القول المبين في الرد على أباطيل شمس الدين[الجزائري ] [الجزء الأول ]
الحمد لله مؤيد الحق وناصره ، وداحض الباطل وكاسره ن ومعز الطائعين وجابرهم ، ومذل الباغين و خاذلهم ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له القائل : ﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ﴾ [النساء : 112] .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل : << .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن رمى مسلما بما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال يوم القيامة ..>> الحديث . وصلى اللهم وسلم على آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين .
أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة الشروق اليومي في عددها [2089] الصادرة يوم الثلاثاء 04/سبتمبر/ الموافق لـ شعبان هـ على صفحة الملف تحت عنوان فتاوى متطرفة وكتب دينية شاذة في السوق الجزائرية ، بقلم المدعو شمس الدين ـ وما هو كذلك ـ حيث جمع في مقاله المنشور صنوفا و ألوانا من التهم و البهتان بالباطل ، لابسا قميصا ملطخا بدم كذب ، مزينا بالحقد والحسد لأهل السنة عامة أتباع السلف الصالح ، وعلماء الحديث خاصة ، حيث رمى طائفة منهم بأنواع من القذائف و الشتائم التي هم منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، والعجيب في صنيعه هذا أنه يخلط بين أهل الحق ن وأهل الباطل ، وبين أهل السنة أمثال اللالكائي والبربهاري من المتقدمين ، والألباني وعبد العزيز آل الشيخ من المتأخرين ، وبين أهل البدع و الضلالة أمثال أبي قتادة المصري ، وأبي الأعور و غيرهم من التكفيريين و الخوارج ، جمع بينهم وجعلهم جميعا في بوتقة الضلالـ السلفية المزيفةـ فتبين لي بذلك أن الرجل يخبط خبط عشواء ن ويخلط بين الأشباه و النظائر ، وكم ابتلي المسلمون بمثل هذا الطراز الذي لا هم له إلا محاولة هدم شوامخ العلماء وأطواد العلم العظيمة، وذلك
------------------------
1 – رواه أبو داود [ح3598]واللفظ له إلا أنه قال :<< ومن قال في مؤمن >> وأحمد [ح5377] والبيهقي [ح11525]والطبراني بإسناد جيد نحوه ، وزاد في آخره :<< وليس بخارج >> ورواه الحاكم مطولا ومختصرا وقال في كل منها : صحيح الإسناد ، والمنذري في الترغيب والترهيب [ح3397- 4310] والردغة بفتح الراء وسكون الدال المهملة ويحركها أيضا ، وبالغين المعجمة : هي الوحل ، وردغة الخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الوحدة هي عصارة أهل النار ، أو عرقهم كما جاء مفسرا في صحيح مسلم .
الصفحة [2]
وذلك عن طريق اصطياد بعض الزلات، والعثرات، التي لم يُعصم منها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتراهم يتربصون بالعالم الزلة ، ويتصيدون منه الهفوة لينفخوا فيها ويعظموها في أعين الناس فيجعلون ـ كما قيل ـ من الحبة قبة ، ومن النملة فيلا .
وكان الأولى به أن لا يكلف نفسه ويمسك قلمه ببنانه ويخط هذه الأحرف الآثمة ، ولكن الله إذا أراد كشف حال عبد فضحه ، ومن جر أذيال الناس بالباطل جروا ذيله بحق ، ومن يحترف زخرف القول فهو أخو الساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى .
ولعل صاحبنا لم يجد مطية للبروز والشهرة إلا أعراض هذه الطائفة ، وأذكره هنا ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ بأن حب الظهور يكسر الظهور ، وأن لحوم العلماء مسمومة قل من أصاب منها شيئا إلا هتكه الله وفضحه بين خلقه إن عاجلا أو آجلا ، وما مثله إلا كمثل ذلكم الرجل المجهول الذي وقف على بئر زمزم في موسم الحج وبال فيها ، فلما أُخذ إلى الخليفة هارون الرشيد وسأله ما حملك على ذلك قال : أردت أن يعرفني الناس ، وليعلم أن الطاعنين على العلماء يذهبون مع الأيام ويبقى طعنهم وصمة على عليهم ، وأن أهل العلم يبقون على كل شفة ولسان بعد أن جعل الله لهم القبول ، في كل مكان وزمان .
ولعل صاحبي ضاقت به الأرض ذرعا لما يرى من انتشار المنهج السلفي الحق ، المنهج الوحيد الذي يوافق الفطرة ، والعقل السليم ، فأغضبه ذلك، وخاصة وهو يرى أن النظام قد ضيق عليه، فأغلق جمعيته ، وسحب منه الرخصة ، فلم يجد وسيلة يتزلف بها إلى من منعوه ، أو كبش الفداء يقدمه قربانا إلى النظام عساه أن يحظى برضاه عنه فيعيد إليه الرخصة ، ويفتح الجمعية مرة أخرى إلا تتبع العورات، وتصيد زلات إخوانه المسلمين، والطعن في أعراض علماء الأمة، وأساطين الملة، وصدق ابن سيرين رحمه الله تعالى حين قال:<< ظلمك لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره >> .
وقال الحسن البصري رحمه الله : << المؤمن يعذر الزلات ويستر ، والمنافق يفضح وينشر >> .
وقال الصنعاني رحمه الله : << ليس أحد من أفراد العلم إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب >> فالعصمة للأنبياء ودونهم فلا تطلب . وقالت الحكماء : كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه .
الصفحة [3]
فكان الأولى به أن ينصف أهل السنة أتباع السلف الصالح ، ويذكر مآثرهم ومحاسنهم ، وفضلهم على هذه الأمة ، يوم كانت أرضنا تحترق بنار الفتنة ، ووطننا يخرب بأيدي أبنائه ، فلولا الله سبحانه وتعالى ، ثم العلماء المخلصين أمثال الشيخ الألباني والشيخ العثيمين الذين تصدوا لإطفاء نار الفتنة، التي كادت أن تعصف بالعباد والبلاد ، لكان صاحبنا الآن يحترق بنارها ، ولا يستطيع أن يتبجح بما يكتب وينشر ، ورحم الله حافظ الدنيا ابن عبد البر حين قال : << من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ، ومن لم ينصف لم يفهم ، ولم يتفهم >> .
وقال القرطبي رحمه الله معلقا على قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله : << ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف >> . قال القرطبي : هذا في زمان مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فيه الفساد ، وكثر فيه الطغام ، وطلب العلم للرياسة والجاه ، لا للدراية والهداية ، بل للظهور في الدنيا ، وغلبة الأقران بالمراء والجدال ، الذي يقس القلوب ، ويورث الضغن ، وذلك مما يحمل على عدم التقوى ، وترك الخوف من الله تعالى .
