إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

تحفة الأكياس بحسن الظن بالله ثم بالناس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تحفة الأكياس بحسن الظن بالله ثم بالناس

    تحفة الأكياس بحسن الظن بالله ثم بالناس
    المقدمة :
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله ,وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،أنقد به من الضلال ,وهدى به إلى أشرف الخصال ,أمر بالتثبت ,وحذر من سوء الظن في الأقوال والأفعال صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .

    أمابعد :
    أخي المسلم :إن للناس مجالس يتجادبون فيها أطراف الحديث شؤونا وشجونا ، ويأمن بعضهم بعضا ويأنس بعضهم بعضا ، صدور منشرحة ، وسرائر صافية ، ونوايا حسنة ، ثم يندس بين هؤلاء من يتتبع السقطات ويفرح بالهفوات ليندر بهدا ويشي بداك ،وقد يكون عنده فضل مال يستريح في ظلاله فلا هم له إلا التسلي بشؤون الآخرين وأشيائهم استطالة وتهكما وازدراء وتنقصا همزا ولمزا نبزا وغمزا ﴿ هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم ﴾[القلم:11– 12].
    أخي العزيز ،إن صاحب الهوى والأغراض الشيئة لايجد متنفسا لما في صدره إلا تلفيق الأكاديب وتزوير الأخبار متنصلا عن المسؤولية العظمى أمام الله ،مبتعدا عن شرق أمانة الحديث وحفظ حقوق المسلمين ، وأنت تعلم ونعلم جمعيا أن الهوى ما خالط شيئا إلا أفسده ، يخرج العالم من السنة إلى البدعة ، ويوقع صاحب الزهد في الرياء والسمعة ،ويجر الحاكم إلى الظلم والصد عن الحق ، ويدفع كل أفاك أثيم إلى اختراع الإفك وتتبع العورات شأنه شأن المنافقين الذين لايهدأ لهم بال إلا بسوء الظن ، وبث الإشاعات بين المؤمنين .
    أخي اعلم – علمني الله وإياك – أن الهوى إذا وقع في الأخباروالأقوال كان مطية إلى الكذب، وسوء الظن والله يقول : ﴿ إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ﴾ [النور :15 ].
    يا أيها المؤمن ؛ إن في المجتمع مجالس ومنتديات لا هم لأصحابها إلا القيل والقال ، والخوض فيما لا يفيد يتناقلون الأحاديث ، دون وعي أو تثبت ، يلصقون بهذا ما ليس فيه ، ويظنون بذاك ظن السوء مطيتهم في ذلك قالوا وزعموا ، وبأس مطية الرجل زعموا .
    أخي أيها المطيع لربه ، إذا ضعف الوازع الإيماني تجرأ المرء على الاستخفاف بالمحرمات وقل عنده احترام الناس ، واستمرأ الكذب ، واتخذ من الشبهات مطايا ، بل قد لا يتورع أن يدلي بشهادات كاذبة وأقوال ملفقة فهو قليل المروءة صفيق الوجه يفرح بالكلمة السيئة ليشيعها في الناس من غير نظر في العواقب ، بهذا وأمثاله تشيع البلبلة ، وتسري الظنون والقلاقل ، ويتولد الحسد ، وتنتشر الوساوس والمخاوف ، ويؤدي إلى اضطراب الأحوال ، بل قد يقود إلى الاستهانة بالكرامات ، والاعتداء على الأنفس والأموال ، والوقوع في الأعراض ، وقتل المعنويات في النفوس حتى تسيء الظن بربها .
    ولقد جاء الإسلام ليجمع القلب إلى القلب ، ويضم الصف إلى الصف ، ويطهر النفوس من درن الشرك والمعصية ، مستهدفا إقامة مجتمع مسلم رباني في كيان موحد ، متعاون ، متقيا جميع عوامل الفرقة والضعف محذرا من انتشار أسباب الفشل والهزيمة ، ليكون لهذا الكيان الموحد القدرة على تحقيق الغايات السامية والمقاصد النبيلة ، والأهداف العظيمة التي جاءت بها رسالته العظمى ، من عبادة الله وحده ، وابتغاء مرضاته وإعلاء كلمته ، وإقامة الحق ، ونشر العدل ، وفعل الخير والتعاون عليه ، من أجل استقرار المبادئ التي تحقق للفرد المسلم والجماعة المسلمة الحياة الطيبة المطمئنة الآمنة .
