عبد الحميد الجهني يقول: إن أحاديث الشفاعة عامة ومن المتشابه
نعوذ بالله من الجهل والهوى
بسم الله الرحمن الرحيم
نعوذ بالله من الجهل والهوى
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الجهني الحدادي في كتابه المسمى زوراً بـِ"الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع" (ص19-23):
"المسألة الثالثة:
احتجاجه (يعني ربيعًا) بأحاديث الشفاعة في هذه المسألة
لما قرر الشيخ ربيع المدخلي أن العمل كمال في الإيمان، ذهب يبحث عن أدلة تؤيد هذا المذهب، فوقع على أحاديث الشفاعة، وفيها لفظة معروفة احتجَّ بها (المرجئة) على أن العمل كمال في الإيمان، ووافقهم الشيخ ربيع، وهي لفظة (لم يعمل خيرًا قط)، فلما ردَّ عليه بعض طلاب العلم والمشايخ، وبينوا له خطأ هذا الاستدلال، تمسك بقوله وثبت عليه، وكتب مقالة في الرد عليهم عنوانها: (أحاديث الشفاعة الصحيحة تدمغ الخوارج([1]) والحدادية القطبية)!.
وظاهر من هذا العنوان أنه يصنف من يخالفه في هذه المسألة بأنه (خارجي حدادي قطبي)!.
وما علينا من هذه الألقاب، فإن العبرة بالحقائق، ولا يصح إلَّا الصحيح كما يقول العقلاء؛ لكن المقصود هو الوقوف مع هذه اللفظة التي يحتج بها، علماً بأن هذه اللفظة قد وقف عليها أئمة السنة، وعرفوا أنها قد تكون حُجَّة للمرجئة فأجابوا عنها.
من هؤلاء الأئمة الذين أجابوا عن هذا الحديث الإمام ابن خزيمة رحمه الله إمام السنة والحديث في عصره حيث قال في كتابه (التوحيد) (2/732): وهذه اللفظة: (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي يقول العرب، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، (لم يعلموا خيراً قط): على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي. انتهى كلامه.
وكأنه أراد رحمه الله أن يرد على المرجئة في عصره، فهم الذين يحتجون بمثل هذه العمومات، يدل عليه تبويبه، حيث قال:
(باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار: إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص). انتهى.
وسيأتي مزيد بيان لهذا المعنى إن شاء الله تعالى.
ومما يدل على أن هذه اللفظة من المتشابه، روايات أخرى محكمة في أحاديث الشفاعة، فيها بيان واضح والحمد لله، من ذلك الرواية التي أخرجها الإمام البخاري رحمه الله في (صحيحه) (برقم/6573) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكةَ أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتشحوا، فيصب عليهم ماءٌ يقال له ماءُ الحياة فينبتون نبات الحبةِ في حميل السيل).
فهذه الرواية تُبيِّن أن آخر من يخرج من النار من الموحدين هم من المصلين.
وعليه فجميع الروايات المتشابهة في أحاديث الشفاعة يجب أن تحمل على هذه الرواية".
أقول:
في هذا الكلام عدة مسائل:
المسألة الأولى: مسألة الإيمان أصل والعمل كمال، وقد أجبتُ عنها في مقال سابق لا يزال مثبتًا في شبكة سحاب، وهو قول أهل السنة.
المسألة الثانية: تهويشه على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، الذي تضمّن خمس مراحل من الشفاعات، آخرها شفاعة أرحم الراحمين، التي فيها: "فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ».
فيتجاهل هذا الحدادي كل هذه المراحل وما يؤيدها، ويرجف على هذه الجملة الواضحة المحكمة بقوله: "إنها من المتشابه".
المسألة الثالثة: حكم عبد الحميد الجهني على هذه الجملة بقوله: "ومما يدل على أن هذه اللفظة من المتشابه، روايات أخرى محكمة في أحاديث الشفاعة، فيها بيان واضح والحمد لله".
ولم يورد إلا رواية واحدة مختصرة، فأين باقي الروايات الأخرى المحكمة التي فيها بيان واضح أن هذه الجملة من المتشابه؟!
ومن سبقه من أئمة السنة إلى القول بأن هذه الجملة من المتشابه؟ ومن منهم ساق الأدلة التي فيها البيان الواضح، على أن هذه الجملة من المتشابه؟
فليذكر الجهني هؤلاء وأدلتهم.
المسألة الرابعة: مناقشة قوله: "فهذه الرواية تُبيِّن أن آخر من يخرج من النار من الموحدين هم من المصلين".
وأقول:
يرى القارئ أن هذا الرجل لا يعترف إلا بشفاعة واحدة هي شفاعة الملائكة فقط في المصلين، ولا يعترف بالشفاعات الأخرى من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن الأنبياء والشهداء وغيرهم من المؤمنين في عدد من أصناف الموحدين، آخرهم من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردلة من إيمان، ثم بعد هذه الشفاعات يخرج الله من النار من قال: "لا إله إلا الله" خالصًا من قلبه.
