في صحّة صورة الشاب المعذّب في قبره
وحكم ترويجها
وحكم ترويجها
الجواب:الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمعتقدُ أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ عذاب القبر حقٌّ، يجب الإيمان به، لثبوته بنصوصٍ شرعيةٍ مُتكاثرةٍ ومتواترةٍ، وأنَّ النعيمَ والعذابَ يقع على الروح والبدن جميعًا باتفاق أهل السُّنَّة، وتنعمُ الروح وتعذّب مفردةً عن البدن ومتصلّةً به، أي: أنَّ الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعّمةً أو معذّبةً، وأنها تتَّصلُ بالبدن أحيانًا، فيحصل معها النعيم والعذاب سواء قُبر الميت أو لم يُقبَر، غير أنه لما كان الغالب على الموتى أنهم يقبرون كان ألصق في التسمية، فمن لم يُدفن من مصلوب ونحوه يناله نصيبُه من فتنة السؤال، وضغطة القبر أيضًا، قال ابن القيم في كتاب «الروح»: «ممَّا ينبغي أن يُعلم أنَّ عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكلُّ من مات فهو مستحِقٌّ للعذاب ناله نصيبه منه قُبر أم لم يُقبر، فلو أكلته السباع، أو حُرِقَ حتى صار رمادًا، أو نسف في الهواء، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل من المقبور».
وعليه، يتجلَّى واضحًا أنَّ الذي يحول دون تصديق صورة المعذب في قبره واعتقاد صحّتها عدّة موانع منها:
أولاً: إنَّ دار البرزخ عكس دار الدنيا، إذ الأرواح تابعة للأبدان في أحكام الدنيا، حيث إنَّ العقوبات الدنيوية تقع على البدن الظاهر، وتتألّم الروح بالتبعية، أمّا في أحكام البرزخ فتقع على الأرواح، والأبدان تبع لها في نعيمها وعذابها، فكان العذاب والنعيم على الروح بالأصالة والبدن تابع للروح كما قرّره ابن القيم رحمه الله.
ثانيًا: إنّ الله تعالى جعل أمر البرزخ والآخرةِ غَيْبًا وحَجَبَهُ عن إدراك العقولِ في هذه الدار، وذلك من كمال حِكمته وليتميَّز الذين آمنوا بالغَيب عن غيرهم، لذلك لا يجوز قياس أحوال البرزخ والآخرة بأحوال الدنيا لافتراق أحوالهما.
ثالثًا: ولأنَّ الله تعالى لم يُسمِع الأحياءَ من الآدميِّين أصوات المعذبين في قبورهم، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلىَ فِي قُبُورِهَا فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ»(١- أخرجه مسلم في «الجنة وصفة نعيمها وأهلها»: (7392)، وابن أبي عاصم في «السنّة»: (720)، وابن أبي شيبة في «مسنده»: (122)، وفي «المصنف»: (11845)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة»: (1724)، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه)، فلِحِكمة الله الإلهية، وغَلَبة الخوف عند سماعه، كتمه الله عنَّا حتى نتدافن، لعدم القدرة على سماع شيء من عذاب الله في هذه الدنيا، فكذلك صورة العذاب أُخْفِيَتْ علينا لعدم وجود الطاقة على النظر إلى شيء من عذاب الله تعالى في هذه الدار، لضعف القُوى.
هذا، وبغضِّ النظر عن تأثير هذه الصور في العامَّة، واستعمالها كأسلوب دعوي، فإنَّ الدعوةَ إلى الله بفساد المعتقد لا تُشرع؛ لأنَّ الغاية لا تبرِّرُ الوسيلةَ، والنيةُ الحسنةُ لا تبرِّر الحرامَ، لذلك فالتجارة بها وترويجها يتبعه في حكم المنع، لما فيها من القدح في سلامة الطوية وصحَّة السريرة.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 21 محرم 1427ﻫ
الموافق ﻟ: 20 فبراير 2006م
الموافق ﻟ: 20 فبراير 2006م