#الأزهر يرد على فتنة سيد قطب في كتابه معالم في الطريق سنة 1965 - فهل كان الأزهر مدخليًا يا ترى؟
فقد وفق الله تعالى على يد أحد الإخوة أن أتى لي بمجلة الثقافة الإسلامية التي كان يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العدد الثامن لسنة 23 في شعبان سنة 1385 هـ – 24 نوفمبر سنة 1965 م ، حيث يوجد بها مقال مفصل للشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى بالأزهر في ذلك الوقت والذي أسند إليه مراجعة وكتابة تقرير عن مضمون كتاب "معالم في الطريق" وإليك أخي القارئ ما نشر في العدد المذكور :
تحت عنوان"عن كتاب معالم في الطريق وهو دستور الإخوان المفسدين"
لفضيلة الشيخ عبد الطيف السبكي حيث قال :
لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام ولكن إسلوبه إسلوب استفزازي ، يفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية وخاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون في غير روية إلى دعوة الداعي باسم الدين ويتقبلون ما يوحي إليهم به من أهداف ، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله وأن الأخذ به سبيل إلى الجنة .
وأحب أن أذكر بعض نصوص من عبارات المؤلف لتكون أمامنا في تصور موقفه الإفسادي :
(1) في صفحة 6 يقول : " ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع من قرون كثيرة ، ولابد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى .. لابد من بعث لتك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات ، وركام الأوضاع ، وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام… الخ ".
( السبكي ) إن المؤلف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة ، ومعنى هذا أن عهود الإسلام الزاهرة ، وأئمة الإسلام ، وأعلام العلم في الدين ، في التفسير والحديث والفقه وعموم الاجتهاد في آفاق العالم الإسلامي ، معنى هذا أنهم جميعا كانوا في تلك القرون الكثيرة السابقة يعيشون في جاهلية ، وليسوا من الإسلام في شئ .. حتى يجئ إلى الدنيا " سيد قطب " فينهض إلى ما غفلوا عنه من إحياء الإسلام وبعثه من جديد.
(2) صفحة 9: " إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية .. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض ، وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية ، إنها تسند الحاكمية إلى البشر ..".
وفي هذا ينفرد المنهج الإسلامي ، فالناس في كل نظام غير النظام الإسلامي يعبد بعضهم بعضا .
(3) صفحة 10 : " وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعا من عبادة بعضهم بعضا ، وهذا هو المقصود الجديد الذي نملك إعطاءه للبشرية .. ولكن هذا الجديد لابد أن يتمثل في واقع عملي ، لابد أن تعيش به أمة ، وهذا يقتضي بعث في الرقعة الإسلامية ، فكيف تبدأ عملية البعث ؟ .. إنه لابد من طليعة تعزم هذه العزلة وتمشي في الطريق".
(4) ص 11 : ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من " معالم في الطريق .."
، ولهذه الطليعة المرجوة المرتقبة كتبت " معالم في الطريق " ..
و يرد السبكي:
فهذه دعوة مكشوفة إلى قيام طليعة من الناس ببعث جديد في الرقعة الإسلامية .. وهذا البعث الجديد رسالة دينية تقوم بها طليعة تحتاج إلى معالم تهتدي بها.
والمؤلف هو الذي تكفل بوضع المعالم لهذه الطليعة ولهذا البعث المرتقب ، وفي غضون كلامه الآتي : تتبين المعالم التي تصدى لها في البعث الجديد .
(5) صفحة 11 : " ونحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام ، أو أظلم ، كل ما حولنا جاهلية ".
(6) صفحة 23 : " إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع .. مهمتنا هي تغيير هذا الوضع الجاهلي من أساسه ".
وهذا إعلان منه لما يدعو إليه من الثورة على المجتمع.
(7) صفحة 31 : " وليس الطريق أن نخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي إلى يد طاغوت عربي ، فالطاغوت كله طاغوت ، إن الأرض لله .. وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت إلى طاغوت .. إن الناس عبيد الله وحده .. لا حاكمية إلا لله ، لا شريعة إلا من الله .. ولا سلطان لأحد على أحد .. وهذا هو الطريق ."
(السبكي) :كلمة قالها الخوارج قديما ، وهي وسيلتهم إلى ما كان منهم في عهد الإمام علي ، من تشقيق الجماعة الإسلامية ، وتفريق الصفوف ، وهي الكلمة المغرضة الخبيثة التي قال عنها الإمام علي :" إنها كلمة حق أريد بها باطل ".
فالمؤلف يدعو مرة إلى بعث جديد في الرقعة لإسلامية ثم يتوسع فيجعلها دعوة في الدنيا كلها ، وهي دعوة على يد الطليعة التي ينشدها والتي وضع كتابه هذا ليرشد بمعالمه هذه الطليعة .. كما يقرر .
