الله، وفي الحديث الصحيح «إن الله إن أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» أرأيتم يا عباد الله كيف ينال ذلكم الذي أحبه الله سبحانه وتعالى عظيم المنزلة ورفيع الدرجة، يحبه ربه ويحبه جبريل ويحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض، [متفق عليه] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه زاد مسلم «وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فيبغضه أهل السماء ثم توضع له الكراهية في الأرض». الجزاء يا عباد الله من جنس العمل كما قال الحق جل ثناؤه: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم:31]، وما من شك لدى كل كيس فطن عاقل في تصرفاته حازم في أمره أن الله سبحانه وتعالى ما أحب ذلك العبد إلا لأعمال صالحة تقرّب بها إلى الله عز وجل وابتغاء مرضات الله عز وجل امتثالاً لأمره، أو ترك أعمالاً هي مغاضب لله موجبات سخطه امتثالاً لنهي الله سبحانه وتعالى، فأحبه الله حين إستجاب له وأنقاد لأوامره بالفعل ولنواهيه بالترك.
وأن الله ما أبغض ذلكم العبد الأخر إلا لركوبه ما يُغضب الله عز وجل ويُسخطه مِن ترك طاعةٍ أوجبها الله عليه وافترضها عليه أو ركوب معصيةٍ وسيئةٍ نهاه الله سبحانه وتعالى فهو مُجَانِب هُدَى الله يفعل ما نهاه الله عنه ويترك ما أمره الله به ورأيتم كيف نال كلا من ذينكم العبدين الجزاء المنزلة التي هي عدلا من الله سبحانه وتعالى فالجزاء من جنس العمل.
فإذا تقرر هذا فاعلموا يا أيها المسلمون والمسلمات أنه لا يمكننا الحديث مفصلاً وذلكم بعرض الأسباب الموجبة من الله فضلاً وإحسانا بعرض الأسباب التي من سلكها نال فضلاً من الله وإحسانا محبة الله سبحانه وتعالى، أقول لا يمكننا أستعراض ذلك كله فلابد من ذكر بعض الأسباب ولهذا العنوان الذي أحببت الكلام فيه والحديث معكم فيه وما أظنه كتب إلا كذلك من أسباب محبة الله للعبد.
السبب الأول: المحافظة على الفرائض والإستكثار من النوافل، وإن قال قائل ما حد الفرائض؟ وما حد النوافل؟ فالفرائض ما افترضه الله على العباد وأوجبه عليهم وسواءاً كان ذلكم الفرض هو من حقوق الله على العبد أو من حقوق العباد فيما بينهم، والنوافل هي المندوبات وهي التطوعات وهي السنن والمستحبات وهي كل ما أمر الله به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير إجاب، وفي هذا أيها المسلمون والمسلمات ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه يقول الله تعالى: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما أفترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها لئن سألني لأعطينه ولئن أستعاذني لأعيذنه»، إخواني وأبنائي لنتأمل هذا الحديث أيها المسلمون والمسلمات حتى ننظر ما تضمنه من الفوائد والأحكام:
أولاً: الحظ والتهييج على حفظ ما افترض الله مع الإستكثار من نوافله.
ثانياً: في الحديث دليل صريح على أن ذلكم العبد الذي حافظ على فرائض الله فأدّاها كما أمره بذلكم ربه واستكثر مع ذلكم من التطوعات والمندوبات التي هي نوافل ينال محبة الله سبحانه وتعالى، والنوافل في العبادات كثيرة فكثير من العبادات المفروضات لها نوافل فمن نوافل الصلوات السنن الراتبة وهي ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان أو أربعاً قبل الظهر وركعتان أو أربعاً بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء ثنتى عشرة ركعةً تقريباً، والنوافل المطلقة ومنها ركعتا الضحى وأربع ركعات قبل العصر وبين كل أذانين يعني الأذان والإقامة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، في الثالثة أو الرابعة قال لمن شاء»، وما تيسر من قيام الليل ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى له الله بيتاً في الجنة»، وصح من حديث أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار أو قال حرم عليه النار».
هذه بعض مفردات ما جاء في فضل النافلة واعلموا أيها المسلمون أنه ثمة نوافل أخرى فالصيام له نوافل فمن نوافل الصيام صيام الإثنثن والخميس وصيام ست من شوال إتباعاً لصيام رمضان وصيام تسع من ذي الحجة وصيام عاشوراء والإستكثار من صيام شهر شعبان والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:261]، والمقصود أيها المسلمون والمسلمات أن الإستكثار من النوافل مع المحافظة على الفرائض ينال العبد به أجراً عظيماً، وفوق جميع الثواب نيله محبة الله سبحانه وتعالى ومن أحبه الله فلا يسأل عن حسن حاله ومآله.
ثالثاً: في الحديث دليل وإن شئت فقل في الحديث بشرى عاجلة لكل عبد، رجل كان أو إمرأة صنع هذا الصنيع وعمل هذا العمل وذلكم بثمرة المحبة عليه وهذه الثمرة تتضمن شيئين:
الأول: حفظ الله لذلكم العبد في سمعه وبصره ويديه ورجليه يحفظه الله في كل حال وهذا صريح في قوله «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» والمقصود أن الله مع ذلكم العبد يا مسلمون ويا مسلمات يسدده ويعينه ويكلأه ويحفظه فهو نظير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف:201]، فمن فضل الله على ذلكم العبد الذي حافظ على فرائض الله واستكثر مع ذلكم من النوافل والتطوعات والمندوبات والسنن والمستحبات أن الله سبحانه وتعالى لا يتركه فريسة للشيطان يكون معه، وفي ذلكم قوله صلى الله عليه وسلم لأبن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام إني أعلمك كلمات أحفظ الله يحفظك ... الحديث ».
