بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فأهنئ كل من منَّ الله عليه بحج بيته الحرام وأسأله -تعالى- أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال..
وبهذه المناسبة العظيمة والنعمة الجليلة أهدي لكم هذا الدرس المهم جدا والذي بعنوان : (حفظ الأعمال) لإحدى الأستاذات السلفيات . سائلة الكريم أن يتم علينا النعمة بحفظها لنا إلى يوم نلقاه فهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين.. آمين.
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فأهنئ كل من منَّ الله عليه بحج بيته الحرام وأسأله -تعالى- أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال..
وبهذه المناسبة العظيمة والنعمة الجليلة أهدي لكم هذا الدرس المهم جدا والذي بعنوان : (حفظ الأعمال) لإحدى الأستاذات السلفيات . سائلة الكريم أن يتم علينا النعمة بحفظها لنا إلى يوم نلقاه فهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين.. آمين.
***
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لا ريب أن من أعظم ما ينال به المرء رضوان ربه تبارك وتعالى امتثال أمر الله عزّ وجلّ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, والإنسان الذي يريد أن يكون قريبًا من الله لا بد أن يكون له حظ من الطاعة, وعلى ذلك فعليه أن يحرص على أداء تلك الطاعة وتكميلها على الوجه الذي ينال به رضوان الله عزّ وجلّ وقربه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد :33]
فاعلم رحمك الله أن الله تعالى أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونهاهم عن إبطال أعمالهم بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وقوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها بما يفسدها، من: منّ بها، وإعجاب، وفخر وسمعة, ومن: عمل بالمعاصي التي تضمحل معها الأعمال، ويحبط أجرها.
ويشمل النهي عن إفسادها حال وقوعها بقطعها، أو الإتيان بمفسد من مفسداتها[عبد الرحمن بن ناصر السعدي, تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان, ط1_, مؤسسة الرسالة: بيروت, 1423هـ, ص789]
"لأن الشأن ليس في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه"[محمد بن قيم الجوزية, الوابل الصيب من الكلم الطيب, ط_1, مكتبة دار البيان: دمشق، 1406 هـ, ص16] حال وقوعه أو بعده.
حال وقوع الطاعة:
عليك في حال وقوع أي طاعة لله منك أن تشدَّ يدك على امتثال الكتاب والسُّنَّة, والتمسَّكَ بنورهما, والأخذ بيدك إلى حيث فلاحك وتقواك, وذلك بأمور من أهمها:
الإخلاص لله, فلا تجعل شيئاً من أعمالك و أقوالك و أوقاتك وأنفاسك لغير ربك, والبعد أشد البعد مما يؤدي إلى رد العمل وعدم قبوله, وذلك بالإشراك في عبادة الله, قال تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] , فجميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وكمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد, فكلما قوي التوحيد كملت هذه الأمور وتمت، بل إن الأعمال لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، فإذا دخل الشرك بجميع أنواعه في العبادة فسدت, لإنه قد يعرض للمرء ما يُعكِّر على قصْده الخالص فيُحرم به الثَّواب الموعود وهو لا يشعر, فقد لا تدري أنه محبط ولعله عند الله تعالى محبط, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2].
وعن أبي سعد بن أبي فضالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ)) [سنن الترمذي" (كتاب التفسير/ باب ومن سورة الكهف/ 3079) حسنه الألباني].
ومن أنواعه:
* الرياء, وهو أن يطلب العبد بعمله ثناء الناس ومدحهم وذكرهم, قال الله تعالى في حق المرائين بنفاقهم: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابل فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:246] وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الرِّيَاءُ, يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً)) [مسند الإمام أحمد/مسند محمود بن لبيد رضي الله عنه/ 22523] جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ)) [سنن النسائي" (كتاب الجهاد/ باب من غزا يلتمس الأجر والذكر/ 3089) حسنه الألباني.] وهذا يفيد أن العمل الذي لا يبتغى به وجه الله تعالى لا ينفع صاحبه، فكل من عمل عملاً طلب فيه غير وجه الله تعالى فإن عمله مردود عليه وليس له عند الله فيه من خلاق, "والعلماء فصّلوا فقالوا الرياء إذا عرض للعبادة فله أحوال:
- الحالة الأولى: أن يعرض الرياء للعبادة من أولها, فإن العبادة كلها باطلة, كأن يُنشئ الصلاة لنظر فلان, فهو لم يرد أن يصلي, فلما رأى فلانًا ينظر إليه صلى, فالصلاة التي صلاها حابطة, وهو مأزور على مراءاته, ومرتكب للشرك الخفي الشرك الأصغر.