وأقول:
إذا كان آخر من يخرج من النار هم من المصلين، فاذكر لنا الأصناف الذين يخرجون قبلهم؟
المسألة الخامسة: حكم على أحاديث الشفاعة الواضحة والمفصلة، والتي بلغت حد التواتر بأنها من المتشابه، وأنه يجب أن تحمل على هذه الرواية التي أوردها، ثم أهدر بها تلك الأحاديث المتواترة.
هكذا يحكم هذا الرجل، ويوجب على غيره أن يحمل الروايات الواضحة المفصلة على رواية مختصرة، لعله قصّر فيها أحد الرواة عن أبي هريرة.
فهل هذا المنهج الذي يسير عليه هذا الحدادي مأخوذ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وعن أئمة السنة؟
أو أملاه عليه الهوى والجهل والعناد وسلوك منهج الخوارج؟
نعوذ بالله من ذلك كله.
إن الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام لعلى الإيمان والتسليم بأحاديث الشفاعة المتواترة والواضحة، ويدينون من لا يُسلِّم بها بالضلال؛ كالخوارج والمعتزلة، ومن سار على نهجهم.
وهاكم أيها القراء الكرام مواقف وتصريحات أئمة الإسلام بالتسليم المطلق لأحاديث الشفاعة والانقياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
كلام أئمة الإسلام حول أحاديث الشفاعة:
أولاً: الإمام أحمد -رحمه الله- قال في أصول السنة (ص64) مع الشرح:
1-"وَالْإِيمَان بشفاعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبقوم يخرجُون من النَّار بَعْدَمَا احترقوا وصاروا فحمًا فَيُؤْمَر بهم إِلَى نهر على بَاب الْجنَّة كَمَا جَاءَ الْأَثر كَيفَ شَاءَ وكما شَاءَ إِنَّمَا هُوَ الْإِيمَان بِهِ والتصديق بِهِ".
2-وقال -رحمه الله- كما في "السنة" للخلال (1/367):
نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَمَنْ شَكَّ فَلْيَقْرَأْ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] الْآيَةَ.
3- قال الخلال رحمه الله في "السنة":
1177 – قال أبو بكر المروذي: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُؤَخِّرَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
4- 1178 - قال المروذي: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَفَّانُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَيُرْعَبُ الْعَدُوُّ وَهُوَ مِنِّي عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَقِيلَ: سَلْ تُعْطَهْ، وَاخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَهِيَ نَائِلَةٌ مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا".
5-وقال الخلال في "السنة":
1181 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَلَيْتٌ الْعَامِرِيُّ، عَنْ جَسْرَةَ الْعَامِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِهَا: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] فَلَمَّا أَصْبَحَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَازِلْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى أَصْبَحْتَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ بِهَا؟ قَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّيَ الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِيهَا، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا».
6- 1182 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَعْلَى ابْنُ عُبَيْدٍ، قَالَا: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي» قَالَ يَعْلَى: «شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا».
أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (199)، والإمام أحمد في "مسنده" (2/381).
7-وقال حَنْبَل: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّفَاعَةِ؟ فَقَالَ: " هَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ نُؤْمِنُ بِهَا وَنُقِرُّ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ نُؤْمِنُ بِهَا وَنُقِرُّ، قُلْتُ لَهُ: وَقَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا لَمْ نُقِرَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَدَفَعْنَاهُ رَدَدْنَا عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] قُلْتُ: وَالشَّفَاعَةُ؟ قَالَ: كَمْ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّفَاعَةِ وَالْحَوْضِ، فَهَؤُلَاءِ يُكَذِّبُونَ بِهَا وَيَتَكَلَّمُونَ، وَهُوَ قَوْلُ صِنْفٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ أَحَدًا بَعْدَ إِذْ أَدْخَلَهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَدَلَ عَنَّا مَا ابْتَلَاهُمْ بِهِ". "شرح أصول الاعتقاد" للالكائي (6/1111) رقم (2090).
8-قال عبد الله: حَدَّثَنِي أَبِي، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَمَنْ شَكَّ فَلْيَقْرَأْ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] الْآيَةَ، "السنة" لعبد الله بن أحمد (1/367-36 رقم (794).
9-وقال الخلال في "السنة" (2/149) رقم (1581):
"قال أبو بكر المروذي: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلْمَانَ الْعَصَرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ صُهْبَانَ, قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكَرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: (يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَتَقَادَعُ بِهِمْ جَنَبَتَا الصِّرَاطِ تَقَادُعَ الْفِرَاشِ فِي النَّارِ, فَيُنَجِّي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ. قَالَ: ثُمَّ يُؤْذَنُ لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ, عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ , أَنْ يَشْفَعُوا , فَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ , وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ , وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً مِنْ إِيمَانٍ).
10-وقال الخلال: قال المروذي: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ الْعُتْوَارِيِّ أَحَدِ بَنِي لَيْثٍ , وَكَانَ فِي حَجْرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ : شَهِدْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (يَشْفَعُ الأَنْبِيَاءُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصًا , لِيُخْرِجُوهُمْ مِنْهَا , ثُمَّ يَتَحَنَّنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا , فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا عَبْدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلاَّ أَخْرَجَهُ مِنْهَا ) "السنة" للخلال رقم (1589).
