بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فهذا بحث قيم لأخ كبير فاضل أحبَّ أن يخرجه لأخوانه في هذه الشبكة المباركة عسى الله أن ينفع به وكنت أود أن يكون له حساب لكي ينزل بأسمه ولكن قدر الله وما شاء فعل ..
بسـم الله الرحمـن الرحيـــم
حول المجمل والمفصل في كلام الناس :_حمل المجمل على المفصل يُبحث - ابتداء - في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – لأنه لا يكون إلا حقاً فالنبي- صلى الله عليه وسلم- معصوم لا يتضمن كلامه معنىً باطلاً فما كان من كلامه – صلى الله عليه وسلم –مجملاً فيحمل على المبين المفسر من كلامه أيضاً أو من فعله فمجمله ومفصله حق لا يكون باطلاً لكن المجمل يتوقف عن العمل به حتى يتجلى المراد منه بالمفصل المبين .
بينما كلام غيره – صلى الله عليه وسلم – من الناس يجري فيه الخطأُ و الباطلُ والغفلةُ والسهو فما كان مجملاً متضمناً لمعنى باطل أو كان ظاهراً في المعنى السيئ فإننا نردُّه ولا نلجأ إلى قولنا يحمل المجمل على المفصل كما يُفعل مع كلامه – صلى الله عليه و سلم – للفارق البيَّن .
فإن أهل العلم تعاملوا مع إطلاقات العلماء ومجمل كلامهم بالنظر فيه فإن كان متضمناً لباطل أو كان ظاهراً في المعنى السيئ فإنهم يردون هذا المجمل ويحكمون عليه بحسبه خطأً أو بدعةً .
ويأتون بمبين المتكلم الغالب عليه كحكم على حال الرجل ويعتذرون له لا سيما إذا كان من العلماء الحريصين على السنة والاتباع ويعلمون بُعده عن هذا المعنى الباطل لكنهم يردون مجمله السيئ ولا يقبلونه و يعتذرون له لمكانته وفضله هذا في الأموات من أهل العلم أمَّا الأحياء منهم فيطالبون بسلوك طريق البيان وترك الإجمال الموهم للمعاني الباطلة .
وانظر إلى إطلاق حمل المجمل على المفصل على كلام غير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دون النظر إلى هذا المجمل وما تضمنه من معنى باطل أو بدعة كيف يهوّن من شأن إطلاق المجملات ويفتح باباً لتقرير البدع والضلالات تحت هذه القاعدة ولا يخفاك أن الألفاظ المجملة هي تُكأةُ أهل البدع وظلهم الذي يستظلون بمكرهم تحته .
إن إطلاق 1 القول بأنَّ المجمل يحمل على المفصل في كلام الناس الذي لا يخلو من حدوث خطأ أو وهم أو بدعة يجعل المخطئ يتفلت من النقد فراراً إلى المفصل و يقول – دفاعاً – لِمَ تنكرون عليّ ومجمل كلامي يحمل على المفصل !
فهل كان العلماء يتعاملون مع المجمل لا سيما الظاهر في البدعة و المعاني السيئة بما يلهج به القائلون بحمل المجمل على المفصل - مطلقاً – .
إليك ما قاله شيخ الإسلام 2
(( فطريقة السلف والأئمة يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ويراعون أيضاً ألألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة –أيضاً – وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة وردّ باطلاً بباطل )) .
هذه هي طريقة السلف مع الألفاظ فلم يقل – رحمه الله – ومن تكلم بما فيه معنى باطل حملوه على المفصل من كلامه بل قال : ردوا عليه ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً لم يقل هو من أهل السنة يحمل عل المفصل بل قال شيخ الإسلام نسبوه إلى البدعة .
نعم النظر إلى القائل معتبرٌ والتأمل في حاله وطريقته وقصده وعرفه أمرٌ يعتني به العلماء لكن هذا لا يمنع من نقده في إطلاقه والحكم على هذا الإطلاق بحسبه خطأً أو بدعةً بل يجب ذلك إتباعاً لطريقة السلف وحماية من الآثار السيئة للألفاظ المجملة التي يتلفظ بها ولا يتفطن لها إلا العلماء الراسخون فيحكمون على العالم المعلوم نصرته للسُنة وذبه عنها وقد عرفوا سلامة قصده وحسن إتباعه وتوخيه للحق بخطأ هذا الإطلاق وسلامته من لازمه لما عُلم من طريقته وحاله .
وأهلُ العلم يجرون فيما يقررُنه من مسائل العلم على البيان والتفصيل لا على الإجمال والتعمية لا سيما في المضايق ومواطن الالتباس وهذا من سيما العالم أنه يُحسن إيراد ما يريد بحيث يُفهم منه العلم وتُفقه الحجُّة ولذا يقلُّ الإجمال في كلامهم بخلاف أهل الأهواء فإن الإجمال مركبهم في لُجج الإضلال وسبيلهم في نشر باطلهم وأهل النقد من العلماء يحكمون على هذا الإطلاق والإجمال الظاهر في المعنى السيئ بحسبه ويردونه ويأمرون قائله بسلوك سبيل البيان وفق منهج أهل السنة وترك اللبس والإيهام .