    والإسلام بهذا يكوّن روابط بين أفراد المجتمع ويضع لهم قواعد إيمانية وأخلاقية تجعلهم يعيشون في غاية من القوة والتماسك ، والتراحم والتعاطف ، كما أراد لهم الله سبحانه وتعالى : ﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم …﴾ .وكما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم<<مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إدا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى >> متفق عليه . أنظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان[ح1671].
    وهده الروابط والقواعد التي أسسها الإسلام لبناء مجتمع رباني هي التي سأبينها- إن شاء الله- في هده العجالة المباركة.
    والسبب الذي حفزني أن أخوض غمار هذه التجربة هو الواقع المتردي الذي تعيشه أمتي ، لقد هالني ما رأيت من نكبات ، وهفوات ، وانتكاسات ، وفتور أو قل سقوط على الطريق ، حتى أصبح البون شاسعا ، والمسافة بعيدة جدا بين ما أراده الله للمسلمين أن يكونوا عليه ، وما أرادوه هم لأنفسهم من الاحتذاء والإقتداء بالأمم الكافرة حذو القذة بالقذة ، إلا قليلا منهم ممن صحت عقيدتهم ، وحسن إسلامهم ، وصفت قلوبهم ، وسمت نفوسهم ، فأقبلوا على دينهم بصدق وشغف وحرارة ، ينهلون من نبعه الصافي النمير ،عاضين عليه بالنواجذ ، وأمواج الفتن والمحن والظلم تتقاذفهم من كل جانب .
    أولئك هم النزاع من القبائل الذين جاء ذكرهم في حديث الغرباء ، وهم ناس صالحون قليلون في أناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ، إنها غربة الفهم الصحيح لمراد الله تعالى ومراد رسوله ،لهذا أجريت القلم لعلي أسد بابا من الفتنة عظيم ، وأضع بعـض الدواء على الجرح الدامي لعله يلتئم ويحتدم ، وتعود العزة والكرامة لأمتي .
    ومما نهزني إلى القيام بهذا الواجب هو أنني لم أجد من أفرد في هذا الموضوع مؤلفا – فيما أعلم – بل الكلام عليه مبثوث في بطون الكتب العلمية ، فاستخرت الله تعالى أولا ، ثم جمعت ما تيسر لي من مادة الموضوع ، ثم استخرت الله ثانية ، وبعدها استعنت الله في تحريرها ، وسميتها –بما قصدته منها تحفة {الأكياس بحسن الظن بالله ثم بالناس } والله أسأل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وأن ينفعني بها يوم لا ينفع مال ولا بنون ، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها كل قارئ ، وأسأل كل من انتفع بها دعوة خالصة صالحة بظهر الغيب .
    وأخيرا أخي القارئ:لقد أبى الله تعالى أن يكتب العصمة إلا لكتابه سبحانه وتعالى فقال : ﴿ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ ومن هنا نعلم أن بني آدم مكتوب عليهم النقص والاختلاف والخطأ ، ولما كان النقص والاختلاف والخطأ من طبيعة البشر ، وجدتني أختلف بعض الأحيان مع نفسي ، فما بالك مع غيري ، وغيري معي .ولقد وجدتني أكتب محاولة في موضوع ذا أهمية بمكان ، بذلت فيه جهدا ليس باليسير ، وأنا على يقين أنها ستجد قبولا ، كما ستجد انتقادات ، فإذا كنت أنا كلما أعدت النظر فيها أقول : هذا مكان يحتاج إلى زيادة فقرة ، وذلك يحتاج إلى زيادة بيان وإيضاح، وثالث إلى اختصار وتنقيص جمله...الخ. فما بالك بغيري ؟ فرحم الله أخا غيورا وجد زلة قلم ، أو نبوة فهم ، أن يصحح ويقوم بالتي أحسن للتي هي أقوم ،ويكتب لنا بملاحظاته شاكرين له سعيه ، فالقلوب منشرحة ، والآذان صاغية ، ودأبنا دائما – إن شاء الله – أن نقول : رحم الله عبدا أهدى لي عيوبي ، فإن كل كتاب سوى كتاب الله تعالى هو معرض للنقد والانتقاد ، والتخطئة والتصحيح ، فلا يبخل علينا بما فتح الله عليه ،والله ولي التوفيق والهادي إلى سوء السبيل .
    وكتب :
    محب العلم والإنصاف على طريقة صالح الأسلاف .
    أبو بكر يوسف لعويسي الخطابي
    يتبع إن شاء الله ...