الشيء الثاني: من ثمرة محبة الله لذلكم العبد صاحب الفرائض والنوافل أن الله سبحانه وتعالى يعطيه سؤاله ويعيذه مما استعاذه، يعطيه سؤاله يجيبه إذا دعاه وهذا المطلق جاء مقيداً في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «ما من عبد يدعو الله بما ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم إلا كان له من الله إحدى ثلاث: أن يعجل له ما دعا، أو يصرف عنه من السوء مثله، أو يدخر له ذلك في الآخرة»، والله عوذ له ومجير له فهو مع ذلكم العبد في رخاءه وشدته وعسره ويسره لا يتخلى الله سبحانه وتعالى عن ذلكم العبد، فالجزاء يا مسلمون ويا مسلمات من جنس العمل، فمن كان مع الله سبحانه وتعالى مستقيماً على فعل أوامره ومستقيماً على ترك نواهيه مخلصاً في ذلكم لله متابعاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله معه.
السبب الثاني: الإستقامة على العهد لمن أعطي العهد وفي ذلكم يقول الحق جل ثناءه: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:7]، المعنى الإجمالي بإختصار للآية ما استقام لكم الكفار على ما بينكم وبينهم من العهد فبادلوهم أنتم الوفاء بالعهد، إستقيموا لهم كذلك إن الله يحب المتقين فالآية أيها المسلمون والمسلمات تتضمن مأموراً به وعلة ذلك المأمور.
فالمأمور به استقامة المسلمين على ما أعطوه للكفار من العهد وأن يوفوا به ما دام الكفار مستقيمين لهم على عهدهم.
الشيء الثاني: علة المأمور به ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:7]، فهذه الجملة تفيد:
أولاً: أن الوفاء بالعهد لذي العهد محبوب لله سبحانه وتعالى وأنه من التقوى، من تقوى الله سبحانه وتعالى التي يحبها ويحب أهلها فبان بهذا أن الوفاء بالعهد من صفات المتقين التي يحبها الله ويحب أهلها وإن شئت فقل من وفى لذي العهد بعهده نال محبة الله سبحانه وتعالى وهذا هو صريح الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ فوجب على هذا أن يوفي المسلمون لذي العهود بعهودهم سواءاً في ذلكم ما كان العهد عقده بين الإمام (ولي الأمر) وبين دول، أو كان بين فرد من أفراد المسلمين مع أفراد من أفراد الكفار، قال صلى الله عليه وسلم «المسلمون تتكافئ دمائهم ويسعى في بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» واعلموا أيها المسلمون أن نصوص الشارع الصحيحة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي مستفيضة أو متواترة قد جاءت بالتشديد والتأكيد على الوفاء بالعهد وتحريم نقضه وأن نقضه من مساخط الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسير كذا وكذا» وأجمع أهل العلم والإيمان على أنه يجب الوفاء لذي العهد بعهده وإن كانت دولة ذلكم المعاهد حربية للمسلمين وأنه يوفي لذلكم المعاهد حتى يبلغ مأمنه وبهذا تعلمون أنما يحدثه ما يحدثه بعض المسلمين من التصرفات الهوجاء والحوادث العوجاء ليست في بلاد الكفار أو من الإعتداءات على الكفار في بلاد الإسلام ليست هي مما يحبه الله ورسوله ولا ما يحبه المؤمنون ليست هي من أهل السنة في شيء لئن فعلها بعض المسلمين فلا يجوز أن تنسب إلى أهل الإسلام الذين هم على السنة فأولئكم إمّا جهال لا يعلمون من أمر السنة شيئاً أو أصحاب هوى تربوا في أحضان المبتدعة وأهل الأهواء وأولئكم قد حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماهم دعاة إلى جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فمما صح في ذلكم ما أخرجه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله: كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت يا رسول الله: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: فما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر، قلت يا رسول الله: فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: فصفهم لنا يا رسول الله؟ قال: هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ..الحديث»، واقتصرت منه على محل الشاهد ولعل الله سبحانه وتعالى ييسر مع هذه الوجوه المباركة التي أسأل الله أن يجمعني وإياهم في دار كرامته كما جمعني وإياهم على طاعته في لقاء أخر يفصل القول خلاله تفصيلاً في هذا الحديث إن شاء الله تعالى، والمقصود أيها المسلمون والمسلمات أن من التقوى التي يحبها الله سبحانه وتعالى ومن أعمال المحبوبين الذي يحبهم الله عز وجل وهم المتقون الوفاء بالعهد والإستقامة عليه سواءاً كان العهد ميثاقاً عقده ولي أمر المسلمين مع دول أو أفراد، أو كان المعاهدون أفراداً من المسلمين عاهدوا أفراداً من الكفار.
