الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :
فإن الردّ على أهل البدع وبيان باطلهم وانحرافهم والتحذير منهم أصل أصيل ، وركن ركين من أصول الدين ,وذلك بالضّوابط الشرعية ، والحدود المرعية ، فالردّ على المخالفين سواء أكانوا من الكافرين ،أو المبتدعة والمنافقين، أو غيرهم من الضالين المنحرفين ،نوع من الجهاد في سبيل الله تعالى ، بل هو أفضل من الذبّ بالسيوف في سبيله تعالى ، وهو من أفضل القربات وأعظم الطاعات[1].
قال يحيى بن يحيى شيخ البخاري ومسلم : الذّبُّ عن السُّنّة أفضلُ من الجهاد في سبيل الله، وقال محمد بن يحيى الذهلي: قلتُ ليحيى: الرجلُ ينفِقُ مالَه ويُتْعِبُ نفسَه ويجاهد، فهذا أفضلُ منه؟! قال: نعم بكثير!.
وقال الحميدي شيخ البخاري : والله ! لأن أغزو هؤلاء الذين يَرُدُّون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إلي من أن أغزو عِدَّتهم من الأتراك"، يعني بالأتراك: الكفار.[2]
وقال ابن هبيرة -في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في قتال الخوارج- : وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين؛ والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح؛ وحفظ رأس المال أولى.[3]
قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: " المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله.[4].
وقال ابن القيم رحمه الله: والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسّيف والسّنان.[5]
وهو من أهمّ أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والآيات والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ، وما ذاك إلا لأهميّته وشدّة الحاجة إليه.
وهو من باب القيام بما أوجب الله على أهل العلم ، وهومن أهمّ أبواب النصيحة للإسلام والمسلمين ،ففيه إظهار للسنّة، وتحذير من البدعة والمبتدعة، وقضاء على الفتنة، واستبانة سبيل المجرمين.
والردّ على المخالفين لا يكون عملا صالحا مقبولا إلا إذا أريد به وجه الله تعالى ،وبيان الحق وإظهاره ، ورحمة الخلق وهدايتهم ، قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضرّ عليهم[6].
وقال ابن تيمية - رحمه الله -:ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن رحمه الله أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً.[7]
وهذه الحلقة الأولى في بيان بعض ضلالات وانحرافات محمد راتب النابلسي الذي كثر شرّه، وانتشر ضلاله وبالأخصّ عبر القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي ، وسنبيّن في هذه الحلقة والتي تليها بمشيئة الله من الحلقات أنه على عقيدة باطلة ونحلة فاجرة ، وأنه قد جانب الصواب في غير ما مسألة ، عقدية ومنهجية ،منها :
أنه على عقيدة التفويض التي هي من أخبث وأشرّ مايكون مما قاله واعتقده أهل البدع والإلحاد كما قاله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله[8]، وغيرها من انحرافاته وضلالاته ،والله المستعان ،وعليه التكلان ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
فأقول بالله مستعينا :
قال محمد راتب النابلسي عفا الله عنه : (( فهناك من أنْكر الصِّفات، وعُرفوا بالمُعَطِّلة، وهناك من جَسَّدها وهم المُشَبِّهَة، وهناك من فَوَّضَ تفْسيرها إلى الله عز وجل، وهناك من أوَّلها تأويلاً يليق بِكَماله.
في الحقيقة نحن مع الفريقين الأخِيريْن، الذين فَوَّضوا، والذين أوَّلوا، وربَّما كُنَّا بِحاجَة إلى التأويل، فإذا قلنا: إنّ الله سميعٌ، أي يعْلم ما تقول، وبصير يعلم ما تفْعل، وإذا قلنا: يدُ الله، أي قُدْرَتُه، وإذا قلنا: وجاء ربّك، أي وجاء أمْر ربِّك، وهكذا نُؤوِّل بما يليق بِكمال الله تعالى، أو نُفَوِّض حيث نقول: هذه الآية نُفَوِّضُ تأويلها إلى الله تعالى، نحن آمنَّا بالله عز وجل، والله تعالى أخْبَرَنا أنَّ لهُ سمْعاً وبَصَراً، نُفَوِّض إلى الله آية السَّمْع والبصر، أو أنَّنا نُفَسِّرهما بما يليق بالله عز وجل)).[9] اهــ
قلت : أولا :
من معتقد أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة في أسماء الله تعالى وصفاته أنهم يثبتون لله تعالى ما أثبت لنفسه في كتابه العزيز، و ما أثبت له رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في سنّته المطهّرة من الأسماء الحسنى والصفات العلا من غير تحريف ،ولا تعطيل ،ولا تكييف ،ولا تمثيل، وقولهم في ذلك كما أخبر عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ] (الشورى: 11] ، و قولهم في ذلك أيضا قول أئمة الهدى من الصحب الكرام وأئمة الإسلام والأعلام فطوبى لمن بهديهم قد اهتدى.
ويثبتون معاني الأسماء والصفات ويؤمنون بها ،ويفوضون الكيفية أي: يثبتون الألفاظ ومعانيها التي دلت عليه ، ويفوضون العلم بكيفية ذات الله سبحانه.
فنؤمن بأن الله جل في علاه له عينين وله يدين وله ساق ونحو ذلك من صفات الجلال والكمال ، وهكذا أيضا مستو على عرشه ، استواء حقيقيا يليق بجلاله سبحانه ،وقد بلغت عشرات بل المئات الأدلة على علوّه سبحانه ، وهذا الاستواء ليس كاستواء البشر أو غيرهم من المخلوقات.