فإن فَعل شكروا له ذلك وتأكد لهم سلامة قصده وبُعده عن الهوى وتوخيه للحق وإن لم يفعل وأصرَّ على عبارته عُدّ معانداً قاصداً الهوى لا الحق فيحكمون عليه بحسب خطئه وقرائن أحواله .
وتأمل ما قاله شيخ الإسلام حول الألفاظ المجملة كلفظ الجوهر والعرض والجسم المتضمنة للمعاني الباطلة هل قال رحمه الله تُحمل ممن تكلم بها على المفصل أم ردَّ هذه الإطلاقات لما تحمله من إجمال وإيهام للمعاني السيئة .
قال رحمه الله 3 : (( فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ لَمْ يَكْرَهُوا الْكَلَامَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهِ مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ كَلَفْظِ " الْجَوْهَرِ " وَ " الْعَرَضِ " وَ " الْجِسْمِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ بَلْ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ لِاشْتِمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانٍ مُجْمَلَةٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ )) .
كما قال الإمام أحمد - رحمه الله - في وصفه لأهل البدع 4: ((هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويُلَبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات ووزنتْ بالكتاب والسنة كان ذلك هو الحق بخلاف ما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً في الوسائل والمسائل من غير بيان التفصيل والتقسيم الذي هو الصراط المستقيم وهذا من مثارات الشبه ... ))
فتأمل – طالب العلم – في قول شيخ الإسلام وما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً في الوسائل والمسائل من غير بيان التفصيل والتقسيم كيف جعل هذا الإطلاق المتضمن للباطل المذموم سبيلاً لأهل الأهواء .
فإن قال قائل : فإن أطلق العبارة المتضمنة للمعنى السيئ ثم فصّل ما يريد وفاقاً لأهل السنة , كان الجواب ما تقدم نقله عن شيخ الإسلام في تقرير طريقة السلف حيث قال : (( فطريقة السلف والأئمة يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل يراعون أيضاً الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً )) اه
وإن كان ما يقرره وفق منهج أهل السنة فإن العبارة التي بها إجمال وإيهام للمعنى السيئ أو متضمنة لباطل يجب إبدالها بعبارة لا لَبْسَ فيها ولا إيهام وأكدَّ هذا شيخ الإسلام فقال 5: (( فليس لأحد أن يبتدع اسما مجملاً يحتمل معاني مختلفة لم ينطق به الشرع ويعلق به دين المسلمين ولو كان قد نطق باللغة العربية فكيف إذا أحدث اللفظ معنى آخر)).
والمعنى الذي يقصده إذا كان حقاً عبر عنه العبارة التي لا لبس فيها .
إن هذا الموقف من الأئمة سدٌّ لذريعة تقرير المعاني الباطلة لدى أهل الأهواء عبر طريق الإجمال والإيهام فإنهم لا يستطيعون أن يصرحوا بالباطل المحض وإنما يلجئون إلى الألفاظ المحتملة التي فيها من الحق ما يخادعون به ومن التلبيس ما يغررون ...
قال شيخ الإسلام 6 :(( لا يشتبه على الناس الباطل المحض بل لابد أن يشابه بشيء من الحق )) .
فيقطع الأئمة على هؤلاء طريقهم بزجرهم عن هذا الإجمال و الإطلاق لا سيما في فيما يعود على قواعد الدين بالنقض والهدم.
وكل زمن تنشأ فيه أمور ولأهل الأهواء في كل وقت طرقٌ غامضة .
وتأمل لفظ ( الجبر ) ماذا جرى حوله في زمن الإمام أحمد رحمه الله ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره كيف تعامل معه الأمام أحمد إمام أهل السنة وهو لفظ مجمل ٌ ظاهر في إرادة الباطل وإن قيل أن له معنىً صحيحاً , فمنع الأئمة إطلاق هذا اللفظ المجمل نفياً وإثباتاً وحذّروا منه لما يفضي إلى موافقة أهل الأهواء في باطلهم .
قال شيخ الإسلام 7: (( ولهذا نصّ الأئمة كالإمام أحمد ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره على إنكار إطلاق القول بالجبر نفياً وإثباتاً فلا يقال ( إن الله جبر العباد ) ولا يقال ( لم يجبرهم ) فإن لفظ ( الجبر ) فيه اشتراك وإجمال فإن قيل ( جبرهم ) أشعر أن الله يجبرهم على فعل الخير والشر بغير اختيارهم وإذا قيل ( لم يجبرهم ) أشعر بأنهم يفعلون ما يشآؤون بغير اختيار وكلاهما خطأ )) .