السبب الثالث: التوبة، والتوبة: من التوب وهو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى فالله أيها المسلمون توّاب والعبد كذلك يسمى توّاباً، فالله توّاب لإن توبته على عبده هي إذن وتوفيق وقبول واعتداد والعبد يسمى تواباً لإنه يرجع إلى الله سبحانه وتعالى بلسانه وقلبه وهذا الرجوع الذي رجع به العبد إلى الله سبحانه وتعالى بلسان حاله وبلسان مقاله بقلبه وبلسانه ينبني:
أولاً: على استشعار الندم على ما فرط في جنب الله والعزم على العودة من ذلكم الذنب وأمور أخرى يأتي التفصيل فيها لاحقاً إن شاء الله عز وجل، والشاهد والدليل على أن التوبة من أسباب نيل العباد محبة الله عز وجل قوله جل ثناءه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة:222]، أثبت الله سبحانه وتعالى نصاً صريحاً في كتابه محبته لصنفين من عباده في هذه الآية واحد ذينكم الصنفين يا أيها المسلمون والمسلمات هو التواب كثير التوبة لا يذنب ذنباً إلا تاب إلى الله عز وجل وقد يتوب إلى الله ولم يعلم أنه ركب ذنباً تأسياً بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم اكثر من سبعين مرة» وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوب إلى الله ويستغفره في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة وهو عليه الصلاة والسلام سيد المتقين، سيد المرسلين، إمام الخلق أجمعين، سيد ولد أدم أجمعين، أعلَمَه ربُه أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن يفعل ذلك:
أولاً: شكراً لله سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليه أن إجتباه وإصطفاه وهداه وجعله سيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: تحريض العباد تحريض الأمة على أن يكونوا دائماً توابين إلى الله سبحانه وتعالى لاجئين إليه بالأستغفار والتوبة وذلكم لإنّ الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً وإن كان الذنب كفراً شركاً فأعظم ذنب عصي الله به هو الشرك كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذنبأاعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم ثم ماذا بعد؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تزاني حليلة جارك..الحديث» وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن أناساً من أهل الشرك زنوا فأكثروا، وسرقوا فأكثروا، وقتلوا فأكثروا، فقالوا: يا محمد إنما تدعوا إليه لحسن لو تجد لما عملنا كفارة» فأنزل الله: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر:53]، أرأيتم أيها المسلمون والمسلمات يدعوكم ربكم إلى أن تتوبوا إليه وتستغفروه ويعدكم وإن كنتم مسرفين على أنفسكم بمغفرة الذنوب جميعا وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه وتعالى ينزل كل ليله حين يبقى الثلث الأخير من الليل فينادي يا عبادي هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه حتى ينفجر الفجر» أفبعد هذا أيها المسلمون والمسلمات تقبلون أن توصف عقيدة التوحيد بأنها جافة ولذا أعرض الشباب عنها أو أعرض الناس عنها لأنها نصوص وأحكام، هذه عقيدة التوحيد التي ورثتموها أيها المسلمون والمسلمات عن نبيكم صلى الله عليه وسلم بواسطة العلماء والأئمة والدعاة إلى الله على بصيرة بدءاً من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم فأئمة التابعين فسائروا الأئمة، أئمة العلم والدين من أهل القرون المفضلة التي ثبتت لها الخيرية بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلكم المجددون بعدهم من الدعاة إلى الله على بصيرة ومنهم الإمام إمام أهل السنة ورئيس أهل السنة بلا منازع الإمام أحمد ابن محمد ابن حنبل الشيباني رحمه الله، ثم الإمام الرباني شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ثم من بينهم من أئمة العلم والدين وبعدهما أئمةً كثيرون مثل ابن كثير وابن رجب وابن القيم ثم المجدد الثالث فيما علمناه وهو الإمام العلامة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب رحمه الله والذي ناصره وآزره على ذلكم التجديد الإمام الأمير محمد ابن سعود رحمه الله.
هذه عقيدة التوحيد التي ما رضي الله يا أيها المسلمون غيرها وكل عمل دون عقيدة التوحيد لا ينال عند الله سبحانه وتعالى القبول والمقصود أن الله سبحانه وتعالى أثبت محبته للتوابين الذي يتوبون إلى الله سبحانه وتعالى وكذلك المتطهرين الذين يتطهرون من الأقذار والنجاسات الحسية والمعنوية، وها هنا أيها المسلمون لابد أولاً أن تكون التوبة هي التوبة النصوح وهي التي ندب الله المؤمنين إليها بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾ [التحريم:8] ... الآية.
واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أن هذه التوبة النصوح التي يطهر بها الله سبحانه وتعالى من تاب من الآثام والخطايا ويبدل سيئاتهم إلى حسنات وينالون بها عند الله رفيع الدرجات، وأرفع درجة ينالونها محبة الله سبحانه وتعالى لها شروط سبعة عرفناها بالإستقراء لنصوص الكتاب والسنة وإطلاعنا على أقوال الأئمة وأنا سائقاً إليكم أيها المسلمون والمسلمات هذه الشروط السبعة فأقول وبالله المستعان وعليه التكلان:
الشرط الأول: الإسلام وهو الإستسلام لله بالتوحيد والأنقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك والبراءة من الشرك وأهله هذا هو دين الله الحق الذي لا يقبل الله عملاً إلا به قال أهل العلم والكافر عمله مردود ولو عمل أي عمل واستدلوا بآيات كثيرة منها قوله جل ثناءه: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان:23]، فلو تاب كافر أو مشرك من جميع الكبائر وبقي على كفره وشركه فإن الله لا يقبل منه توبته حتى يسلم، أولاً يسلم فالإسلام يجِبّ ما قبله ويهدم ما قبله من الخطاي،ا أما دون إسلام فالله لا يقبل توبةً من كافر ولهذا تعلمون أنما يقرره بعض المنتسبين إلى العلم في بعض الكفار الذين ماتوا على الكفر وقد عملوا أعمالاً هذه الأعمال قد ينتفع بها أهل الإسلام يقولون فيهم ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾ [التوبة:102]، ليس لهم عمل صالح ما داموا كفاراً الله يقول: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان:23]، ما قال ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾[التوبة:102]، وإنما هذه الآية في بعض المؤمنين في قوم من أهل الإيمان خلطوا مع الإيمان سيئات وليست في الكفار.
الشرط الثاني: الإخلاص وذلكم يا عباد الله لأن التوبة ليست مجرد كلمات تلهج بها الألسنة وتتحرك بها الشفاه. هي عبادة لله سبحانه وتعالى وكل عبادة يتقرب بها العبد إلى الله لابد فيها من تجريد الإخلاص لله وتجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو ما تضمنته آي الكتاب الكريم وصحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع به الأئمة من أهل العلم والإيمان.
الشرط الثالث: أن تكون قبل حلول الأجل، أن تكون من قريب واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أن الأجل الذي يغلق عنده باب التوبة ولا تصعد حينه توبة التائبين ولا إستغفار المستغفرين من المذنبين أجلان أجل خاص وأجل عام: أما الأجل الخاص فهو حشرجة الروح في الحلقوم حين تغرغر الروح وهو الإحتضار قال صلى الله عليه وسلم «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» وذلكم يا عباد الله من المسلمين والمسلمات لإنه حينئذ يعاين مقعده إن كان من أهل الجنة أو أهل النار، فإن كان من الأبرار والأخيار والصلاح والمتقين يرى مقعده من الجنة، وإن كان من الفجار والأشقياء وأهل التعاسة يرى مقعده من النار، فكل من الأبرار والفجار يرى مقعده فلا تنفع التوبة حينئذ لأن من مات على الصلاح والتقوى والبر والإحسان وأعظم ذلك توحيد الله ثم سائر فرائضه العملية لقي الله على خير ما يلقاه به عباده، وإن كان من الأشقياء واعظم الشقاوة الشرك بالله عز وجل فإنه يلقى الله على شر ما يلقى به عباد ربهم نسأل الله لنا ولكم العافية في الدين والدنيا والآخرة.
