معنى تقوى الله سبحانه وتعالى وثمراتها- لسماحة الوالد صالح بن فوزان الفوزان.
خطبة الجمعة 04-05-1432هـ
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى سنته واهتدى بهديه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا معنى التقوى قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، فقد أمر الله جميع الخلق بتقواه الأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [النساء:1]، وأمر بها المؤمنين خصوصاً كما في الآيات التي سمعتم بعضاً منها وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب:1]، وأمر بالتقوى عموم الناس الأفراد، أمر جميع أفراد الخلق أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأخبر أن التقوى هي خير الزاد للآخرة قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، والتقوى كلمة جامعة لأفعال الخير القولية والفعلية والاعتقادات والنيات فهي شاملة لكل أعمال العبد ظاهرها وباطنها عليه أن يتقيَ الله فيها أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله بأداء فرائضه وترك منهياته، يتق الله فيما بينه وبينه فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليعلم أن الله يراه فيحسن العمل ويتقي ربه في جميع أحواله، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"، فيتقي ربه في أي مكان، ويتقي ربه على كل حال في السراء والضراء، وقد اختلفت عبارات السلف في تفسير التقوى وهي تجتمع بمعنىًً واحد، فعل أوامر الله جل وعلا رغبة في ثوابه وترك المحرمات خوفاً من عقابه، ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، قال السلف: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر هذا معنى (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، ولا شك أن الإنسان عرضة للخطأ وعرضة للمخالفات، ولذلك لما نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، شقت على المسلمين وقالوا أينا يُطيق ذلك أيُنا يتق الله حق تقاته فلا يحصل منه خطأ ولا يحصل منه مخالفة ولا يحصل منه غفلة فأنزل الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، ففسرت هذه الآية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] فسرت قوله: (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، فمن اتقى الله حسب استطاعته فقد اتقى الله حق تقاته: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]، (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286]، قال الله جل وعلا قد فعلت، فمن اتقى الله على حسب استطاعته فقد اتقاه حق تقاته وهذا تيسير من الله وتخفيف على عباده، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل فمن فعل ذلك فقد اتقى الله حق تقاته، الخوف من الجليل وهو الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل وهو الكتاب والسنة، والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة وذلك بالعمل الصالح، وهذا كما في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، لعمرك ما السعادة جمعَ مال ولكن التقيَ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد فليكن شعار المؤمن دائماً وأبداً تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم، يتق الله دائماً وأبداً فيترك ما حرم الله عليه، ويفعل ما أمره الله به، ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير، هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى، يستشعرها المسلم دائماً وأبداً في جميع أحواله في السراء والضراء في الشدة والرخاء في حال غيبته عن الناس وفي حال وجوده مع الناس يتقي الله، وإذا قيل له اتق الله فإنه ترتعد فرائصه من خوف الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي، أما الشقي فإنه كما قال الله جل وعلا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:206]، فعلى المسلم أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله وأن يتقيَ الله فيما بينه وبين نفسه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "قل الحق ولو على نفسك"، ويتق الله فيما بينه وبين الناس قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) [الأنعام:152]، فيتقي الله ولا يتكلم إلا بالكلام المسدد الصحيح يتجنب الكذب يتجنب الغيبة يتجنب النميمة يتجنب السباب يطهر لسانه يكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي الذي يتقي ربه ويتوب من ذنبه في كل حال وفي كل حين، يتقي الله إذا ولاه الله حكماً بين الناس، إذا حكم بين الناس في النزاعات، (وأن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة:49]، فيحكم بين الناس بما أنزل الله رضوا أو سخطوا، فإنهم إن سخطوا فإن الله يرضى عنه سبحانه وتعالى، فيُراعي ربه