ولكن كيفية الاستواء مجهولة بالنسبة لنا ؛ لأن الله استأثر علمها عنده سبحانه، فأخبرنا أنه مستو على عرشه جل جلاله ولم يخبرنا كيف استوى عليه ، فإننا نفوّض الكيفية إلى الله تعالى ،ونؤمن بالمعنى ، ولنقف حيث وقف السّلف ،ولا نزد على ذلك ،ولا نحِد عما كانوا عليه من المعتقد ، وليسعنا ما وسعهم، كما قال الإمام مالك[10]رحمه الله وغيره من أئمة الإسلام لما سئل عن الاستواء : "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة"
فقوله: "الاستواء معلوم"، أي: العرب تعرف وتدرك معنى ذلك، وهو الذي بمعنى علا وارتفع ،كما جاء في صحيح البخاري عن أبي العالية رحمه الله ، وهو دليل على عدم تفويض السلف لأصل المعنى، كما هي عقيدة شرّ أهل البدع والضلال ، وإنما فوّضوا العلم بكيفية الاستواء وهكذا في بافي الصفات ، ولهذا قال : " والكيف مجهول ،أي: تفويض الكيفية لا المعنى.
وقوله: "والايمان به واجب" : لأنه دلّ عليه كتاب الله وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله :"والسؤال عنه بدعة" : أي: لم يسأل أحد عن كيفيّة صفات الله تعالى لا في زمن النبوّة ولا في أيام وجود الصحب الكرام رضي الله عنهم ،بل حتى كفار قريش على كفرهم وشركهم لم يعارضوا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأسماء والصفات ، بل أقروا بذلك الا اسما وهو :"الرحمن"،لأنهم لا يعرفون به إلا رحمن اليمامة وهو : عدوّ الله مسيلمة الدجال الكذاب، ولم ينكروا مادلّ عليه من الصفة القائمة به سبحانه وهي:"الرحمة"، حتى جاء هذا الفاجر الشقيّ ففعل مافعل .
ولهذا لما سأله غضب رحمه الله أيّما غضب ، وصار العرق يتصبّب عليه من شدّه ماقاله ذلكم الشقيّ ، وبقي مدة من الزمن وهو كذلك حتى أمر رحمه الله بإخراجه من المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، خوفا أن يفتن الناس في دينهم ، وتعزيرا له ، وعظة وعبرة لغيره.
وما أحسن ماقاله إسحاق بن راهويه رحمه الله : جمعني وهذا المبتدع –يعني: إبراهيم بن أبي صالح- مجلس الأمير عبد الله ابن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النـزول فسردتها.
قال ابن أبي صالح: كفرت برب ينـزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء .
وحينئذ يتبيّن لنا جليّا بعد هذا الكلام المختصر الذي هو أشدّ الاختصار والذي يليه أن النابلسي -ومن حذا حذوه من أهل البدع- ليس على سنة النبي صلى الله عليم في باب الأسماء والصفات ، وإنما هو على طريقة أهل البدع والضلال الذين هم من أشرّ الطوائف وأخبثهم في هذا الباب.
ولم يثبت عن سلفنا الصالح أنهم أولّو صفات الباري تعالى أو حرّفوها عن معانيها , بل كلهم مجمعون على معانيها من غير تأويل وقد اشتهر ذلك عنهم حتى تتابع ذكر ذلك عن جماعة من أهل العلم على مرّ الأيام والليالي من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحاضر.
ثانيا :
وإليك أخي القارئ بعض كلام أهل العلم المعتبرين في أن التفويض يكون في كيفية صفات الباري لا في الألفاظ والمعاني :
1 ـ سئل الإمام أبو حنيفة رحمه الله عن نزول الرب جل وعلا فقال : ينزل بلا كيف.[11]
2 ـ قال الأوزاعي رحمه الله : كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من صفاته.[12]
3 ـ قال سفيان بن عيينة رحمه الله : كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل.[13]
4 ـ قال الإمام حماد بن بي حنيفة : قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل :(وجاء ربك والملك صفاً صفا) ؟
قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً ،وأما الرب فإنا لا ندري ما عني بذلك؟ ، ولا ندري كيف مجيئة؟ .
فقلت لهم: إنا لم نكلّفكم أن تعلموا كيف جيئته ،ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئة ، أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفا ما هو عندكم!؟
قالوا: كافر مكذّب.
قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه يجيء ،فهو كافر مكذب.[14]
5 ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله : القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل مالك وسفيان وغيرهما ، ... وأن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلفه كيف يشاء ، وينزل إلى السماء الدنيا كيف يشاء ... وذكر سائر الاعتقاد.[15]
6 ـ وعن الوليد بن مسلم رحمه الله قال: سألت سفيان والأوزعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: نمّرها كما جاءت.
7 ـ قال الإمام أبو عيسى الترمذي -معلقا على حديث :إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها- : قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا قالوا : قد ثبتت الروايات في هذا ونؤمن به ولا نتوهم ولا نقول كيف ؟ هكذا روى عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف ، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.[16]
8 ـ قال الإمام أبو الحسن الأشعري .رحمه الله ( جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار ...ثم قال وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئاً .... ثم قال وأن الله سبحانه على عرشه كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وأن له يدين بلا كيف ، كما قال {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [صّ: من الآية75]، وكما قال {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: من الآية64] ، وأن له وجها كما قال {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] ، ....