وأما الأجل العام الذي يقع على عموم الأمة هو طلوع الشمس من مغربها فإذا طلعة الشمس من مغربها فلا توبة قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»، لكن من كانت له أعمال صالحة، من كان من أهل الصلاح يجري له كل عمل صالح يعمله ومن برهان ذلكم قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها».
الشرط الرابع: العزم على عدم العودة يعزم عزماً أكيداً صادقاً لله انه لا يعود إلى ذلكم الذنب الذي أذنبه ورجع منه إلى الله عز وجل وتاب إلى الله منه.
الشرط الخامس: الإقلاع عن الذنب بالكلية فإن من تاب إلى الله توبة نصوحاً وقد أقلع عن الذنب فهو تائب إلى الله حقاً، نائل محبة الله إن شاء الله تعالى. ومن تاب واستغفر وهو على الذنب يقارف الذنب فليس ذلكم يا عباد الله من المسلمين والمسلمات بتواب بل هو لعاب كذاب.
الشرط السادس: الندم يستشعر الندم على ما فرط في جنب الله سبحانه وتعالى ويستشعر الإنكسار والذل لله سبحانه وتعالى كما يستشعر كذلك شكر الله أن منّ الله عليه بالتوبة وجعل رحمة منه ونعمة تداركه حتى لا يموت على ذنبه، تفضل الله سبحانه وتعالى عليه أولاً أن هداه إلى التوبة وتفضل عليه ثانياً بتبديل سيئاته إلى حسنات وتفضل عليه ثالثاً بالإستقامة على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه وجنبه ما يسخطه ويأباه، هذه نعم عظيمة عليه من الله سبحانه وتعالى هذه أيها المؤمنون والمؤمنات الشروط الستة، هي شروط عامة يشتركُ فيها التوبة بالحق من التقصير بحق الله والتوبة من التقصير في حق المخلوقين أقول هذه الشروط الستة شروط عامة سواءاً كانت التوبة مما يتعلق بالله أو ما يتعلق بحقوق المخلوقين.
وتزيد حقوق المخلوقين شرطاً سابعاً لابد منه وذلكم أيها المسلمون والمسلمات أن حقوق الخلق مبنية على الضمان والمقاصة فالقاعدة التي قررها العلماء والأئمة وهي قاعدة مستنبطة من كتاب ربنا وسنة نبينا أن حقوق الله مبنية على العفو والمسامحة منه عز وجل ولهذا تكفي منها التوبة وإن كان الذنب شركاً أو كفراً كل ذنب يتوب العبد إلى الله منه التوبة النصوح هو مقبول عند الله سبحانه وتعالى مقبول التوبة مغفوراً ذلكم الذنب وحقوق الخلق مبنية على الضمان والمشاحة يعني لابد من أدائها فلا تكفرها التوبة. إذاً ما الذي تزيد به حقوق الخلق؟
ما الشرط السابع؟ هو رد المظالم إلى أهلها، فيجب على من كان عنده مظلمة لأحد من عباد الله أن يردها إلى صاحبها ويتحلل منه إن أستطاع السبيل إلى ذلك سواءاً كانت المظلمة مالية أو من الأعراض قال صلى الله عليه وسلم: «لتؤدنّ الحقوق إلى أهلها قبل أن لا يكون ديناراً ولا درهم»، وأخبر صلى الله عليه وسلم «أنه يقتص من جميع الخلائق، يقتص الله عز وجل من الظالم للمظلوم حتى أنه لا تقاد الشاة الجلحى من القرنى» "القرنى ذات القرون والجلحى تسمى الجمى التي لا قرون لها " فإنه مما هو معروف ومعلوم حساً ومشاهدة أن ذات القرون القرنى تغلب الجمى إذا نطحتها يوم القيامة تقتص للجلحى من القرنى فيقال للجلحى إنطحيها كما نطحتك، وأخبر عليه الصلاة والسلام: «أنه لا يدخل أحد الجنة وعليه مظلمة لأحد من أهل النار وأنه لا يدخل النار أحداً من أهل النار عليه مظلمة لأحد من أهل الجنة» والنصوص في ذلك أيها المؤمنون والمؤمنات إن لم تكن متواترة عن نبينا صلى الله عليه وسلم فهي مستفيضة، فلا تتهاونوا في المظالم، تحللوا منها وردوها إلى أهلها فإنه يوم القيامة لا دينار ولا درهم وإنما الحسنات والسيئات.
وفق الله الجميع لما فيه مرضاته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فرغه أخوكم راجياً عفوا ربه/ أبو مازن السلفي.
من أسباب محبة الله للعبد
للشيخ عبيد بن عبدالله الجابري حفظه الله تعالى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71]. أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فيا أيها المسلمون والمسلمات إن محبة الله لعباده ومحبته لبعض الأعمال وأهل بعض الأعمال مما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم صفة لله، هذه المحبة صفة لله ثبتت فيما لا يحصى من آي التنزيل الكريم وكذلك فيما لا يحصى من صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة السلفيون أهل الأثر يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه وكذلك ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل ولا تكييف، وإعتقاداً أن ذلك حق على حقيقته يُصان عن الخيالات الباطلة والظنون الكاذبة وذلكم يا أيها المسلمون والمسلمات:
أولاً: لأنّ الله أعلم بنفسه، ثم رسوله صلى الله عليه وسلم صادق مصدوق وهو أعلم الخلق بالله سبحانه وتعالى فما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات هو حق وصدق.