وليس اغرب من هذه النزعة الخيالية ، وهي نزعة تخريبية ، يسميها طريق الإسلام .
والإسلام كما هو اسمه ومسماه يأبى الفتنة ولو في أبسط صورة ، فكيف إذا كانت فتنة غاشمة ، جبارة كالتي يتخيلها المؤلف .
وما معنى الحاكمية لله وحده ؟
هل يسير الدين على قدمين بين الناس ليمنع الناس جميعا عن ولاية الحكم ؛ أو يكون الممثل لله في الحكم هو شخصية هذا المؤلف الداعي والذي ينكر وجود الحكام من البشر ويضع المعالم في الطريق للخروج على كل حاكم في الدنيا.
إن القرآن نفسه يعترف بالحكام المسلمين ويفرض لهم حق الطاعة علينا، كما يفرض عليهم العدل فينا ، ويوجه الرعية دائما إلى التعاون معهم والإسلام نفسه لا يعتبر الحكام رسلا معصومين من الخطأ كما يضللنا المؤلف ، بل فرض فيهم أخطاء تبدر من بعضهم ، وناشدهم أن يصححوا أخطاءهم بالرجوع إلى الله وسنة الرسول ، وبالتشاور في الأمر مع أهل الرأي من المسلمين . ولم يبح أبدا أن تكون ثورة كهذه .
فغريب جدا أن يقوم واحد ، أو نفر من الناس ويرسموا طريقا معوجة يسموها طريق الإسلام لا غير ، ثم ينصبوا أنفسهم للهيمنة على هذا النظام الذي يزعمونه إسلاما.
لابد لاستقرار الحياة على أي وضع من أوضاعها من وجود حكام يتولون أمور الناس بالدين ، وبالقوانين العادلة التي تقتضيها الحياة ، كما يأذن القرآن ، وسنة الرسول.
ومن المقررات الإسلامية –أن الله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن.
فكيف يستقيم في عقل إنسان أن تقوم طليعة مزعومة لتجريد الحكام جميعا من سلطانهم. ولتفتح الطريق أمام طغمة من الخبثاء ، يوهمون الناس أنها طليعة الإيمان.
وبين الحكام كثيرون يسيرون على الجادة بقدر ما يتاح لهم من الوسائل ، فليسوا طواغيت أبدا.. أن هذا شطط في الخيال يجمح بمؤلف الكتاب إلى الشذوذ عن الأوضاع الصحيحة ، والتصورات المعقولة ، ويقذف به وبدعوته واتباعه إلى أحضان الشيطان بعيدين عن حوزة الإسلام .
( صفحة 43 : " فلا بد - أولا – أن يقوم المجتمع المسلم الذي يقر عقيدة لا إله إلا الله ، وأن الحاكمية ليست إلا لله .. وحين يقوم هذا المجتمع فعلا تكون له حياة واقعية ، وعندئذ فقط يبدأ هذا الدين في تقرير النظر والشرائع ...
(السبكي) :فهذا هجوم من المؤلف على الواقع إذ ينكر وجود " مجتمع إسلامي " وينكر وجود نظام إسلامي ، ويدعو إلى الانتظار في التشريع الإسلامي حتى يوجد المجتمع المحتاج إليه..
يريد المجتمع الذي سينشأ على يده – ويد الطليعة .. ويخيل إلينا أن المؤلف شطح شطحة جديدة ، فزعم لنفسه الهيمنة العليا على " الإلهية "في تنظيم الحياة الدنيا ، حيث يقترح أولا هدم النظم القائمة دون استثناء وطرد الحكام ، وإيجاد مجتمع جديد ، ثم التشريع من جديد لهذا المجتمع الجديد.
(9) صفحة 45 : يكرر هذا الكلام .
(10) صفحة 46 : يصرح به مرة ثالثة أو رابعة فيقول : أن دعاة الإسلام حين يدعون الناس لإنشاء هذا الدين – كذا – يجب أولا أن يدعوهم إلى اعتناق العقيدة حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين ، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون ويعلمهم أن كلمة لا إله إلا الله ، مدلولها الحقيقي هو رد الحاكمية لله ، وطرد المعتدين على سلطان الله .
(السبكي)وهكذا من تبجحه في وجه الواقع وسفاهته على مجموع المسلمين، وتلك نزعة المؤلف المتهوس ، يناقض بها الإسلام ، ويزعم أنه أغير الخلق على تعاليم الإسلام ..
أليست هذه هي الفتنة الجامحة ، بل الفتنة الجائحة .. من إنسان يفرض نفسه على الدين ، وعلى المجتمع .
(11) صفحة 50 - يعزز فكرته الفاتنة فيقول : " وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة البناء من جديد – يريد تجريد الثورة العامة كلما احتيج إلى إصلاح في المجتمع .
(12) صفحة 81 يقول : " إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين : معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها ، وأنظمتها وأوضاعها ، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض ، الحكم فيها للبشر في صورة من الصور ..الخ
وبهذا الكلام يلفظ المؤلف ما في نفسه من الحقد المستعر أو من الجنون المستحكم .
(13) صفحة 83 - يقول : " إن هذا الإعلان العام لتحرير الإنسان في الأرض لم يكن إعلانا نظريا فلسفيا ، إنما كان إعلانا حركيا ، واقعيا إيجابيا .. ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان.. الخ".
(السبكي) :ويسير المؤلف على هذا النحو من الإغراء للبسطاء والشباب باسم الجهاد للإسلام حتى يقرر ما يأتي :
(14) - في صفحة 90 - يقول :" أن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان ، إعلانا جادا ، يواجه الواقع الفعلي.
.. سواء كان الوطن الإسلامي آمنا أم مهددا من جيرانه ، فالإسلام حين يسعى إلى السلم ..
لا يقصد تلك السلم الرخيصة وهي مجرد أن يؤمن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية ".
( السبكي) : فهذه دعوة إلى إشعال الحروب مع الغير ولو كان الوطن الإسلامي آمنا مع أن نصوص القرآن والسنة ، وتوجيهات الإسلام عامة لا تدعو إلى مثل هذا الانفعال الغاشم ، إنما تعتبر الحرب وسيلة علاجية لاستقرار الحياة ، وقمع الفتن ، وشق طريق الدعوة إذا وقف في سبيلها خصوم يعاندونها والإسلام كله يدعو الى المسالمة مع من يسالمه ويترك الآخرين على عقائدهم الكتابية الأولى ، ويقبل منهم الجزية ، بل الإسلام يحبب الينا أن نحسن إلى المسالمين منهم ، والبر والعدل معهم ، وينهانا عن التودد إلى المسيئين الينا منهم ، وهذه الملاطفة مع المسالمين والمقاطعة للمسيئين ، هي ظاهرة العزة الرحيمة الإسلامية وترفعها عن الجبروت أولا ، وعن المذلة ثانيا .
ولكن صاحب " معالم في الطريق "يفهم غير ذلك ، ويعمد الى بعض الكتب وينقل منها كلاما عن ابن القيم ونحوه ، ثم يفهم كلامهم على ما يطابق نزعته ، ويتخذ من ذلك دليلا على أن الإسلام دين المهاجمات لكل طائفة وفي كل وطن وفي كل حين ..
وليس أجهل ممن يفهم ذلك ، ولا أخبث قصدا ممن ينادي بذلك ، والقرآن نفسه يدعونا حتى في حالة الحرب أن نقتصد في العداوة " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها .."
، فكيف نشعلها حربا لاتخمد ؟
(15) – في صفحة 105 يقول : " وكما أسلفنا فإن الانطلاق بالمذهب الإلهي .." يريد مذهبه في الثورة والفتنة والتدمير ، تقوم في وجهه عقبات مادية عن سلطة الدولة ، ونظام المجتمع ، وأوضاع البيئة ، وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة .. "وهنا يعوده عقله المريض بأنه سيصادف عقبات وسيحطمها هو بوسائله التخريبية التي يسميها قوة الإسلام .
ولو حاولت أنا شخصيا أن أغالط فيما فهمته ، أو أحسن الظن بما يقوله مؤلف "معالم في الطريق " لكنت في نظر نفسي مدلسا في الحقيقة السافرة ، مبتعدا عن الصواب وعما يريده هو من كلامه من صدام وتخريب ، وشر مستطير لا يعلم مداه غير الله .
(16) – وفي الصفحات 110 إلى 156 وما يليها و القول (للسبكي) تشتعل الثورة الحانقة في نفوس الكاتب فيلهب مشاعر القارئ البسيط ، ويدلس في الكلام توجيهاً معسولاً رطبا جذاباً نحو الأمل الذي يتخيله لنفسه ولمن ينصاع لفتنته .
(17) – ويقول في صفحة 156 سطر 9 ، 10 : " المجتمع الإسلامي وليد الحركة ..والحركة هي التي تعين مقدار الأشخاص فيه، وقيمتهم ، ومن ثم تحدد وظائفهم فيه ومراكزهم " هكذا يقول.
ويكرر ذلك الأمل في صفحة 158 سطر 8 وما بعده .
ثم يتابع هذه العبارات بعبارات مثلها أو اشد منها خداعا وإغراءا وتوريطا ، مما لا يدعو مجالاً لحسن الظن بما يقوله الكاتب في كتابِه
وهكذا يدور المؤلف في الكتاب كله حول فكرته في عبارات متشابهة ، أو بعضها أشد من بعض في تحريضه .
وإني لأكتفي بما أنقله أخيرا من كلماته :
(1 – صفحة 206 ، 207 يقول : " وحين يدرك الإسلام هذا النحو الذي فهمه هو في ثورته فان هذا الإدراك بطبيعته سيجعلنا نخاطب الناس ، ونحن نقدم لهم السلام في ثقة ، وفي عطف كذلك ورحمة .
ثقة الذي يستيقن أن ما معه هو الحق وان ما عليه الناس هو الباطل ، وعطف الذي يرى شقوة البشر وهو يعرف كيف يسعدهم .. ورحمة الذي يرى ضلال الناس ، وهو يعرف أين الهدى الذي ليس بعده هدى .. وهذه كلمات يستبيحها لنفسه ومن يتطاول إلى مقام الرسل إذ يكون مطمئنا إلى ما يتلقاه من الوحي ، ومستشعرا بعصمة نفسه بسبب عصمة الله له من الخطأ ، وأنه على الهدى الذي لا هدى بعده ..
عجب ، وعجيب شأن هذا المتهور ..
ومن ذلك الذي بلغ هذا المبلغ بعد محمد بن عبد الله يا ترى ؟..
أهو سيد قطب الذي سول له شيطانه أن ينعق في الناس بهذه المزاعم ويقتادهم وراءه إلى المهالك ليظفر بأوهامه التي يحلم بها ..
(19)ـ انه ليمعن في غروره فيقول ـ نفس صفحة 206ـ لن نتدسس إليهم بالإسلام..سنكون صرحاء معهم غاية الصراحة : هذه الجاهلية التي انتم فيها نجس والله يريد أن يطهركم ..
هذه الأوضاع التي انتم فيها خبث ، والله يريد أن يطيبكم..
هذه الحياة التي تحيونها دون ، والله يريد أن يرفعكم ..
هذا الذي أنتم فيه شقوة و بؤس و نكد ، والله يريد أن يخفف عنكم و يرحمكم و يسعدكم ..الإسلام سيغير تصوراتكم وأوضاعكم وقيمكم ، وسيرفعكم الى حياة أخرى تنكرون معها هذه الحياة التي تعيشونها .. الخ"
وذلك تكرار لما سبق مثله من التغرير بالآمال ، والأمان واستدراج البسطاء إلى المطامع والتهور.
(20) – صفحة 209 -: " ولم تكن الدعوة في أول عهدها في وضع أقوى ولا أفضل منها الآن ، كانت مجهولة ، مستنكرة من الجاهلية ، وكانت محصورة في شعاب مكة مطاردة من أصحاب الجاه والسلطان فيها ..الخ.
(21) – صفحة 212 : " وحين نخاطب الناس بهذه الحقيقة ، ونقدم لهم القاعدة العقيدية للتصور الإسلامي الشامل يكون لديهم في أعماق فطرتهم ما يبرر الانتقال من تصور إلى تصور ، ومن وضع الى وضع .. الخ".
وبهذا الذي نقلته من الكتاب -والقول للسبكي- صار واضحا من منطق الكاتب نفسه أنها دعوة هدامة غير سلمية ، ولا هادفة إلى إصلاح ، وان كانت مسماه عند صاحبها بذلك الاسم المصطنع .
ومهما يكن أسلوب الكاتب مزيجا بآيات قرآنية ، وذكريات تاريخية إسلامية فإنه كأساليب الثائرين للإفساد في كل مجتمع فهم يخلطون بين حق وباطل ليموهوا على الناس .
والمجتمعات لا تخلو من أغرار بسطاء ، فيحسنون الظن بما لا يكون كله حقاً ، ولا إخلاصاً ، وقد يسيرون وراء كل ناعق وخاصاً إذا كان يهدي الغير باسم الدين ، ووجدوا في غضون هذه الدعوة تلميحاً بالأمل في المراكز ، والأوضاع والقيم الجديدة في المجتمع الجديد.
وهذه الحيلة هي نفسها حيلة إبليس فيما صنعه مع آدم ، وحواء ، وفيما يدأب عليه دائما في فتنة الناس عن دينهم ، وعن الخير في دنياهم . ويزين لهم كل قبيح ، ويوهون عليهم كل عسير ، حتى إذا ما تورطوا في الفتنة تبرأ منهم وقال للإنسان " إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " ، ولكن بعد أن يكون ما تكون من الإفساد الذي حظرنا منه ونهانا عنه في كثير من الآيات ، وهددنا عليه بشر العقوبات والعذاب .
وبعد :
فقد انتهيت في كتاب " معالم في الطريق " إلى أمور :
1-إن المؤلفَ إنسانُ مسرفُ في التشاؤم ، ينظر إلى المجتمع الإسلامي ، بل ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود ويصورها للناس كما يراها هو أو أسود مما يراها ، ثم يتخيل بعد ذلك آمالاً ويَسْبح في خيال .
2-إن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام مهما يكن في ذلك عندي من إراقة دماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع ، وتصدع الأمن ، والهاب الفتن في صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله وذلك هو معــنى الثورة الحركيــة التي رددها كلامه.
منقول من مشاركة قديمة في سحاب.
فقد وفق الله تعالى على يد أحد الإخوة أن أتى لي بمجلة الثقافة الإسلامية التي كان يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العدد الثامن لسنة 23 في شعبان سنة 1385 هـ – 24 نوفمبر سنة 1965 م ، حيث يوجد بها مقال مفصل للشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى بالأزهر في ذلك الوقت والذي أسند إليه مراجعة وكتابة تقرير عن مضمون كتاب "معالم في الطريق" وإليك أخي القارئ ما نشر في العدد المذكور :
تحت عنوان"عن كتاب معالم في الطريق وهو دستور الإخوان المفسدين"
لفضيلة الشيخ عبد الطيف السبكي حيث قال :
لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام ولكن إسلوبه إسلوب استفزازي ، يفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية وخاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون في غير روية إلى دعوة الداعي باسم الدين ويتقبلون ما يوحي إليهم به من أهداف ، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله وأن الأخذ به سبيل إلى الجنة .
وأحب أن أذكر بعض نصوص من عبارات المؤلف لتكون أمامنا في تصور موقفه الإفسادي :
(1) في صفحة 6 يقول : " ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع من قرون كثيرة ، ولابد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى .. لابد من بعث لتك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات ، وركام الأوضاع ، وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام… الخ ".
( السبكي ) إن المؤلف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة ، ومعنى هذا أن عهود الإسلام الزاهرة ، وأئمة الإسلام ، وأعلام العلم في الدين ، في التفسير والحديث والفقه وعموم الاجتهاد في آفاق العالم الإسلامي ، معنى هذا أنهم جميعا كانوا في تلك القرون الكثيرة السابقة يعيشون في جاهلية ، وليسوا من الإسلام في شئ .. حتى يجئ إلى الدنيا " سيد قطب " فينهض إلى ما غفلوا عنه من إحياء الإسلام وبعثه من جديد.
(2) صفحة 9: " إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية .. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض ، وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية ، إنها تسند الحاكمية إلى البشر ..".
وفي هذا ينفرد المنهج الإسلامي ، فالناس في كل نظام غير النظام الإسلامي يعبد بعضهم بعضا .
(3) صفحة 10 : " وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعا من عبادة بعضهم بعضا ، وهذا هو المقصود الجديد الذي نملك إعطاءه للبشرية .. ولكن هذا الجديد لابد أن يتمثل في واقع عملي ، لابد أن تعيش به أمة ، وهذا يقتضي بعث في الرقعة الإسلامية ، فكيف تبدأ عملية البعث ؟ .. إنه لابد من طليعة تعزم هذه العزلة وتمشي في الطريق".
(4) ص 11 : ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من " معالم في الطريق .."
، ولهذه الطليعة المرجوة المرتقبة كتبت " معالم في الطريق " ..
و يرد السبكي:
فهذه دعوة مكشوفة إلى قيام طليعة من الناس ببعث جديد في الرقعة الإسلامية .. وهذا البعث الجديد رسالة دينية تقوم بها طليعة تحتاج إلى معالم تهتدي بها.
والمؤلف هو الذي تكفل بوضع المعالم لهذه الطليعة ولهذا البعث المرتقب ، وفي غضون كلامه الآتي : تتبين المعالم التي تصدى لها في البعث الجديد .
(5) صفحة 11 : " ونحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام ، أو أظلم ، كل ما حولنا جاهلية ".
(6) صفحة 23 : " إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع .. مهمتنا هي تغيير هذا الوضع الجاهلي من أساسه ".
وهذا إعلان منه لما يدعو إليه من الثورة على المجتمع.
(7) صفحة 31 : " وليس الطريق أن نخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي إلى يد طاغوت عربي ، فالطاغوت كله طاغوت ، إن الأرض لله .. وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت إلى طاغوت .. إن الناس عبيد الله وحده .. لا حاكمية إلا لله ، لا شريعة إلا من الله .. ولا سلطان لأحد على أحد .. وهذا هو الطريق ."
(السبكي) :كلمة قالها الخوارج قديما ، وهي وسيلتهم إلى ما كان منهم في عهد الإمام علي ، من تشقيق الجماعة الإسلامية ، وتفريق الصفوف ، وهي الكلمة المغرضة الخبيثة التي قال عنها الإمام علي :" إنها كلمة حق أريد بها باطل ".
فالمؤلف يدعو مرة إلى بعث جديد في الرقعة لإسلامية ثم يتوسع فيجعلها دعوة في الدنيا كلها ، وهي دعوة على يد الطليعة التي ينشدها والتي وضع كتابه هذا ليرشد بمعالمه هذه الطليعة .. كما يقرر .
وليس اغرب من هذه النزعة الخيالية ، وهي نزعة تخريبية ، يسميها طريق الإسلام .
والإسلام كما هو اسمه ومسماه يأبى الفتنة ولو في أبسط صورة ، فكيف إذا كانت فتنة غاشمة ، جبارة كالتي يتخيلها المؤلف .
وما معنى الحاكمية لله وحده ؟
هل يسير الدين على قدمين بين الناس ليمنع الناس جميعا عن ولاية الحكم ؛ أو يكون الممثل لله في الحكم هو شخصية هذا المؤلف الداعي والذي ينكر وجود الحكام من البشر ويضع المعالم في الطريق للخروج على كل حاكم في الدنيا.
إن القرآن نفسه يعترف بالحكام المسلمين ويفرض لهم حق الطاعة علينا، كما يفرض عليهم العدل فينا ، ويوجه الرعية دائما إلى التعاون معهم والإسلام نفسه لا يعتبر الحكام رسلا معصومين من الخطأ كما يضللنا المؤلف ، بل فرض فيهم أخطاء تبدر من بعضهم ، وناشدهم أن يصححوا أخطاءهم بالرجوع إلى الله وسنة الرسول ، وبالتشاور في الأمر مع أهل الرأي من المسلمين . ولم يبح أبدا أن تكون ثورة كهذه .
فغريب جدا أن يقوم واحد ، أو نفر من الناس ويرسموا طريقا معوجة يسموها طريق الإسلام لا غير ، ثم ينصبوا أنفسهم للهيمنة على هذا النظام الذي يزعمونه إسلاما.
لابد لاستقرار الحياة على أي وضع من أوضاعها من وجود حكام يتولون أمور الناس بالدين ، وبالقوانين العادلة التي تقتضيها الحياة ، كما يأذن القرآن ، وسنة الرسول.
ومن المقررات الإسلامية –أن الله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن.
فكيف يستقيم في عقل إنسان أن تقوم طليعة مزعومة لتجريد الحكام جميعا من سلطانهم. ولتفتح الطريق أمام طغمة من الخبثاء ، يوهمون الناس أنها طليعة الإيمان.
وبين الحكام كثيرون يسيرون على الجادة بقدر ما يتاح لهم من الوسائل ، فليسوا طواغيت أبدا.. أن هذا شطط في الخيال يجمح بمؤلف الكتاب إلى الشذوذ عن الأوضاع الصحيحة ، والتصورات المعقولة ، ويقذف به وبدعوته واتباعه إلى أحضان الشيطان بعيدين عن حوزة الإسلام .
( صفحة 43 : " فلا بد - أولا – أن يقوم المجتمع المسلم الذي يقر عقيدة لا إله إلا الله ، وأن الحاكمية ليست إلا لله .. وحين يقوم هذا المجتمع فعلا تكون له حياة واقعية ، وعندئذ فقط يبدأ هذا الدين في تقرير النظر والشرائع ...
(السبكي) :فهذا هجوم من المؤلف على الواقع إذ ينكر وجود " مجتمع إسلامي " وينكر وجود نظام إسلامي ، ويدعو إلى الانتظار في التشريع الإسلامي حتى يوجد المجتمع المحتاج إليه..
يريد المجتمع الذي سينشأ على يده – ويد الطليعة .. ويخيل إلينا أن المؤلف شطح شطحة جديدة ، فزعم لنفسه الهيمنة العليا على " الإلهية "في تنظيم الحياة الدنيا ، حيث يقترح أولا هدم النظم القائمة دون استثناء وطرد الحكام ، وإيجاد مجتمع جديد ، ثم التشريع من جديد لهذا المجتمع الجديد.
(9) صفحة 45 : يكرر هذا الكلام .
(10) صفحة 46 : يصرح به مرة ثالثة أو رابعة فيقول : أن دعاة الإسلام حين يدعون الناس لإنشاء هذا الدين – كذا – يجب أولا أن يدعوهم إلى اعتناق العقيدة حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين ، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون ويعلمهم أن كلمة لا إله إلا الله ، مدلولها الحقيقي هو رد الحاكمية لله ، وطرد المعتدين على سلطان الله .
(السبكي)وهكذا من تبجحه في وجه الواقع وسفاهته على مجموع المسلمين، وتلك نزعة المؤلف المتهوس ، يناقض بها الإسلام ، ويزعم أنه أغير الخلق على تعاليم الإسلام ..
أليست هذه هي الفتنة الجامحة ، بل الفتنة الجائحة .. من إنسان يفرض نفسه على الدين ، وعلى المجتمع .
(11) صفحة 50 - يعزز فكرته الفاتنة فيقول : " وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة البناء من جديد – يريد تجريد الثورة العامة كلما احتيج إلى إصلاح في المجتمع .
(12) صفحة 81 يقول : " إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين : معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها ، وأنظمتها وأوضاعها ، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض ، الحكم فيها للبشر في صورة من الصور ..الخ
وبهذا الكلام يلفظ المؤلف ما في نفسه من الحقد المستعر أو من الجنون المستحكم .