  • #2
    الجزء الثاني من التحفة
    تعريف الظن في اللغة :
    يطلق على الشك واليقين ، إلا أنه ليس بيقين عيان ، وإنما هو يقين تدبر، فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم، وقد يجيء الظن بمعنى العلم ، ومنه قوله تعالى : ﴿ إني ظننت أني ملاق حسابيه ﴾[ الحاقة : 20] أي علمت ، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وظنوا أنهم قد كذبوا﴾[ سورة يوسف :12 ] أي علموا أن قومهم قد كذبوهم. أما بمعنى الشك : فمنه قوله تعالى : ﴿ إن نظن إلا ظنا﴾ [الجاثية :32].وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام :<< إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث >> [1] ، فإنما أراد به الشك يعرض للمرء في الشيء فيحققه ويحكم به . وقيل : أراد إياكم وسوء الظن ، وتحققه دون مباديء الظنون التي لا تملك ، وخواطر القلوب التي لا تدفع ، ولذلك جاء النهي عن تحقيقه : فقد روي مرفوعا : <<إذا ظننت فلا تحقق>> [2] .

    --------------------
    1- جزء من من حديث متفق عليه ..اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان [ج3/ص247] [ح1660].قال محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله : إياكم : كلمة تحذير .والظن : المراد النهي عن ظن السوء .قال الخطابي : هو تحقيق الظن وتصديقه ، دون ما يهجس في النفس ، فإن ذلك لايملك . ومراد الخطابي أن المحرم من الظن مايستمر صاحبه عليه ، ويستقر في قلبه دون مايعرض في القلب ، فإن هذا لا يكلف به .
    2- ذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لابن ماجة ، وهو في ضعيف الجامع وزيادته للشيخ الألباني برقم [687]ورمز إليه بالضعف ، وفصل القول فيه في كتابه : غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام ، حديث[302]والحديث في معجم الطبراني الكبير [ج1/ 330/1 ]بلفظ :<< ثلاثة لا يسلم منهن أحد ، الظن ، والطيرة ، والحسد .فإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فلا ترجع ، وإذا حسدت فلا تبغ >>.