11-وقَالَ الخلال: قال المروذي : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا قَتَادَةُ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً , ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً , ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) "السنة" للخلال رقم (1590) .
12- وقال الإمام أحمد في "مسنده" (2/304):
"حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وغير واحد، عن الحسن، وابن سيرين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح . فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك. قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد ".
ثانيًا، وثالثًا: وقال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان في عقيدتهما (ص104) من "قرة العينين بتوضيح معاني عقيدة الرازيين:
"والشفاعة حق، وأنَّ ناساً من أهل التوحيد يخرجون بالشفاعة حقٌّ".
رابعًا: وقال الإمام البربهاري في كتابه "شرح السنة": والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين؛ في يوم القيامة، وعلى الصراط، ويخرجهم من جوف جهنم، وما من نبي إلا له شفاعة، وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون ، ولله بعد ذلك تفضل كثير فيمن يشاء، والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحما"، انظر "عون الباري ببيان ما تضمّنه شرح السنة للإمام البربهاري" (1/137).
خامسًا: وقال الإمام الآجري –رحمه الله- في كتاب "الشريعة" (ص274):
1-"بَابُ وجُوبِ الْإِيمَانِ بِالشَّفَاعَةِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ , أَنَّ الْمُنْكِرَ لِلشَّفَاعَةِ يَزْعُمُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ فَلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا, وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ يُكَذِّبُونَ بِهَا, وَبِأَشْيَاءَ سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, مِمَّا لَهَا أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسُنَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ, وَقَوْلِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
والْمُعْتَزِلَةُ يُخَالِفُونَ هَذَا كُلَّهُ , لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا إِلَى سُنَنِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا يُعَارِضُونَ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ , وَبِمَا أَرَاهُمُ الْعَقْلُ عِنْدَهُمْ , وَلَيْسَ هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا هَذَا طَرِيقُ مَنْ قَدْ زَاغَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَقَدْ لَعِبِ بِهِ الشَّيْطَانُ , وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهِ, وَحَذَّرَنَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَّرَنَاهُمْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا".
2-ثم ذكر بعده باب ما روي أن الشفاعة إنما هي لأهل الكبائر.
3-ثم قال رحمه الله (ص280):
"بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ تَعَالَى
786 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ الْمُطَرِّزُ: وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ , فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ , وَإِنِّي اخْتَبَأَتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» لَفْظُ أَبِي مُعَاوِيَة.
4- 787 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَأَخَّرْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا».
5- 788- حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو , عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ , لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ , أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ".
سادسًا: الإمام ابن منده رحمه الله في كتابه [الإيمان] (2) ساق أحاديث الشفاعة من صفحة(763) إلى صفحة (852).
1-وفي (ص776) أورد حديث أبي سعيد الخدري الذي يشتمل على خمس مراحل للشفاعة، ثم واصل إلى (ص795)، ثم ذكر أحاديث عن ابن مسعود، وأبي ذر في آخر أهل النار خروجا منها.
2-وفي (ص802-80 ذكر أحاديث في الشفاعة عن جابر تتعلق بآخر من يخرج من النار.
3-وفي (ص809-826) ذكر أحاديث أنس في الشفاعة وفيها: أن الله يشفعه فيحد له حدًّا فيخرج أناسا من النار ويدخلهم الجنة.
وفيها أنه يقال له: اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة.
ويعود في الثانية فيسجد لربه، ثم يقال له: اذهب فمن وجدت في قلبه مثقال نصف حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة.
ويعود في الثالثة فيسجد لربه، ثم يقال له: اذهب فمن وجدت في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأدخله الجنة.
وفي الرابعة يقول الله عز وجل: وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله.
4-وفي (ص826) إلى (832) أحاديث لأبي هريرة، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأمته، فيقول الله: أدخل الجنة من لا حساب عليه من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخرى.
5-وفي (ص834-836) أورد أحاديث لأنس وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شفيع في الجنة، وأنه أكثر الأنبياء أتباعا يوم القيامة.
6-وفي (ص836) إلى (ص842) ذكر أحاديث عن أبي هريرة في الشفاعة، وفيها: الشفاعة فيمن قال: لا إله إلا الله مخلصا.
والشفاعة فيمن مات لا يشرك بالله شيئًا.
7-وفي (ص844-847) ذكر أحاديث عن أنس في الشفاعة مختصرة.
8-وفي (ص848-849) أورد حديث عوف بن مالك وفيه: "أُشهِد من حضرني أن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".
9- وفي (ص850-852) أورد حديثين عن ابن عمر وحذيفة حول المقام المحمود.
سابعًا: الإمام أبو عثمان الصابوني، قال في "عقيدة السلف أصحاب الحديث":
"ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمذنبي التوحيد، ومرتكبي الكبائر، كما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو سعيد بن حمدون، أنبأنا أبو حامد بن الشرقي، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أنبانا معمر عن ثابت عن أنس عن الني صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
وأخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد أخبرنا محمد بن المسيب الأرغياني، حدثنا الحسن ابن عرفة، حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي، عن زياد بن خيثمة عن نعمان بن قراد، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خُيِّرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفى. أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين".