(13) صفحة 83 - يقول : " إن هذا الإعلان العام لتحرير الإنسان في الأرض لم يكن إعلانا نظريا فلسفيا ، إنما كان إعلانا حركيا ، واقعيا إيجابيا .. ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان.. الخ".
(السبكي) :ويسير المؤلف على هذا النحو من الإغراء للبسطاء والشباب باسم الجهاد للإسلام حتى يقرر ما يأتي :
(14) - في صفحة 90 - يقول :" أن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان ، إعلانا جادا ، يواجه الواقع الفعلي.
.. سواء كان الوطن الإسلامي آمنا أم مهددا من جيرانه ، فالإسلام حين يسعى إلى السلم ..
لا يقصد تلك السلم الرخيصة وهي مجرد أن يؤمن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية ".
( السبكي) : فهذه دعوة إلى إشعال الحروب مع الغير ولو كان الوطن الإسلامي آمنا مع أن نصوص القرآن والسنة ، وتوجيهات الإسلام عامة لا تدعو إلى مثل هذا الانفعال الغاشم ، إنما تعتبر الحرب وسيلة علاجية لاستقرار الحياة ، وقمع الفتن ، وشق طريق الدعوة إذا وقف في سبيلها خصوم يعاندونها والإسلام كله يدعو الى المسالمة مع من يسالمه ويترك الآخرين على عقائدهم الكتابية الأولى ، ويقبل منهم الجزية ، بل الإسلام يحبب الينا أن نحسن إلى المسالمين منهم ، والبر والعدل معهم ، وينهانا عن التودد إلى المسيئين الينا منهم ، وهذه الملاطفة مع المسالمين والمقاطعة للمسيئين ، هي ظاهرة العزة الرحيمة الإسلامية وترفعها عن الجبروت أولا ، وعن المذلة ثانيا .
ولكن صاحب " معالم في الطريق "يفهم غير ذلك ، ويعمد الى بعض الكتب وينقل منها كلاما عن ابن القيم ونحوه ، ثم يفهم كلامهم على ما يطابق نزعته ، ويتخذ من ذلك دليلا على أن الإسلام دين المهاجمات لكل طائفة وفي كل وطن وفي كل حين ..
وليس أجهل ممن يفهم ذلك ، ولا أخبث قصدا ممن ينادي بذلك ، والقرآن نفسه يدعونا حتى في حالة الحرب أن نقتصد في العداوة " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها .."
، فكيف نشعلها حربا لاتخمد ؟
(15) – في صفحة 105 يقول : " وكما أسلفنا فإن الانطلاق بالمذهب الإلهي .." يريد مذهبه في الثورة والفتنة والتدمير ، تقوم في وجهه عقبات مادية عن سلطة الدولة ، ونظام المجتمع ، وأوضاع البيئة ، وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة .. "وهنا يعوده عقله المريض بأنه سيصادف عقبات وسيحطمها هو بوسائله التخريبية التي يسميها قوة الإسلام .
ولو حاولت أنا شخصيا أن أغالط فيما فهمته ، أو أحسن الظن بما يقوله مؤلف "معالم في الطريق " لكنت في نظر نفسي مدلسا في الحقيقة السافرة ، مبتعدا عن الصواب وعما يريده هو من كلامه من صدام وتخريب ، وشر مستطير لا يعلم مداه غير الله .
(16) – وفي الصفحات 110 إلى 156 وما يليها و القول (للسبكي) تشتعل الثورة الحانقة في نفوس الكاتب فيلهب مشاعر القارئ البسيط ، ويدلس في الكلام توجيهاً معسولاً رطبا جذاباً نحو الأمل الذي يتخيله لنفسه ولمن ينصاع لفتنته .
(17) – ويقول في صفحة 156 سطر 9 ، 10 : " المجتمع الإسلامي وليد الحركة ..والحركة هي التي تعين مقدار الأشخاص فيه، وقيمتهم ، ومن ثم تحدد وظائفهم فيه ومراكزهم " هكذا يقول.
ويكرر ذلك الأمل في صفحة 158 سطر 8 وما بعده .
ثم يتابع هذه العبارات بعبارات مثلها أو اشد منها خداعا وإغراءا وتوريطا ، مما لا يدعو مجالاً لحسن الظن بما يقوله الكاتب في كتابِه
وهكذا يدور المؤلف في الكتاب كله حول فكرته في عبارات متشابهة ، أو بعضها أشد من بعض في تحريضه .
وإني لأكتفي بما أنقله أخيرا من كلماته :
(1 – صفحة 206 ، 207 يقول : " وحين يدرك الإسلام هذا النحو الذي فهمه هو في ثورته فان هذا الإدراك بطبيعته سيجعلنا نخاطب الناس ، ونحن نقدم لهم السلام في ثقة ، وفي عطف كذلك ورحمة .