    الصفحة [2]
    والضنة التهمة ، والضنين المتهم [1].
    قال ابن الجوزي :رحمه الله : [2] الظن في الأصل : قوة أحد الشيئين على نقيضه في النفس ، والفرق بينه وبين الشك : أن الشك هو التردد في أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر . والتظني إعمال الظن.والأصل التظنن، والظنون قليل الخير، ومظنة الشئ موضعه ومألفه، والضنة التهمة، والضنين المتهم,
    ثم ذكر رحمه الله عن أهل التفسير أن الظن في القرآن على خمسة أوجه فقال :
    الوجه الأول: بمعنى الشك .ومنه قوله تعالى : ﴿ وإن هم إلا يظنون ﴾ [البقرة :78].وفي [ الجاثية :32 ] ﴿ إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين﴾.
    الوجه الثاني: بمعنى اليقين .ومنه قوله تعالى : ﴿ الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون﴾ [البقرة :46].وفيها أيضا [آية :249] . ﴿ قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله …﴾.
    الوجه الثالث :بمعنى التهمة . ومنه قوله تعالى : ﴿ وما هو على الغيب بضنين﴾ [التكوير :24] أي بمتهم .
    الوجه الرابع :الحسبان ومنه قوله تعالى: ﴿ ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون .. ﴾ أي حسبتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وفي [الانشقاق :14] ﴿ إنه ظن أن لن يحور ﴾ أي حسب .
    --------------------
    1– لسان العرب لابن منظور [ج6/ ص 2762 ، 2763].
    2 – نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي [ص242، 426].

    الصفحة [3]
    الوجه الخامس: بمعنى الكذب.ومنه قوله تعالى: ﴿ إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ﴾ النجم : 28 . قاله الفراء .
    أنواع الظن شرعا: ونستخلص من كلام ابن الجوزي أن الظن يحمل على معنيين متناقضين هما : الشك الذي هو التردد في أمر لا مزية لأحدهما على الآخر ، واليقين الذي هو قوة أحد الأمرين على نقيضه وتيقنه في النفس .
    هذا بالنسبة لمعانيه ، وله معان أخرى كما ذكر أهل التفسير ، أما بالنسبة لمتعلقاته فله معنيين متقابلين، أحدهما الظن الحسن ، والثاني الظن السيئ ، والمقصود منه هو : المعنيان الأخيران ، حسن الظن ، وسوء الظن ،ولا بأس أن نشير في صلب الموضوع إلى معانيه الأخرى إن اقتضى الحال .وقبل أن أتكلم عليهما وأسباب توظيفهما، أتطرق إلى سوء الظن بالله وحسنه وبالله التوفيق .
    سوء الظن :
    إن الشريعة الإسلامية تحذر أشد الحذر من خصلتين هما : سوء الظن بالله ، وسوء الظن بالناس لذا وجب التنبيه عليهما ، ليكون المسلم على حذر من الوقوع فيهما لأن عاقبتهما وخيمة .
    سوء الظن بالله وأسبابه :
    قال ابن القيم رحمه الله : إنما كان سوء الظن بالله من ظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل وأنه ظن غير الحق لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وذاته المبرأة من كل عيب وسوء ، بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهية ، وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه ، وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ، ولا يخذلهم، ولجنده بأنهم هم الغالبون ، فمن ظن بأنه لا ينصر رسله ، ولا يتم أمره ، ولا ويؤيد حزبه ، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه ويظهرهم عليهم ، وأنه لا ينصر دينه وكتابه ، وأنه يديل الشرك على التوحيد ، والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالا لايقوم بعده أبدا فقد ظن السوء ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله ، وصفاته ، ونعوته ، فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك ، وتأبى أن يذل حزبه وجنده ، وان تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم والتقدم المستمر لأعدائه المشركين به العادلين به ، والكافرين بدينه ، فمن ظن به ذلك فما عرفه ، ولا عرف أسماءه ، ولا عرف صفاته وكماله ، وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائه وقدره ، فما عرفه ، ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته .

    الصفحة [4]
    وكذلك من أنكر أن يكون قدّر ما قدّره من ذلك وغيره لحكمة بالغة ، وغاية محمودة يستحق الحمد عليها ، وأن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردة عن حكمة ، وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فواتها ، وأن تلك الأسباب المكروهة له المفضية إليها لا يخرج تقديرها عن حكمة ، لإفضائها إلى ما يحب وإن كانت مكروهة له ، فما قدرها سدى ولا شاءها عبثا ولا خلقها باطلا : ﴿ ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار﴾: [ص :27] [1].
    وأكثر النّاس يظنون بالله غير الحق، يظنون ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حكمته وحمده.فمن قنط من رحمته وأيس من روحه ، فقد ظن به ظن السوء ، ومن جوّز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ، ويسوي بينهم وبين أعدائه ، فقد ظن به ظن السوء .