أخبرنا أبو محمد المخلدي، أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو، (ح).
وأخبرنا أبو طاهر بن خزيمة أخبرنا جدي الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا علي بن حجر بن إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه" انظر "شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث" (ص210).
ثامنًا: الإمام اللالكائي –رحمه الله-، قال في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (6/189):
"سِيَاقُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ إِذَا مَاتُوا عَنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ إِنْ شَاءَ النَّارَ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ".
قال رحمه الله:
2045 - وَأَنَا كُوهِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: نا خَالِدُ ابْنُ يُوسُفَ، قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ إِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ».
2067 - أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْرَانَ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى، قَالَ: نا الْقَاسِمُ ابْنُ بِشْرٍ، قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ وَحَّدَنِي، وَمَنْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ».
2088 - وَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ مُبَشِّرٍ، قَالَ: نا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهَا» لَفْظُ ابْنِ الْمُبَارَكِ.
وساق أحاديث كثيرة من رقم (2039) إلى رقم (229.
تاسعًا: الإمام البغوي رحمه الله، قال في [شرح السنة] (15/152):
"بَابُ شَفَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79].
رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء:79]، سُئِلَ عَنْهَا، قَالَ: "هِيَ الشَّفَاعَة".
وَقَالَ زَيْد بْن أسلم فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يُونُس: 2]، قَالَ: "مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ثم أورد حديث أبي هريرة في الشفاعة وأن الناس يأتون آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فيطلبون منهم الشفاعة إلى ربهم فيعتذرون جميعاً.
ثم يَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، وَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ".
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ.
ثم أورد حديث أنسٍ -رضي الله عنه- في الشفاعة.
4333 – قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا مَعْبَدُ بْنُ هِلالٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ إِلَيْهِ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَا يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ. فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤُلاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَاءُوا يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا، لَا تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، مِنَ النَّار، مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ"، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، قَالَ: هِيهِ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ، فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهِ، فَقُلْنَا: لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلا نَدْرِي أنسي، أَوْ كَرِهَ أَن تتكلوا. قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا. فَضَحِكَ، وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولا، مَا ذَكَرْتُهُ إِلا وأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: "ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي، وَجَلالِي، وَكِبْرِيَائِي، وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُور، عَنْ حَمَّاد ابْن زَيْد.
عاشرًا: الإمام إسماعيل بن محمد الأصبهاني، قال في كتابه [الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة] (1/459):
1-"فصل فِي ذكر شَفَاعَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
ثم ساق بإسناده حديثاً إلى عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ -رَضِي الله عَنهُ– مرفوعًا، ونصه: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا عصوا الله عز وَجل واجترؤوا على معصيته، وَخَالَفُوا طَاعَتَهُ، فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ، فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سَاجِدًا كَمَا أُثْنِي عَلَيْهِ قَائِمًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: أَخْرِجْ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قلبه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَأَخْرِجْ مَنْ ذَكَرَنِي خَالِيًا أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ ".
2-ثم أورد حديث أنس المشهور برقم (301)، وهو يتضمن عدداً من شفاعات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- آخرها يأمره الله بأن يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان، ثم يشفع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في من قال: لا إله إلا الله، فيقال: ليس ذاك لك أو إليك، وعزتي وكبريائي وجبروتي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله.
3-ثم ساق مرة ثانية حديث أنس برقم (302) مختصراً.
4-ثم ساق برقم (303) حديثاً آخرَ مطولاً، وفيه:
فَيَأْتُونَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام، فَيَقُولُونَ: اشفع لَنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُرِحْنَا مِنْ مَنْزِلِنَا، فَيَسْتَقرُونَ الأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ كُلُّهُمْ يَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُم، لست هُنَاكُم، ثمَّ يعودون إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيَقُولُ لَهُمْ: يَا بَنِي آدَمَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ جَعَلَ مَتَاعًا فِي عَيْبَتِهِ وَخَتَمَ عَلَيْهِ هَلْ يُؤْتَى مَتَاعُهُ إِلا مِنْ قِبَلِ الْخَاتَمِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ يَفْتَحُ لَكُمُ الشَّفَاعَةُ فَعَلَيْكُمْ بِهِ فَأُوتَى فَأَقُومُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيُفْتَحُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُعَلِّمُنِي اللَّهُ مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ: اشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ شَفِّعْنِي فِي كُلِّ طِفْلٍ مَاتَ صَغِيرًا، فَيُقَالُ (لِي) إِنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَعَظَمَتِي لَا أَدَعُ فِي النَّارِ عَبْدًا مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا إِلا أَخْرَجْتُهُ مِنْهَا، قَالَ: فَذكرَ لِي أَنَّ رَجُلا يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّهُ كَانَ لِي صَدِيقٌ فَيُجْزِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُخْرِجَ صَدِيقَهُ ".
الحادي عشر: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال في العقيدة الواسطية (ص252-255) شرح الهراس:
1-"وَأَوَّلُ مَن يَسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَأَوَّلُ مَن يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ الأُمَمِ أُمَّتُهُ.