وقال - رحمه الله - 8 : ((وأما الأوزاعي فإنه منع من إطلاق هذا اللفظ وإن عُني به هذا المعنى حيث لم يكن له أصل في الكتاب والسنة فيفضي إلى إطلاق لفظ مبتدع ظاهر في إرادة الباطل وذلك لا يُسَوغ وإن قيل أنه أراد به معنى صحيح !)) .
ثم قال )):وجواب الأوزاعي أقوم من جواب الزبيدي لأن الزبيدي نفى الجبر والأوزاعي منع إطلاقه إذ هذا اللفظ يحتمل معنى صحيحاً فنفيه قد يقتضي نفي الحق والباطل )) .
... إلى أن قال (( فإذا امتنع من إطلاق اللفظ المجمل المحتمل المشتبه زال المحذور وكان أحسن من نفيه وإن كان ظاهراً في المجمل المعنى الفاسد خشية أن يظن أنه ينفي المعنيين جميعاً )) .
وقال - رحمه الله 9- : (( فلمّا كان لفظ الجبر مجملاً نهى الأئمة الأعلام عن إطلاق إثباته أو نفيه ))
وقُل مثل هذا في ألفاظ كثيرة فيه إجمال كلفظ الرزق والتأثير.... وغيرها منع الأئمة إطلاقها نفياً وإثباتاً .
فأئمة أهل السنة لا يقبلون الألفاظ الموهمة للمعاني السيئة وإن كان قائلُها له قصدٌ حسن .
انظر ماذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لبعض من ناظره 10 : (( فقلت له : من قال إن الظاهر غير مراد بمعنى أن صفات المخلوقين غير مراده , قلنا له أصبت في " المعنى " لكن أخطأت في " اللفظ " وأوهمت البدعة وجعلت للجهمية طريقاً إلى غرضهم وكان يمكنك أن تقول : تُمَر كما جاءت على ظاهرها مع العلم بأن صفات الله تعالى ليست كصفات المخلوقين وأنه منزه مقدس عن كل ما يلزم منه حدوثه أو نقصه )) .
فأين حمل هذا اللفظ الموهم المجمل على المفصل بل ترى حرص العلماء على دفع الألفاظ الموهمة وتخطئة إطلاقها واستعمال الألفاظ الصريحة في الحق وتأمل قول شيخ الإسلام : (( وأوهمت البدعة وجعلت للجهمية طريقاً إلى غرضهم )) .
مع أن هذا المتكلم بهذا اللفظ الموهم له معنى حسن غير مُريد للباطل لكن لم يتركه شيخ الإسلام دون نقد لإطلاقه هذا اللفظ المُوهم المُجمل وجعله مُخطئاً في لفظه فكيف بمن عُرف من طريقته وقرائن أحواله أن له معنى سيئا ًيخدم به أهل الأهواء ويُنافح به عن باطلهم .
وقد مرّ بي في مداواة النفوس لابن حزم ذمه للإجمال الظاهر في المعنى السيئ ولو فُسِّر بعدُ وبُيِّن .
قال رحمه الله 11 : (( وأنا أقول إن من وصفي بذلك فقد أجمل الكلام ولم يفسره والكلام إذا أُجمل اندرج فيه تحسين القبيح وتقبيح الحسن ألا ترى لو أن قائلاً قال : إن فلاناً يطأ أخته ! لفحش ذلك ولاستقبحه كل سامع له حتى إذا فُسّر فقال : هي أخته في الإسلام ظهر فُحش هذا الإجمال وقبحه)) .
لم يقل ابن حزم حتى إذا فسّر زال الحرج والملام بل قال حتى إذا فسّر ظهر فحش هذا الإجمال وقبحه .
أنظروا – يا قوم - مجملٌ ويُوسَم بالفُحش والقبح ومع ظهور قبح قول القائل : ( فلان يطأ أخته ) إلاّ أنه لا يزال في اللفظ إجمال لاحتمال أن يكون المراد أخته في الإسلام .
فتأمل تعبير العلماء في إطلاق لفظ المجمل على ما كان ظاهراً في المعنى السيئ ودفع هذا الإجمال وردُّه ولا يتسلُّون عن هذا الزجر للمجمل بأنه له تفسيراً حسناً !
وانظر إلى موقف الإمام أحمد - رحمه الله - مع أحمد ابن رجاء لمّا أطلق لفظ (( الجبر )) وهو لفظ مجمل مع أن أحمداً كان في صدد الرد على رجل قدري وأحمد بن رجاء من أهل السنة أنظر كيف زجره الإمام أحمد وأمر المسلمين بهجره .
