الغيرة على الأعراض
صالح بن عبدالله بن حميد
صالح بن عبدالله بن حميد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
إن هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب لا ترجع إلى الضعف في قواها المادية ولا إلى الضعف في معداتها الحربية، من يظن هذا الظن ففكره قاصر ونظره سقيم، إن الأمم لا تعلو - بإذن الله - إلا بضمانات الأخلاق الصلبة في سير الرجال. بل إن رسالات الله ما جاءت إلا بالأخلاق وإتمام الأخلاق بعد توحيد الله وعبادته، {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق}، الأخلاق الفاضلة يضعف أمامها العدو، وينهار بها أهل الشهوات.
حينما يكون المجتمع صارماً في نظام أخلاقه وضوابط سلوكه، غيوراً على كرامة فرده وأمته، مؤثراً رضا الله على نوازع شهواته، حينئذ يستقيم مساره في طريق الحق والصمود والرفعة والإصلاح.
والأخلاق - أيها الأخوة - ليست شيئاً يكتسب بالقراءة والكتابة، ولا بالمواعظ والخطابة، ولكنها درجة بل درجات لا تنال - بعد توفيق الله ورحمته - إلا بالتربية والتهذيب، والصرامة والحزم، وقوة الإرادة والعزم.
أخي الفاضل: وبين يديك في هذه النشرة حديث عن مقياس دقيق من مقاييس الأخلاق، ومعيار جلي من معايير ضبط السلوك..
إنه حديث الغيرة، الغيرة يا أخي رعاك الله. الغيرة، الغيرة على الأعراض، وحماية حمى الحرمات.
يا أيها الغيور: كل امرئ عاقل بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل إلغاء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرماً مصوناً لا يرتع فيه اللامزون ولا يجوس حماه العابثون.
إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواهاً تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء ألفاظها. نعم إن الشهم ليصون عرضه بالمال فلا بارك بمال لا يصون عرضاً، بل لا يقف الحد عند هذا فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته. يهون على الكرام أن تصاب الأجسام وتسيل الدماء،؟ لتسلم العقول وتحفظ الأعراض. وقد بلغ ديننا في ذلك الغاية حين أعلن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {من مات دون عرضه فهو شهيد}.
أخي حماك الله: بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية، وبتدنسه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات البهيمية.
يقول ابن القيم رحمه الله: ( إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله ).
ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس غيرةً على أعراضهم. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه، يوماً قال لأصحابه: {إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أشهد أربعاً}، فقام سعد بن معاذ متأثراً فقال: يا رسول الله: أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني، أنتظر حتى أشهد أربعاً لا والذي بعثك بالحق!! إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحن بالرأس عن الجسد ولأضربن بالسيف غير مصفح وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء، فقال!! {أتعجبون من غيرة سعد!! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن} الحديث وأصله في الصحيحين.
من حرم الغيرة حرم طهر الحياة، ومن حرم طهر الحياة فهو أحط من بهيمة الأنعام، ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء.
إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى، عزائم الأخيار، وأما عيشة الدعارة فطريقها سهل الانحدار والانهيار، وبالمكاره حفت الجنة، وبالشهوات حفت النار.
أخي المسلم: إن الأسف كل الأسف والأسى كل الأسى فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض ووأد كريه للغيرة.. تعرض تفاصيل الفحشاء من خلال وسائل نشر كثيرة، بل إنه ليرى الرجل والمرأة يأتيان الفاحشة وبواعثها ومثيراتها، يشاهدان وهما يعانقان الرذيلة غير مستورين عن أعين المشاهدين والنظارة، لقد انقلب الحال عند كثير من الأقوام بل الأفراد والأسر حتى صار الساقطون الماجنون يمثلون الأسوة والقدوة ويجعلون من فكرهم وسلوكهم وحركاتهم وسام افتخار وعنون رجولة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
تصوروا - رعاكم الله وحماكم - خبيثاً وخبيثة يقفان على قارعة الطريق ليمارسا الفاحشة علانيةً كما تفعل البهائم من الحمير والخنازير - أعز الله مقامكم ونزه أسماعكم -. هل غارت من النفوس الغيرة؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟ هل في الناس دياثة؟ هل فيهم من يقر الخبث في أهله ألا يدري الغيور من يخاطب ! ! هل يخاطب الزواني والبغايا وإلا فأين الكرام والحرائر؟!
إعلان للفحشاء بوقاحة، وإغراق في المجون بتبجح.
أغان ساقطة، وأفلام آثمة، وسهرات فاضحة، وقصص داعرة، وملابس خالعة، وعبارات مثيرة، وحركات فاجرة، ما بين مسموع ومقروء ومشاهد في صور وأوضاع يندى لها الجبين في كثير من البلاد والأصقاع إلا من رحم الله. على الشواطئ والمنتزهات، وفي الأسواق والطرقات. ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حسبنا الله من أناس يهشون للمنكر، يودون لو نبت الجيل كله في حماة الرذيلة، وحسبنا الله من فئات تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة.