ثانياً: لإن ربنا جل في علاه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]،كما أن أهل السنة والجماعة السلفيين أهل الأثر ينفون ما نفاه الله عن نفسه من الصفات في كتابه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ويثبتون كمال الضد، ينفون ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ويثبتون لله كمال ضد ذلك، فينفون عن الله على سبيل المثال العجز ويثبتون له كمال القدرة، وينفون عنه الظلم لإنه نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ويثبتون لله كمال العدل، وينفون عن الله كما نفى عن نفسه عز وجل ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم الجهل ويثبتون لله سبحانه وتعالى كمال العدل، فإذا تقرر هذا أيها المسلمون والمسلمات فاعلموا أن محبة الله لعباده على فعلهم بعض الأعمال التي يؤدونها تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى مما ثبت في آي التنزيل الكريم ومما ثبت كذلكم في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم واعلموا أيها المسلمون أن محبة الله لعباده مطلب عظيم وأُمنيةً غالية ما من مسلم ولا مسلمة إلا وهو يرجو أن يحبه الله، وفي الحديث الصحيح «إن الله إن أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» أرأيتم يا عباد الله كيف ينال ذلكم الذي أحبه الله سبحانه وتعالى عظيم المنزلة ورفيع الدرجة، يحبه ربه ويحبه جبريل ويحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض، [متفق عليه] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه زاد مسلم «وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فيبغضه أهل السماء ثم توضع له الكراهية في الأرض». الجزاء يا عباد الله من جنس العمل كما قال الحق جل ثناؤه: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم:31]، وما من شك لدى كل كيس فطن عاقل في تصرفاته حازم في أمره أن الله سبحانه وتعالى ما أحب ذلك العبد إلا لأعمال صالحة تقرّب بها إلى الله عز وجل وابتغاء مرضات الله عز وجل امتثالاً لأمره، أو ترك أعمالاً هي مغاضب لله موجبات سخطه امتثالاً لنهي الله سبحانه وتعالى، فأحبه الله حين إستجاب له وأنقاد لأوامره بالفعل ولنواهيه بالترك.
وأن الله ما أبغض ذلكم العبد الأخر إلا لركوبه ما يُغضب الله عز وجل ويُسخطه مِن ترك طاعةٍ أوجبها الله عليه وافترضها عليه أو ركوب معصيةٍ وسيئةٍ نهاه الله سبحانه وتعالى فهو مُجَانِب هُدَى الله يفعل ما نهاه الله عنه ويترك ما أمره الله به ورأيتم كيف نال كلا من ذينكم العبدين الجزاء المنزلة التي هي عدلا من الله سبحانه وتعالى فالجزاء من جنس العمل.
فإذا تقرر هذا فاعلموا يا أيها المسلمون والمسلمات أنه لا يمكننا الحديث مفصلاً وذلكم بعرض الأسباب الموجبة من الله فضلاً وإحسانا بعرض الأسباب التي من سلكها نال فضلاً من الله وإحسانا محبة الله سبحانه وتعالى، أقول لا يمكننا أستعراض ذلك كله فلابد من ذكر بعض الأسباب ولهذا العنوان الذي أحببت الكلام فيه والحديث معكم فيه وما أظنه كتب إلا كذلك من أسباب محبة الله للعبد.
السبب الأول: المحافظة على الفرائض والإستكثار من النوافل، وإن قال قائل ما حد الفرائض؟ وما حد النوافل؟ فالفرائض ما افترضه الله على العباد وأوجبه عليهم وسواءاً كان ذلكم الفرض هو من حقوق الله على العبد أو من حقوق العباد فيما بينهم، والنوافل هي المندوبات وهي التطوعات وهي السنن والمستحبات وهي كل ما أمر الله به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير إجاب، وفي هذا أيها المسلمون والمسلمات ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه يقول الله تعالى: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما أفترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها لئن سألني لأعطينه ولئن أستعاذني لأعيذنه»، إخواني وأبنائي لنتأمل هذا الحديث أيها المسلمون والمسلمات حتى ننظر ما تضمنه من الفوائد والأحكام:
أولاً: الحظ والتهييج على حفظ ما افترض الله مع الإستكثار من نوافله.
ثانياً: في الحديث دليل صريح على أن ذلكم العبد الذي حافظ على فرائض الله فأدّاها كما أمره بذلكم ربه واستكثر مع ذلكم من التطوعات والمندوبات التي هي نوافل ينال محبة الله سبحانه وتعالى، والنوافل في العبادات كثيرة فكثير من العبادات المفروضات لها نوافل فمن نوافل الصلوات السنن الراتبة وهي ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان أو أربعاً قبل الظهر وركعتان أو أربعاً بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء ثنتى عشرة ركعةً تقريباً، والنوافل المطلقة ومنها ركعتا الضحى وأربع ركعات قبل العصر وبين كل أذانين يعني الأذان والإقامة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، في الثالثة أو الرابعة قال لمن شاء»، وما تيسر من قيام الليل ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى له الله بيتاً في الجنة»، وصح من حديث أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار أو قال حرم عليه النار».
هذه بعض مفردات ما جاء في فضل النافلة واعلموا أيها المسلمون أنه ثمة نوافل أخرى فالصيام له نوافل فمن نوافل الصيام صيام الإثنثن والخميس وصيام ست من شوال إتباعاً لصيام رمضان وصيام تسع من ذي الحجة وصيام عاشوراء والإستكثار من صيام شهر شعبان والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:261]، والمقصود أيها المسلمون والمسلمات أن الإستكثار من النوافل مع المحافظة على الفرائض ينال العبد به أجراً عظيماً، وفوق جميع الثواب نيله محبة الله سبحانه وتعالى ومن أحبه الله فلا يسأل عن حسن حاله ومآله.