وَلَه صلى الله عليه وسلم فِي الْقِيَامَةِ ثَلاثُ شَفَاعَاتٍ:
أَمَّا الشَّفَاعَةُ الأُوْلَى: فَيَشفَعُ فَي أَهْلِ الْمَوْقِفِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ الأَنْبِيَاءُ؛ آدَمُ، وَنُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَنِ الشَّفَاعَةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَيْهِ.
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّانِيَةُ: فَيَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَن يَدْخُلُوا الْجَنَّة.
وَهَاتَانَ الشَّفَاعَتَانِ خَاصَّتَانِ لَهُ.
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّالِثَةُ: فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ، وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ لَهُ وَلِسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ أَن لاَّ يَدْخُلَهَا، وَيَشْفَعُ فِيمَنْ دَخَلَهَا أَن يَخْرُجَ مِنْهَا. وَيُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ أَقْوَامًا بِغِيرِ شَفَاعَةٍ؛ بَلْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَبْقَى فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ عَمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَيُنْشِئُ اللهُ لَهَا أَقْوَامًا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ".
2-وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في [مجموع الفتاوى] (4/309):
"عَنْ الشَّفَاعَةِ فِي " أَهْلِ الْكَبَائِرِ " مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَلْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ: إنَّ أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ فِي " أَهْلِ الْكَبَائِرِ " ثَابِتَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهَا السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَلَا يَبْقَى فِي النَّارِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ بَلْ كُلُّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيَبْقَى فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ. فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ يُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
3-وقال رحمه الله في (7/184):
"وَلِهَذَا جَاءَ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ الصَّحِيحَةِ: " {يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ} " وَفِي بَعْضِهَا: " {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ} " وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وَذَلِكَ الَّذِي هُوَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ هُوَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ وَهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ الْأَبْرَارُ الْأَتْقِيَاءُ هُمْ أَهْلُ السَّعَادَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الَّذِينَ وُعِدُوا بِدُخُولِهَا بِلَا عَذَابٍ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا} " فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ بَلْ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ الْمُعَرَّضِينَ لِلْوَعِيدِ أُسْوَةَ أَمْثَالِهِمْ".
4-وقال رحمه الله في (7/500):
"السَّبَبُ السَّادِسُ: شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي). وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُيِّرْت بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ؛ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ فَاخْتَرْت الشَّفَاعَةَ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْثَرُ؛ أَتَرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ لَا. وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ المتلوثين الْخَطَّائِينَ)".
5-وقال رحمه الله في (11/662):
"وَأَهْلُ الْوَعِيدِ يَقُولُونَ: لَا يُتَقَبَّلُ الْعَمَلُ إلَّا مِمَّنْ اتَّقَاهُ بِتَرْكِ جَمِيعِ الْكَبَائِرِ. وَهَذَا خِلَافُ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي {قِصَّةِ حِمَارٍ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وَكَمَا فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَإِخْرَاجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ النَّارِ. حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ. فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَمَعَ هَذَا فَقَدْ صَحَّ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} . وَقَالَ: " {مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا حَرَّمَهَا فِي الْآخِرَةِ} وَقَالَ: " {لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا}".
6-وقال رحمه الله في (27/441):
"وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَلَمْ يَقُلْ كَانَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي بَلْ قَالَ: (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ)؛ فَعُلِمَ أَنَّ مَا يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ مِنْ شَفَاعَةِ الرَّسُولِ وَغَيْرِهَا لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا كَسُؤَالِهِ الْوَسِيلَةَ لِلرَّسُولِ فَكَيْفَ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ بَلْ نَهَى عَنْهُ؟ فَذَاكَ لَا يَنَالُ بِهِ خَيْرًا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ غُلُوِّ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ. وَنَظِيرُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا} . وَكَذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ كُلِّهَا إنَّمَا يَشْفَعُ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ فَبِحَسَبِ تَوْحِيدِ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَإِخْلَاصِهِ دِينَهُ لِلَّهِ يَسْتَحِقُّ كَرَامَةَ الشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا".
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- يُسلِّم بأحاديث الشفاعة تسليماً مطلقاً.
الثاني عشر: الإمام ابن القيم -رحمه الله- أورد عدداً من أحاديث الشفاعة في "حاشيته على تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته للمنذري" (1/..-489).
قال -رحمه الله-:
"عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أُمَّتِي". وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيث الشَّفَاعَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث أَنَس, وَأَبِي سَعِيد, وَجَابِر, وَأَبِي هُرَيْرَة, وَعَوْف بْن مَالِك الْأَشْجَعِيّ, وَأَبِي ذَرّ, وَابْن الْجَدْعَاء، وَيُقَال: اِبْن أَبِي الْجَدْعَاء، وَعُتْبَة بْن عَبْد السُّلَمِيِّ، وَعِمْرَان بْن حُصَيْنٍ وَحُذَيْفَة وَكُلّهَا فِي الصَّحِيح. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَة دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ، وَإِنِّي اِخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لِأُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَة مُسْتَجَابَة، فَتَعَجَّلَ كُلّ نَبِيّ دَعْوَته، وَإِنِّي اِخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لِأُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة فَهِيَ نَائِلَة إِنْ شَاءَ اللَّه مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا".