قلت : هذا في زمانه رحمه الله ، فكيف لو أدرك زماننا الذي ساد فيه الجهل والفساد ، وانقلبت الموازين ، وطلب العلم عند الأصاغر ، وتولى منصب الإفتاء الرويبضات، وصُدق الكاذب ، وأتمن الخائن ، وخوّن الأمين ، وظهر القلم ، وطالعتنا كثير من الكتب ، والمجلات ، والجرائد بالشيء الكثير من الزبد الذي يحمله تيار الضلال الجارف ، والسيل المتدفق بالفتن والإفساد في الأرض .
ثم أقول لصاحبي ألا تنظر من حولك لتدرك مدى الفساد الذي يحيط بك ،ويكاد يغمك، فهلا سخرت قلمك ، ولسانك لنصرة الحق ، مظلوما أو ظالما في نظر الكثيرين من أمثالك . .؟
ثم إن الناظر المتمعن في مقالك الأبتر من البركة بسبب أنك لم تفتحه بالبسملة والحمد والثناء على الله ، اقتداء بالكتاب العزيز ، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ليدرك من أول وهلة أن السبب الذي دفعك لكتابته هو الحسد والحقد الدفين في نفسك لا غير ، لأن الحاسد لا يفتتح كلامه وعمله بالحمد والثناء على الله ، فعقله منتفخ غيظا ، وقلبه ممتلئ حسدا فلا يذكر الله إلا بما يشفي غيظه وحسده ، وهنا أذكرك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : << دب إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد والبغضاء ، هي الخالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين .. >> . [1]
------------------------
1-رواه الترمذي[ح2559]وأحمد[ح1424-1442]وأبو يعلى في المسند[ح667]والمنذري[ح4084-4382]وقال رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما.
الصفحة [4]
نعم فالحسد كما قال الغزالي رحمه الله : << يحمل الحاسد عن تمني زوال النعمة عن غيره ، ويسر بالمصيبة تصيب المحسود ، وأن يشمت بما أصابه من البلاء ، وأن يهجره ويقاطعه وإن أقبل عليه وأن يعرض عنه استصغارا واحتقارا ، وأن يتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة ، أو يفشي سره ، أو يحاكيه استهزاء وسخرية منه .. >> .
فلو أنك سلكت في مقالك طريق أهل العلم المخلصين ، وأنك لم ترد إلا النصح والتبيين ، وكان غرضك بيان الحقيقة ، ونشر العلم ، وتعريف الناس الصواب من الخطأ لسلكت في مقالك مسلك الناصحين المخلصين في التأصيل والتدليل ، وفي التدقيق والتحقيق ، ولاتبعت طريقهم في التعليم والتبليغ ،ونهج ما كانوا عليه من القول الحسن ، والجدال بالتي هي أحسن ، ولكن هذا لم يكن وعلامات الحقد والحسد واضحة من خلال العناصر التي صدّرت بها المقال ، ونسبتها إلى الأثبات كالجبال، من العلماء الرجال ، واعلم أن عند الله تلتقي الخصوم ، ويؤخذ الحق من الظالم للمظلوم ..
ولما كان مقالك يمس أعراض علماء أعلام ، وكتب قيمة لأهل الإسلام ، وقصدك صد الناس عن الاستفادة والإفادة منهم ، وتأليب النظام على من يقتني كتبهم وأقوالهم ؛ ليخلو لك الجو ، فتفرخ البدع في الأرض والعلو ، أحببت في هذه العجالة أن أذب عن أعراضهم نصرة للمظلومين ، ودحضا للباطل الذي جاء به شيخ المصلحين ، الذي يخاف على الشباب الناشئين ، من علماء السنة وكتب السلفيين ، ولا يخاف عليهم من الانحلال الديني والخلقي ، ولا من المخدرات ، والعولمة والعلمانيين، ولا من السموم التي تبث عبر القنوات الفضائية ، والشبكة العنكبوتية ، والهاتف النقال ، ولا من الغزو الفكري ، والعقائد الباطلة التي يتلقوها في المدارس ، والجامعات ، ودور الشباب والثقافة ، وبيوت الله من الأئمة المضلين الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم أمته ؛ ممن ينتحلون عقائد الفرق الباطنية الضالة ، ويحملون فكر الخوارج والتكفير ، والطرقيين المنحرفين ، وغيرهم ممن يسعون إلى طمس معالم الدين ، وتفريق المسلمين إلى شيع وأحزاب ، كل حزب بما لديهم فرحون ، وكأنه استتب له الأمر من كل هذا ، ولم يبقى له إلا السلفيين الذين جعلهم الخطر المحدق عليه وعلى هذه الأمة ، فنقول له طب نفسا فإن هؤلاء الذين أعلنت عليهم الحرب ، يحملون كل الخير والحب والبر لهذه الأمة عموما ، ولهذا الوطن خصوصا ، ولا يعتقدون الخروج على الأئمة ولا التكفير بالمعصية ، ولا الإرهاب بجميع صوره ، فهم يؤمنون بالتغيير عن طريق التصفية والتربية ، تصفية الإسلام مما علق به مما ليس منه ، وتربية الأمة على ذلك الإسلام المصفى ، بالعلم والعدل والدعوة بالتي هي أحسن للتي هي أقوم ، فإن أخطأ منهم فرد أو أفراد ؛ فهذا لا يعني الطعن في المنهج الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، لأن هذا دأب البشر من كل الطوائف ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها .
الصفحة [5]
والآن أتناول في ردي هذا بعضا من المسائل المهمة المطروحة ، وأبينها بالأدلة الواضحة الصريحة ، معرضا عن باقي المسائل التي جاء بها والتي لم أذكرها ، لأن بيانها يطول ، والجريدة تشترط الاختصار في القول ، فالله أسأل أن يوفقنا لذلك ويسدد خطانا لما هنالك ، من الأهوال حيث يظهر الناجي من الهالك ، و السني ، ومن للهوى كان سالك .
1ـ لم يجد الكاتب من الكتب الكثيرة التي تحمل السموم والشرور ، والبدع و الباطل بجميع ألوانه وأنواعه، في السوق الجزائرية إلا بعض كتب أهل السنة ، وعلى رأسها [ كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ] والسبب في ذلك أنه وجد فيه زلة كبيرة خطيرة - زعم - جعلها من السخافة بمكان ، يخاف على الشباب أن يتلقفوها ،وأن تنتشر بينهم فيعتقد وها ، ومن أجل ذلك الخطأ ينبغي أن يرمي الكتاب ويحذر منه ، سبحان الله ؟!
ولي على هذا معه عدة وقفات :
أ- يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في العقيدة عند أهل السنة والجماعة ، وقل أن نجد منصفا بعده إلا وستفيد منه أو يشير إليه ، وقد ارتضاه طائفة من العلماء ، منهم الخطيب البغدادي ، وابن الجوزي ، وابن قيم الجوزي ، وابن تيمية ، والذهبي وابن حجر ، والسيوطي وغيرهم كثير ..