قال أنبائنا المروذي قال : كتبت إلى عبد الوهاب في أمر حسن بن خلف العكبري وقال : إنه تنزه عن ميراث أبيه فقال رجل قدري : إن الله لم يجبر العباد على المعاصي فردّ عليه أحمد بن رجاء فقال : إن الله جبر العباد على ما أراد أراد بذلك إثبات القدر فوضع أحمد بن علي كتاباً يحتج فيه فأدخلته على أبي عبد الله فأخبرته بالقصة فقال : ويضع كتاباً !! وأنكر عليهما جميعاً على ابن رجاء حين قال : جبر العباد وعلى القدري لمّا قال : لم يجبر وأنكر على أحمد بن علي بن رجاء في وضعه الكتاب واحتجاجه وأمر بهجرانه لوضعه الكتاب وقال لي : يجب على ابن رجاء أن يستغفر ربه لمّا قال جبر العباد فقلت لأبي عبد الله فما الجواب على المسألة ؟
قال : يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء
قال المروذي في هذه المسألة أنه سمع أبا عبد الله لمّا أنكر على الذي قال لم يجبر وعلى من ردّ جبر فقال أبو عبد الله : كلما ابتدع رجل بدعة اتسعوا في جوابها وقال : يستغفر ربه الذي ردّ عليهم بمحدثة وأنكر على من ردّ بشيء من جنس الكلام إذا لم يكن له فيها إمام مقدم .
قال المروذي : فما كان بأسرع من أن قَدُمَ أحمد بن علي بن رجاء من عكبر ومعه مشيخة وكتاب من أهل عكبر فادخل أحمد بن علي على أبي عبد الله فقال : يا أبا عبد الله هو ذا الكتاب ادفعه إلى أبي بكر حتى يقطعه وأنا أقوم على منبر عكبر وأستغفر الله عز وجل فقال أبو عبد الله لي : ينبغي أن تقبلوا منه فرجعوا إليه .إه
وفي قصة الإمام أحمد مع أحمد بن رجاء فوائد وعِبَر لمن تأمل انظر إلى قوة الإمام أحمد في السنة وإغلاق الباب بإحكام أمام الألفاظ المجملة المتضمنة لمعان باطلة حماية للدين وقطعاً لطريق أهل الأهواء القائم على الإجمال والتعمية وإن كان المتكلم بهذا اللفظ المجمل ينصر السنة في نظره ويرد على أهل البدع في ظنه .
لم يقل الإمام أحمد : أحمد بن رجاء من أهل السنة معلومٌ طريقه ومسلكه وله مفصل حسن يُحمل عليه !!
بل بادر بالإنكار لهذا اللفظ الموهم للبدعة وزجر أحمداً وأمر الناس بهجره لأنه لم يكن ساكتا عما يعتقد بل أخرج للناس كتابا مُقررا فيه أن الله جبر العباد على ما أراد فكان بذا داع إلى هذا اللفظ المحدث فكان من الإمام أحمد هذا الزجر الشديد آمرا الناس بهجره وتركه .
وتأمل أنه لم يغفر لابن رجاء كونه يرد على قدري وهو خصم لأهل السنة جميعا فمن رام أن يرد على أهل الأهواء فلا يرد بدعة ببدعة .
وأهل السنة ليسو بحاجة إلى أن يتسعوا في جواب أهل البدع فعندهم من الحق الأبلج الواضح ما يغنيهم عن غياهب المجملات ومغبة الإطلاقات , وتأمل رعاك الله أن الإمام أحمد لم يزجر ابن رجاء تاركا الحق غامضا بل دل الأمة إلى الحق من كتاب الله فقال مجيباً عن المروذي حين سأله عن جواب المسألة قال : يضل من يشاء ويهدي من يشاء , فما أخصره من جواب وما أقوى حجته ومن لم يقنع به فلا قنع .
إن أمتنا ترزأ في أحيان كثيرة بمن كثر كلامه وقل علمه وضعفت بصيرته وتعمق وتكلف , ورضي الله عن عبد الله بن مسعود لما وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ... أبرُّ هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا ) .
وانظر إلى ما قال شيخ الإسلام شارحا : ( وأصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم أكمل الناس علما نافعاً وعملا صالحاً أقل الناس تكلفاً يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف ما يهدي بها أمة وهذا مِنْ مِنَنِ اللَّهِ على هذه الأمة , وتجد غيرهم يحشون الأوراق من التكلفات والشطحات ما هو أعظم الفضول المبتدعة والآراء المخترعة لم يكن لهم في سلف إلا رعونات النفوس المتلقاة ممن ساء قصده في الدين ) إه .
إنه التكلف الذي صير من لم يقف عند الكتاب والسنة وفهم السلف إلى الوقوع في مزلة الآراء وحمأة البدع , قال الشاطبي في الموافقات 12: (( ومن طِماح النفوس إلى ما لم تكلف به نشأت الفرق كلها أو أكثرها )) .