ثقة الذي يستيقن أن ما معه هو الحق وان ما عليه الناس هو الباطل ، وعطف الذي يرى شقوة البشر وهو يعرف كيف يسعدهم .. ورحمة الذي يرى ضلال الناس ، وهو يعرف أين الهدى الذي ليس بعده هدى .. وهذه كلمات يستبيحها لنفسه ومن يتطاول إلى مقام الرسل إذ يكون مطمئنا إلى ما يتلقاه من الوحي ، ومستشعرا بعصمة نفسه بسبب عصمة الله له من الخطأ ، وأنه على الهدى الذي لا هدى بعده ..
عجب ، وعجيب شأن هذا المتهور ..
ومن ذلك الذي بلغ هذا المبلغ بعد محمد بن عبد الله يا ترى ؟..
أهو سيد قطب الذي سول له شيطانه أن ينعق في الناس بهذه المزاعم ويقتادهم وراءه إلى المهالك ليظفر بأوهامه التي يحلم بها ..
(19)ـ انه ليمعن في غروره فيقول ـ نفس صفحة 206ـ لن نتدسس إليهم بالإسلام..سنكون صرحاء معهم غاية الصراحة : هذه الجاهلية التي انتم فيها نجس والله يريد أن يطهركم ..
هذه الأوضاع التي انتم فيها خبث ، والله يريد أن يطيبكم..
هذه الحياة التي تحيونها دون ، والله يريد أن يرفعكم ..
هذا الذي أنتم فيه شقوة و بؤس و نكد ، والله يريد أن يخفف عنكم و يرحمكم و يسعدكم ..الإسلام سيغير تصوراتكم وأوضاعكم وقيمكم ، وسيرفعكم الى حياة أخرى تنكرون معها هذه الحياة التي تعيشونها .. الخ"
وذلك تكرار لما سبق مثله من التغرير بالآمال ، والأمان واستدراج البسطاء إلى المطامع والتهور.
(20) – صفحة 209 -: " ولم تكن الدعوة في أول عهدها في وضع أقوى ولا أفضل منها الآن ، كانت مجهولة ، مستنكرة من الجاهلية ، وكانت محصورة في شعاب مكة مطاردة من أصحاب الجاه والسلطان فيها ..الخ.
(21) – صفحة 212 : " وحين نخاطب الناس بهذه الحقيقة ، ونقدم لهم القاعدة العقيدية للتصور الإسلامي الشامل يكون لديهم في أعماق فطرتهم ما يبرر الانتقال من تصور إلى تصور ، ومن وضع الى وضع .. الخ".
وبهذا الذي نقلته من الكتاب -والقول للسبكي- صار واضحا من منطق الكاتب نفسه أنها دعوة هدامة غير سلمية ، ولا هادفة إلى إصلاح ، وان كانت مسماه عند صاحبها بذلك الاسم المصطنع .
ومهما يكن أسلوب الكاتب مزيجا بآيات قرآنية ، وذكريات تاريخية إسلامية فإنه كأساليب الثائرين للإفساد في كل مجتمع فهم يخلطون بين حق وباطل ليموهوا على الناس .
والمجتمعات لا تخلو من أغرار بسطاء ، فيحسنون الظن بما لا يكون كله حقاً ، ولا إخلاصاً ، وقد يسيرون وراء كل ناعق وخاصاً إذا كان يهدي الغير باسم الدين ، ووجدوا في غضون هذه الدعوة تلميحاً بالأمل في المراكز ، والأوضاع والقيم الجديدة في المجتمع الجديد.
وهذه الحيلة هي نفسها حيلة إبليس فيما صنعه مع آدم ، وحواء ، وفيما يدأب عليه دائما في فتنة الناس عن دينهم ، وعن الخير في دنياهم . ويزين لهم كل قبيح ، ويوهون عليهم كل عسير ، حتى إذا ما تورطوا في الفتنة تبرأ منهم وقال للإنسان " إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " ، ولكن بعد أن يكون ما تكون من الإفساد الذي حظرنا منه ونهانا عنه في كثير من الآيات ، وهددنا عليه بشر العقوبات والعذاب .
وبعد :
فقد انتهيت في كتاب " معالم في الطريق " إلى أمور :
1-إن المؤلفَ إنسانُ مسرفُ في التشاؤم ، ينظر إلى المجتمع الإسلامي ، بل ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود ويصورها للناس كما يراها هو أو أسود مما يراها ، ثم يتخيل بعد ذلك آمالاً ويَسْبح في خيال .
2-إن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام مهما يكن في ذلك عندي من إراقة دماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع ، وتصدع الأمن ، والهاب الفتن في صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله وذلك هو معــنى الثورة الحركيــة التي رددها كلامه.
منقول من مشاركة قديمة في سحاب.