- الحالة الثانية: أن يكون أصل العبادة لله, ولكن خلط ذلك العابد عمله رياء, كمن أطال الركوع وأكثر من التسبيح...لأجل من يراه, فأصل العبادة التي كانت لله له, وما عدا ذلك فهو حابط؛ فيحبط ذلك الزائد وهو آثم عليه, ولا يؤجر عليه ولا ينتفع منه, ويُؤزر على إشراكه ومراءاته"[صالح بن عبد العزيز آل الشيخ, التمهيد شرح كتاب التوحيد, ط-1, دار التوحيد: الرياض, 1423هـ, ص 400] .
* العمل لأجل الدنيا, قال الله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:15-16] فمن الشرك أن يريد الإنسان بأعماله التي يعملها من الطاعات الدنيا كجاه أو مال أو أي غرض دنيوي, ولا يريد بها الآخرة, فهذا لا يقبل العمل الذي أشرك فيه وأراد به الدنيا, وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ)) [صحيح البخاري" (كتاب الجهاد والسير/ باب الحراسة في الغزو في سبيل الله/ 2673)]
فإذا علم العبد أن مرده إلى الله وستأويه حفرة وسيسأله الملكان, وأنه لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياتًا ولا نشورًا, فضلاً عن غيره أو أنه لا يأخذ إلا ما أعطاه الله ولن يتقي إلا ما وقاه الله, فلن يبغي من أحد مدحًا ولا ثناء, بل ولا اطلاعًا.
• متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم, بأن تعبد الله على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم, موافق ما شرع, والبعد أشد البعد عن عبادة الله بغير ذلك والابتداع في الدين, فعن عائشة رضي الله عنها: قالت: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)) [متفق عليه"صحيح البخاري" (كتاب الصلح/ باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود/ 2499)], وفي رواية: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) [صحيح مسلم" (كتاب الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور/ 3243)] فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء[ بد الرحمن بن شهاب الدين ابن رجب الحنبلي, جامع العلوم والحكم, ط-7, مؤسسة الرسالة: بيروت, 1421هـ, ج1, ص82] وإذا حذر الله المؤمنين من حبوط أعمالهم برفع أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وسلم والجهر له كما يجهر بعضهم لبعض حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] وليس هذا بردة بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها, فما الظن بمن قدم على قول الرسول صلى الله عليه و سلم وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟ أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر؟![ابن القيم, مصدر سابق. ص17]
فصاحب القلب السليم الذي سلم لله وحده فامتلأ بالتوحيد، وسلم من البدع فامتلأ بالسنة.
• البعد عن الأمور الأخرى التي تكون سببًا في عدم قبول العمل وردّه, كما أخبر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)) [صحيح مسلم" (كتاب السلام/ باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان/ 4137)] فما يترتب على الذهاب إلى العراف أو الكاهن أو المدعي لمعرفة الغيب هو عدم قبول العمل لمدة أربعين يومًا, وكالمسبل إزاره والمكذب بالقدر ومن خفر ذمّة مسلم [خفر: نقض عهده، وخاس به، وغدره.].
• مراقبة الله تعالى, و"معرفة عظمة الله بمعرفة أسمائه وصفاته معرفة مبنية على فهم الكتاب والسنة, فإن العبد إذا عرف أن الله وحده هو الذي يضرّ وينفع ويعزّ ويذل ويعطي ويمنع, ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فإذا عرف ذلك وعلم بأن الله هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له يثمر ذلك إخلاصًا وصدقًا مع الله"
• الخوف من سوء الخاتمة, وأن يختم له بعمل غير صالح, بل فاسد مردود, فإنَّ الإنسان لو بلغ في طاعة الله كلَّ مبلغٍ، لا يدري بما يُختم له, كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [صحيح مسلم" (كتاب تحريم الدماء وذكر القصاص والدية/ باب من قتل نفسه بشيء عذب به في النار/1027 ) ] ففي قلبه فساد[ابن رجب الحنبلي, مصدر سابق, ج1, ص65] ، وقوله: ((فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ)) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت"
• مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى.
تعليق