إننا نعيش اليومَ معاركَ ألفاظٍ مُجملةٍ ما أن يقرر الحق في لفظ حتى يقحم لفظ آخر وبدل أن نثبت على الحق في لزوم سبيل الألفاظ الشرعية قد يجاري بعضنا القوم في ألفاظهم التي يشاغبون بها .
وانظر إلى ما قال ابن أبي العز في شرحه للطحاوية 13 : ( والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة ) .
فهذا حسن البنا يأتي بقاعدة ( نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ) وهي قاعدة تمييع للمنهج السلفي وإذابة لجهود الأئمة في منافحة الباطل وأهله , ويأخذ قوس التقرير لهذه القضايا العظيمة مغرراً بكثيرين وهو ليس بارياً لها فيتصدى العلماء الراسخون لمقالته المطلقة وينكرونها ويقررون الحق في مثل هذا الباب العظيم مفصلاً مبيناً .
ويستمر التلبيس بمثل هذه الإطلاقات وتلكم الإجمالات التي هي مطية القوم حتى يأتي من ينتسب إلى المنهج السلفي ومن بابته يتكلم فيقرر عدنان عرعور ( نصحح ولا نجرح ) ويأتي أبو الحسن المصري بـ ( نصحح ولا نهدم ) ألفاظ مطلقة تعود على قاعدة في الدين عظيمة وكليةٍ من كلياته ودعامةٍ من دعائمه وهي ( جرح المجروحين وتنقية طريق السنة من شوائب الأهواء والبدع والمضلين ) تعود عليها بالنقض والهدم وقد بذل المحدثون وغيرهم من العلماء جهودا كبيرة وأعمارا طويلة ورحلات مضنية لوضع الأمور في نصابها وإنزال الناس منازلهم قدحا ومدحا جرحا ونصحا ولولا تهيئة الله سبحانه لهؤلاء الحماة لأدخل من شاء في الدين ما شاء .
وضَبط هذا الباب بما قرره العلماء وأُحكم وجعلوا لمن يتصدى له شروطا كي لا يلج فيه متطفل أو يحمل أعباءه مدَّع وأعطوا مفتاحه لمن رسخ فيه المتبصر بأحوال أهل الأهواء وطرقهم .
فباب نقد المخطئين وبيان مواطن الزلل في كلامهم أو كتاباتهم يشمل من كان منتسباً إلى السنة فإن فاء إلى الحق والصواب فهذا الظن بمن طريقه السنة وشأنه الإتباع , وإن استمر في باطله معاندا للحق وأهله فهذا مُشاقٌ لطريق السنة راكب للهوى , فمن أعطى المنتسب إلى السنة أماناً من الزلل وسياجاً له من النقد ؟!.
فالعلماء يترفقون بمن علموا من طريقه وسيره محبة السنة فينبهونه على خطأ إطلاقه تلكم العبارات التي تفتح لأهل الأهواء طريقا لغرضهم السيئ ويبالغون في أخذه إلى الحق بسلوك سبيل البيان والتفصيل ولا يجعلون من معرفتهم بهذا المتكلم مانعا من زجره عن الإجمال الموهم للمعاني الباطلة ولا يعطونه لكونه منتسبا إلى السنة إذنا بأن يجمل متى شاء ويطلق من الألفاظ كيفما شاء .
وانظر إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 14 : ((وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها وإثباتها فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده ، فإن أراد معنى يوافق خبر الرسول أقر به وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره ، ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده بها بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي , فإن كثيرا من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة )) .
فتأمل قوله رحمه الله ( ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده منها ) ترى شيخ الإسلام يغلق الباب أمام الألفاظ المجملة المشتبهة وليعبر المتكلم بالعبارات التي لا إجمال فيها ولا تعمية لا أن نقف عند كل لفظ مجمل حتى نستوفي البحث عن مفصله , تاركين للفظ المجمل صولته وفتنته ، ونقرر ذا قاعدة ( يحمل المجمل على المفصل ) توهينا من خطر تلكم الألفاظ المجملة التي حذر منها السلف ووصموا بها أهل الأهواء , وتأمل بصرك الله جواب الشيخ الفقيه ابن عثيمين رحمه الله عند أن سئل عن قول بعضهم ( إن الله تعالى في قلب المؤمن ) فأجاب : وأما قولهم إن الله تعالى في قلب المؤمن فهذا لا دليل عليه من كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحدٍ من السلف الصالح فيما نعلم وهو أيضا على إطلاقه باطل فإنه إن أريد به أن الله تعالى حال في قلب العبد فهو باطل قطعا فإن الله تعالى أعظم وأجل من ذلك , ومن العجائب _ والعجائب جمة _ أن ينفر شخص مما دل عليه الكتاب والسنة من كون الله تعالى في السماء ثم يطمئن بما لم يدل عليه الكتاب والسنة من زعمه أن الله تعالى في قلب المؤمن إذ ليس في الكتاب والسنة حرف واحد يدل على ذلك .