أما صاحب الكتاب فهو سلفي العقيدة وأحد الحفاظ الأعلام من علماء الحديث ، شهد العلماء له بذلك ووصفوه تارة بالحفظ ، والإتقان ، وأخرى بالفهم والإفادة ، أنظر مقدمة المحقق للكتاب المجلد الأول [ ج1/94 ـ 95 ] وشهادات العلماء له بذلك .
ب- أما ما في الكتاب من الآثار فأغلبها منقول بالأسانيد الصحيحة الثابتة ، عن الصحابة والتابعين ، وأتباع التابعين إلى عصر المؤلف ، ولا يوجد إلا القليل من الآثار الضعيفة التي ضعفها أهل العلم ، وهذا دأب كل من صنف ، لا يخلو كتاب من أوهام وأخطاء إلا كتاب الله . وعلى العموم فالكتاب قيم ، وجيد ، والمؤلف برأ ذمته بذكر الآثار مسندة ، فلا لوم عليه بعد ذلك ، لأن الإسناد من الدين ، وهو قد وعاها فأدها كما سمعها..فجزاه الله خيرا أن حفظ لنا تلك الآثار العظيمة.
ج- إن العبارة المنقولة عن أبي حنيفة نقلها غير واحد ممن سبق اللالكائي ، منهم عثمان بن سعيد الدارمي في سننه ، والأشعري في مقالات الإسلاميين ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، ونقلوا أشياء كثيرة نقلت عن أبي حنيفة ، بعضها ثابت بالأسانيد الصحيحة ، وبعضها ضعيف لا يصح نسبته لهذا الإمام ،وقد ضعفوه من جهة حفظه رحمه الله ، منهم البخاري والنسائي ، وابن عدي ، فهل هذا يعني أن نرمي بكتب كل هؤلاء ؟ هذا لا يقوله عاقل . فلو كان صاحب المقال يريد النصح والبيان لتصدى لكل من روى هذه الأخبار عن أبي حنيفة، وبين أسانيدها بالنقد والبيان، فرد الضعيف، وقبل الصحيح، وهذا هو الإنصاف.
الصحفة [6]
د – لقد رد هذه المقالة المنسوبة لأبي حنيفة دون دراسة لأسانيدها دراسة حديثية ، على أن المحقق لكتاب اللالكائي لم يردها بعينها ، وإنما ذكر في الجملة الآثار التي تذكر في أبي حنيفة ، فجاء هو وردها بعينها دفاعا عنه ، وخيرا فعل لو كان قصده بيان الحق . لأننا نحب العلماء والدفاع عنهم ولكن الحق أحب إلينا منهم ، ولا نعتقد العصمة لأحدهم فأبو حنيفة رحمه الله فقيه العراق ، وأحد أئمة الإسلام والسادة الكرام ، وأحد أركان الإسلام كما قال ابن كثير رحمه الله في ترجمته [1].
وصاحبي رد تلك المقالة هكذا بالهوى ، ولو اتّبع طريق أهل الحديث في التحقيق والتدقيق والنقد البناء لكان محقا في اجتهاده حتى لو أخطا الصواب ولكنه لم يفعل ، وهنا أقول له : أرأيت لو ثبتت هذه المقولة عن أبي حنيفة رحمه الله ، فكيف تفعل حينئذ بدفاعك عنه ، وقد انتقص إيمان أبي بكر الصديق ، وجعل إيمانه مساويا لإيمان إبليس ، مع أن إيمانه لو وزن بإيمان الأمة لرجح عليها ؟ فيا سبحان الله !! تدافع عن أبي حنيفة، في أمر أنت غير متثبت منه، ولا تدافع عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أين الإنصاف الذي يقتضي أن نقول بعد النظر في السند. لم تثبت هذه الرواية عن أبي حنيفة ، وعلتها محبوب ابن موسى الأنطاكي أبو صالح الفراء ، قال أبو داود : ثقة ، لا يلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب .[2] قلت محبوب بن موسى ، وثقه جمع من العلماء كما قال ابن حجر ،[3] وعلى فرض صحة المقولة : يقال أخطأ أبو حنفية رحمه الله ،والدليل على خطئه حديث رسول الله في فضل إيمان أبي بكر رضي الله عنه .. وكأن صاحبي ما قرأ فضائل أبي بكر من صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وكتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد وغيرها كثير .. وفضائله رضي الله عنه أكثر من أن تحصى ، ولو كان فيه إلا أنه صاحب رسول الله في الحل والترحال المفضل عنده والمحبب إليه وقد سئل عن أحب الناس إليه فقال:<< عائشة >> فقيل له من الرجال فقال:<< أبو بكر >>[4] وقال فيه :<< لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ..>>[5].
------------------------
1- البداية والنهاية [ج10/107].
2 - قاله الذي اعتنى بنشر تاريخ بغداد [ج13/ ص473]إلا أنه حذف عبارة ثقة.
3 - أنظر تهذيب التهذيب [ج10/ ص48].
4 – البخاري [ح 3662]ومسلم [ح 6130].
5 – البخاري [ح3654 -3656]ومسلم [6123 ـ إلى 6129 ].
الصفحة [8]
أما كتاب شرح السنة للبربهاري فهو كتاب مهم وقيم ، ويقال فيه ما قيل في سابقه ، فالمفروض أن يثني عليهما ، وينصح الشباب بقراءته ، لا أن يطعن فيه بسبب أنه دافع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ورد على طائفة ضالة ظهرت قديما ، ومازال المسلمون يعانون من أذيالها إلى يوم الناس هذا ، وهي التي تسمي نفسها بالقرآنيين ، أي لا يؤخذون إلا بالقرآن . فإذا قال البربهاري : إذا رأيت الرجل تستدل عليه بالحديث [أي النبوي ] يقول لك دع عنك هذا ، وأتنا بالقرآن فاعلم أنه زنديق ، بمعنى لا يقبل حديث النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا ، ولست أدري بماذا سيحكم علي مثل هؤلاء الذين يردون السنة ولا يؤمنون بها ، وهذا مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام :<< لألفين أحدكم على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري ،فيقول : دعونا من هذا وأتونا بكتاب الله ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ..>>[1].
فهذا ما قصده البربهاري رحمه الله ، وليس ما فهمته أنت ، فهل من يدافع عن حديث رسول الله مستنكرا على من لايقبل الاحتجاج بأوامره وسننه مكتفيا بالقرآن يطعن فيه ؛ وفيما كتب ، ياهذا ؟ ويطعن فيمن نشر كتابه ، ويحث المسلمين على قراءته كما فعل العلامة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي انتقصته بذلك . فالله يجازيك على ذلك .