ما هذا البلاء؟ كيف يستسيغ ذو الشهامة من الرجال والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم ولفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاء المدمر من ابتكارات البث المباشر وقنوات الفضاء الواسع؟
أين ذهب الحياء؟ وأين ضاعت المروءة؟ أين الغيرة من بيوت هيأت للناشئة أجواء الفتنة، وجرتها إلى مستنقعات التفسخ جراً وجلبت لها محرضات المنكر تدفعها إلى الإثم دفعا، وتدعها إلى الفحشاء دعا؟
اطلعت امرأة شريفة على الخمر ثم سألت: هل تشرب هذا نساؤكم؟ قالوا: نعم. قالت: زنين ورب الكعبة.
أيها الإخوة: إن طريق السلامة لمن يريد السلامة - بعد الإيمان بالله ورحمته وعصمته - ينبع من البيت والبيئة. فهناك بيئتان: واحدة تنبت الذل وأخرى تنبت العز. وثمت بيوتات تظللها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها الفحشاء والمنكر. لا تحفظ المروءة ولا يسلم العرض إلا حين يعيش الفتى وتعيش الفتاة في بيت محتشم محفوظ بتعاليم الإسلام وآداب القرآن ملتزم بالستر والحياء، تختفي فيه المثيرات وآلات اللهو والمنكر، ويتطهر من الاختلاط المحرم. الغيرة الغيرة يا مسلمون، فالحمو الموت، واحذروا السائق والخادم وصديق العائلة وابن الجيران، ناهيك بالطبيب المريب، والممرض المريض،وإياكم واحذروا الخلوة بالبائع والمدرس في البيت، حذاري أن يظهر هؤلاء وأشباههم على عورات النساء. فذلكم اختلاط يتسع فيه الخرق على الراقع، وتصبح فيه الديار من الأخلاق بلاقع. هل تأملتم - وفقكم الله - لماذا توصف المحصنات بالغافلات.
الغافلات: وصف لطيف محمود، وصف يجسد المجتمع البرئ والبيت الطاهر الذي تشب فتياته زهرات ناصعات لا يعرفن الإثم. إنهن غافلات عن لوثات الطباع السافلة.
وإذا كان الأمر كذلك فتأملوا كيف تتعاون الأقلام الساقطة، والأفلام الهابطة، لتمزق حجاب العفة، هذا، ثم تتسابق وتتنافس في شرح المعاصي وفضح الأسرار وهتك الأستار وفتح عيون الصغار قبل الكبار، ألا ساء ما يزرون.
أخي المسلم أختي المسلمة: الغيرة الغيرة، إن لم تغاروا فاعلموا أن ربكم يغار: فلا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش.
يا أمة محمد: ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. وربكم يمهل ولا يهمل. وإذا ضيع أمر الله فكيف تستنكر الخيانات البيتية، والشذوذات الجنسية، وحالات الاغتصاب، وجرائم القتل وألوان الاعتداء؟
إذا ضيع أمر الله طفح المجتمع بنوازع الشر، وامتلأ بدوافع الأثرة، وتولدت فيها مشاعر الحسد والبغضاء، ومن ثم، قل ما ينجو من فساد وفوضى وسفك دماء، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[محمد:22-24].
يا صاحب الغيرة: كم للفضيلة من حصن امتنع به أولاد النخوة فكانوا بذلك محسنين، وكم للرذيلة من صرعى أوردتهم المهالك فكانوا هم الخاسرين.
في ظلال الفضيلة عفة وأمان، وفي مهاوي الرذيلة ذلة وهوان، والرجل هو صاحب القوامة في الأسرة، وإذا ضعف القوام فسد الأقوام؟ وإذا فسد الأقوام خسروا الفضيلة وفقدوا العفة وتاجروا بالأعراض وأصبحوا كالمياه في المفازات يلغ فيها كل كلب ويكدر ماءها كل وارد.
جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، فاقبل عليه الناس يزجرونه، وأدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ثم قال له: {أتحبه لأمك؟} قال لا والله، جعلني الله فداك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ولا الناس يحبونه لأمهاتهم} قال: {أتحبه لأبنتك؟} قال: لا، قال: {ولا الناس يحبونه لبناتهم}، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يقول للفتى أتحبه لأختك، أتحبه لعمتك، أتحبه لخالتك، كل ذلك والفتى يقول: لا والله، جعلني الله فداك. فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال: {اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه}، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. [أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه].