فيحكم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا حصلت الفتن والخلافات والشدائد فلا يتكلم إلا بخير يوجه الناس إلى ما يُصلحهم ويُصلح أمورهم ولا يشُبُ الفتنة بكلامه وتحريضه أو تظاهره كما عليه الحال الآن فإن بعض الناس كثير من الناس خصوصاً المنافقون والذين في قلوبهم مرض إذا حصلت مثل هذه الأمور من الخوض ومن الفتن فإنهم ينشطون في شب الفتنة وإذكائها بين الناس ويوقظون الفتن النائمة، والواجب على المسلمين عموماً وعلى العلماء وطلبة العلم خصوصاً أن هذا دورهم إذا حصل مثل هذه الأمور أن يقوموا بالقسط وأن يقولوا الحق وأن يطمئنوا الناس وأن يعِدوا بالخير وأن يحذروا من الشر وأن يكفّوا الناس عما يوقد الفتنة ويسبب العداوة بين الراعي والرعية وبين الولاة وبين رعاياهم، على المسلم في مثل هذه المواقف أن يكون حازماً تقياً نقياً يوجه بالخير ويدعوا إلى الطمأنينة وإلى الألفة بين المسلمين وإلى حقن الدماء وصيانة الأعراض والأموال، عليه أن يُطفئ الفتنة ما استطاع، هذا فيما يعم المسلمين في مجتمعهم وكذلك ما يقع من النزاع بين المتخاصمين وبين الناس وبين الأفراد يسعى للإصلاح، (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114]، فعلينا جميعاً أن نطمأن وأن نطمئن من حولنا في هذه الأيام وفي هذه الفتن العظام كما تعلمون الدول المجاورة لكم ما يجري فيها كل هذا بسبب الأشرار وبسبب الكلام السيء والتحريض على الفتن خصوصاً ممن يدعون العلم يشبون الفتن ويحرضون عليها حتى تحصل الفوضى ويفسد الأمر وهذا من عمل الشيطان فإن الشيطان هو الذي يؤزهم، (أَلَمْ تَرَى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً) [مريم:83]، فعلى المسلم إذا حصل شيء من هذه الأمور إما أمور عامة بين المسلمين أو أمور بين أفرادهم من سوء التفاهم أن يصلح بينهم، حتى الإصلاح بين الزوجين إذا اختلفا على المسلم أن يُصلح بين الزوجين وأن يُسوّي ما بينهما من سوء العشرة حتى تطمئن البيوت وحتى ترتاح الأسر، وكذلك بين الإخوة والأسرة إذا حصل بينهم شيء من سوء التفاهم على المسلم أن يسعى بالإصلاح بينهم وجمع شأنهم، فعلى المسلم أن يتقيَ الله ما استطاع في هذه الأمور وهذه المواقف الصعبة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسماءه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخير برياته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى، والشطر الثاني من الآية وهو قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، القول باللسان، فعليك أيها المسلم أن تخاف من لسانك، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به، قال: "ثكِلتك أمك يا معاذ وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم"، ولهذا قال سبحانه فيه هذه الآية: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، فالإنسان لا بد أن يتكلم ولكن عليه أن يتكلم بالسداد، (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، والسديد هو الكلام الصالح المفيد للإنسان ولغيره، مفيد للإنسان أن يكثر من ذكر الله، قيل في تفسير هذه الآية (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] هو لا إله إلا الله، فعلى المسلم أن يكثر من هذه الكلمة العظيمة وأن يكثر من الثناء على الله سبحانه وتعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] أي مسدداً وفي ضمن ذلك النهي عن القول غير السديد وهذا كثير، القول غير السديد كثير بين الناس وخطره عظيم، هل قامت الحروب وسفكت الدماء وضاع الأمن إلا بسبب القول غير السديد، إلا بسبب التحريض والشماتات والكلام السيئ بين الراعي والرعية وبين أفراد الناس، هل سفكت الدماء هل انتهكت الأعراض هل ضاعت الأموال هل اختل الأمن إلا بسبب القول الباطل والقول غير السديد، فلنتق الله في أنفسنا، ثم بين سبحانه وتعالى الثمرات التي من وراء هاتين الوصيتين، (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، لأن الإنسان خطّاء يكثر من الوقوع في الذنوب، فإذا قال قولاً سديداً من ذكر الله والاستغفار والتسبيح والتهليل والتوبة وقال القول السديد بينه وبين الناس غفر الله له ما يحصل منه (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أول شي (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أما الذي يقول قولاً غير سديد فإن الله لا يصلح عمله كما قال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:81]، فالقول غير السديد فساد وهلاك على الإنسان وعلى المجتمع وعلى الأفراد، فعلى الإنسان أن يعتني بكلامه إن كان عنده كلام طيب فليتكلم وإن كان ليس عنده كلام فإنه يسكت، قال صل الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، إذا صمت الإنسان سلم لكنه إذا تكلم صار أسير كلامه إلا إذا تاب إلى الله واستغفر الله وإذا كان كلامه في حق الناس فإنه لا بد أن يستسمحهم وأن يطلب منهم المسامحة عما قاله فيهم وإلا فإنهم سيخاصمونه يوم القيامة، فعلينا أن نتقيَ الله سبحانه، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، كما أنك أصلحت بين الناس بكلامك السديد فإن الله يصلح لك الأعمال جزاءً وفاقاً هذه واحدة، الثانية (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، وهذه فائدة عظيمة يغفر الله لك ذنوبك إذا اتقيت الله وقلت قولاً سديداً فإن الله يغفر لك ما يحصل منك، وعد من الله والله جل وعلا لا يخلف وعده، فعليك أيها المسلم أن تتخذ هذه الآية وأمثالَها سبيلًا تمشي عليه وميزاناً تزن به الأمور وطريقاً تسير عليه فيما بينك وبين الله وفي بينك وبين نفسك وفيما بينك وبين الناس، فعلى المسلم أن يتقي الله وأن يقول القول السديد حتى في الوصية إذا أراد المسلم أن يوصي بعد موته فليعدل في الوصية، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9]، يعدل في الوصية ولا يجور والجور في الوصية هذا هو وقف الجنف الباطل، وقد جاء في الأثر أن الإنسان يحسن عمله ثم إذا حضرته الوفاة جنف في الوصية فيُختم له بالنار، فعلى المسلم أن يتقيَ الله دائماً وأن يلازم القول السديد في جميع كلامه وفي جميع منطقه ويحذر من زلات لسانه،يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِجل فعثرتُه بالقول تُذهب رأسه وعثرته بالرِجل تبرى على مهل احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقائه الشجعان فتحفظ من لسانك أيها المسلم وتذكر قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، دائما وأبدا.
و اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المَهدِيِّين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، واجمع كلمة المسلمين على الدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي به عِصْمت أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، وتب علينا واغفر لنا وارحمنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم أصلح بطانتهم وجلسائهم ومستشاريهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين يا رب العالمين، اللهم أصلح شأن المسلمين في كل مكان واكفهم شر أعدائهم من الكفار والمنافقين والمشركين وسائر المفسدين يا رب العالمين ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
ولتحميل الخطبة صوتية من موقع الشيخ من هنا.
خطبة الجمعة 04-05-1432هـ
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى سنته واهتدى بهديه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا معنى التقوى قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، فقد أمر الله جميع الخلق بتقواه الأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [النساء:1]، وأمر بها المؤمنين خصوصاً كما في الآيات التي سمعتم بعضاً منها وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب:1]، وأمر بالتقوى عموم الناس الأفراد، أمر جميع أفراد الخلق أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأخبر أن التقوى هي خير الزاد للآخرة قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، والتقوى كلمة جامعة لأفعال الخير القولية والفعلية والاعتقادات والنيات فهي شاملة لكل أعمال العبد ظاهرها وباطنها عليه أن يتقيَ الله فيها أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله بأداء فرائضه وترك منهياته، يتق الله فيما بينه وبينه فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليعلم أن الله يراه فيحسن العمل ويتقي ربه في جميع أحواله، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"، فيتقي ربه في أي مكان، ويتقي ربه على كل حال في السراء والضراء، وقد اختلفت عبارات السلف في تفسير التقوى وهي تجتمع بمعنىًً واحد، فعل أوامر الله جل وعلا رغبة في ثوابه وترك المحرمات خوفاً من عقابه، ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، قال السلف: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر هذا معنى (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، ولا شك أن الإنسان عرضة للخطأ وعرضة للمخالفات، ولذلك لما نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، شقت على المسلمين وقالوا أينا يُطيق ذلك أيُنا يتق الله حق تقاته فلا يحصل منه خطأ ولا يحصل منه مخالفة ولا يحصل منه غفلة فأنزل الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، ففسرت هذه الآية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] فسرت قوله: (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، فمن اتقى الله حسب استطاعته فقد اتقى الله حق تقاته: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]، (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286]، قال الله جل وعلا قد فعلت، فمن اتقى الله على حسب استطاعته فقد اتقاه حق تقاته وهذا تيسير من الله وتخفيف على عباده، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل فمن فعل ذلك فقد اتقى الله حق تقاته، الخوف من الجليل وهو الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل وهو الكتاب والسنة، والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة وذلك بالعمل الصالح، وهذا كما في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، لعمرك ما السعادة جمعَ مال ولكن التقيَ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد فليكن شعار المؤمن دائماً وأبداً تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم، يتق الله دائماً وأبداً فيترك ما حرم الله عليه، ويفعل ما أمره الله به، ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير، هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى، يستشعرها المسلم دائماً وأبداً في جميع أحواله في السراء والضراء في الشدة والرخاء في حال غيبته عن الناس وفي حال وجوده مع الناس يتقي الله، وإذا قيل له اتق الله فإنه ترتعد فرائصه من خوف الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي، أما الشقي فإنه كما قال الله جل وعلا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:206]، فعلى المسلم أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله وأن يتقيَ الله فيما بينه وبين نفسه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "قل الحق ولو على نفسك"، ويتق الله فيما بينه وبين الناس قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) [الأنعام:152]، فيتقي الله ولا يتكلم إلا بالكلام المسدد الصحيح يتجنب الكذب يتجنب الغيبة يتجنب النميمة يتجنب السباب يطهر لسانه يكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي الذي يتقي ربه ويتوب من ذنبه في كل حال وفي كل حين، يتقي الله إذا ولاه الله حكماً بين الناس، إذا حكم بين الناس في النزاعات، (وأن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة:49]، فيحكم بين الناس بما أنزل الله رضوا أو سخطوا، فإنهم إن سخطوا فإن الله يرضى عنه سبحانه وتعالى، فيُراعي ربه فيحكم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا حصلت الفتن والخلافات والشدائد فلا يتكلم إلا بخير يوجه الناس إلى ما يُصلحهم ويُصلح أمورهم ولا يشُبُ الفتنة بكلامه وتحريضه أو تظاهره كما عليه الحال الآن فإن بعض الناس كثير من الناس خصوصاً المنافقون والذين في قلوبهم مرض إذا حصلت مثل هذه الأمور من الخوض ومن الفتن فإنهم ينشطون في شب الفتنة وإذكائها بين الناس ويوقظون الفتن النائمة، والواجب على المسلمين عموماً وعلى العلماء وطلبة العلم خصوصاً أن هذا دورهم إذا حصل مثل هذه الأمور أن يقوموا بالقسط وأن يقولوا الحق وأن يطمئنوا الناس وأن يعِدوا بالخير وأن يحذروا من الشر وأن يكفّوا الناس عما يوقد الفتنة ويسبب العداوة بين الراعي والرعية وبين الولاة وبين رعاياهم، على المسلم في مثل هذه المواقف أن يكون حازماً تقياً نقياً يوجه بالخير ويدعوا إلى الطمأنينة وإلى الألفة بين المسلمين وإلى حقن الدماء وصيانة الأعراض والأموال، عليه أن يُطفئ الفتنة ما استطاع، هذا فيما يعم المسلمين في مجتمعهم وكذلك ما يقع من النزاع بين المتخاصمين وبين الناس وبين الأفراد يسعى للإصلاح، (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114]، فعلينا جميعاً أن نطمأن وأن نطمئن من حولنا في هذه الأيام وفي هذه الفتن العظام كما تعلمون الدول المجاورة لكم ما يجري فيها كل هذا بسبب الأشرار وبسبب الكلام السيء والتحريض على الفتن خصوصاً ممن يدعون العلم يشبون الفتن ويحرضون عليها حتى تحصل الفوضى ويفسد الأمر وهذا من عمل الشيطان فإن الشيطان هو الذي يؤزهم، (أَلَمْ تَرَى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً) [مريم:83]، فعلى المسلم إذا حصل شيء من هذه الأمور إما أمور عامة بين المسلمين أو أمور بين أفرادهم من سوء التفاهم أن يصلح بينهم، حتى الإصلاح بين الزوجين إذا اختلفا على المسلم أن يُصلح بين الزوجين وأن يُسوّي ما بينهما من سوء العشرة حتى تطمئن البيوت وحتى ترتاح الأسر، وكذلك بين الإخوة والأسرة إذا حصل بينهم شيء من سوء التفاهم على المسلم أن يسعى بالإصلاح بينهم وجمع شأنهم، فعلى المسلم أن يتقيَ الله ما استطاع في هذه الأمور وهذه المواقف الصعبة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسماءه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخير برياته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى، والشطر الثاني من الآية وهو قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، القول باللسان، فعليك أيها المسلم أن تخاف من لسانك، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به، قال: "ثكِلتك أمك يا معاذ وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم"، ولهذا قال سبحانه فيه هذه الآية: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، فالإنسان لا بد أن يتكلم ولكن عليه أن يتكلم بالسداد، (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، والسديد هو الكلام الصالح المفيد للإنسان ولغيره، مفيد للإنسان أن يكثر من ذكر الله، قيل في تفسير هذه الآية (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] هو لا إله إلا الله، فعلى المسلم أن يكثر من هذه الكلمة العظيمة وأن يكثر من الثناء على الله سبحانه وتعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] أي مسدداً وفي ضمن ذلك النهي عن القول غير السديد وهذا كثير، القول غير السديد كثير بين الناس وخطره عظيم، هل قامت الحروب وسفكت الدماء وضاع الأمن إلا بسبب القول غير السديد، إلا بسبب التحريض والشماتات والكلام السيئ بين الراعي والرعية وبين أفراد الناس، هل سفكت الدماء هل انتهكت الأعراض هل ضاعت الأموال هل اختل الأمن إلا بسبب القول الباطل والقول غير السديد، فلنتق الله في أنفسنا، ثم بين سبحانه وتعالى الثمرات التي من وراء هاتين الوصيتين، (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، لأن الإنسان خطّاء يكثر من الوقوع في الذنوب، فإذا قال قولاً سديداً من ذكر الله والاستغفار والتسبيح والتهليل والتوبة وقال القول السديد بينه وبين الناس غفر الله له ما يحصل منه (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أول شي (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أما الذي يقول قولاً غير سديد فإن الله لا يصلح عمله كما قال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:81]، فالقول غير السديد فساد وهلاك على الإنسان وعلى المجتمع وعلى الأفراد، فعلى الإنسان أن يعتني بكلامه إن كان عنده كلام طيب فليتكلم وإن كان ليس عنده كلام فإنه يسكت، قال صل الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، إذا صمت الإنسان سلم لكنه إذا تكلم صار أسير كلامه إلا إذا تاب إلى الله واستغفر الله وإذا كان كلامه في حق الناس فإنه لا بد أن يستسمحهم وأن يطلب منهم المسامحة عما قاله فيهم وإلا فإنهم سيخاصمونه يوم القيامة، فعلينا أن نتقيَ الله سبحانه، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، كما أنك أصلحت بين الناس بكلامك السديد فإن الله يصلح لك الأعمال جزاءً وفاقاً هذه واحدة، الثانية (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، وهذه فائدة عظيمة يغفر الله لك ذنوبك إذا اتقيت الله وقلت قولاً سديداً فإن الله يغفر لك ما يحصل منك، وعد من الله والله جل وعلا لا يخلف وعده، فعليك أيها المسلم أن تتخذ هذه الآية وأمثالَها سبيلًا تمشي عليه وميزاناً تزن به الأمور وطريقاً تسير عليه فيما بينك وبين الله وفي بينك وبين نفسك وفيما بينك وبين الناس، فعلى المسلم أن يتقي الله وأن يقول القول السديد حتى في الوصية إذا أراد المسلم أن يوصي بعد موته فليعدل في الوصية، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9]، يعدل في الوصية ولا يجور والجور في الوصية هذا هو وقف الجنف الباطل، وقد جاء في الأثر أن الإنسان يحسن عمله ثم إذا حضرته الوفاة جنف في الوصية فيُختم له بالنار، فعلى المسلم أن يتقيَ الله دائماً وأن يلازم القول السديد في جميع كلامه وفي جميع منطقه ويحذر من زلات لسانه،يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِجل فعثرتُه بالقول تُذهب رأسه وعثرته بالرِجل تبرى على مهل احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقائه الشجعان فتحفظ من لسانك أيها المسلم وتذكر قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، دائما وأبدا.
و اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المَهدِيِّين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، واجمع كلمة المسلمين على الدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي به عِصْمت أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، وتب علينا واغفر لنا وارحمنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم أصلح بطانتهم وجلسائهم ومستشاريهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين يا رب العالمين، اللهم أصلح شأن المسلمين في كل مكان واكفهم شر أعدائهم من الكفار والمنافقين والمشركين وسائر المفسدين يا رب العالمين ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
ولتحميل الخطبة صوتية من موقع الشيخ من هنا.