3ـ نسبته إلى الألباني أنه يجيز الزنا على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .. فهذا والله افتراء على الشيخ ، وستكتب شهادته ويسأل عنها يوم القيامة ، وأنا أقطع أنه كذب ، وعندي قرص مضغوط بعنوان الخلال والحرام للألباني يرد فيه على الروافض الذين كذبوا الله في تبرئته لأم المؤمنين عائشة ، ونالوا من عرضها فقبلوا قول أصحاب الإفك ، وردوا كلام
العلي الخبير ، وما عهدنا الشيخ رحمه الله إلا منافحا مدافعا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمهات المؤمنين ، فهو الذي نذر حياته للدفاع عن سنته صلى الله عليه وسلم ومن سنته الدفاع عن عرضه ، وعدم التعرض إلى أمهات المؤمنين بالسوء بعد تبرئة أمنا عائشة رضي الله عنها.
------------------------
1- الحديث ذكر بعضه أبو داود وذكره بعضه الآخر غيره ، انظر له مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي .
الصفحة [9]
قال ابن كثير رحمه الله [1]: وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سب عائشة أو تعرض لها بالسوء ورماها بما رميت به بعد هذا الذي ذكر في تبرئتها في الآيات فإنه كافر لأنه معاند للقرآن. وصاحب المقال ، لم يأت بالنص الذي تلفظ به الشيخ الألباني ، أو الكتاب الذي كتب فيه ذلك ، وإنما ذكر كتابا لنسيب الرفاعي ، ولم يأت بموضع الشاهد منه ، والشيخ الألباني رحمه الله إنما تكلم عن العصمة وأنها لا تثبت شرعا لأحد بعد الأنبياء ، على الخلاف المعروف بين أهل العلم في عصمتهم قبل النبوة في الكبائر والصغائر، وبعدها في الصغائر، ولا يفهم من هذا أن نساء الأنبياء معصومات لذواتهن ، وإنما معصومات لعصمة الأنبياء ، قال ابن كثير رخمه الله : في تفسير قوله تعالى : ﴿ فخانتاهما ﴾ أي في الإيمان ، وليس في الفاحشة ، بل في الدين فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء . وعلى هذا أجمع المفسرون .
قال الأمين الشنقيطي في أضواء البيان فيما أكمله الشيخ عطية سالم[2] في تفسير قوله تعالى : ﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما .. ﴾ قال : أجمع المفسرون هنا أن الخيانة ليست زوجية ، قال ابن عباس : نساء الأنبياء معصومات ، ولكنها خيانة دينية ، بعد إسلامهن ، وإخبار أقوامهن بمن يؤمن مع أزواجهن . فإذا قال أحد أن زوجات الأنبياء غير معصومات لذواتهن وإنما معصومات لحرمة الأنبياء وعصمتهم وكرمهم على الله ، فهذا لا يعني إطلاقا أنه وقع من بعضهن بغي ، فحاشاهن أن يقع ذلك منهن ، نقل القرطبي عن ابن عباس قوله : ما بغت امرأة نبي قط ، ثم قال وهذا إجماع المفسرين فيما ذكر القشيري .
3 ـ ذكر صاحب المقال مستنكرا : جملة من البدع التي يقول بها السلفيون ، أذكر منها ـ الذكر بعد الصلاة ـ فسبحان الله كيف حرف مقصود خير الدين وانلي الذي نقله عن الشاطبي في الاعتصام ، وأطلق عنه القول ببدعية الذكر عقب الصلاة ، مع أنه لا أحد يقول بأن ذلك بدعة ، ولايعقل أن مسلما يقول بذلك بعد ورود الأحاديث الصحيحة فيه ، وإنما الذي ذكره الشاطبي وابن تيمية ، وغيرهما هو الذكر مجتمعين بصوت واحد ، وقراءة الفاتحة بصوت واحد بعد الصلاة ، فهذا الذي قصده خير الدين .
------------------------
1 – تفسيرا ابن كثير [ ج3/277].
2- أضواء البيان[ ج8/381ـ 382].
الصفحة [11]
ثم نقول له : دع عنك التعصب ، وألقي نظرة منصفة في كتاب الاعتصام للشاطبي لترى كثيرا من البدع التي أنكرتها وغيرها مما لم تذكره قد نص الشاطبي على بدعيتها فيه ، وكذلك ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ، وابن الحاج في المدخل ، وعلي محفوظ في الإبداع في مضار الابتداع ، وأبو بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع ، والقشيري في السنن و المبتدعات . فهل ترمي بهذه الكتب وأصحابها وكل من نقل عنها عن قوس واحدة ؟ ثم إن هذه المسائل التي ذكرتها لا تقتضي هذا التهويل في الإنكار، فكان يسعك الخلاف الذي وسع أهل العلم قبلك، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه فوسعه اجتهاد العلماء الذي وسع غيره، وإنما يضيق صدر المرء من ضيق عطنه..
وأخيرا وقفة مع جريدة الشروق وغيرها من الجرائد :
نصيحتي للقائمين على هذه الجرائد أن يسعوا إلى نشر الخير بين الأمة ، وأن يكونوا مفاتيح خير، مغاليق للشر ، ولا يسمحوا لأنفسهم بأن يكونوا معاول هدم ، وجسور فتنة ، وحقول زرع للحقد والبغضاء بين المسلمين ، فيجب عليهم أن يبتعدوا عن نشر كل ما من شأنه أن يسقي بذور الفتنة ، وأشجار الحقد والحسد ، وأن لا يكونوا عونا في التأليب والتحريض لطائفة على طائفة ، ونصرة لفكرة على أخرى ، وأن يبتعدوا عن مواضيع الهمز والغمز ، وأنا أقول إن الفتنة التي كادت أن تعصف ببلادنا طيلة العشرية السوداء يتحمل جزءا من مسؤولياتها أصحاب هذه الجرائد والأقلام ، وإن الفتن والفساد الذي نعيشه ونحياه فإن لكم النصيب الأوفر في وجوده ، وبقائه ، وكان يجدر بكم أن تغطوا المسائل السياسية ، والاجتماعية ، بأمانة وصدق ، أما كتاباتكم في المسائل الدينية وتقدير الرجال وتقديمهم للأمة ، فكان غيركم أولى به ، لأن قلمكم لم يأخذ بقسط من العلوم الشرعية ، يدرك ذلك من مقالاتكم التي تنشرونها ، من شم رائحة العلم ، وكان الأجدر بكم أن تدعوا الكتابة في مثل هذه المواضيع لأربابها ، وتقتصروا في الكتابة على ما خصكم الله به ، ورحم الله الحافظ ابن حجر حين قال : من تكلم في غيرفنه أتى بالعجائب والغرائب . واعلموا أنني النصح قصدت ، والخير أردت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . والسلام عليكم ورحمة الله
وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
يتبع إن شاء الله ....