ثالثاً: في الحديث دليل وإن شئت فقل في الحديث بشرى عاجلة لكل عبد، رجل كان أو إمرأة صنع هذا الصنيع وعمل هذا العمل وذلكم بثمرة المحبة عليه وهذه الثمرة تتضمن شيئين:
الأول: حفظ الله لذلكم العبد في سمعه وبصره ويديه ورجليه يحفظه الله في كل حال وهذا صريح في قوله «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» والمقصود أن الله مع ذلكم العبد يا مسلمون ويا مسلمات يسدده ويعينه ويكلأه ويحفظه فهو نظير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف:201]، فمن فضل الله على ذلكم العبد الذي حافظ على فرائض الله واستكثر مع ذلكم من النوافل والتطوعات والمندوبات والسنن والمستحبات أن الله سبحانه وتعالى لا يتركه فريسة للشيطان يكون معه، وفي ذلكم قوله صلى الله عليه وسلم لأبن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام إني أعلمك كلمات أحفظ الله يحفظك ... الحديث ».
الشيء الثاني: من ثمرة محبة الله لذلكم العبد صاحب الفرائض والنوافل أن الله سبحانه وتعالى يعطيه سؤاله ويعيذه مما استعاذه، يعطيه سؤاله يجيبه إذا دعاه وهذا المطلق جاء مقيداً في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «ما من عبد يدعو الله بما ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم إلا كان له من الله إحدى ثلاث: أن يعجل له ما دعا، أو يصرف عنه من السوء مثله، أو يدخر له ذلك في الآخرة»، والله عوذ له ومجير له فهو مع ذلكم العبد في رخاءه وشدته وعسره ويسره لا يتخلى الله سبحانه وتعالى عن ذلكم العبد، فالجزاء يا مسلمون ويا مسلمات من جنس العمل، فمن كان مع الله سبحانه وتعالى مستقيماً على فعل أوامره ومستقيماً على ترك نواهيه مخلصاً في ذلكم لله متابعاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله معه.
السبب الثاني: الإستقامة على العهد لمن أعطي العهد وفي ذلكم يقول الحق جل ثناءه: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:7]، المعنى الإجمالي بإختصار للآية ما استقام لكم الكفار على ما بينكم وبينهم من العهد فبادلوهم أنتم الوفاء بالعهد، إستقيموا لهم كذلك إن الله يحب المتقين فالآية أيها المسلمون والمسلمات تتضمن مأموراً به وعلة ذلك المأمور.
فالمأمور به استقامة المسلمين على ما أعطوه للكفار من العهد وأن يوفوا به ما دام الكفار مستقيمين لهم على عهدهم.
الشيء الثاني: علة المأمور به ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:7]، فهذه الجملة تفيد:
أولاً: أن الوفاء بالعهد لذي العهد محبوب لله سبحانه وتعالى وأنه من التقوى، من تقوى الله سبحانه وتعالى التي يحبها ويحب أهلها فبان بهذا أن الوفاء بالعهد من صفات المتقين التي يحبها الله ويحب أهلها وإن شئت فقل من وفى لذي العهد بعهده نال محبة الله سبحانه وتعالى وهذا هو صريح الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ فوجب على هذا أن يوفي المسلمون لذي العهود بعهودهم سواءاً في ذلكم ما كان العهد عقده بين الإمام (ولي الأمر) وبين دول، أو كان بين فرد من أفراد المسلمين مع أفراد من أفراد الكفار، قال صلى الله عليه وسلم «المسلمون تتكافئ دمائهم ويسعى في بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» واعلموا أيها المسلمون أن نصوص الشارع الصحيحة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي مستفيضة أو متواترة قد جاءت بالتشديد والتأكيد على الوفاء بالعهد وتحريم نقضه وأن نقضه من مساخط الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسير كذا وكذا» وأجمع أهل العلم والإيمان على أنه يجب الوفاء لذي العهد بعهده وإن كانت دولة ذلكم المعاهد حربية للمسلمين وأنه يوفي لذلكم المعاهد حتى يبلغ مأمنه وبهذا تعلمون أنما يحدثه ما يحدثه بعض المسلمين من التصرفات الهوجاء والحوادث العوجاء ليست في بلاد الكفار أو من الإعتداءات على الكفار في بلاد الإسلام ليست هي مما يحبه الله ورسوله ولا ما يحبه المؤمنون ليست هي من أهل السنة في شيء لئن فعلها بعض المسلمين فلا يجوز أن تنسب إلى أهل الإسلام الذين هم على السنة فأولئكم إمّا جهال لا يعلمون من أمر السنة شيئاً أو أصحاب هوى تربوا في أحضان المبتدعة وأهل الأهواء وأولئكم قد حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماهم دعاة إلى جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فمما صح في ذلكم ما أخرجه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله: كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت يا رسول الله: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: فما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر، قلت يا رسول الله: فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: فصفهم لنا يا رسول الله؟ قال: هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ..الحديث»، واقتصرت منه على محل الشاهد ولعل الله سبحانه وتعالى ييسر مع هذه الوجوه المباركة التي أسأل الله أن يجمعني وإياهم في دار كرامته كما جمعني وإياهم على طاعته في لقاء أخر يفصل القول خلاله تفصيلاً في هذا الحديث إن شاء الله تعالى، والمقصود أيها المسلمون والمسلمات أن من التقوى التي يحبها الله سبحانه وتعالى ومن أعمال المحبوبين الذي يحبهم الله عز وجل وهم المتقون الوفاء بالعهد والإستقامة عليه سواءاً كان العهد ميثاقاً عقده ولي أمر المسلمين مع دول أو أفراد، أو كان المعاهدون أفراداً من المسلمين عاهدوا أفراداً من الكفار.