وَلَفْظه لِمُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر بِنَحْوِهِ. وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: "قُلْت: يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَسْعَد النَّاس بِشَفَاعَتِك يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: لَقَدْ ظَنَنْت يَا أَبَا هُرَيْرَة أَنْ لَا يَسْأَلنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيث أَوْلَى مِنْك لِمَا رَأَيْت مِنْ حِرْصك عَلَى الْحَدِيث أَسْعَد النَّاس بِشَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة مَنْ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مِنْ قِبَل نَفْسه". وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة شُفِّعْت فَقُلْت. يَا رَبّ، أَدْخِلْ الْجَنَّة مَنْ فِي قَلْبه خَرْدَلَة فَيَدْخُلُونَ ثُمَّ أَقُول يَا رَبّ أَدْخِلْ الْجَنَّة مَنْ فِي قَلْبه أَدْنَى شَيْء" قَالَ أَنَس: "كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى أَصَابِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَخْرُج قَوْم مِنْ النَّار بِشَفَاعَةِ مُحَمَّد. فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة، وَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ".
ثم ساق حديث أنس –رضي الله عنه- بطوله، وفيه عدد من الشفاعات آخرها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج من النار من فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّة خردل من إيمان".
وبعدها قول الله: "وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي، لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».
ثم ساق أحاديث أخر في الشفاعة من الصحيحين؛ عن أبي هريرة، ثم عن حذيفة وأبي هريرة، ثم عن أبي سعيد.
ثم قال:
"فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث خَمْسَة أَنْوَاع مِنْ الشَّفَاعَة.
أَحَدهَا: الشَّفَاعَة الْعَامَّة الَّتِي يَرْغَب فِيهَا النَّاس إِلَى الْأَنْبِيَاء, نَبِيًّا بَعْد نَبِيّ، حَتَّى يُرِيحهُمْ اللَّه مِنْ مَقَامهمْ.
النَّوْع الثَّانِي: الشَّفَاعَة فِي فَتْح الْجَنَّة لِأَهْلِهَا.
النَّوْع الثَّالِث: الشَّفَاعَة فِي دُخُول مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ الْجَنَّة.
النَّوْع الرَّابِع: الشَّفَاعَة فِي إِخْرَاج قَوْم مِنْ أَهْل التَّوْحِيد مِنْ النَّار.
النَّوْع الْخَامِس: فِي تَخْفِيف الْعَذَاب عَنْ بَعْض أَهْل النَّار.
وَيَبْقَى نَوْعَانِ يَذْكُرهُمَا كَثِير مِنْ النَّاس.
أَحَدهمَا: فِي قَوْم اِسْتَوْجَبُوا النَّار فَيُشْفَع فِيهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا.
وَهَذَا النَّوْع لَمْ أَقِف إِلَى الْآن عَلَى حَدِيث يَدُلّ عَلَيْهِ. وَأَكْثَر الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي أَنَّ الشَّفَاعَة فِي أَهْل التَّوْحِيد مِنْ أَرْبَاب الْكَبَائِر إِنَّمَا تَكُون بَعْد دُخُولهمْ النَّار".
فهذا الإمام ابن القيم يُسلِّم بأحاديث الشفاعة تسليماً مطلقاً، بعد أن ذكر عدداً منها، ومنها حديثان لأبي هريرة في من قال: "لا إله إلا الله"، وحديث أنس الذي فيه عدد من الشفاعات، آخرها من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل، ثم بعدها رحمة رب العالمين، فيخرج ربنا من النار من قال: لا إله إلا الله.
وقال –رحمه الله- في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273):
"الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا فيقول: "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط"، فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.
ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه([2]) عقول البشر وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (يقول الله عز وجل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)".
فالإمام ابن القيم بنى حكمه هنا على حديث أبي سعيد وأيده بحديث هذا الرجل الذي لم يعمل خيرًا قط، وأمر أولاده أن يحرقوه...الحديث.
وهو يؤمن بأحاديث الشفاعة الأخرى والأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله وفضل التوحيد.
والذي نعرفه عن ابن القيم أنه كان يرى كفر تارك الصلاة.
لكنه لما وقف أمام أحاديث الشفاعة لم يسعه إلا الاستسلام لها والصدع بمضمونها.
وكذلك يقال عن الإمام أحمد، فإنَّ له روايات عديدة في تكفير تارك الصلاة حينًا وعدم تكفيره حينًا آخر، وفي تكفير تارك الأركان تارة، وفي عدم تكفيره تارة أخرى.
والظاهر أن سبب اختلاف رواياته ثم فيأَتُهُ إلى عدم التكفير هو استسلامه وإيمانه بأحاديث الشفاعة.
وقلْ مثل ذلك في شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه قد يرى كفر تارك الصلاة، لكنه إذا وقف أمام أحاديث الشفاعة استسلم لها وصدع بمضمونها.
الثالث عشر: ابن أبي العز -رحمه الله- ذكر في شرح العقيدة الطحاوية (ص252) طبعة المكتب الإسلامي ثمانية أنواع للشفاعة من (ص252) إلى (ص260)، فبدأ أولا بذكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة فيقول الله عز وجل: قد شفعتك وأذنت لهم في دخول الجنة.