وإن أريد بكون الله تعالى في قلب العبد المؤمن أنه دائما يذكر ربه في قلبه فهذا حق ولكن يجب أن يُعَبَرَ عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنه المدلول الباطل فيقال مثلا : إن ذكر الله تعالى دائما في قلب العبد المؤمن .
.... فليحذر المؤمن من إنكار ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه السلف إلى عبارات مجملة غامضة تحتمل من المعاني الحق والباطل وليلتزم سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار حتى يدخل في قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) .15
إطلاق قول ( إن الله تعالى في قلب المؤمن ) إطلاق باطل كما عبر الشيخ رحمه الله وإن كان قد ذكر لها معنى حسنا لكن العبارة ظاهرة في المعنى السيئ فأين حمل المجمل على المفصل مع قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إطلاق باطل .
وهل تأملت قوله في الجواب : ( ولكن يجب أن يعبر عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنها المدلول الباطل ) وهذا هو البيان الذي يأمر به أهل السنة كل من تكلم بالألفاظ المجملة لا أن يبحثوا وراء سراب المفصل ولتعمل تلكم الألفاظ المجملة عملها في نصرة الباطل وإزاحة الحق وأهله .
وقد قال الأمام أحمد في هشام بن عمار السلمي : طياش خفيف ، فقال الذهبي : أمّا قول الإمام فيه طياش فلأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته : (( الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه )) فهذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها وإن كان لها معنى صحيح لكن يحتج بها الحلولي والإتحادي .16
وفي ميزان الاعتدال 17: إن المروذي سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن قول هشام بن عمار في خطبة كتابه : الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه
فقال : هذا جهمي الله تجلى للجبال يقول هو : تجلى لخلقه بخلقه إن صلوا خلفه فليعيدوا صلاتهم .
قال الذهبي لقول هشام اعتبار ومساغ ولكن لا ينبغي إطلاق هذه العبارة المجملة .
فأين حمل المجمل على المفصل مع إدانة الإمام أحمد بن حنبل لهشام بن عمار السلمي بهذه اللفظة المجملة التي يحتج بها أهل الأهواء والبدع من حلوليةٍ وإتحاديةٍ وتأمل فيما علق به الذهبي بقوله هذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها وإن كان لها معنى صحيح .. لم يقل رحمه الله هذه الكلمة مجملة تحمل على المفصل من أنَّ هشاماً محدثٌ و معروفٌ بالسُنة فلا يؤاخذ بعبارته .
ولو فتح الباب لولوج هذه القاعدة حمل المجمل على المفصل في كلام الناس لطابت السلامة لكلِّ مُبطلٍ ولتفلت كل صاحب هوى إذا ما ضيق عليه علماء السنة إلى رحاب المفصل .
بل الحقَّ أن يحكم على هذه العبارة المجملة بحسبها خطاءً أو بدعةً وأن يزجر قائلها عن هذا الإجمال ويؤمر بسلوك طريق البيان .
وهل يحكمون على قائلها بما تقتضيه هذه العبارة المجملة وهى ظاهرةٌ في المعنى السيئ ؟
هذا يخضع لنظر العلماء فيما تفضي إليه هذه الكلمة ويدرسون حال المتكلم بها هل هو صاحب سنة وإتباع وإنما وقع منه هذا فلتةً وخطاءً أم هو صاحب هوى يسعى في باطله عبر طريق المجملات .
وسبيل العلماء هو بيان الحق لمن زلَّ لسانه أو قلمه فمن فاء إلى الحق والصواب وتبرأ من هذه الألفاظ المجملة وقرر الحق واضحاً جلياً قبلوا منه ورجوعه إلى الحق دالٌ على بعده عن الهوى وسرعة فيئته دالةٌ على طلبه للحق وتوخيه .
ومن عاند الحق ودافع نصح العلماء حكم عليه بحكم أهل الأهواء .
هذا - أيها الموفق - فيما يقع منه إطلاق لفظة مجملة ظاهرة في المعنى السيئ فكيف فيمن ينصب نفسه مؤصلاً لقاعدة تفتح الباب للتساهل في إطلاق الألفاظ المجملة وتعطي المتكلم أماناً إذ ستحمل عباراته المجملة على المفصل .
وإذا أردت أن تبين مدى أدراك أبى الحسن المصري لخطر الألفاظ المجملة المتضمنة للمعاني الباطلة أنظر إلى تعامله مع عبارة (( نصحح ولا نجرح )) التي ينادي بها عدنان عرور .
قال أبو الحسن المصري المأربي : فإن كان المراد بكلامه هذا (( نصحح ولا نجرح )) فيرجع إلى قصد عدنان في ذلك .