السبب الثالث: التوبة، والتوبة: من التوب وهو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى فالله أيها المسلمون توّاب والعبد كذلك يسمى توّاباً، فالله توّاب لإن توبته على عبده هي إذن وتوفيق وقبول واعتداد والعبد يسمى تواباً لإنه يرجع إلى الله سبحانه وتعالى بلسانه وقلبه وهذا الرجوع الذي رجع به العبد إلى الله سبحانه وتعالى بلسان حاله وبلسان مقاله بقلبه وبلسانه ينبني:
أولاً: على استشعار الندم على ما فرط في جنب الله والعزم على العودة من ذلكم الذنب وأمور أخرى يأتي التفصيل فيها لاحقاً إن شاء الله عز وجل، والشاهد والدليل على أن التوبة من أسباب نيل العباد محبة الله عز وجل قوله جل ثناءه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة:222]، أثبت الله سبحانه وتعالى نصاً صريحاً في كتابه محبته لصنفين من عباده في هذه الآية واحد ذينكم الصنفين يا أيها المسلمون والمسلمات هو التواب كثير التوبة لا يذنب ذنباً إلا تاب إلى الله عز وجل وقد يتوب إلى الله ولم يعلم أنه ركب ذنباً تأسياً بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم اكثر من سبعين مرة» وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوب إلى الله ويستغفره في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة وهو عليه الصلاة والسلام سيد المتقين، سيد المرسلين، إمام الخلق أجمعين، سيد ولد أدم أجمعين، أعلَمَه ربُه أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن يفعل ذلك:
أولاً: شكراً لله سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليه أن إجتباه وإصطفاه وهداه وجعله سيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: تحريض العباد تحريض الأمة على أن يكونوا دائماً توابين إلى الله سبحانه وتعالى لاجئين إليه بالأستغفار والتوبة وذلكم لإنّ الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً وإن كان الذنب كفراً شركاً فأعظم ذنب عصي الله به هو الشرك كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذنبأاعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم ثم ماذا بعد؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تزاني حليلة جارك..الحديث» وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن أناساً من أهل الشرك زنوا فأكثروا، وسرقوا فأكثروا، وقتلوا فأكثروا، فقالوا: يا محمد إنما تدعوا إليه لحسن لو تجد لما عملنا كفارة» فأنزل الله: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر:53]، أرأيتم أيها المسلمون والمسلمات يدعوكم ربكم إلى أن تتوبوا إليه وتستغفروه ويعدكم وإن كنتم مسرفين على أنفسكم بمغفرة الذنوب جميعا وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه وتعالى ينزل كل ليله حين يبقى الثلث الأخير من الليل فينادي يا عبادي هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه حتى ينفجر الفجر» أفبعد هذا أيها المسلمون والمسلمات تقبلون أن توصف عقيدة التوحيد بأنها جافة ولذا أعرض الشباب عنها أو أعرض الناس عنها لأنها نصوص وأحكام، هذه عقيدة التوحيد التي ورثتموها أيها المسلمون والمسلمات عن نبيكم صلى الله عليه وسلم بواسطة العلماء والأئمة والدعاة إلى الله على بصيرة بدءاً من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم فأئمة التابعين فسائروا الأئمة، أئمة العلم والدين من أهل القرون المفضلة التي ثبتت لها الخيرية بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلكم المجددون بعدهم من الدعاة إلى الله على بصيرة ومنهم الإمام إمام أهل السنة ورئيس أهل السنة بلا منازع الإمام أحمد ابن محمد ابن حنبل الشيباني رحمه الله، ثم الإمام الرباني شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ثم من بينهم من أئمة العلم والدين وبعدهما أئمةً كثيرون مثل ابن كثير وابن رجب وابن القيم ثم المجدد الثالث فيما علمناه وهو الإمام العلامة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب رحمه الله والذي ناصره وآزره على ذلكم التجديد الإمام الأمير محمد ابن سعود رحمه الله.
هذه عقيدة التوحيد التي ما رضي الله يا أيها المسلمون غيرها وكل عمل دون عقيدة التوحيد لا ينال عند الله سبحانه وتعالى القبول والمقصود أن الله سبحانه وتعالى أثبت محبته للتوابين الذي يتوبون إلى الله سبحانه وتعالى وكذلك المتطهرين الذين يتطهرون من الأقذار والنجاسات الحسية والمعنوية، وها هنا أيها المسلمون لابد أولاً أن تكون التوبة هي التوبة النصوح وهي التي ندب الله المؤمنين إليها بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾ [التحريم:8] ... الآية.
واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أن هذه التوبة النصوح التي يطهر بها الله سبحانه وتعالى من تاب من الآثام والخطايا ويبدل سيئاتهم إلى حسنات وينالون بها عند الله رفيع الدرجات، وأرفع درجة ينالونها محبة الله سبحانه وتعالى لها شروط سبعة عرفناها بالإستقراء لنصوص الكتاب والسنة وإطلاعنا على أقوال الأئمة وأنا سائقاً إليكم أيها المسلمون والمسلمات هذه الشروط السبعة فأقول وبالله المستعان وعليه التكلان:
الشرط الأول: الإسلام وهو الإستسلام لله بالتوحيد والأنقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك والبراءة من الشرك وأهله هذا هو دين الله الحق الذي لا يقبل الله عملاً إلا به قال أهل العلم والكافر عمله مردود ولو عمل أي عمل واستدلوا بآيات كثيرة منها قوله جل ثناءه: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان:23]، فلو تاب كافر أو مشرك من جميع الكبائر وبقي على كفره وشركه فإن الله لا يقبل منه توبته حتى يسلم، أولاً يسلم فالإسلام يجِبّ ما قبله ويهدم ما قبله من الخطاي،ا أما دون إسلام فالله لا يقبل توبةً من كافر ولهذا تعلمون أنما يقرره بعض المنتسبين إلى العلم في بعض الكفار الذين ماتوا على الكفر وقد عملوا أعمالاً هذه الأعمال قد ينتفع بها أهل الإسلام يقولون فيهم ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾ [التوبة:102]، ليس لهم عمل صالح ما داموا كفاراً الله يقول: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان:23]، ما قال ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾[التوبة:102]، وإنما هذه الآية في بعض المؤمنين في قوم من أهل الإيمان خلطوا مع الإيمان سيئات وليست في الكفار.
الشرط الثاني: الإخلاص وذلكم يا عباد الله لأن التوبة ليست مجرد كلمات تلهج بها الألسنة وتتحرك بها الشفاه. هي عبادة لله سبحانه وتعالى وكل عبادة يتقرب بها العبد إلى الله لابد فيها من تجريد الإخلاص لله وتجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو ما تضمنته آي الكتاب الكريم وصحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع به الأئمة من أهل العلم والإيمان.