ثم قال رحمه الله (ص257):
"النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنَ الشَّفَاعَةِ: شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَامٍ قَدْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَيَشْفَعُ فِيهِمْ لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَفِي أَقْوَامٍ آخَرِينَ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ أَنْ لَا يَدْخُلُونَهَا.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِيهَا فَوْقَ مَا كَانَ يَقْتَضِيهِ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ. وَقَدْ وَافَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ خَاصَّةً، وَخَالَفُوا فِيمَا عَدَاهَا مِنَ الْمَقَامَاتِ، مَعَ تَوَاتُرِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: الشَّفَاعَةُ فِي أَقْوَامٍ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَيَحْسُنُ أَنْ يُسْتَشْهَدَ لِهَذَا النَّوْعِ بِحَدِيثِ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، حِينَ دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَالْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .
النَّوْعُ السَّادِسُ: الشَّفَاعَةُ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ، كَشَفَاعَتِهِ فِي عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ عَذَابُهُ. ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي [التَّذْكِرَةِ] بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا النَّوْعِ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] (الْمُدَّثِّرِ: 4. قِيلَ لَهُ: لَا تَنْفَعُهُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، كَمَا تَنْفَعُ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ، الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
النَّوْعُ السَّابِعُ: شَفَاعَتُهُ أَنْ يُؤْذَنَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ».
النَّوْعُ الثَّامِنُ: شَفَاعَتُهُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ، مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهَذَا النَّوْعِ الْأَحَادِيثُ. وَقَدْ خَفِيَ عِلْمُ ذَلِكَ عَلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَخَالَفُوا فِي ذَلِكَ، جَهْلًا مِنْهُمْ بِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ، وَعِنَادًا مِمَّنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى بِدْعَتِهِ. وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ تُشَارِكُهُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا. وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ تَتَكَرَّرُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَمِنْ أَحَادِيثِ هَذَا النَّوْعِ، حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ".
ثم ساق حديث أنس –رضي الله عنه-، أورده من صحيح البخاري، وذكر في نهايته إخراج مسلم له، وفيه ثلاث شفاعات، آخرها: يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، وبعدها يقول الله: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله.
ثم قال –رحمه الله-:
"وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ». وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، قَالَ: «فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ» ، الْحَدِيثَ.
فهذا الإمام ابن أبي العز يُسلِّم بأحاديث الشفاعة تسليماً مطلقاً.
الرابع عشر: الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، قال كما في "الدرر السنية" كتاب العقائد (1/31):
"وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع، وأول مشفع; ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال; ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} ، [سورة الأنبياء آية: 28] . وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ، [سورة البقرة آية: 255] . وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} ، [سورة النجم آية: 26] . وهو: لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله; وأما المشركون: فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} ، [سورة المدثر آية: 48] ".
وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وكان مما جاء في السؤال:
"نظرت في حديث الشفاعة الكبرى، عند قوله سبحانه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [سورة الإسراء آية: 79] ، وإخراجه العصاة من أمته بإذن ربه، حتى قال: "أذن لي فيمن قال لا إله إلا الله" هذا مشكل علي جدا، وقاصر فهمي عن معرفته، إذا كان كلمة التوحيد هي الغاية، وتقييدها بالمعرفة مع العمل، وإخراجه صلى الله عليه وسلم من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان; فأنت" جزاك الله خيرا" بين لي معنى هذا الكلام، لا أضل ولا أضل.
وأخبرك: أني غافل عن الفهم في الربوبية، ما فهمي بجيد في الإلهية، فحين بان لي شيء من معرفتها، واتضح لي بعض المعرفة في الإلهية بضرب المثل: أن فيصل ما استعبد لعريعر إلا لأجل كبر ملك عريعر، مع أنه قبيل له، وأظن غالب الناس كذلك، وفيهم من لا يرى الربوبية، ولا يعتبرها، أو يتهاون بها، وهذا تسمعه من بعضهم، فجزاك الله خيرا، صرح بالجواب؟
فأجاب الإمام -رحمه الله- بإجابة مطولة جاء فيها:
"وأما كون لا إله إلا الله، تجمع الدين كله، وإخراج من قالها من النار، إذا كان في قلبه أدنى مثقال ذرة، فلا إشكال في ذلك.
وسر المسألة أن الإيمان يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله، بل هذا مذهب الخوارج، فالذي يقول: الأعمال كلها من لا إله إلا الله، فقوله الحق; والذي يقول: يخرج من النار من قالها، وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة، فقوله الحق.
السبب مما ذكرت لك، من التجزي; وبسبب الغفلة عن التجزي، غلط أبو حنيفة، وأصحابه في زعمهم، أن الأعمال ليست من الإيمان، والسلام".[الدرر السنية] (2/63 -66).
وقال رحمه الله في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد: "باب الشفاعة".
ثم أورد عددًا من الآيات في الشفاعة، ثم ذكر كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية في الشفاعة، فقال رحمه الله:
"قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً، ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، واسأل تعط واشفع تشفع. وقال له أبو هريرة: "من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه".