    ------------------------
    1 – زاد المعاد لابن القيم [ج3/229،226]وعنه الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في كتابه :" فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" لمحمد بن عبد الوهاب [ص468 - 474 ].

    يتبع إن شاء الله ...

    تعليق


    • #3
      الجزء الثالث من التحفة :
      ومن ظن به أنه يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي ، لا يرسل إليهم رسله ، ولا ينزل عليهم كتبه ، بل يتركهم هملا كالأنعام ، فقد ظن به ظن السوء ، ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله ، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين ، فقد ظن به ظن السوء ، ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصا لوجهه على امتثال أمره ، ويبطله عليه بلا سبب من العبد ، وانه يعاقبه بما لا صنع له فيه ، ولا اختبار له ، ولا قدرة ولا إرادة له في حصوله ، بل يعاقبه على فعله هو سبحانه به ، أو ظن أن لا يجوّز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله ويجريها على أيديهم ليضلوا بها عباده ، وأنه يحسن منه كل شيء حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته فيخلده في الجحيم في أسفل السافلين ، وينعم من استنفذ عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه فيرفعه إلى أعلى عليين ، وكلا المرين في الحسن عنده سواء ، ولا يعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلا بخبر صادق وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما وحسن الآخر ، فقد ظن به سوء الظن .

      ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل ، وترك الحق لم يخبر به وإنما رمز إليه رموزا بعيدة وأشار إليه إشارات ملغزة لم يصرح به ، وصرح دائما بالتشبيه والتمثيل والباطل وأراد من خلقه أن يتبعوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه ، وتأويله على غير مراده ، ويتطلبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان ، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه ، بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامه على ما يعرفونه من خطابهم ولغتهم ، مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل فلم يفعل ، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان ،فقد ظن به ظن السوء ، فإنه إن قال : أنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وأتباعه وسلفه فقد ظن بقدرته العجز ، وإن قال : أنه قادر ولم يبين وعدل عن البيان وعن التصريح إلى ما يوهم بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء ، وظن أنه هو وأتباعه وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله ، وأن الهدى والحق في كلامهم وعباراتهم ، وأما كلام الله فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال ، وظاهر كلام المتهوكين الحيارى هو الهدى والحق وهذا من أسوأ الظن بالله ، فكل هؤلاء من الظانين بالله ظن السوء ، ومن الظانين بالله غير الحق ظن الجاهلية .
      ومن ظن به أنه يكون في ملكه ما لا يشاء ، ولا يقدر على إيجاده وتكوينه فقد ظن به ظن السوء ، ومن ظن به أنه كان معطلا من الأزل إلى الأبد عن أن يفعل ، ولا يوصف حينئذ بالقدرة على الفعل ، ثم صار قادرا عليه بعد أن لم يكن قادرا ، فقد ظن به ظن السوء .
      ومن ظن أنه لا يسمع ولا يبصر ، ولا يعلم الموجودات ولا عدد السموات ولا النجوم ، ولا بني آدم وحركاتهم وأفعالهم ، ولا يعلم شيئا من الموجودات في الأعيان فقد ظن به ظن السوء .
      ومن ظن به أنه لا يسمع ولا يبصر ولا علم له ولا إرادة ولا كلام يقول به وأنه لم يكلم أحدا من الخلق ولا يتكلم أبدا ولا قال ولا يقول ولا له أمر ولا نهي يقوم به فقد ظن به ظن السوء .ومن ظن به أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان ، والفساد كما يحب الإيمان والبر والطاعة ، والإصلاح فقد ظن به ظن السوء .ومن ظن به أنه لا يحب ولا يرضى ولا يغضب ولا يسخط ولا يوالي ولا يعادي ولا يقرب من أحد من خلقه ، ولا يقرب منه أحد وأن ذوات الشياطين في القرب من ذاته كذوات الملائكة المقربين وأولياءه المفلحين، فقد ظن به ظن السوء .
      وبالجملة فمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه ووصفه به رسله أو عطل حقائق ما وصف به نفسه ، ووصفه به رسله فقد ظن به ظن السوء . ومن ظن به أن له ولدا أو شريكا ، أو أن أحدا يشفع عنده بدون أذنه ، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه ويتوسلون بهم إليه ، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه ، فيدعونهم ويحبونهم كحبه ، ويخافونهم ويرجونهم فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه .
      ومن ظن به أنه ينال ما عنده بمعصيته ومخالفته ،كما ينال بطاعته والتقرب إليه فقد ظن به خلاف حكمته وخلاف موجب أسمائه وصفاته ، وهو من ظن السوء ، ومن ظن به أنه إذا ترك شيئا لم يعوضه خيرا منه ، أو من فعل من أجله شيئا لم يعطه أفضل منه فقد ظن به ظن السوء .
      ومن ظن به أنه يغضب على عبده ويعاقبه ويحرمه بغير جرم ولا سبب إلا مجرد المشيئة ومحض الإرادة فقد ظن به ظن السوء .ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة ، وتضرع إليه وسأله ، واستعان به ، وتوكل عليه أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله فقد ظن به ظن السوء ، وظن به خلاف ما هو أهله .
      ومن ظن به أنه يثيبه إذا عصاه بما يثيبه إذا أطاعه ، وسأله ذلك في دعائه ، فقد ظن به خلاف ما تقتضيه حكمته وحمده وخلاف ما هو أهله ، وما لا يفعله .ومن ظن به أنه إذا أغضبه وأسخطه ، وأوضع في معاصيه ، ثم اتخذ من دونه وليا ، ودعا من دونه ملكا أو بشرا حيا أو ميتا يرجوا بذلك أن ينفعه عند ربه ويخلصه من عذابه ، فقد ظن به ظن السوء ، وذلك زيادة في بعده عن الله وفي عذابه . فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله ، يظنون بالله غير الحق ظن السوء ، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحض ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ربي : ﴿فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ، وأما إذا ماابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ﴾[ الفجر :14-15 ].بمعنى منعني ما أستحقه ، ونفسه تشهد عليه بذلك ، وهو بلسانه ينكره ولا يتجاسر على التصريح به ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة طوياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد ، فاقدح زناد من شئت ينبئك شرارة عما في زناده ، ولو فتشت من فتشت لريأت عنده تعنتا ، وتعتبا على القدر وملامة له ،واقتراحا عليه خلاف ما جرى به ، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقل ومستكثر ، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك .
      فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة *** وإلا فإني لا إخالك ناجيا
      فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع ، وليتب إلى الله تعالى وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء ومنبع كل شر ، المركبة على الجهل والظلم ، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين ، وأرحم الراحمين الغني الحميد ، الذي له الغنى التام ، والحمد التام ، والحكمة التامة ، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه ، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه ، وصفاته كذلك وأفعاله كذلك كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل وأسماؤه كلها حسنى .

      فلا تظنن بربك ظن سوء *** فإن الله أولى بالجميل
      ولا تظنن بنفسك قط خيرا *** وكيف بظالم جبان جهول
      وقل يا نفس مأوى كل س*** أيرجى الخير من ميت بخيل
      وظن بنفسك السوآى تجدها *** كذاك وخيرها كالمستحيل
      وما بك من تقى فيها وخير*** فتلك مواهب الرب الجليل
      وليس بها ولا منها ولكن *** من الرحمن فاشكر للدليل
      انتهى المقصود منه بتصرف يسير .نفس المصدر السابق .
      يتبع إن شاء الله ...

      تعليق

      يعمل...
      X