الشرط الثالث: أن تكون قبل حلول الأجل، أن تكون من قريب واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أن الأجل الذي يغلق عنده باب التوبة ولا تصعد حينه توبة التائبين ولا إستغفار المستغفرين من المذنبين أجلان أجل خاص وأجل عام: أما الأجل الخاص فهو حشرجة الروح في الحلقوم حين تغرغر الروح وهو الإحتضار قال صلى الله عليه وسلم «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» وذلكم يا عباد الله من المسلمين والمسلمات لإنه حينئذ يعاين مقعده إن كان من أهل الجنة أو أهل النار، فإن كان من الأبرار والأخيار والصلاح والمتقين يرى مقعده من الجنة، وإن كان من الفجار والأشقياء وأهل التعاسة يرى مقعده من النار، فكل من الأبرار والفجار يرى مقعده فلا تنفع التوبة حينئذ لأن من مات على الصلاح والتقوى والبر والإحسان وأعظم ذلك توحيد الله ثم سائر فرائضه العملية لقي الله على خير ما يلقاه به عباده، وإن كان من الأشقياء واعظم الشقاوة الشرك بالله عز وجل فإنه يلقى الله على شر ما يلقى به عباد ربهم نسأل الله لنا ولكم العافية في الدين والدنيا والآخرة.
وأما الأجل العام الذي يقع على عموم الأمة هو طلوع الشمس من مغربها فإذا طلعة الشمس من مغربها فلا توبة قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»، لكن من كانت له أعمال صالحة، من كان من أهل الصلاح يجري له كل عمل صالح يعمله ومن برهان ذلكم قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها».
الشرط الرابع: العزم على عدم العودة يعزم عزماً أكيداً صادقاً لله انه لا يعود إلى ذلكم الذنب الذي أذنبه ورجع منه إلى الله عز وجل وتاب إلى الله منه.
الشرط الخامس: الإقلاع عن الذنب بالكلية فإن من تاب إلى الله توبة نصوحاً وقد أقلع عن الذنب فهو تائب إلى الله حقاً، نائل محبة الله إن شاء الله تعالى. ومن تاب واستغفر وهو على الذنب يقارف الذنب فليس ذلكم يا عباد الله من المسلمين والمسلمات بتواب بل هو لعاب كذاب.
الشرط السادس: الندم يستشعر الندم على ما فرط في جنب الله سبحانه وتعالى ويستشعر الإنكسار والذل لله سبحانه وتعالى كما يستشعر كذلك شكر الله أن منّ الله عليه بالتوبة وجعل رحمة منه ونعمة تداركه حتى لا يموت على ذنبه، تفضل الله سبحانه وتعالى عليه أولاً أن هداه إلى التوبة وتفضل عليه ثانياً بتبديل سيئاته إلى حسنات وتفضل عليه ثالثاً بالإستقامة على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه وجنبه ما يسخطه ويأباه، هذه نعم عظيمة عليه من الله سبحانه وتعالى هذه أيها المؤمنون والمؤمنات الشروط الستة، هي شروط عامة يشتركُ فيها التوبة بالحق من التقصير بحق الله والتوبة من التقصير في حق المخلوقين أقول هذه الشروط الستة شروط عامة سواءاً كانت التوبة مما يتعلق بالله أو ما يتعلق بحقوق المخلوقين.
وتزيد حقوق المخلوقين شرطاً سابعاً لابد منه وذلكم أيها المسلمون والمسلمات أن حقوق الخلق مبنية على الضمان والمقاصة فالقاعدة التي قررها العلماء والأئمة وهي قاعدة مستنبطة من كتاب ربنا وسنة نبينا أن حقوق الله مبنية على العفو والمسامحة منه عز وجل ولهذا تكفي منها التوبة وإن كان الذنب شركاً أو كفراً كل ذنب يتوب العبد إلى الله منه التوبة النصوح هو مقبول عند الله سبحانه وتعالى مقبول التوبة مغفوراً ذلكم الذنب وحقوق الخلق مبنية على الضمان والمشاحة يعني لابد من أدائها فلا تكفرها التوبة. إذاً ما الذي تزيد به حقوق الخلق؟
ما الشرط السابع؟ هو رد المظالم إلى أهلها، فيجب على من كان عنده مظلمة لأحد من عباد الله أن يردها إلى صاحبها ويتحلل منه إن أستطاع السبيل إلى ذلك سواءاً كانت المظلمة مالية أو من الأعراض قال صلى الله عليه وسلم: «لتؤدنّ الحقوق إلى أهلها قبل أن لا يكون ديناراً ولا درهم»، وأخبر صلى الله عليه وسلم «أنه يقتص من جميع الخلائق، يقتص الله عز وجل من الظالم للمظلوم حتى أنه لا تقاد الشاة الجلحى من القرنى» "القرنى ذات القرون والجلحى تسمى الجمى التي لا قرون لها " فإنه مما هو معروف ومعلوم حساً ومشاهدة أن ذات القرون القرنى تغلب الجمى إذا نطحتها يوم القيامة تقتص للجلحى من القرنى فيقال للجلحى إنطحيها كما نطحتك، وأخبر عليه الصلاة والسلام: «أنه لا يدخل أحد الجنة وعليه مظلمة لأحد من أهل النار وأنه لا يدخل النار أحداً من أهل النار عليه مظلمة لأحد من أهل الجنة» والنصوص في ذلك أيها المؤمنون والمؤمنات إن لم تكن متواترة عن نبينا صلى الله عليه وسلم فهي مستفيضة، فلا تتهاونوا في المظالم، تحللوا منها وردوها إلى أهلها فإنه يوم القيامة لا دينار ولا درهم وإنما الحسنات والسيئات.
وفق الله الجميع لما فيه مرضاته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فرغه أخوكم راجياً عفوا ربه/ أبو مازن السلفي.
تعليق