(فصل)
قال أحد العلماء:اعلم أن القلب كالحصن وعلى ذلك الحصن سور وللسور أبواب وفيه ثلم وساكنه العقل والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن وإلى جانب الحصن ربض (وهو المكان يؤوى إليه).
وفيه الهوى والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة فإن العدو لا يفتر.
وينحصر شر الشيطان في ستة أجناس لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحدًا منها وأكثر.
أحدها شر الكفر والشرك.
ثانيًا البدعة.
ثالثًا كبائر الذنوب.
رابعًا الصغائر.
ثم الاشتغال بالمباحات عن الاستكثار من الطاعات.
ثم الاشتغال بالمفضول عن الفاضل.
والأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطان عشرة.
أولاً الاستعاذة بالله.
ثانيًا قراءة المعوذتين.
ثالثًا قراءة آية الكرسي.
رابعًا قراءة البقرة.
خامسًا قراءة أول سورة حم المؤمن إلى (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
سابعًا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك والحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة.
ثامنًا كثرة ذكر الله.
تاسعًا الوضوء مع الصلاة.
عاشرًا إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس. انتهى
وختامًا فأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشيطان وحفظها بالحراسة أي الأبواب الظاهرة والطرق الجلية التي تفضي إلى المعاصي الظاهرة.
وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة فإنهم لا يهتدون غليها فيحرسونها لأن الأبواب المفتوحة إلى القلب للشيطان كثيرة.
وباب الملائكة باب واحد وقد التبس ذلك الباب الواحد بهذه الأبواب الكثيرة، فالعبد فيها كالمسافر الذي يبقى في بادية كثيرة الطرق غامضة المسالك في ليلة مظلمة فلا يكاد يعلم الطريق إلا بعين بصيرة وطلوع شمس مشرقة.
والعين البصيرة هاهنا هي القلب المصفى بالتقوى والشمس المشرقة هو العلم العزير المستفاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يهتدى به إلى غوامض طرقه وإلا فطرقه كثيرة وغامضة.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًا وقال "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطًا عن يمين الخط وعن شماله ثم قال هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه.
ثم تلا (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ).
وقال أحد العلماء يجب على المؤمن أن يحب العلماء العاملين بعلمهم حقيقة البعيدين عن الانهماك في الدنيا البعيدين عن الربا وحب الشهرة والظهور والوقوع في أعراض الناس الغافلين.
السالمين من الحسد والكبر والعجب ويلازم مجالسهم ويسألهم عما أشكل عليه ويتعظ بنصحهم.
ويجتنب الأعمال القبيحة ويتخذ الشيطان عدوًا كما قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).
أي فعادوه بطاعة الله تعالى ولا تطيعوه في معاصي الله تعالى وكونوا على حذر منه في جميع أحوالكم وأفعالكم وعقائدكم.
وإذا فعلتم فعلاً فتفطنوا له فإنه ربما يدخل عليكم الرياء، ويزين لكم القبائح والفواحش واستعينوا عليه بربكم، وتعوذوا بالله منه.
المهم أنك إذا علمت أن الشيطان لعنه الله لا يغفل عنك أبدًا فلا تغفل عمن ناصيتك بيده وهو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته الزم ذكره وحمده وشكره.
فالشيطان عدو مسلط على الإنسان ومقتضى ذلك أنه لا يوجد منه غفلة ولا فترة عن التزيين والإغواء والإضلال.
قال تعالى إخبارًا عما قاله إبليس (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) وقال (بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار وأسكنا معهم في دار القرار، اللهم وفقنا بحسن الإقبال عليك والإصغاء إليك ووفقنا للتعاون في طاعتك والمبادرة إلى خدمتك وحسن الآداب في معاملتك والتسليم لأمرك والرضا بقضائك والصبر على بلائك والشكر لنعمائك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله أجميعن.
من كتاب سلاح اليقظان لطرد الشيطان, الشيخ عبد العزيز السلمان 34-35
تعليق