ثم قال رحمه الله : ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22}[17]
9 ـ قال يحيى بن معين رحمه الله : إذا سمعت الجهمي يقول : أنا أكفر برب ينزل. فقل : أنا أؤمن برب يفعل ما يريد.[18]
10 ـ قال الحافظ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني(449) (إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم تبارك وتعالى بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله وشهد له بها رسوله على ما وردت به الأخبار الصحاح ونقله العدول الثقات ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ولا يكيفونها تكييف المشبهة ولا يحرّفون الكلم عن مواضعه تحريف المعتزلة والجهمية فيقولون إنه خلق آدم بيده كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائل: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}[19]
11 ـ قال ابن قدامه رحمه الله –معلقا على كلام الصابوني- : وذكر الصابوني الفقهاء السبعة ومن بعدهم من الأئمة وسمي خلقاً كثيراً من الأئمة وقال : كلهم متفقون لم يخالف بعضهم بعضا ولم يثبت عن واحد منهم ما يضاد ما ذكرناه.[20]
12 ـ قال أبو بكر الخلال رحمه الله : هذا في أحاديث الصفات وهو مذهب السلف إثبات حقيقتها ونفي علم الكيفية.اهـ
13ـ قال الإمام الطحاوي : نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف.[21]
قال محمد راتب النابلسي عفا الله عنه : "وإذا قلنا: يدُ الله، أي قُدْرَتُه، وإذا قلنا: وجاء ربّك، أي وجاء أمْر ربِّك، وهكذا نُؤوِّل بما يليق بِكمال الله تعالى".
قلت : قول محمد راتب النابلسي هو عين عقيدة أهل البدع والضلال ،وذلك أنه أوّل صفة يد الله تعالى بالقدرة ،وحرف معناها ، وهكذا أولّ وحرّف نزول الرب تبارك وتعالى ليفصل يوم القضاء بين عباده، ، فصرف النصوص الشرعية في صفات الله تعالى عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومخالف لما كان عليه الصحب الكرام ، ومخالف لما كان عليه أئمة الإسلام ، وهو من الإلحاد في الأسماء والصفات قال تعالى :{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} الآية [الأعراف:180 ].
فعقيدة أهل السنة في باب الأسماء والصفات لا يؤوّلون صفات الله تعالى،ويحرّفونها عن معانيها ، وإنما يؤمنون بما جاء في كتاب الله عز وجل ، وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويُمرّون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
قال الآجري رحمه الله : ويقال للجهمي الذي ينكر أن الله عز وجل خلق آدم بيده: كفرت بالقرآن ورددت السنة، وخالفت الأمة".[22]
قال ابن عبد البر رحمه الله : أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، ولا يحدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة.[23]
الأدلة الشرعية في إثباب صفة اليدين لله تعالى :
الذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفة اليد لله تعالى؛ إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تحريف ولا تعطيل، والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة كثيرة جدا منها :
أما الكتاب :
فقول الله تعالى: { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } [المائدة :64] .
وقوله تعالى: { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ } [ص: 75].
وقوله تعالى: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } [سورة الفتح، آية: 10] .
وقوله تعالى: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران:26].
وقوله تعالى: { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } [ آل عمران : 69-74 ] .
وقوله تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } . (الزمر:67)
وقوله تعالى :(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ]
الأدلة من السنة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض.[24]
وعن عبد الله بن عمرو بن رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا.[25]
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : أول ما خلق الله تعالى القلم ، فأخذه بيمينه ، وكلتا يديه يمين.[26]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : لما خلق الله آدم ، ونفخ فيه من روحه ؛ قال بيده وهما مقبوضتان : خذ أيها شئت يا آدم ، فقال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يداه يمين مباركة ، ثم بسطها.....[27]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما خلق الله آدم و نفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه : يرحمك الله يا آدم ! اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم قالوا : و عليك السلام و رحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال : إن هذه تحيتك و تحية بنيك بينهم فقال الله له و يداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت قال : اخترت يمين ربي و كلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم و ذريته فقال أي رب ! ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال : يا رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود و قد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زد في عمره قال : ذاك الذي كتبت له قال : أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال : أنت و ذاك ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد تعجلت قد كتب لي ألف سنة قال بلى و لكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته و نسي فنسيت ذريته فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود .[28]
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله عز وجل .
قيل يا رسول الله من هم قال هم جماع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه.[29]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم فحج آدم موسى فحج آدم موسى.[30]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال أنا سيد القوم يوم القيامة هل تدرون بم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيقول بعض الناس ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده.....[31]
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز و جل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.[32]
فائدة :
ولم يأت دليل صحيح صريح في وصف إحدى يدي الله عز وجل بالشمال أو اليسار ؛ فإننا لا نتعدى قول النبي صلى الله عليه وسلم :" كلتاهما يمين".
وقد سبق أني كتبت مقالا في ذلك عنونته بــ" هل يوصف الله جلّ وعز بأن له إحدى يديه شمال أو يسار " ، وهو منشور في هذا المنتدى المبارك.
الأدلة على إثبات نزول الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده يوم القيامة:
من الكتاب :
قال عز وجل: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} (البقرة 210)
وقال تعالى : {وجاء ربك والملك صفا صفا} (الفجر22).