أيها الغيورون أيتها الغيورات: هذه هي الغيرة وهذا هو حال الكثير، ألم يأن لأهل الإسلام أن يراجعوا أنفسهم، ويخشوا ربهم، ويعوا مسئولياتهم بنيناً وبنات نساءً ورجالاً؟. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وأصلح أحوالنا، وجمع كلمة المسلمين على الحق وهدانا ووفقنا إلى الحق والطريق المستقيم.
إن هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب لا ترجع إلى الضعف في قواها المادية ولا إلى الضعف في معداتها الحربية، من يظن هذا الظن ففكره قاصر ونظره سقيم، إن الأمم لا تعلو - بإذن الله - إلا بضمانات الأخلاق الصلبة في سير الرجال. بل إن رسالات الله ما جاءت إلا بالأخلاق وإتمام الأخلاق بعد توحيد الله وعبادته، {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق}، الأخلاق الفاضلة يضعف أمامها العدو، وينهار بها أهل الشهوات.
حينما يكون المجتمع صارماً في نظام أخلاقه وضوابط سلوكه، غيوراً على كرامة فرده وأمته، مؤثراً رضا الله على نوازع شهواته، حينئذ يستقيم مساره في طريق الحق والصمود والرفعة والإصلاح.
والأخلاق - أيها الأخوة - ليست شيئاً يكتسب بالقراءة والكتابة، ولا بالمواعظ والخطابة، ولكنها درجة بل درجات لا تنال - بعد توفيق الله ورحمته - إلا بالتربية والتهذيب، والصرامة والحزم، وقوة الإرادة والعزم.
أخي الفاضل: وبين يديك في هذه النشرة حديث عن مقياس دقيق من مقاييس الأخلاق، ومعيار جلي من معايير ضبط السلوك..
إنه حديث الغيرة، الغيرة يا أخي رعاك الله. الغيرة، الغيرة على الأعراض، وحماية حمى الحرمات.
يا أيها الغيور: كل امرئ عاقل بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل إلغاء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرماً مصوناً لا يرتع فيه اللامزون ولا يجوس حماه العابثون.
إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواهاً تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء ألفاظها. نعم إن الشهم ليصون عرضه بالمال فلا بارك بمال لا يصون عرضاً، بل لا يقف الحد عند هذا فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته. يهون على الكرام أن تصاب الأجسام وتسيل الدماء،؟ لتسلم العقول وتحفظ الأعراض. وقد بلغ ديننا في ذلك الغاية حين أعلن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {من مات دون عرضه فهو شهيد}.
أخي حماك الله: بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية، وبتدنسه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات البهيمية.
يقول ابن القيم رحمه الله: ( إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله ).
ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس غيرةً على أعراضهم. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه، يوماً قال لأصحابه: {إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أشهد أربعاً}، فقام سعد بن معاذ متأثراً فقال: يا رسول الله: أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني، أنتظر حتى أشهد أربعاً لا والذي بعثك بالحق!! إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحن بالرأس عن الجسد ولأضربن بالسيف غير مصفح وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء، فقال!! {أتعجبون من غيرة سعد!! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن} الحديث وأصله في الصحيحين.
من حرم الغيرة حرم طهر الحياة، ومن حرم طهر الحياة فهو أحط من بهيمة الأنعام، ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء.
إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى، عزائم الأخيار، وأما عيشة الدعارة فطريقها سهل الانحدار والانهيار، وبالمكاره حفت الجنة، وبالشهوات حفت النار.
أخي المسلم: إن الأسف كل الأسف والأسى كل الأسى فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض ووأد كريه للغيرة.. تعرض تفاصيل الفحشاء من خلال وسائل نشر كثيرة، بل إنه ليرى الرجل والمرأة يأتيان الفاحشة وبواعثها ومثيراتها، يشاهدان وهما يعانقان الرذيلة غير مستورين عن أعين المشاهدين والنظارة، لقد انقلب الحال عند كثير من الأقوام بل الأفراد والأسر حتى صار الساقطون الماجنون يمثلون الأسوة والقدوة ويجعلون من فكرهم وسلوكهم وحركاتهم وسام افتخار وعنون رجولة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
تصوروا - رعاكم الله وحماكم - خبيثاً وخبيثة يقفان على قارعة الطريق ليمارسا الفاحشة علانيةً كما تفعل البهائم من الحمير والخنازير - أعز الله مقامكم ونزه أسماعكم -. هل غارت من النفوس الغيرة؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟ هل في الناس دياثة؟ هل فيهم من يقر الخبث في أهله ألا يدري الغيور من يخاطب ! ! هل يخاطب الزواني والبغايا وإلا فأين الكرام والحرائر؟!
إعلان للفحشاء بوقاحة، وإغراق في المجون بتبجح.
