نيل الأوطار
من
"بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار"
الحمد لله المحمود على ما له من الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العظيمة العليا ، وعلى آثارها الشاملة للأولى والأخرى .
وأصلي وأسلم على محمد أجمع الخلق لكل وصف حميد ، وخلق رشيد ، وقول سديد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من جميع العبيد .
أما بعد(1) :
فهذه فوائد ولطائف ودرر انتقيتها ولخصتها من الكتاب النفيس "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار" للإمام السعدي رحمه الله تعالى راجيا من الله التوفيق والقبول والسداد .
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس
8 ربيع الأول 1432
11 فبراير 2011
الحديث الأول
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله . ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه » متفق عليه .
أما النية : فهي القصد للعمل تقربا إلى الله ، وطلبا لمرضاته وثوابه . فيدخل في هذا : نية العمل ، ونية المعمول له .
1- أما نية العمل : فلا تصح الطهارة بأنواعها ، ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها ، فينوي تلك العبادة المعينة . وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع ، كالصلاة ، منها الفرض ، والنفل المعين ، والنفل المطلق . فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة . وأما المعين من فرض أو نفل معين - كوتر أو راتبة ، فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات .
ولا بد أيضا أن يميز العادة عن العبادة .
فمثلا الاغتسال يقع نظافة أو تبردا ، ويقع عن الحدث الأكبر ، وعن غسل الميت وللجمعة . . ونحوها ، فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث ، أو ذلك الغسل المستحب .
2- وأما نية المعمول له : فهو الإخلاص لله في كل ما يأتي العبد وما يذر ، وفي كل ما يقول ويفعل ، قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ البينة : 5 ]
وقال : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [ الزمر : 3 ] .
3- والأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص ، حتى إن صاحب النية الصادقة - وخصوصا إذا اقترن بها ما يقدر عليه من العمل - يلتحق صاحبها بالعامل ، قال تعالى : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ النساء : 100 ]
وفي الصحيح مرفوعا « إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ».
وفي البخاري مرفوعا : « من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله » فانظر كيف جعل النية الصالحة سببا قويا للرزق وأداء الله عنه ، وجعل النية السيئة سببا للتلف والإتلاف .
4- وكذلك تجري النية في المباحات والأمور الدنيوية ، فإن من قصد بكسبه وأعماله الدنيوية والعادية الاستعانة بذلك على القيام بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات ، واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وراحاته ومكاسبه : انقلبت عاداته عبادات ، وبارك الله للعبد في أعماله ، وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال . ومن فاتته هذه النية الصالحة لجهله أو تهاونه ، فلا يلومن إلا نفسه . وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنك لن تعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه ، حتى ما تجعله في في امرأتك » .
فعلم بهذا :
أن هذا الحديث جامع لأمور الخير كلها فحقيق بالمؤمن الذي يريد نجاة نفسه ونفعها أن يفهم معنى هذا الحديث ، وأن يكون العمل به نصب عينيه في جميع أحواله وأوقاته .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) مقدمة "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار" للعلامة الإمام السعدي رحمه الله.
يتبع...
من
"بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار"
الحمد لله المحمود على ما له من الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العظيمة العليا ، وعلى آثارها الشاملة للأولى والأخرى .
وأصلي وأسلم على محمد أجمع الخلق لكل وصف حميد ، وخلق رشيد ، وقول سديد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من جميع العبيد .
أما بعد(1) :
فهذه فوائد ولطائف ودرر انتقيتها ولخصتها من الكتاب النفيس "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار" للإمام السعدي رحمه الله تعالى راجيا من الله التوفيق والقبول والسداد .
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس
8 ربيع الأول 1432
11 فبراير 2011
الحديث الأول
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله . ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه » متفق عليه .
أما النية : فهي القصد للعمل تقربا إلى الله ، وطلبا لمرضاته وثوابه . فيدخل في هذا : نية العمل ، ونية المعمول له .
1- أما نية العمل : فلا تصح الطهارة بأنواعها ، ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها ، فينوي تلك العبادة المعينة . وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع ، كالصلاة ، منها الفرض ، والنفل المعين ، والنفل المطلق . فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة . وأما المعين من فرض أو نفل معين - كوتر أو راتبة ، فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات .
ولا بد أيضا أن يميز العادة عن العبادة .
فمثلا الاغتسال يقع نظافة أو تبردا ، ويقع عن الحدث الأكبر ، وعن غسل الميت وللجمعة . . ونحوها ، فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث ، أو ذلك الغسل المستحب .
2- وأما نية المعمول له : فهو الإخلاص لله في كل ما يأتي العبد وما يذر ، وفي كل ما يقول ويفعل ، قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ البينة : 5 ]
وقال : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [ الزمر : 3 ] .
3- والأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص ، حتى إن صاحب النية الصادقة - وخصوصا إذا اقترن بها ما يقدر عليه من العمل - يلتحق صاحبها بالعامل ، قال تعالى : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ النساء : 100 ]
وفي الصحيح مرفوعا « إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ».
وفي البخاري مرفوعا : « من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله » فانظر كيف جعل النية الصالحة سببا قويا للرزق وأداء الله عنه ، وجعل النية السيئة سببا للتلف والإتلاف .
4- وكذلك تجري النية في المباحات والأمور الدنيوية ، فإن من قصد بكسبه وأعماله الدنيوية والعادية الاستعانة بذلك على القيام بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات ، واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وراحاته ومكاسبه : انقلبت عاداته عبادات ، وبارك الله للعبد في أعماله ، وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال . ومن فاتته هذه النية الصالحة لجهله أو تهاونه ، فلا يلومن إلا نفسه . وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنك لن تعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه ، حتى ما تجعله في في امرأتك » .
فعلم بهذا :
أن هذا الحديث جامع لأمور الخير كلها فحقيق بالمؤمن الذي يريد نجاة نفسه ونفعها أن يفهم معنى هذا الحديث ، وأن يكون العمل به نصب عينيه في جميع أحواله وأوقاته .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) مقدمة "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار" للعلامة الإمام السعدي رحمه الله.
يتبع...