الخامس عشر: الإمام عبد الرحمن بن حسن أجاد في شرحه لباب الشفاعة من كتاب "التوحيد" للإمام محمد في كتابه [فتح المجيد] (ص176-182).
حيث علّق على الآيات التي أوردها الإمام محمد في الشفاعة المنفية والشفاعة المثبتة، وخرّج حديث أبي هريرة الذي أورده الإمام محمد ونصه: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: "لا إله إلا الله"، خالصا من قلبه".
ذكر أن هذا الحديث رواه البخاري والنسائي وأحمد وصححه.
ثم قال: "وشاهده في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة. فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا".
وذكر تعليقاً للإمام ابن القيم على هذا الحديث.
ثم قال: "وذكر أيضا - رحمه الله تعالى – (يعني ابن القيم) أن الشفاعة ستة أنواع:
الأول: الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم - عليهم الصلاة والسلام - حتى تنتهي إليه صلي الله عليه وسلم فيقول: " أنا لها"، وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من مقامهم في الموقف. وهذه شفاعة يختص بها لا يشركه فيها أحد.
الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها. وقد ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق عليه.
الثالث: شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار بذنوبهم; فيشفع لهم أن لا يدخلوها.
الرابع: شفاعته في العصاة من أهل التوحيد الذين يدخلون النار بذنوبهم، والأحاديث بها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة، وبدّعوا من أنكرها، وصاحوا به من كل جانب ونادوا عليه بالضلال.
الخامس: شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم، وهذه مما لم ينازع فيها أحد. وكلها مختصة بأهل الإخلاص الذين لم يتخذوا من دون الله وليا ولا شفيعا، كما قال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ}".
السادس: شفاعته في بعض الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه، وهذه خاصة بأبي طالب وحده".
فهذا الإمام عبد الرحمن ينقل عن الإمام ابن القيم:
1-أن أحاديث الشفاعة متواترة.
2-وأنه قد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة.
3- وأنهم بدّعوا من أنكرها، وصاحوا به من كل جانب ونادوا عليه بالضلال.
وعبد الحميد الجهني ومن قلّده من الحدادية يرون أن الشفاعة لا تحصل إلا لصنف واحد وهم المصلون، ولا يعترفون بالشفاعات الأخرى، وأحاديث الشفاعة عندهم من المتشابه، فخالفوا إجماع الصحابة وأهل السنة في التسليم المطلق بأحاديث الشفاعة، فلهم نصيب الأسد من تبديع أهل السنة لأهل الضلال.
السادس عشر: العلامة الشيخ محمد بن عبد اللطيف حيث كتب رسالة إلى أهل اليمن وغيرهم في بيان عقيدة أهل نجد.
فقال: "ونؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أول شافع، وأول مشفع; ولا ينكرها إلا مبتدع ضال، وأنها لا تقع إلا بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [سورة الأنبياء آية: 28] ، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [سورة النجم آية: 26]، وهو سبحانه، لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله، قال أبو هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: " من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال لا إله إلا الله، خالصا من قلبه. فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص، بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله"، "الدرر السنية" (1/574).
أقول:
وهناك أئمة آخرون أخرجوا عدداً من أحاديث الشفاعة، ومنها الشفاعة في من قال: "لا إله إلا الله"، والشفاعة في من لا يشرك بالله شيئاً، وفي من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان، مؤمنين بها مسلِّمين بها، فلم يقل أي إمام منهم: إن أحاديث الشفاعة من المتشابه، بل لم يقل أحد منهم في أي حديث منها: إنه من المتشابه.
منهم الإمام ابن أبي شيبة، أورد عددًا من أحاديث الشفاعة في الجزء السادس من مصنفه.
ومنهم الإمام الترمذي، أورد في جامعه عددًا من أحاديث الشفاعة.
ومنهم الإمام ابن حبان، أورد عددًا من أحاديث الشفاعة في صحيحه، انظر "الإحسان" الجزء الأول.
ومنهم الإمام النسائي في "الكبرى" و"المجتبى" ذكر بعض الأحاديث.
فهؤلاء الأئمة سائرون على منهج الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان في الإيمان الراسخ بأحاديث الشفاعة والاستسلام لها؛ لأنها صادرة عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى.
وخالفهم في الإيمان بها والاستسلام لها الخوارج والمعتزلة والمرجئة ومن تابعهم من أهل البدع والضلال؛ كالحدادية الذين لا يؤمنون إلا بالشفاعة في المصلين، ولا يؤمنون بما بعدها من الشفاعات الثابتة ثبوت الجبال الرواسي.
فلعلهم يرجعون عن هذا المنهج الخطير، ونأمل أن يعلنوا هذا التراجع، فإنه خير لهم في الدنيا والآخرة.
وصلى الله على نبينا وشفيعنا محمد –صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
كتبه
ربيع بن هادي العمير
7/5/1437هـ
الحواشي:
---------------------------------------------------
([1]) نعم والله إنها لدامغة، ولكن يصدق عليكم قول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي
([2]) كذا، والصواب: لا تبلغها
من منتدى سحاب السلفية
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=157326
.http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=157326