فإن كان قصده إغلاق باب الجرح والتعديل الذي هو سيف الله المسلول في وجوه أهل الزيغ والضلال ومنع استعماله من الطريقة الصحيحة فهذا قولٌ باطل – وما أظنه يقول هذا – وإن كان قصده نصحح خطأ المخطئ من أهل السنة بنصحه قبل تجريحه والتشهير به ومحاولة إسقاطه – كما هو موجود الآن – فحيهلا بهذا المعنى ...))
عبارة عدنان (( نصحح ولا نجرح )) عبارة باطلة أنتقدها مشائخ أهل السنة وعلى رأسهم ابن عثيمين رحمه الله وقال أنها قاعدة مداهنة فمن استحق الجرح جرِّح – وإن كان ينتسب إلى السنة – والقائمون على باب الجرح والتعديل علماء سنة يعرفون من الذي يستحق الجرح ومن الذي ينفعه النصح ولهم الخبرة والبصيرة بحيل أهل الأهواء وطرقهم ولا ريب أن أهل الأهواء يضيقون غاية الضيق من هذا الباب العظيم لعلمهم بأنهم مجروحون وودوا لو يزول الجرح والطعن من الوجود وليبق العتب والملام لكل من يعمل – زعموا – في دائرة الإسلام !! إن أخطاء مهما بلغ خطأه ، فرموا بما بذله أهل السنة والجماعة في الرد على أهل البدع من جهود عظيمة أدراج الرياح (( إذ تطهير سبيل الله ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدواتهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمهم الله لدفع بغي هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً وأما أولئك يفسدون القلوب ابتداءً)).18
فعلماء السنة يردون هذه العبارة ( نصحح ولا نجرح ) لما تحمله من هدم لجهود عظيمة بذلها العلماء المخلصون في بيان عوار أهل الأهواء وقبح أحوالهم ،ووصفها الشيخ الفقيه ابن عثيمين بأنها قاعدة مداهنة ولم يلجأ – يا أبا الحسن – إلى التفصيل إن أراد كذا فكذا بل ردَّ هذا الإطلاق لما يحمله من معنى سيئ يفرح له أهل البدع وتبرق له أسارير وجوههم والذي حمل أبا الحسن على هذا الجواب المتكلف لعبارة عدنان عرعور(( نصحح ولا نجرح )) أنها تلتقي مع عبارته (( نصحح ولا نهدم )) ولما عجز أن يمنع هذا الالتقاء ذهب يدافع عن عبارة عدنان ملقياً نقد علماء السنة لها وراء ظهره وبدل أن يزجر عدنان عرعور عن هذا الإطلاق السيئ كما فعل العلماء الناصحون ذهب يبحث له بل ولنفسه عن المخارج .
ولمَّا ردَّ الشيخ ربيع – وفقه الله – عليه عبارته (( نصحح ولا نهدم )) بأنها قاعدة عدنان عرعور ، تأمل في جواب أبي الحسن لِتَعلمَ تمويه هذا الرجل واستخفافه بمن يقرأ له قال : لو سلَّمنا بأنها نفس مقالة عدنان عرعور وأنها تسير معها حذو القذة بالقذة فهل كل ما قاله عدنان عرعور ليس بصحيح ؟!! ألسنا نقبل الحق ممن قاله ...)) .
وهذا غريب لأن الذي قاله عدنان – هنا – ليس بحق فماذا تريدنا أن نقبل منه .
ثم أخذ أبو الحسن يدلل على قبول الحق ممن قاله !!! .
فأقول : إنما كان عدنان عرعور مبطلاً بهذه القاعدة ونحوها فأي حق عند عرعور تريد أخذه والبحث حول عبارته (( نصحح ولا نجرح )) وهى عبارة خاطئة .
فليثبت أبو الحسن أن عبارة عدنان عرعور حق وأنى له ذلك وقد أنتقدها مَنْ عَلِمَ بها من علماء السنة ثم يأتي البحث الآخر وهو قبول الحق ممن جاء به لكنك تقبل باطلاً انتقده العلماء من مبطلٍ جَرّحوه وأدانوه ، وإذا ما ضُيِّق على عدنان عرعور وأمثاله في هذه العبارات الباطلة لجأ إلى أنه يقصد كذا وكذا .
فلِمَ لا يتخير للمقصد الحسن عبارة صريحة بعيدة عن الإيهام الذي يتعلق به أهل الأهواء .
ثم لا تكن غافلاً على أن مواقف المرء وطريقته وأحواله تدل على مقاصده وما يضمر من خير أو شر .
ومعرفة ذا للعلماء الراسخين العارفين بطرق أهل الأهواء وتلبيساتهم .
ويقال لهؤلاء لماذا هذه القواعد الموهمة في وقت يشتد كيد المبتدعة وحربهم لأهل السنة وتشويه دعوتهم بأنهم أهل طعن وتجريح ويجاهدهم علماء السنة ببيان انحرافهم وزيغهم و يجرحونهم كما جَرَّحَهُم سلف الأمة ودونوا ذلك في كتبهم .
فإذا صاح العلماء بانحراف داعيةٍ وبينوا ضلاله فلتكن منه على حذر فهم النصحة للأمة الأمناء على الشريعة قال تعالى : { فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }19 .
أمَّا قول أبي الحسن المتقدم في توجيه عبارة عرعور (( نصحح ولا نجرح )) : وإن كان قصده إننا نصحح خطأ المخطئ من أهل السنة بنصحه قبل تجريحه والتشهير به ومحاولة إسقاطه – كما هو موجود الآن – فحهيلا بهذا المعنى .
فالرد عليه أن علماء السنة القائمين على هذا الباب العظيم يرجون رجوع أهل البدع الظاهرة عن بدعهم ومقالاتهم إلى الحق فضلا عمن ينتسب إلى السنة والمنهج السلفي !! .
إنهم يحرصون غاية الحرص على نصح المخطئ وأخذه إلى الحق وقد يقضون في هذا أوقاتاً طويلةً قد تصل إلى بضع سنين ولا يلجؤون إلى تجريحه والتحذير منه إلا إذا علموا إتباعه للهوى وعناده للحق كما قال الشاطبي في الاعتصام 20 : حتى إذا عاندوا وأشاعوا الخلاف وأظهروا الفرقة قوبلوا بحسب ذلك ..)) .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية 21:فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق وقد سلك طريقه ، وأمَّا متبع الهوى المحض فهو من يعلم الحق ويعاند عنه )) .
فعلماء السنة يسعون في نجاة المخطئ وسلامته من الزيغ وهو يسقط نفسه بتمسكه بالباطل وعناده للحق.
فهل – يا هذا – يتركونه يدعو إلى باطله ويغرر بمن حوله لا سيما وهو ينسب نفسه إلى أهل السنة – بدعوى (نصحح ولا نجرح ) أو نصحح ولا نهدم ).
فما استراب فيه الشباب من حال بعض الدعاة نقلوه إلى العلماء وسألوا عنه فينظر العلماء في كلامه أو في كتبه ويناصحونه بحسب المعلوم من حال الرَّجُل ، فإذا ما أصر على باطله حذر منه العلماء كي لا ينخدع بكلامه من يسمع له أو يقرأ .
فليس ثمة محاولة إسقاط كما يدعي أبو الحسن فمن هذا الذي حاول علماء السنة أن يسقطوه سمِّ لنا ؟! .
ما أسقطوا إلا من دعا إلى باطله وخاصم أهل السنة فتكلم وكتب فردُّوا عليه من أشرطته وكتبه بأرقام الصفحات ليست هى محاولة إسقاط وإنما الحقُّ الذي يصدر من العلماء هو حكم بسقوط هذا الرجل إذ لم تجدي محاولة إصلاحه فتـأمل .
وما أختم به هذه الكتابة في التحذير من قاعدة حمل المجمل على المفصل في كلام الناس وبيان خطر هذه القاعدة في تسويغ مقالات أهل البدع واستتار أصحاب هذه المجملات وراء المفصل كي يوهن باب الجرح للمجرحين .
ما قاله ابن القيم الجوزية في الصواعق المرسلة 22:
فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المُشتبهة ولا سيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة فكيف أنضاف إلى ذلك هوى وتعصب فسل مثبت القلوب أن يثبت قلبك على دينه وإلا يوقعك في هذه الظلمات )) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتبه أبو مصعب السلفي في أوائل عام 1426 هـ ثم أضفت عليه ما تيسر في عام 1429 هـ
وهذا رابط بملف وورد
GFH3GJ9.doc - 107.5 Kb
1- قاعدة .والحمد لله رب العالمين
كتبه أبو مصعب السلفي في أوائل عام 1426 هـ ثم أضفت عليه ما تيسر في عام 1429 هـ
وهذا رابط بملف وورد
GFH3GJ9.doc - 107.5 Kb
2 - درء تعارض العقل و النقل (1 – 145 ) .
3 - مجموع الفتاوى (3-307) .
4 - في رسالته الرد على الزنادقة والجهمية .
5 - مجموع الفتاوى (17 / 31 .
6 - مجموع الفتاوى ( 8 / 37 ) .
7 - مجموع الفتاوى ( 7 / 237 ) .
8 - مجموع الفتاوى ( 13 / 324 ) .
9 - مجموع الفتاوى (8 / 131 ) .
10 - مجموع الفتاوى (6 / 358 ) .
11 - ( 110 ) .
12 - (2 \ 89 ) .
13 - (70\ 71) .
14 - (12\114) .
15 - سورة التوبة الآية ( 100 ) .
16 - في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي (11/431) .
17 - ( 4 / 304) .
18 - مجموع الفتاوى ( 28 / 231)
19 - في سورتي النحل (43) و الأنبياء (7) .
20 - ( 427 ) .
21 - (101-102) .
22 - (3 /925 ) .