وقال سبحانه: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} [الأنعام: 158]
وقال تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون } (الزمر: 68-69).
الأدلة من السنة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أناس: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله ،قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟، قالوا: لا يا رسول الله ،قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ،يجمع الله الناس ،فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس ،ويتبع من كان يعبد القمر ،ويتبع من كان يعبد الطواغيت ،وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ،فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ،فيقول: أنا ربكم ،فيقولون: نعوذ بالله منك ،هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه ،فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ،فيقول: أنا ربكم ،فيقولون: أنت ربنا ،فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم[33].
وفي لفظ : " حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب فيقال لليهود ما كنتم تعبدون ؟ قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون ؟ قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم . ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون ؟ فيقولون نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم [34]".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء
قال: وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي...[35]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
6/1 / 1438
مكة المكرمة
الحواشي :
[1] ـ قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: " المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله.
[2] ـ ذمّ الكلام " (22.
[3] ـ "فتح الباري " لابن حجر (12/301).
[4] ـ [تاريخ بغداد (12/410)]
[5] ـ شرح القصيدة النونية"لمحمد خليل هراس (1/12)، وانظر:" الجواب الصحيح " لابن تيمية(1/237).
[6] ـ "السير" ( 7/364 )، و"تهذيب الكمال" ( 6/182 ).2
[7] ـ "مجموع الفتاوى "( 28 / 231 - 232 ) .
[8] ـ في "درء التعارض العقل والنقل" لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 121).
[9] ـ في شرحه للعقيدة الطحاوية - الدرس (04-20) بتاريخ: 1995-02-2
[10] ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (13/309) معقبا على قول مالك في الاستواء:
(وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول، فليس في أهل السنة من ينكره، وقد بين أن الاستواء معلوم، كما أن سائر ما أخبر به معلوم، ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها، لا يقال: كيف استوى ؟ ولم يقل مالك رحمه الله الكيف معدوم، وإنما قال: "الكيف مجهول").
وقد يحرف كلام الإمام مالك عن المعنى الحقيقي فيحمل على أن الاستواء معلوم من حيث اللفظ لا المعنى، وقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك فقال كما في "مجموع الفتاوى" (13/309):
(فإن قيل: معنى قوله: "الاستواء معلوم" أن ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه، قيل: هذا ضعيف، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن وقد تلا الآية.
وأيضا فلم يقل: ذكر الاستواء في القرآن ولا إخبار الله بالاستواء، وإنما قال: "الاستواء معلوم". فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم لم يخبر عن الجملة. وأيضا فإنه قال: "والكيف مجهول" ولو أراد ذلك لقال معنى الاستواء مجهول أو تفسير الاستواء مجهول أو بيان الاستواء غير معلوم، فلم ينف إلا العلم بكيفية الاستواء لا العلم بنفس الاستواء).
وقال الذهبي رحمه الله في "العلو" تعليقا على كلام مالك:
(وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به) أ.هـ
[11] ـ انظر :"الإسماء والصفات" للبيهقي (2/380) ، و"عقيدة السلف" للصابوني (ص:59) وغيرهم."
[12] ـ رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص 515 ، وقال ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية"(ص : 34) إسناده صحيح .
[13] ـ"» كتاب الصفات" الدارقطني (ص70)
[14] ـ عقيدة السلف"(ص:64 )
[15] ـ "مختصر العلو" للألباني (ص: 176)
[16] ـ جامع الترمذي : 3/24ـ 25 .
[17] ـ مقالات الاشعري( 290ـ295) .
[18] ـ انظر :"شرح الاعتقاد" للالكائي (3/502) ، و"التمهيد" لابن عبد البر (7/151) ،و"الإبانة الكبرى" لابن بطه (3/3/206)
[19] ـ رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث للحافظ الصابوني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (1/105).
[20] ـ "ذم التأويل" (ص 17 ).
[21] ـ "(شرح السنة"(1/170)
[22] ـ "الشريعة"(ص:170)
[23] ـ "التمهيد" (7/145)
[24] ـ أخرجه البخاري (6519)،ومسلم ( 2787 ).
[25] ـ أخرجه مسلم ( 1827 )
[26] ـ رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (106) ، والآجري في ((الشريعة)). وصححه الألباني في "الصحيحة"( 3136).
[27] ـ رواه ابن أبي عاصم في السنة (206) ، وابن حبان (6167) ، والحاكم (1/64) وصححه ، وعنه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/56) . والحديث حسنه الألباني في تحقيقه لــ"ظلال السنة" (206).
[28] ـ أخرجه الترمذى (5/453 ، رقم 336 وقال : حسن غريب . والحاكم (1/132 ، رقم 214) وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقي (10/147 ، رقم 20307)،و
[29] ـ أخرجه الطبراني كما فى الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد قال المنذري (2/261) : إسناده مقارب لا بأس به . وقال الهيثمي (10/77) : رجاله موثقون ،وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"( 150.
[30] ـ أخرجه مسلم (2652).
[31] ـ أخرجه البخاري (3340).
[32] ـ أخرجه مسلم (2759).
[33] ـ أخرجه البخاري (6573).
[34] ـ أخرجه البخاري (7001).
[35] ـ أخرجه الطبراني في "الكبير"(8/340)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(3/227)
فإن الردّ على أهل البدع وبيان باطلهم وانحرافهم والتحذير منهم أصل أصيل ، وركن ركين من أصول الدين ,وذلك بالضّوابط الشرعية ، والحدود المرعية ، فالردّ على المخالفين سواء أكانوا من الكافرين ،أو المبتدعة والمنافقين، أو غيرهم من الضالين المنحرفين ،نوع من الجهاد في سبيل الله تعالى ، بل هو أفضل من الذبّ بالسيوف في سبيله تعالى ، وهو من أفضل القربات وأعظم الطاعات[1].
قال يحيى بن يحيى شيخ البخاري ومسلم : الذّبُّ عن السُّنّة أفضلُ من الجهاد في سبيل الله، وقال محمد بن يحيى الذهلي: قلتُ ليحيى: الرجلُ ينفِقُ مالَه ويُتْعِبُ نفسَه ويجاهد، فهذا أفضلُ منه؟! قال: نعم بكثير!.
وقال الحميدي شيخ البخاري : والله ! لأن أغزو هؤلاء الذين يَرُدُّون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إلي من أن أغزو عِدَّتهم من الأتراك"، يعني بالأتراك: الكفار.[2]
وقال ابن هبيرة -في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في قتال الخوارج- : وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين؛ والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح؛ وحفظ رأس المال أولى.[3]
قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: " المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله.[4].
وقال ابن القيم رحمه الله: والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسّيف والسّنان.[5]
وهو من أهمّ أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والآيات والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ، وما ذاك إلا لأهميّته وشدّة الحاجة إليه.
وهو من باب القيام بما أوجب الله على أهل العلم ، وهومن أهمّ أبواب النصيحة للإسلام والمسلمين ،ففيه إظهار للسنّة، وتحذير من البدعة والمبتدعة، وقضاء على الفتنة، واستبانة سبيل المجرمين.
والردّ على المخالفين لا يكون عملا صالحا مقبولا إلا إذا أريد به وجه الله تعالى ،وبيان الحق وإظهاره ، ورحمة الخلق وهدايتهم ، قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضرّ عليهم[6].
وقال ابن تيمية - رحمه الله -:ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن رحمه الله أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً.[7]
وهذه الحلقة الأولى في بيان بعض ضلالات وانحرافات محمد راتب النابلسي الذي كثر شرّه، وانتشر ضلاله وبالأخصّ عبر القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي ، وسنبيّن في هذه الحلقة والتي تليها بمشيئة الله من الحلقات أنه على عقيدة باطلة ونحلة فاجرة ، وأنه قد جانب الصواب في غير ما مسألة ، عقدية ومنهجية ،منها :
أنه على عقيدة التفويض التي هي من أخبث وأشرّ مايكون مما قاله واعتقده أهل البدع والإلحاد كما قاله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله[8]، وغيرها من انحرافاته وضلالاته ،والله المستعان ،وعليه التكلان ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
فأقول بالله مستعينا :
قال محمد راتب النابلسي عفا الله عنه : (( فهناك من أنْكر الصِّفات، وعُرفوا بالمُعَطِّلة، وهناك من جَسَّدها وهم المُشَبِّهَة، وهناك من فَوَّضَ تفْسيرها إلى الله عز وجل، وهناك من أوَّلها تأويلاً يليق بِكَماله.
في الحقيقة نحن مع الفريقين الأخِيريْن، الذين فَوَّضوا، والذين أوَّلوا، وربَّما كُنَّا بِحاجَة إلى التأويل، فإذا قلنا: إنّ الله سميعٌ، أي يعْلم ما تقول، وبصير يعلم ما تفْعل، وإذا قلنا: يدُ الله، أي قُدْرَتُه، وإذا قلنا: وجاء ربّك، أي وجاء أمْر ربِّك، وهكذا نُؤوِّل بما يليق بِكمال الله تعالى، أو نُفَوِّض حيث نقول: هذه الآية نُفَوِّضُ تأويلها إلى الله تعالى، نحن آمنَّا بالله عز وجل، والله تعالى أخْبَرَنا أنَّ لهُ سمْعاً وبَصَراً، نُفَوِّض إلى الله آية السَّمْع والبصر، أو أنَّنا نُفَسِّرهما بما يليق بالله عز وجل)).[9] اهــ
قلت : أولا :
من معتقد أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة في أسماء الله تعالى وصفاته أنهم يثبتون لله تعالى ما أثبت لنفسه في كتابه العزيز، و ما أثبت له رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في سنّته المطهّرة من الأسماء الحسنى والصفات العلا من غير تحريف ،ولا تعطيل ،ولا تكييف ،ولا تمثيل، وقولهم في ذلك كما أخبر عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ] (الشورى: 11] ، و قولهم في ذلك أيضا قول أئمة الهدى من الصحب الكرام وأئمة الإسلام والأعلام فطوبى لمن بهديهم قد اهتدى.
ويثبتون معاني الأسماء والصفات ويؤمنون بها ،ويفوضون الكيفية أي: يثبتون الألفاظ ومعانيها التي دلت عليه ، ويفوضون العلم بكيفية ذات الله سبحانه.
فنؤمن بأن الله جل في علاه له عينين وله يدين وله ساق ونحو ذلك من صفات الجلال والكمال ، وهكذا أيضا مستو على عرشه ، استواء حقيقيا يليق بجلاله سبحانه ،وقد بلغت عشرات بل المئات الأدلة على علوّه سبحانه ، وهذا الاستواء ليس كاستواء البشر أو غيرهم من المخلوقات.
ولكن كيفية الاستواء مجهولة بالنسبة لنا ؛ لأن الله استأثر علمها عنده سبحانه، فأخبرنا أنه مستو على عرشه جل جلاله ولم يخبرنا كيف استوى عليه ، فإننا نفوّض الكيفية إلى الله تعالى ،ونؤمن بالمعنى ، ولنقف حيث وقف السّلف ،ولا نزد على ذلك ،ولا نحِد عما كانوا عليه من المعتقد ، وليسعنا ما وسعهم، كما قال الإمام مالك[10]رحمه الله وغيره من أئمة الإسلام لما سئل عن الاستواء : "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة"
فقوله: "الاستواء معلوم"، أي: العرب تعرف وتدرك معنى ذلك، وهو الذي بمعنى علا وارتفع ،كما جاء في صحيح البخاري عن أبي العالية رحمه الله ، وهو دليل على عدم تفويض السلف لأصل المعنى، كما هي عقيدة شرّ أهل البدع والضلال ، وإنما فوّضوا العلم بكيفية الاستواء وهكذا في بافي الصفات ، ولهذا قال : " والكيف مجهول ،أي: تفويض الكيفية لا المعنى.
وقوله: "والايمان به واجب" : لأنه دلّ عليه كتاب الله وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله :"والسؤال عنه بدعة" : أي: لم يسأل أحد عن كيفيّة صفات الله تعالى لا في زمن النبوّة ولا في أيام وجود الصحب الكرام رضي الله عنهم ،بل حتى كفار قريش على كفرهم وشركهم لم يعارضوا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأسماء والصفات ، بل أقروا بذلك الا اسما وهو :"الرحمن"،لأنهم لا يعرفون به إلا رحمن اليمامة وهو : عدوّ الله مسيلمة الدجال الكذاب، ولم ينكروا مادلّ عليه من الصفة القائمة به سبحانه وهي:"الرحمة"، حتى جاء هذا الفاجر الشقيّ ففعل مافعل .
ولهذا لما سأله غضب رحمه الله أيّما غضب ، وصار العرق يتصبّب عليه من شدّه ماقاله ذلكم الشقيّ ، وبقي مدة من الزمن وهو كذلك حتى أمر رحمه الله بإخراجه من المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، خوفا أن يفتن الناس في دينهم ، وتعزيرا له ، وعظة وعبرة لغيره.
وما أحسن ماقاله إسحاق بن راهويه رحمه الله : جمعني وهذا المبتدع –يعني: إبراهيم بن أبي صالح- مجلس الأمير عبد الله ابن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النـزول فسردتها.
قال ابن أبي صالح: كفرت برب ينـزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء .
وحينئذ يتبيّن لنا جليّا بعد هذا الكلام المختصر الذي هو أشدّ الاختصار والذي يليه أن النابلسي -ومن حذا حذوه من أهل البدع- ليس على سنة النبي صلى الله عليم في باب الأسماء والصفات ، وإنما هو على طريقة أهل البدع والضلال الذين هم من أشرّ الطوائف وأخبثهم في هذا الباب.
ولم يثبت عن سلفنا الصالح أنهم أولّو صفات الباري تعالى أو حرّفوها عن معانيها , بل كلهم مجمعون على معانيها من غير تأويل وقد اشتهر ذلك عنهم حتى تتابع ذكر ذلك عن جماعة من أهل العلم على مرّ الأيام والليالي من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحاضر.
ثانيا :
وإليك أخي القارئ بعض كلام أهل العلم المعتبرين في أن التفويض يكون في كيفية صفات الباري لا في الألفاظ والمعاني :
1 ـ سئل الإمام أبو حنيفة رحمه الله عن نزول الرب جل وعلا فقال : ينزل بلا كيف.[11]
2 ـ قال الأوزاعي رحمه الله : كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من صفاته.[12]
3 ـ قال سفيان بن عيينة رحمه الله : كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل.[13]
4 ـ قال الإمام حماد بن بي حنيفة : قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل :(وجاء ربك والملك صفاً صفا) ؟
قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً ،وأما الرب فإنا لا ندري ما عني بذلك؟ ، ولا ندري كيف مجيئة؟ .
فقلت لهم: إنا لم نكلّفكم أن تعلموا كيف جيئته ،ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئة ، أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفا ما هو عندكم!؟
قالوا: كافر مكذّب.
قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه يجيء ،فهو كافر مكذب.[14]
5 ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله : القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل مالك وسفيان وغيرهما ، ... وأن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلفه كيف يشاء ، وينزل إلى السماء الدنيا كيف يشاء ... وذكر سائر الاعتقاد.[15]
6 ـ وعن الوليد بن مسلم رحمه الله قال: سألت سفيان والأوزعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: نمّرها كما جاءت.
7 ـ قال الإمام أبو عيسى الترمذي -معلقا على حديث :إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها- : قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا قالوا : قد ثبتت الروايات في هذا ونؤمن به ولا نتوهم ولا نقول كيف ؟ هكذا روى عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف ، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.[16]
8 ـ قال الإمام أبو الحسن الأشعري .رحمه الله ( جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار ...ثم قال وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئاً .... ثم قال وأن الله سبحانه على عرشه كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وأن له يدين بلا كيف ، كما قال {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [صّ: من الآية75]، وكما قال {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: من الآية64] ، وأن له وجها كما قال {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] ، ....
ثم قال رحمه الله : ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22}[17]
9 ـ قال يحيى بن معين رحمه الله : إذا سمعت الجهمي يقول : أنا أكفر برب ينزل. فقل : أنا أؤمن برب يفعل ما يريد.[18]
10 ـ قال الحافظ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني(449) (إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم تبارك وتعالى بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله وشهد له بها رسوله على ما وردت به الأخبار الصحاح ونقله العدول الثقات ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ولا يكيفونها تكييف المشبهة ولا يحرّفون الكلم عن مواضعه تحريف المعتزلة والجهمية فيقولون إنه خلق آدم بيده كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائل: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}[19]
11 ـ قال ابن قدامه رحمه الله –معلقا على كلام الصابوني- : وذكر الصابوني الفقهاء السبعة ومن بعدهم من الأئمة وسمي خلقاً كثيراً من الأئمة وقال : كلهم متفقون لم يخالف بعضهم بعضا ولم يثبت عن واحد منهم ما يضاد ما ذكرناه.[20]
12 ـ قال أبو بكر الخلال رحمه الله : هذا في أحاديث الصفات وهو مذهب السلف إثبات حقيقتها ونفي علم الكيفية.اهـ
13ـ قال الإمام الطحاوي : نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف.[21]
قال محمد راتب النابلسي عفا الله عنه : "وإذا قلنا: يدُ الله، أي قُدْرَتُه، وإذا قلنا: وجاء ربّك، أي وجاء أمْر ربِّك، وهكذا نُؤوِّل بما يليق بِكمال الله تعالى".
قلت : قول محمد راتب النابلسي هو عين عقيدة أهل البدع والضلال ،وذلك أنه أوّل صفة يد الله تعالى بالقدرة ،وحرف معناها ، وهكذا أولّ وحرّف نزول الرب تبارك وتعالى ليفصل يوم القضاء بين عباده، ، فصرف النصوص الشرعية في صفات الله تعالى عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومخالف لما كان عليه الصحب الكرام ، ومخالف لما كان عليه أئمة الإسلام ، وهو من الإلحاد في الأسماء والصفات قال تعالى :{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} الآية [الأعراف:180 ].
فعقيدة أهل السنة في باب الأسماء والصفات لا يؤوّلون صفات الله تعالى،ويحرّفونها عن معانيها ، وإنما يؤمنون بما جاء في كتاب الله عز وجل ، وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويُمرّون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
قال الآجري رحمه الله : ويقال للجهمي الذي ينكر أن الله عز وجل خلق آدم بيده: كفرت بالقرآن ورددت السنة، وخالفت الأمة".[22]
قال ابن عبد البر رحمه الله : أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، ولا يحدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة.[23]
الأدلة الشرعية في إثباب صفة اليدين لله تعالى :
الذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفة اليد لله تعالى؛ إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تحريف ولا تعطيل، والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة كثيرة جدا منها :
أما الكتاب :
فقول الله تعالى: { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } [المائدة :64] .
وقوله تعالى: { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ } [ص: 75].
وقوله تعالى: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } [سورة الفتح، آية: 10] .
وقوله تعالى: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران:26].
وقوله تعالى: { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } [ آل عمران : 69-74 ] .
وقوله تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } . (الزمر:67)
وقوله تعالى :(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ]
الأدلة من السنة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض.[24]
وعن عبد الله بن عمرو بن رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا.[25]
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : أول ما خلق الله تعالى القلم ، فأخذه بيمينه ، وكلتا يديه يمين.[26]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : لما خلق الله آدم ، ونفخ فيه من روحه ؛ قال بيده وهما مقبوضتان : خذ أيها شئت يا آدم ، فقال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يداه يمين مباركة ، ثم بسطها.....[27]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما خلق الله آدم و نفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه : يرحمك الله يا آدم ! اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم قالوا : و عليك السلام و رحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال : إن هذه تحيتك و تحية بنيك بينهم فقال الله له و يداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت قال : اخترت يمين ربي و كلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم و ذريته فقال أي رب ! ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال : يا رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود و قد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زد في عمره قال : ذاك الذي كتبت له قال : أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال : أنت و ذاك ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد تعجلت قد كتب لي ألف سنة قال بلى و لكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته و نسي فنسيت ذريته فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود .[28]
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله عز وجل .
قيل يا رسول الله من هم قال هم جماع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه.[29]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم فحج آدم موسى فحج آدم موسى.[30]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال أنا سيد القوم يوم القيامة هل تدرون بم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيقول بعض الناس ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده.....[31]
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز و جل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.[32]
فائدة :
ولم يأت دليل صحيح صريح في وصف إحدى يدي الله عز وجل بالشمال أو اليسار ؛ فإننا لا نتعدى قول النبي صلى الله عليه وسلم :" كلتاهما يمين".
وقد سبق أني كتبت مقالا في ذلك عنونته بــ" هل يوصف الله جلّ وعز بأن له إحدى يديه شمال أو يسار " ، وهو منشور في هذا المنتدى المبارك.
الأدلة على إثبات نزول الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده يوم القيامة:
من الكتاب :
قال عز وجل: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} (البقرة 210)
وقال تعالى : {وجاء ربك والملك صفا صفا} (الفجر22).
وقال سبحانه: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} [الأنعام: 158]
وقال تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون } (الزمر: 68-69).
الأدلة من السنة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أناس: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله ،قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟، قالوا: لا يا رسول الله ،قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ،يجمع الله الناس ،فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس ،ويتبع من كان يعبد القمر ،ويتبع من كان يعبد الطواغيت ،وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ،فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ،فيقول: أنا ربكم ،فيقولون: نعوذ بالله منك ،هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه ،فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ،فيقول: أنا ربكم ،فيقولون: أنت ربنا ،فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم[33].
وفي لفظ : " حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب فيقال لليهود ما كنتم تعبدون ؟ قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون ؟ قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم . ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون ؟ فيقولون نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم [34]".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء
قال: وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي...[35]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
6/1 / 1438
مكة المكرمة
الحواشي :
[1] ـ قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: " المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله.
[2] ـ ذمّ الكلام " (22.
[3] ـ "فتح الباري " لابن حجر (12/301).
[4] ـ [تاريخ بغداد (12/410)]
[5] ـ شرح القصيدة النونية"لمحمد خليل هراس (1/12)، وانظر:" الجواب الصحيح " لابن تيمية(1/237).
[6] ـ "السير" ( 7/364 )، و"تهذيب الكمال" ( 6/182 ).2
[7] ـ "مجموع الفتاوى "( 28 / 231 - 232 ) .
[8] ـ في "درء التعارض العقل والنقل" لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 121).
[9] ـ في شرحه للعقيدة الطحاوية - الدرس (04-20) بتاريخ: 1995-02-2
[10] ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (13/309) معقبا على قول مالك في الاستواء:
(وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول، فليس في أهل السنة من ينكره، وقد بين أن الاستواء معلوم، كما أن سائر ما أخبر به معلوم، ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها، لا يقال: كيف استوى ؟ ولم يقل مالك رحمه الله الكيف معدوم، وإنما قال: "الكيف مجهول").
وقد يحرف كلام الإمام مالك عن المعنى الحقيقي فيحمل على أن الاستواء معلوم من حيث اللفظ لا المعنى، وقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك فقال كما في "مجموع الفتاوى" (13/309):
(فإن قيل: معنى قوله: "الاستواء معلوم" أن ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه، قيل: هذا ضعيف، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن وقد تلا الآية.
وأيضا فلم يقل: ذكر الاستواء في القرآن ولا إخبار الله بالاستواء، وإنما قال: "الاستواء معلوم". فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم لم يخبر عن الجملة. وأيضا فإنه قال: "والكيف مجهول" ولو أراد ذلك لقال معنى الاستواء مجهول أو تفسير الاستواء مجهول أو بيان الاستواء غير معلوم، فلم ينف إلا العلم بكيفية الاستواء لا العلم بنفس الاستواء).
وقال الذهبي رحمه الله في "العلو" تعليقا على كلام مالك:
(وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به) أ.هـ
[11] ـ انظر :"الإسماء والصفات" للبيهقي (2/380) ، و"عقيدة السلف" للصابوني (ص:59) وغيرهم."
[12] ـ رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص 515 ، وقال ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية"(ص : 34) إسناده صحيح .
[13] ـ"» كتاب الصفات" الدارقطني (ص70)
[14] ـ عقيدة السلف"(ص:64 )
[15] ـ "مختصر العلو" للألباني (ص: 176)
[16] ـ جامع الترمذي : 3/24ـ 25 .
[17] ـ مقالات الاشعري( 290ـ295) .
[18] ـ انظر :"شرح الاعتقاد" للالكائي (3/502) ، و"التمهيد" لابن عبد البر (7/151) ،و"الإبانة الكبرى" لابن بطه (3/3/206)
[19] ـ رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث للحافظ الصابوني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (1/105).
[20] ـ "ذم التأويل" (ص 17 ).
[21] ـ "(شرح السنة"(1/170)
[22] ـ "الشريعة"(ص:170)
[23] ـ "التمهيد" (7/145)
[24] ـ أخرجه البخاري (6519)،ومسلم ( 2787 ).
[25] ـ أخرجه مسلم ( 1827 )
[26] ـ رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (106) ، والآجري في ((الشريعة)). وصححه الألباني في "الصحيحة"( 3136).
[27] ـ رواه ابن أبي عاصم في السنة (206) ، وابن حبان (6167) ، والحاكم (1/64) وصححه ، وعنه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/56) . والحديث حسنه الألباني في تحقيقه لــ"ظلال السنة" (206).
[28] ـ أخرجه الترمذى (5/453 ، رقم 336 وقال : حسن غريب . والحاكم (1/132 ، رقم 214) وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقي (10/147 ، رقم 20307)،و
[29] ـ أخرجه الطبراني كما فى الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد قال المنذري (2/261) : إسناده مقارب لا بأس به . وقال الهيثمي (10/77) : رجاله موثقون ،وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"( 150.
[30] ـ أخرجه مسلم (2652).
[31] ـ أخرجه البخاري (3340).
[32] ـ أخرجه مسلم (2759).
[33] ـ أخرجه البخاري (6573).
[34] ـ أخرجه البخاري (7001).
[35] ـ أخرجه الطبراني في "الكبير"(8/340)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(3/227)