بسم الله الرحمن الرحيم
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل : << .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن رمى مسلما بما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال يوم القيامة ..>> الحديث . وصلى اللهم وسلم على آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين .
أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة الشروق اليومي في عددها [2089] الصادرة يوم الثلاثاء 04/سبتمبر/ الموافق لـ شعبان هـ على صفحة الملف تحت عنوان فتاوى متطرفة وكتب دينية شاذة في السوق الجزائرية ، بقلم المدعو شمس الدين ـ وما هو كذلك ـ حيث جمع في مقاله المنشور صنوفا و ألوانا من التهم و البهتان بالباطل ، لابسا قميصا ملطخا بدم كذب ، مزينا بالحقد والحسد لأهل السنة عامة أتباع السلف الصالح ، وعلماء الحديث خاصة ، حيث رمى طائفة منهم بأنواع من القذائف و الشتائم التي هم منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، والعجيب في صنيعه هذا أنه يخلط بين أهل الحق ن وأهل الباطل ، وبين أهل السنة أمثال اللالكائي والبربهاري من المتقدمين ، والألباني وعبد العزيز آل الشيخ من المتأخرين ، وبين أهل البدع و الضلالة أمثال أبي قتادة المصري ، وأبي الأعور و غيرهم من التكفيريين و الخوارج ، جمع بينهم وجعلهم جميعا في بوتقة الضلالـ السلفية المزيفةـ فتبين لي بذلك أن الرجل يخبط خبط عشواء ن ويخلط بين الأشباه و النظائر ، وكم ابتلي المسلمون بمثل هذا الطراز الذي لا هم له إلا محاولة هدم شوامخ العلماء وأطواد العلم العظيمة، وذلك
------------------------
1 – رواه أبو داود [ح3598]واللفظ له إلا أنه قال :<< ومن قال في مؤمن >> وأحمد [ح5377] والبيهقي [ح11525]والطبراني بإسناد جيد نحوه ، وزاد في آخره :<< وليس بخارج >> ورواه الحاكم مطولا ومختصرا وقال في كل منها : صحيح الإسناد ، والمنذري في الترغيب والترهيب [ح3397- 4310] والردغة بفتح الراء وسكون الدال المهملة ويحركها أيضا ، وبالغين المعجمة : هي الوحل ، وردغة الخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الوحدة هي عصارة أهل النار ، أو عرقهم كما جاء مفسرا في صحيح مسلم .
الصفحة [2]
وذلك عن طريق اصطياد بعض الزلات، والعثرات، التي لم يُعصم منها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتراهم يتربصون بالعالم الزلة ، ويتصيدون منه الهفوة لينفخوا فيها ويعظموها في أعين الناس فيجعلون ـ كما قيل ـ من الحبة قبة ، ومن النملة فيلا .
وكان الأولى به أن لا يكلف نفسه ويمسك قلمه ببنانه ويخط هذه الأحرف الآثمة ، ولكن الله إذا أراد كشف حال عبد فضحه ، ومن جر أذيال الناس بالباطل جروا ذيله بحق ، ومن يحترف زخرف القول فهو أخو الساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى .
ولعل صاحبنا لم يجد مطية للبروز والشهرة إلا أعراض هذه الطائفة ، وأذكره هنا ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ بأن حب الظهور يكسر الظهور ، وأن لحوم العلماء مسمومة قل من أصاب منها شيئا إلا هتكه الله وفضحه بين خلقه إن عاجلا أو آجلا ، وما مثله إلا كمثل ذلكم الرجل المجهول الذي وقف على بئر زمزم في موسم الحج وبال فيها ، فلما أُخذ إلى الخليفة هارون الرشيد وسأله ما حملك على ذلك قال : أردت أن يعرفني الناس ، وليعلم أن الطاعنين على العلماء يذهبون مع الأيام ويبقى طعنهم وصمة على عليهم ، وأن أهل العلم يبقون على كل شفة ولسان بعد أن جعل الله لهم القبول ، في كل مكان وزمان .
ولعل صاحبي ضاقت به الأرض ذرعا لما يرى من انتشار المنهج السلفي الحق ، المنهج الوحيد الذي يوافق الفطرة ، والعقل السليم ، فأغضبه ذلك، وخاصة وهو يرى أن النظام قد ضيق عليه، فأغلق جمعيته ، وسحب منه الرخصة ، فلم يجد وسيلة يتزلف بها إلى من منعوه ، أو كبش الفداء يقدمه قربانا إلى النظام عساه أن يحظى برضاه عنه فيعيد إليه الرخصة ، ويفتح الجمعية مرة أخرى إلا تتبع العورات، وتصيد زلات إخوانه المسلمين، والطعن في أعراض علماء الأمة، وأساطين الملة، وصدق ابن سيرين رحمه الله تعالى حين قال:<< ظلمك لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره >> .
وقال الحسن البصري رحمه الله : << المؤمن يعذر الزلات ويستر ، والمنافق يفضح وينشر >> .
وقال الصنعاني رحمه الله : << ليس أحد من أفراد العلم إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب >> فالعصمة للأنبياء ودونهم فلا تطلب . وقالت الحكماء : كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه .
الصفحة [3]
فكان الأولى به أن ينصف أهل السنة أتباع السلف الصالح ، ويذكر مآثرهم ومحاسنهم ، وفضلهم على هذه الأمة ، يوم كانت أرضنا تحترق بنار الفتنة ، ووطننا يخرب بأيدي أبنائه ، فلولا الله سبحانه وتعالى ، ثم العلماء المخلصين أمثال الشيخ الألباني والشيخ العثيمين الذين تصدوا لإطفاء نار الفتنة، التي كادت أن تعصف بالعباد والبلاد ، لكان صاحبنا الآن يحترق بنارها ، ولا يستطيع أن يتبجح بما يكتب وينشر ، ورحم الله حافظ الدنيا ابن عبد البر حين قال : << من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ، ومن لم ينصف لم يفهم ، ولم يتفهم >> .
وقال القرطبي رحمه الله معلقا على قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله : << ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف >> . قال القرطبي : هذا في زمان مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فيه الفساد ، وكثر فيه الطغام ، وطلب العلم للرياسة والجاه ، لا للدراية والهداية ، بل للظهور في الدنيا ، وغلبة الأقران بالمراء والجدال ، الذي يقس القلوب ، ويورث الضغن ، وذلك مما يحمل على عدم التقوى ، وترك الخوف من الله تعالى .