أغان ساقطة، وأفلام آثمة، وسهرات فاضحة، وقصص داعرة، وملابس خالعة، وعبارات مثيرة، وحركات فاجرة، ما بين مسموع ومقروء ومشاهد في صور وأوضاع يندى لها الجبين في كثير من البلاد والأصقاع إلا من رحم الله. على الشواطئ والمنتزهات، وفي الأسواق والطرقات. ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حسبنا الله من أناس يهشون للمنكر، يودون لو نبت الجيل كله في حماة الرذيلة، وحسبنا الله من فئات تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة.
ما هذا البلاء؟ كيف يستسيغ ذو الشهامة من الرجال والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم ولفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاء المدمر من ابتكارات البث المباشر وقنوات الفضاء الواسع؟
أين ذهب الحياء؟ وأين ضاعت المروءة؟ أين الغيرة من بيوت هيأت للناشئة أجواء الفتنة، وجرتها إلى مستنقعات التفسخ جراً وجلبت لها محرضات المنكر تدفعها إلى الإثم دفعا، وتدعها إلى الفحشاء دعا؟
اطلعت امرأة شريفة على الخمر ثم سألت: هل تشرب هذا نساؤكم؟ قالوا: نعم. قالت: زنين ورب الكعبة.
أيها الإخوة: إن طريق السلامة لمن يريد السلامة - بعد الإيمان بالله ورحمته وعصمته - ينبع من البيت والبيئة. فهناك بيئتان: واحدة تنبت الذل وأخرى تنبت العز. وثمت بيوتات تظللها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها الفحشاء والمنكر. لا تحفظ المروءة ولا يسلم العرض إلا حين يعيش الفتى وتعيش الفتاة في بيت محتشم محفوظ بتعاليم الإسلام وآداب القرآن ملتزم بالستر والحياء، تختفي فيه المثيرات وآلات اللهو والمنكر، ويتطهر من الاختلاط المحرم. الغيرة الغيرة يا مسلمون، فالحمو الموت، واحذروا السائق والخادم وصديق العائلة وابن الجيران، ناهيك بالطبيب المريب، والممرض المريض،وإياكم واحذروا الخلوة بالبائع والمدرس في البيت، حذاري أن يظهر هؤلاء وأشباههم على عورات النساء. فذلكم اختلاط يتسع فيه الخرق على الراقع، وتصبح فيه الديار من الأخلاق بلاقع. هل تأملتم - وفقكم الله - لماذا توصف المحصنات بالغافلات.
الغافلات: وصف لطيف محمود، وصف يجسد المجتمع البرئ والبيت الطاهر الذي تشب فتياته زهرات ناصعات لا يعرفن الإثم. إنهن غافلات عن لوثات الطباع السافلة.
وإذا كان الأمر كذلك فتأملوا كيف تتعاون الأقلام الساقطة، والأفلام الهابطة، لتمزق حجاب العفة، هذا، ثم تتسابق وتتنافس في شرح المعاصي وفضح الأسرار وهتك الأستار وفتح عيون الصغار قبل الكبار، ألا ساء ما يزرون.
أخي المسلم أختي المسلمة: الغيرة الغيرة، إن لم تغاروا فاعلموا أن ربكم يغار: فلا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش.
يا أمة محمد: ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. وربكم يمهل ولا يهمل. وإذا ضيع أمر الله فكيف تستنكر الخيانات البيتية، والشذوذات الجنسية، وحالات الاغتصاب، وجرائم القتل وألوان الاعتداء؟
إذا ضيع أمر الله طفح المجتمع بنوازع الشر، وامتلأ بدوافع الأثرة، وتولدت فيها مشاعر الحسد والبغضاء، ومن ثم، قل ما ينجو من فساد وفوضى وسفك دماء، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[محمد:22-24].
يا صاحب الغيرة: كم للفضيلة من حصن امتنع به أولاد النخوة فكانوا بذلك محسنين، وكم للرذيلة من صرعى أوردتهم المهالك فكانوا هم الخاسرين.
في ظلال الفضيلة عفة وأمان، وفي مهاوي الرذيلة ذلة وهوان، والرجل هو صاحب القوامة في الأسرة، وإذا ضعف القوام فسد الأقوام؟ وإذا فسد الأقوام خسروا الفضيلة وفقدوا العفة وتاجروا بالأعراض وأصبحوا كالمياه في المفازات يلغ فيها كل كلب ويكدر ماءها كل وارد.
جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، فاقبل عليه الناس يزجرونه، وأدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ثم قال له: {أتحبه لأمك؟} قال لا والله، جعلني الله فداك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ولا الناس يحبونه لأمهاتهم} قال: {أتحبه لأبنتك؟} قال: لا، قال: {ولا الناس يحبونه لبناتهم}، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يقول للفتى أتحبه لأختك، أتحبه لعمتك، أتحبه لخالتك، كل ذلك والفتى يقول: لا والله، جعلني الله فداك. فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال: {اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه}، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. [أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه].