بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، ثم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
لقد أطلعني بعض إخواني على ما نشرته جريدة الخبر يوم الأحد (5-فيفري 2017م) الموافق ل(8جمادي الأولى 1438هـ)بالخط العريض " كتب تكفيرية في مساجد العاصمة تدرس في حلقات ويعتمدها "داعش" لتبرير القتل " ثم وضعوا صورا لأربعة كتب لا علاقة لها بالتكفير ، ولم يشيروا إلى موضع واحد فيها يكفر المسلم بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب حتى يربطوا بين العنوان وهذه الكتب ليكون لكلامهم المصداقية والقبول ، مما يدل على ضعف الاحترافية في مهنتهم، وأن قصدهم لم يكن النصح للأمة ونقد هذه الكتب نقدا علميا ، ثم التحذير من خطر ما تحمله هذه الكتب - زعموا - وإنما قصدهم التحريض على الطائفية ، والاتهام بالباطل من أجل إقصاء وإسقاط شريحة كبيرة في المجتمع لها دور كبير في تهدئة الوضع الأمني ومحاربة التكفير والإخلال بالأمن بأي شكل من الأشكال.
وأنا لمّا رأيت عنوان المقال فرحت على أساس أن الصحافة العريقة في بلادنا أصبحت مفتاح خير تهتم بأمن الوطن وتحرص على سلامته دينا ودنيا ، بنشر مثل هذه المقالات التي فيها التحذير من خطر التكفير وغيره من الأفكار الهدامة التي تفسد أمن البلاد ودين العباد ، ولكن لمّا قرأت المقال رأيت العجب وعلمت مدى جهل الصحافي الذي كتب المقال وأمثاله كثير ممن يتجرءون على تحرير مثل هذه الكتابات السخيفة والتي تدل على ضعف مستوى الاحترافية أو انعدامه .
فإن الذي يقرأ العنوان ويرى الكتب التي وضعت للدلالة على صدق ما في المقال ، ويقرأ المضمون يرى التهويل الكبير في العنوان ، وعدم مطابقته لمضمون المقال ، والتناقض بينهما ؛ لأن الكتب التي ذكرت لا تمت إلى عقيدة الخوارج ومنهجهم الذي يقوم على التكفير بالكبيرة ، فإن أصحاب تلك الكتب لا يعرف عنهم إلا التحذير من الخوارج ، والفرق الضالة مثل الروافض والقدرية ، والمرجئة ، وغير ذلك من الانحراف العقدي والفكري .
وحجة الكاتب التي تعلق بها هي أوهى من بيت العنكبوت كما يقولون ، وهي أن داعش تعتمد على بعض ما في تلك الكتب ..
وهنا نلزمه القول بأن الخوارج سواء كانوا من داعش أو القاعدة أو من غيرهم يعتمدون في تكفير أصحاب الكبائر على القرآن الكريم والسنة النبوية والأخذ بالمتشابه منهما ؛ فهل سيكتب مقالا يطالب فيه الوزارة الوصية بالتحذير من كتاب الله والسنة النبوية مثل صحيحي البخاري ومسلم والكتب الأربعة وموطأ الإمام مالك ؛ لأن فيها المتشابه من الأحاديث التي يعتمدها الدواعش ، كما يعتمدون على كتاب الظلال ( بل الضلال الذي لم يذكره الكاتب لقطب الزمان التكفيري) وهو كتاب إيحاءات وخواطر أدبية في تفسير القرآن وفيه التكفير للمجتمعات الإسلامية وهو العمدة عند القوم خوارج العصر ).
ونخلص إلى نتيجة لنقول لصحابنا الكاتب أن العيب ليس في هذه الكتب ولا غيرها من كتب السنة ؛ وإنما العيب في أمثال الكاتب الجاهل الذي لا يميز بين الغث والسمين بين التكفير والإرجاء بين الرفض والإلحاد ولا حتى بين (( كعُ من بعُ )) على حد المثل السائر عندنا.
والدليل على ما أقول جهله الكبير فيما يكتب فإنه ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني صاحب "فتح الباري "والإصابة في تمييز الصحابة " وقال أنه أحد المشايخ في مصر وأنه درس في السعودية مما يوحي للقارئ أنه معاصر ..
وهذه من غرائب وعجائب خنفشاري هذا الزمان لا يعرف أن الحافظ ابن حجر أنه من عسقلان من فلسطين وهو متقدم عاش ومات ما بين القرن الثامن والتاسع الهجري قبل وجود الدولة السعودية بكثير وقبل أن يولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله على الجميع فهل رأيتم مثل هذا الجهل .؟؟!!!
ومن الكتب التي ذكرها بلوغ المرام للحافظ ابن حجر وهو شافعي المذهب ؛ بل من أعلام أهل الحديث وحفاظهم ، وليس هو حنبلي ، ولا من أتباع الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ، وكتابه فتح الباري كتاب عظيم في العلم ويأخذ بأقوال العلماء من أي مذهب كانوا من مذاهب أهل السنة ؛ بل لو قلت أنه يعتمد على كثير من علماء المالكية التي اعتمدهم النووي في شرح مسلم لما أبعدت ، فهل صحابنا يعلم هذا وهل فتح يوما فتح الباري وقرأ فيه ولو على سبيل الخطأ؟
وهل سيكتب مقالا يحذر فيه من فتح الباري الذي لا تخلوا مكتبة من مكاتب المساجد في الدنيا منه بحجة أنه درس في السعودية ؛ أو أن الدواعش تعتمد ما فيه من بعض أقوال المالكية أو بعض المتشابه من القرآن والسنة ؟؟ لأن بعض الأدلة فيها احتمال ضعيف وتقرأ على ذلك الوجه الضعيف، والخوارج يأخذون بالمتشابه منها بل من أي كتاب صادفهم يخدم مذهبهم حتى موطأ مالك وشروحاته .
ألا يعلم الكاتب أن تدريس أولئك الأئمة لهذه الكتب وغيرها من الكتب فيه خير كبير وكثير ؛ لأن أولئك الأئمة ينبهون على ما فيها من متشابه ويردون على الخوارج الذين أخذوا واعتمدوا ذلك ، ولا يسكتون عنهم ، ففيه توعية للأمة ؛ وخاصة فئة الشباب الذين يعتمد داعش كثيرا عليهم ؛ بل لو كان لي شيء من المسئولية لأمرت الأئمة والمشايخ العلماء رسميا بتفنيد كتب الخوارج ككتب سيد قطب والمقدسي وعبد المجيد الشاذلي وأبي قتادة الفلسطيني وغيرهم من رؤوس التكفير في هذا العصر حتى يتبين للأمة ما عند هؤلاء من ضلال ، ويتبين لها خطرهم .
ومن الكتب التي ذكرها صاحبنا بلوغ المرام لابن حجر ، ورياض الصالحين للنووي ، ومنار السبيل لابن ضويان ، وهذه كتب فقهية متنوعة تدل على عدم تعصب هؤلاء الأئمة وتنور عقولهم ؛ وهم بلا شك يأخذون بكتب المالكية ، وعلى رأسها الموطأ فهو من الكتب المعتمدة عندهم ، وأنا أجزم يقينا أنه لا يوجد أحد من الأئمة السلفيين الذين ذُكروا وغيرهم ممن لم يذكروا وإلا وعنده الموطأ وبعض شروحاته للعلماء المالكية وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على التنويع المحمود الذي يقوم على قبول الحق بدليله من أي كان ومن أي مذهب من المذاهب الفقهية السنية كانت ، فالخلاف المذموم هو خلاف التضاد ، وإن كان نوعا منه أصله خلاف تنوع ولكنه أدى إلى التضاد بسبب التقليد والتعصب المذموم والجهل واتباع الهوى نعوذ بالله من ذلك .
فهذا النوع من الخلاف المذموم يحذر منه السلفيون ويذمونه وأما خلاف التنوع فلا غضاضة فيه وفيه التسامح ولذلك تسمعهم دائما في دروسهم يذكرون ويكررون أن الخلاف المستساغ يسعنا ما وسع فيه أسلافنا .
فلو فقه الكتاب ومن كان على شاكلته ؛ بل لو فقه كثير من النّاس المتعصبين لأرائهم الخلاف وآدابه ما وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه من التناحر والتمزق وإلى الله المشتكى من قوم يكتب أحدهم فيما لا يسحن ليأتي بالغرائب والعجائب التي تكون سببا لتمزيق الأمة وليكون هو معول هدم وشر .
وأخيرا أقول للكاتب ومن كان على شاكلته أو من استأجره ليطعن في أئمة المساجد السلفيين المعتمدين رسميا من الدولة وغير المعتمدين أن هذه الكتب التي ذكرتها يشترك في الانتفاع بها كثير من العلماء في العالم الإسلامي كما يشترك فيها كثير من الأئمة والمشايخ في بلادنا من غير السلفيين وهي موجودة عند الكثير من النّاس والمسئولين ممن ينتفعون بالكتاب ، فالعيب ليس في الكتاب وإنما العيب فيمن يقرأ بعين واحدة ولا يميز أو يقرأ ما هب ودب ولا يعرف ما يحمله الكتاب الذي يقرؤه ، وشر من ذلك من يتكلم وهو لم يقرأ ولا يقرأ شيئا من الكتب التي يتكلم فيها أو عن أصحابها.
وربما تأثر بعضهم ببعض الكتب التي تحمل التكفير والضلال مما لم يذكره الكاتب فلماذا يخص الأئمة السلفيين و يغض الطرف عن غيرهم وعن كتب الخوارج الحقيقية التي تدور هنا وهناك وحتى عند بعض الأئمة ممن يحملون فكر الدواعش وهم ليسوا بسلفيين ؟؟؟
الجواب نتركه لأصحاب الجريدة الذين أعلنوا في كثير من المرات عن حقدهم ودعوتهم إلى الطائفية والتحريض على الفتن دون مبرر ولا دليل إلا الجهل والظلم والافتراء لطائفة من أعقل الطوائف في المجتمع ما ذنبها إلا أنها تلتزم بطاعة ولي الأمر ولا ترى الخروج عليه ، وتحذر من ذلك ومن الثورات والمظاهرات وكل ما يخل بالأمن وبحياة المواطن ، وهذا الذي يغيض القوم ويدفعهم لنبزها بشتى الألقاب المنفرة .
نسأل الله لنا ولهم الهداية إن ربي سميع قريب مجيب .
تعليق