قلت : هذا في زمانه رحمه الله ، فكيف لو أدرك زماننا الذي ساد فيه الجهل والفساد ، وانقلبت الموازين ، وطلب العلم عند الأصاغر ، وتولى منصب الإفتاء الرويبضات، وصُدق الكاذب ، وأتمن الخائن ، وخوّن الأمين ، وظهر القلم ، وطالعتنا كثير من الكتب ، والمجلات ، والجرائد بالشيء الكثير من الزبد الذي يحمله تيار الضلال الجارف ، والسيل المتدفق بالفتن والإفساد في الأرض .
ثم أقول لصاحبي ألا تنظر من حولك لتدرك مدى الفساد الذي يحيط بك ،ويكاد يغمك، فهلا سخرت قلمك ، ولسانك لنصرة الحق ، مظلوما أو ظالما في نظر الكثيرين من أمثالك . .؟
ثم إن الناظر المتمعن في مقالك الأبتر من البركة بسبب أنك لم تفتحه بالبسملة والحمد والثناء على الله ، اقتداء بالكتاب العزيز ، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ليدرك من أول وهلة أن السبب الذي دفعك لكتابته هو الحسد والحقد الدفين في نفسك لا غير ، لأن الحاسد لا يفتتح كلامه وعمله بالحمد والثناء على الله ، فعقله منتفخ غيظا ، وقلبه ممتلئ حسدا فلا يذكر الله إلا بما يشفي غيظه وحسده ، وهنا أذكرك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : << دب إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد والبغضاء ، هي الخالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين .. >> . [1]
------------------------
1-رواه الترمذي[ح2559]وأحمد[ح1424-1442]وأبو يعلى في المسند[ح667]والمنذري[ح4084-4382]وقال رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما.
الصفحة [4]
نعم فالحسد كما قال الغزالي رحمه الله : << يحمل الحاسد عن تمني زوال النعمة عن غيره ، ويسر بالمصيبة تصيب المحسود ، وأن يشمت بما أصابه من البلاء ، وأن يهجره ويقاطعه وإن أقبل عليه وأن يعرض عنه استصغارا واحتقارا ، وأن يتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة ، أو يفشي سره ، أو يحاكيه استهزاء وسخرية منه .. >> .
فلو أنك سلكت في مقالك طريق أهل العلم المخلصين ، وأنك لم ترد إلا النصح والتبيين ، وكان غرضك بيان الحقيقة ، ونشر العلم ، وتعريف الناس الصواب من الخطأ لسلكت في مقالك مسلك الناصحين المخلصين في التأصيل والتدليل ، وفي التدقيق والتحقيق ، ولاتبعت طريقهم في التعليم والتبليغ ،ونهج ما كانوا عليه من القول الحسن ، والجدال بالتي هي أحسن ، ولكن هذا لم يكن وعلامات الحقد والحسد واضحة من خلال العناصر التي صدّرت بها المقال ، ونسبتها إلى الأثبات كالجبال، من العلماء الرجال ، واعلم أن عند الله تلتقي الخصوم ، ويؤخذ الحق من الظالم للمظلوم ..
ولما كان مقالك يمس أعراض علماء أعلام ، وكتب قيمة لأهل الإسلام ، وقصدك صد الناس عن الاستفادة والإفادة منهم ، وتأليب النظام على من يقتني كتبهم وأقوالهم ؛ ليخلو لك الجو ، فتفرخ البدع في الأرض والعلو ، أحببت في هذه العجالة أن أذب عن أعراضهم نصرة للمظلومين ، ودحضا للباطل الذي جاء به شيخ المصلحين ، الذي يخاف على الشباب الناشئين ، من علماء السنة وكتب السلفيين ، ولا يخاف عليهم من الانحلال الديني والخلقي ، ولا من المخدرات ، والعولمة والعلمانيين، ولا من السموم التي تبث عبر القنوات الفضائية ، والشبكة العنكبوتية ، والهاتف النقال ، ولا من الغزو الفكري ، والعقائد الباطلة التي يتلقوها في المدارس ، والجامعات ، ودور الشباب والثقافة ، وبيوت الله من الأئمة المضلين الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم أمته ؛ ممن ينتحلون عقائد الفرق الباطنية الضالة ، ويحملون فكر الخوارج والتكفير ، والطرقيين المنحرفين ، وغيرهم ممن يسعون إلى طمس معالم الدين ، وتفريق المسلمين إلى شيع وأحزاب ، كل حزب بما لديهم فرحون ، وكأنه استتب له الأمر من كل هذا ، ولم يبقى له إلا السلفيين الذين جعلهم الخطر المحدق عليه وعلى هذه الأمة ، فنقول له طب نفسا فإن هؤلاء الذين أعلنت عليهم الحرب ، يحملون كل الخير والحب والبر لهذه الأمة عموما ، ولهذا الوطن خصوصا ، ولا يعتقدون الخروج على الأئمة ولا التكفير بالمعصية ، ولا الإرهاب بجميع صوره ، فهم يؤمنون بالتغيير عن طريق التصفية والتربية ، تصفية الإسلام مما علق به مما ليس منه ، وتربية الأمة على ذلك الإسلام المصفى ، بالعلم والعدل والدعوة بالتي هي أحسن للتي هي أقوم ، فإن أخطأ منهم فرد أو أفراد ؛ فهذا لا يعني الطعن في المنهج الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، لأن هذا دأب البشر من كل الطوائف ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها .
الصفحة [5]
والآن أتناول في ردي هذا بعضا من المسائل المهمة المطروحة ، وأبينها بالأدلة الواضحة الصريحة ، معرضا عن باقي المسائل التي جاء بها والتي لم أذكرها ، لأن بيانها يطول ، والجريدة تشترط الاختصار في القول ، فالله أسأل أن يوفقنا لذلك ويسدد خطانا لما هنالك ، من الأهوال حيث يظهر الناجي من الهالك ، و السني ، ومن للهوى كان سالك .
1ـ لم يجد الكاتب من الكتب الكثيرة التي تحمل السموم والشرور ، والبدع و الباطل بجميع ألوانه وأنواعه، في السوق الجزائرية إلا بعض كتب أهل السنة ، وعلى رأسها [ كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ] والسبب في ذلك أنه وجد فيه زلة كبيرة خطيرة - زعم - جعلها من السخافة بمكان ، يخاف على الشباب أن يتلقفوها ،وأن تنتشر بينهم فيعتقد وها ، ومن أجل ذلك الخطأ ينبغي أن يرمي الكتاب ويحذر منه ، سبحان الله ؟!
ولي على هذا معه عدة وقفات :
أ- يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في العقيدة عند أهل السنة والجماعة ، وقل أن نجد منصفا بعده إلا وستفيد منه أو يشير إليه ، وقد ارتضاه طائفة من العلماء ، منهم الخطيب البغدادي ، وابن الجوزي ، وابن قيم الجوزي ، وابن تيمية ، والذهبي وابن حجر ، والسيوطي وغيرهم كثير ..
أما صاحب الكتاب فهو سلفي العقيدة وأحد الحفاظ الأعلام من علماء الحديث ، شهد العلماء له بذلك ووصفوه تارة بالحفظ ، والإتقان ، وأخرى بالفهم والإفادة ، أنظر مقدمة المحقق للكتاب المجلد الأول [ ج1/94 ـ 95 ] وشهادات العلماء له بذلك .
ب- أما ما في الكتاب من الآثار فأغلبها منقول بالأسانيد الصحيحة الثابتة ، عن الصحابة والتابعين ، وأتباع التابعين إلى عصر المؤلف ، ولا يوجد إلا القليل من الآثار الضعيفة التي ضعفها أهل العلم ، وهذا دأب كل من صنف ، لا يخلو كتاب من أوهام وأخطاء إلا كتاب الله . وعلى العموم فالكتاب قيم ، وجيد ، والمؤلف برأ ذمته بذكر الآثار مسندة ، فلا لوم عليه بعد ذلك ، لأن الإسناد من الدين ، وهو قد وعاها فأدها كما سمعها..فجزاه الله خيرا أن حفظ لنا تلك الآثار العظيمة.
ج- إن العبارة المنقولة عن أبي حنيفة نقلها غير واحد ممن سبق اللالكائي ، منهم عثمان بن سعيد الدارمي في سننه ، والأشعري في مقالات الإسلاميين ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، ونقلوا أشياء كثيرة نقلت عن أبي حنيفة ، بعضها ثابت بالأسانيد الصحيحة ، وبعضها ضعيف لا يصح نسبته لهذا الإمام ،وقد ضعفوه من جهة حفظه رحمه الله ، منهم البخاري والنسائي ، وابن عدي ، فهل هذا يعني أن نرمي بكتب كل هؤلاء ؟ هذا لا يقوله عاقل . فلو كان صاحب المقال يريد النصح والبيان لتصدى لكل من روى هذه الأخبار عن أبي حنيفة، وبين أسانيدها بالنقد والبيان، فرد الضعيف، وقبل الصحيح، وهذا هو الإنصاف.
الصحفة [6]
د – لقد رد هذه المقالة المنسوبة لأبي حنيفة دون دراسة لأسانيدها دراسة حديثية ، على أن المحقق لكتاب اللالكائي لم يردها بعينها ، وإنما ذكر في الجملة الآثار التي تذكر في أبي حنيفة ، فجاء هو وردها بعينها دفاعا عنه ، وخيرا فعل لو كان قصده بيان الحق . لأننا نحب العلماء والدفاع عنهم ولكن الحق أحب إلينا منهم ، ولا نعتقد العصمة لأحدهم فأبو حنيفة رحمه الله فقيه العراق ، وأحد أئمة الإسلام والسادة الكرام ، وأحد أركان الإسلام كما قال ابن كثير رحمه الله في ترجمته [1].
وصاحبي رد تلك المقالة هكذا بالهوى ، ولو اتّبع طريق أهل الحديث في التحقيق والتدقيق والنقد البناء لكان محقا في اجتهاده حتى لو أخطا الصواب ولكنه لم يفعل ، وهنا أقول له : أرأيت لو ثبتت هذه المقولة عن أبي حنيفة رحمه الله ، فكيف تفعل حينئذ بدفاعك عنه ، وقد انتقص إيمان أبي بكر الصديق ، وجعل إيمانه مساويا لإيمان إبليس ، مع أن إيمانه لو وزن بإيمان الأمة لرجح عليها ؟ فيا سبحان الله !! تدافع عن أبي حنيفة، في أمر أنت غير متثبت منه، ولا تدافع عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أين الإنصاف الذي يقتضي أن نقول بعد النظر في السند. لم تثبت هذه الرواية عن أبي حنيفة ، وعلتها محبوب ابن موسى الأنطاكي أبو صالح الفراء ، قال أبو داود : ثقة ، لا يلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب .[2] قلت محبوب بن موسى ، وثقه جمع من العلماء كما قال ابن حجر ،[3] وعلى فرض صحة المقولة : يقال أخطأ أبو حنفية رحمه الله ،والدليل على خطئه حديث رسول الله في فضل إيمان أبي بكر رضي الله عنه .. وكأن صاحبي ما قرأ فضائل أبي بكر من صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وكتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد وغيرها كثير .. وفضائله رضي الله عنه أكثر من أن تحصى ، ولو كان فيه إلا أنه صاحب رسول الله في الحل والترحال المفضل عنده والمحبب إليه وقد سئل عن أحب الناس إليه فقال:<< عائشة >> فقيل له من الرجال فقال:<< أبو بكر >>[4] وقال فيه :<< لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ..>>[5].
------------------------
1- البداية والنهاية [ج10/107].
2 - قاله الذي اعتنى بنشر تاريخ بغداد [ج13/ ص473]إلا أنه حذف عبارة ثقة.
3 - أنظر تهذيب التهذيب [ج10/ ص48].
4 – البخاري [ح 3662]ومسلم [ح 6130].
5 – البخاري [ح3654 -3656]ومسلم [6123 ـ إلى 6129 ].
الصفحة [8]
أما كتاب شرح السنة للبربهاري فهو كتاب مهم وقيم ، ويقال فيه ما قيل في سابقه ، فالمفروض أن يثني عليهما ، وينصح الشباب بقراءته ، لا أن يطعن فيه بسبب أنه دافع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ورد على طائفة ضالة ظهرت قديما ، ومازال المسلمون يعانون من أذيالها إلى يوم الناس هذا ، وهي التي تسمي نفسها بالقرآنيين ، أي لا يؤخذون إلا بالقرآن . فإذا قال البربهاري : إذا رأيت الرجل تستدل عليه بالحديث [أي النبوي ] يقول لك دع عنك هذا ، وأتنا بالقرآن فاعلم أنه زنديق ، بمعنى لا يقبل حديث النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا ، ولست أدري بماذا سيحكم علي مثل هؤلاء الذين يردون السنة ولا يؤمنون بها ، وهذا مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام :<< لألفين أحدكم على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري ،فيقول : دعونا من هذا وأتونا بكتاب الله ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ..>>[1].
فهذا ما قصده البربهاري رحمه الله ، وليس ما فهمته أنت ، فهل من يدافع عن حديث رسول الله مستنكرا على من لايقبل الاحتجاج بأوامره وسننه مكتفيا بالقرآن يطعن فيه ؛ وفيما كتب ، ياهذا ؟ ويطعن فيمن نشر كتابه ، ويحث المسلمين على قراءته كما فعل العلامة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي انتقصته بذلك . فالله يجازيك على ذلك .
3ـ نسبته إلى الألباني أنه يجيز الزنا على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .. فهذا والله افتراء على الشيخ ، وستكتب شهادته ويسأل عنها يوم القيامة ، وأنا أقطع أنه كذب ، وعندي قرص مضغوط بعنوان الخلال والحرام للألباني يرد فيه على الروافض الذين كذبوا الله في تبرئته لأم المؤمنين عائشة ، ونالوا من عرضها فقبلوا قول أصحاب الإفك ، وردوا كلام
العلي الخبير ، وما عهدنا الشيخ رحمه الله إلا منافحا مدافعا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمهات المؤمنين ، فهو الذي نذر حياته للدفاع عن سنته صلى الله عليه وسلم ومن سنته الدفاع عن عرضه ، وعدم التعرض إلى أمهات المؤمنين بالسوء بعد تبرئة أمنا عائشة رضي الله عنها.
------------------------
1- الحديث ذكر بعضه أبو داود وذكره بعضه الآخر غيره ، انظر له مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي .
الصفحة [9]
قال ابن كثير رحمه الله [1]: وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سب عائشة أو تعرض لها بالسوء ورماها بما رميت به بعد هذا الذي ذكر في تبرئتها في الآيات فإنه كافر لأنه معاند للقرآن. وصاحب المقال ، لم يأت بالنص الذي تلفظ به الشيخ الألباني ، أو الكتاب الذي كتب فيه ذلك ، وإنما ذكر كتابا لنسيب الرفاعي ، ولم يأت بموضع الشاهد منه ، والشيخ الألباني رحمه الله إنما تكلم عن العصمة وأنها لا تثبت شرعا لأحد بعد الأنبياء ، على الخلاف المعروف بين أهل العلم في عصمتهم قبل النبوة في الكبائر والصغائر، وبعدها في الصغائر، ولا يفهم من هذا أن نساء الأنبياء معصومات لذواتهن ، وإنما معصومات لعصمة الأنبياء ، قال ابن كثير رخمه الله : في تفسير قوله تعالى : ﴿ فخانتاهما ﴾ أي في الإيمان ، وليس في الفاحشة ، بل في الدين فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء . وعلى هذا أجمع المفسرون .
قال الأمين الشنقيطي في أضواء البيان فيما أكمله الشيخ عطية سالم[2] في تفسير قوله تعالى : ﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما .. ﴾ قال : أجمع المفسرون هنا أن الخيانة ليست زوجية ، قال ابن عباس : نساء الأنبياء معصومات ، ولكنها خيانة دينية ، بعد إسلامهن ، وإخبار أقوامهن بمن يؤمن مع أزواجهن . فإذا قال أحد أن زوجات الأنبياء غير معصومات لذواتهن وإنما معصومات لحرمة الأنبياء وعصمتهم وكرمهم على الله ، فهذا لا يعني إطلاقا أنه وقع من بعضهن بغي ، فحاشاهن أن يقع ذلك منهن ، نقل القرطبي عن ابن عباس قوله : ما بغت امرأة نبي قط ، ثم قال وهذا إجماع المفسرين فيما ذكر القشيري .
3 ـ ذكر صاحب المقال مستنكرا : جملة من البدع التي يقول بها السلفيون ، أذكر منها ـ الذكر بعد الصلاة ـ فسبحان الله كيف حرف مقصود خير الدين وانلي الذي نقله عن الشاطبي في الاعتصام ، وأطلق عنه القول ببدعية الذكر عقب الصلاة ، مع أنه لا أحد يقول بأن ذلك بدعة ، ولايعقل أن مسلما يقول بذلك بعد ورود الأحاديث الصحيحة فيه ، وإنما الذي ذكره الشاطبي وابن تيمية ، وغيرهما هو الذكر مجتمعين بصوت واحد ، وقراءة الفاتحة بصوت واحد بعد الصلاة ، فهذا الذي قصده خير الدين .
------------------------
1 – تفسيرا ابن كثير [ ج3/277].
2- أضواء البيان[ ج8/381ـ 382].
الصفحة [11]
ثم نقول له : دع عنك التعصب ، وألقي نظرة منصفة في كتاب الاعتصام للشاطبي لترى كثيرا من البدع التي أنكرتها وغيرها مما لم تذكره قد نص الشاطبي على بدعيتها فيه ، وكذلك ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ، وابن الحاج في المدخل ، وعلي محفوظ في الإبداع في مضار الابتداع ، وأبو بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع ، والقشيري في السنن و المبتدعات . فهل ترمي بهذه الكتب وأصحابها وكل من نقل عنها عن قوس واحدة ؟ ثم إن هذه المسائل التي ذكرتها لا تقتضي هذا التهويل في الإنكار، فكان يسعك الخلاف الذي وسع أهل العلم قبلك، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه فوسعه اجتهاد العلماء الذي وسع غيره، وإنما يضيق صدر المرء من ضيق عطنه..
وأخيرا وقفة مع جريدة الشروق وغيرها من الجرائد :
نصيحتي للقائمين على هذه الجرائد أن يسعوا إلى نشر الخير بين الأمة ، وأن يكونوا مفاتيح خير، مغاليق للشر ، ولا يسمحوا لأنفسهم بأن يكونوا معاول هدم ، وجسور فتنة ، وحقول زرع للحقد والبغضاء بين المسلمين ، فيجب عليهم أن يبتعدوا عن نشر كل ما من شأنه أن يسقي بذور الفتنة ، وأشجار الحقد والحسد ، وأن لا يكونوا عونا في التأليب والتحريض لطائفة على طائفة ، ونصرة لفكرة على أخرى ، وأن يبتعدوا عن مواضيع الهمز والغمز ، وأنا أقول إن الفتنة التي كادت أن تعصف ببلادنا طيلة العشرية السوداء يتحمل جزءا من مسؤولياتها أصحاب هذه الجرائد والأقلام ، وإن الفتن والفساد الذي نعيشه ونحياه فإن لكم النصيب الأوفر في وجوده ، وبقائه ، وكان يجدر بكم أن تغطوا المسائل السياسية ، والاجتماعية ، بأمانة وصدق ، أما كتاباتكم في المسائل الدينية وتقدير الرجال وتقديمهم للأمة ، فكان غيركم أولى به ، لأن قلمكم لم يأخذ بقسط من العلوم الشرعية ، يدرك ذلك من مقالاتكم التي تنشرونها ، من شم رائحة العلم ، وكان الأجدر بكم أن تدعوا الكتابة في مثل هذه المواضيع لأربابها ، وتقتصروا في الكتابة على ما خصكم الله به ، ورحم الله الحافظ ابن حجر حين قال : من تكلم في غيرفنه أتى بالعجائب والغرائب . واعلموا أنني النصح قصدت ، والخير أردت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . والسلام عليكم ورحمة الله
وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
يتبع إن شاء الله ....
تعليق