السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطبة: في نماذج من نعم الله في شهر رمضان
خطبة: في نماذج من نعم الله في شهر رمضان
الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان ، أنعم علينا بإنزال هذا القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، ونصر نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ببدر ، وسماه يوم الفرقان ، وأعزه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الأصنام والأوثان فيا له من عز ارتفع به صرح الإسلام ، واندك به بنيان الشرك والطغيان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم الرحمن ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصروه ، وأعانوه ، فنعم الأنصار هم ، ونعم الأعوان ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان ، وسلم تسليما .
أما بعد أيها الناس : اتقوا الله تعالى : واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعم وافرة سابغة خصوصا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان ، ففيه أنزل الله كتابه المبين رحمة للعالمين ، ونورا للمستضيئين ، وهدى للمتقين ، وعبرة للمعتبرين ، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من تمسك به نجا ، ومن طلب الهدى منه اهتدى ، ومن أعرض عنه وقع في الهلاك والردى ، فبؤسا للمعرضين الهالكين .
وفي هذا الشهر غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها عساكر الإيمان وجنود الرحمان ، وهزم فيها جنود الشيطان وأنصار الشرك والطغيان ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج أبي سفيان بعير قريش من الشام ، ندب أصحابه إلى تلك العير ، فخرجوا في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا فقط لا يريدون إلا العير لا يريدون عدوهم ، ولكن الله بحكمته جمع بينهم على غير ميعاد ليقضي سبحانه ما حكم به ، وأراد ، فإن أبا سفيان لما علم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم بعث صارخا إلى أهل مكة يستنجدهم ليمنعوا عيرهم ، فخرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ، ويصدون عن سبيل الله يقول قائلهم : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا ، ونقيم فيها ثلاثا ننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمور ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا قالوا هذا ، ولكن الله بما يعملون محيط ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأنصاره حفيظ ، فأوحى الله إلى ملائكته : { أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا }{ الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } . فقيض الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أسباب النصر ما به انتصروا ، ولأعدائه وحربه كسروا ، فقتلوا من صناديد قريش وفريقا أسروا ، ورجع فل قريش مهزومين موتورين خائبين ، فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين .
وفي هذا الشهر المبارك فتح الله مكة البلد الأمين على يد خليله ونبيه محمد أفضل النبيين ، وطهرها من الأصنام والمشركين ، وذلك هو الفتح الذي استبشر به أهل السماء ، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ، ودخل به الناس في دين الله أفواجا ، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في عشرة آلاف من أصحابه لعشر مضين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة يريد غزو قريش حين نقضوا صلح الحديبية ، فدخل مكة مؤزرا منصورا على إحدى مجنبتيه حواريه الزبير بن العوام ، وعلى الآخرى سيف الله خالد بن الوليد ، فدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم خاضعا لربه مطأطئا رأسه تواضعا ، وتعظيما لله رب العالمين ، وركزت رايته بالحجون ، ثم نهض وأصحابه المهاجرون والأنصار بين يديه ، وخلفه ، وعن يمينه ، وشماله رضي الله عنهم ، فطاف بالبيت ، وكان على البيت وحوله ثلثمائة وستون صنما ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطعنها بقوس في يده ، ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" . فلما أكمل طوافه دخل الكعبة ، فرأى فيها الصور ، فأمر بها ، فمحيت ، ثم أخذ بباب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ماذا يصنع ، ثم قال :
« لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم قال : يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم : كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء » .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على عباده بفرض الصيام ، وجعله أحد أركان الإسلام ، وجعل ثواب من صامه إيمانا وإحتسابا أن يكفر عنه ما تقدم من الآثام .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على العباد بمشروعية القيام ، فمن قامه إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة . وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على هذه الأمة بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر من قامها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
وبركات هذا الشهر كثيرة وفيرة ، فاحمدوا الله على ما أنعم به عليكم فيه ، وإياكم أن تضيعوا فرص أيامه ولياليه ، فلو علمتم ما فيها لتمنيتم أن يكون السنة كلها .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على عباده بفرض الصيام ، وجعله أحد أركان الإسلام ، وجعل ثواب من صامه إيمانا وإحتسابا أن يكفر عنه ما تقدم من الآثام .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على العباد بمشروعية القيام ، فمن قامه إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة . وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على هذه الأمة بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر من قامها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
وبركات هذا الشهر كثيرة وفيرة ، فاحمدوا الله على ما أنعم به عليكم فيه ، وإياكم أن تضيعوا فرص أيامه ولياليه ، فلو علمتم ما فيها لتمنيتم أن يكون السنة كلها .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
الضياء اللامع من الخطب الجوامع
للشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى
للشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى