دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه
المسمَّى زورًا بالرد العلمي
(الحلقة الأولى)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه،
أما بعد:
فقد صدر في هذا العام (1437هـ) كتاب لعبد الحميد الجهني سماه زورًا [الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع].
قال الجهني في مقدمة هذا الكتاب -البعيد عن العلم والقائم على المكابرات والقائم على الأصول الباطلة، والأساليب السفسطائية الواضحة، والمغالطات، ورد النصوص النبوية، ورد أقوال العلماء الجلية- (ص3- 5):
"بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد ه ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فهذا رد علمي على بعض مقالات الشيخ ربيع المدخلي، سوف يكون البحث فيها([1]) بمشيئة الله تعالى حول المسائل التالية:
أولاً: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان.
ثانيًا: رده للإجماع الذي حكاه الشافعي رحمه الله في هذه المسألة.
ثالثًا: احتجاجه بأحاديث الشفاعة في هذه المسألة.
رابعًا: دعواه أن أئمة السلف لا يقولون: إن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
خامسًا: تضعيفه لأثر عبد الله بن شقيق رحمه الله في إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا.
سادسًا: دعواه أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لا يُكفِّر تارك العمل؛ لأنه سلَّم بزعمه لأحاديث الشفاعة!
سابعًا: دعواه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لا يُكفِّر تارك العمل، وكذا ينسب هذا القول إلى أئمة الدعوة! كما نسبه قبل ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله!
ثامنًا: دعواه أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لم يقل عمن لا يكفر تارك العمل بأنه مرجئ.
تاسعًا: عدم تفريقه بين مذهب السلف وبين قول المرجئة في منزلة العمل من الإيمان.
عاشرًا: دعواه أن العذر بالجهل يشمل عُبَّاد القبور والأضرحة.
الحادي عشر: تفريقه لطلاب العلم إلى حداديّ وسلفي، فمن وافقه في أقواله جعله سلفيًّا، ومن خالفه وأنكر عليه جعله حداديًّا خارجيًّا!
فهذه (إحدى عشرة مسألة)، سوف أناقش فيها الشيخ ربيع بن هادي المدخلي نقاشًا علميًّا هادئًا، بغية الوصول إلى الحق إن شاء الله تعالى.
علمًا بأن الشيخ ربيعًا قد أكثر من الكتابة في هذه المسائل، وبثَّ كثيرًا من الشُّبه والأقوال الضعيفة، ما يحتاج في ردِّها وتفنيدها إلى مجلدٍ أو مجلدين. ولعل ما في هذه الرسالة ما يكفي طالب الحق إن شاء الله تعالى، وقد سميتها: (الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع).
وأُذكِّر كلَّ أخٍ مُنتسبٍ إلى السنة بالأصل الذي اتفق عليه أهل السُّنة والجماعة وما زالوا يعلمونه الناس في كل مناسبة، وهو قولهم: الحق لا يُعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
فمن عرف هذا الأصل الأصيل وعمل به وجعله منهجًا له في حياته؛ وقاه الله شرَّ التعصُّب الذميم الذي يُعمي صاحبه عن الحقِّ، ويحمله على معاداة أهله. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".اهـ
أقول:
نعوذ بالله من الفجور في الخصومة التي هي من علامات النفاق، وإن أقوال هذا الرجل في هذه المقدمة وفي كتابه هذا لقائمة على الفجور، وإذا رجع القارئ المنصف إلى مقالاتي التي يرجف عليها هذا الرجل في كتابه هذا وفي مقدمته يتبين له ظلمه ورده للحق والحقائق الواضحة كالشمس.
خذ أيها القارئ الكريم هذه الإضاءة على أقواله في هذه المقدمة:
1- قوله: "أولا دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان".
أقول:
نعم، أنا أقول بقول السلف: إن الإيمان أصل والعمل كمال، وأحيانًا يقولون: فرع، وقولهم هذا مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأنت وحزبك التكفيري لا تستسلمون لنصوص الكتاب والسنة، وتخالفون أقوال السلف المستمدة من الكتاب والسنة؛ فأنتم من أشبه الناس بالروافض.
قال هذا السُّفْسطائي في كتابه هذا (ص7):
"المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان ..." إلخ.
أقول:
هذا الجهني يَرُد عليَّ بكلام باطل قائم على المغالطات والتمويهات على طريقة عتاة السفسطائية؛ فهو يغالط ويكابر في حقائق جلية واضحة وضوح الشمس.
ثم قال:
"المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان
ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان، وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح، وهذه المسألة قرَّرها الشيخ ربيع في عدة مقالات له، كما في مقاله: (هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: إنَّ الإيمان أصل والعملَ كمال (فرعٌ)؟)، وكما في مقاله: (متعالم مغرور)، ومقاله: (أحاديث الشفاعة الصحيحة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية) وغير ذلك. ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة وبأقوال لأئمة الإسلام لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم، فيفسرها هو على معنى يفهم منه الإرجاء، ثم ينسب إلى هؤلاء الأئمة القول بالإرجاء! ثم يبني على ذلك أمرين فيهما تلبيس شديد على القُراء:
أحدهما: أنه مسنود فيما يقرره بهؤلاء الأئمة الذين حرَّف أقوالهم على المعنى الذي يريده هو.
والثاني: أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة، ثم يكثر من التشنيع عليه بهذه المخالفة، ويستعمل معه أشد العبارات حتى يخيل إلى القارئ وطالب العلم الذي لا يحسن معرفة هذه المسائل أن خصوم الشيخ ربيع المدخلي في هذه المسائل هم جماعة من المارقين الذين خالفوا أئمة الإسلام.
وهذا الأسلوب يستعمله في أكثر من مسألة من مسائل الإيمان، كمسألة أن الإيمان أصل وفرع، هذه الجملة التي قالها بعض العلماء وقصدوا بها أن العمل ثمرة للإيمان الذي يكون في القلب فهي تعني التلازم بين الظاهر والباطن، فهي رد على مذهب المرجئة، ولكن –مع الأسف- فسرها الشيخ ربيع المدخلي بتفسير موافق لقول المرجئة حيث جعل معناها أن العمل فرع أي كمال في الإيمان وهذا ظاهر من عنوان مقالته السابقة، ثم نسب هذا التفسير إلى هؤلاء الأئمة القائلين بهذه الكلمة فارتكب بذلك خطأين جسيمين:
أحدهما: تفسير الكلمة بتفسير يؤيد مذهب المرجئة.
الثاني: نسبة هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء، وبنى عليه أنهم موافقون له في قوله الذي وافق فيه المرجئة، والله المستعان.".انتهى.
قوله:
"المسألة الأولى دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان
ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان".
أقول:
1- إن القول بأن الإيمان أصل والعمل كمال هو قول أهل السنة، وعلى رأسهم العلماء الذين نقلت تصريحاتهم بذلك، ومستندهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن أقوال شيخ الإسلام في هذا الأمر: "ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة".
فهذا الحدادي المسفسط لا يعترف بأقوال أهل السنة وعلمائهم ولا بما استندوا عليه من الكتاب والسنة، وهذا أمرٌ خطير جدًّا يدل على ضلال بعيد.
ومن مكره أنه لا يذكر نصوص العلماء الواضحة التي نقلتها عنهم بكل دقة، ولم أخالفها قيد شعرة.
2- قولك: "وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح".
هذا الإلزام موجه إلى أهل السنة وعلمائهم الذين صرحوا وصرحوا بأن الإيمان أصل والعمل فرع، وأحيانًا يقولون: كمال.
يقولون ذلك مستندين إلى ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- وقولك: "ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة".
أقول:
إن أقوالي لبعيدة كل البعد عن موافقة قول المرجئة، بل هي ضده؛ لأنها صريحة في إثبات أن العمل من الإيمان؛ لأن كمال الشيء منه عند من يعقل، أما الحدادية الخوارج فلهم منهج آخر.
المرجئة يا هذا يقررون أن العمل ليس من الإيمان ولا يزيد ولا ينقص، مخالفين في قولهم هذا نصوصًا كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومخالفين ما عليه أهل السنة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وهم لا يقولون: إن الإيمان أصل والعمل كمال أو فرع؛ لأن هذا ينقض قولهم المشهور عنهم.
فكيف تجعل قولين متضادين أحدهما حق دل عليه الكتاب والسنة، ويعتقده أهل السنة والجماعة.
والآخر قول باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وما عليه أهل السنة والجماعة.
كيف يقول عاقل في هذين القولين المتضادين: إن معناهما واحد؟! لا يقول هذا إلا فاجر مسفسط.
4- وقولك عن أدلة أهل السنة التي بنوا عليها: إن الإيمان أصل والعمل كمال. بأنها عامة ومشتبهة قولٌ باطل، لا بل هي أدلة جلية واضحة صريحة رغم أنف الخوارج الجدد.
وما هي أدلتك الواضحة التي تدل أن العمل ليس كمالًا للإيمان؟!
إنك لتسلك مسالك غلاة أهل البدع في رد الحق الواضح الجلي بدعاوى باطلة، ومنها: دعواك على النصوص الواضحة بأنها مشتبهة.
5- وقولك عن أقوال الأئمة: "لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم".
يعتبر اعترافًا ماكرًا تضحك به على الأغبياء، ولو كنت صادقًا في هذا الاعتراف لما أقمت الدنيا وأقعدتها على هذه الأقوال السديدة موهمًا الجهال أن ربيعًا قد حرفها لتوافق قول المرجئة، مع أن ربيعًا موافق للعلماء في أقوالهم ومقاصدهم المضادة لعقيدة المرجئة الباطلة.
أيها المسكين، لقد عرف أهل السنة حقًّا أنكم ضد أهل السنة السابقين واللاحقين، وأنكم ترمونهم بالإرجاء؛ فالذين لا يكفرون تارك الصلاة منهم عندكم مرجئة، وإن فسَّقوا تارك الصلاة، وحكموا عليه بالنكال والقتل.([2])
والذين يعذرون الجهال بالجهل حتى تقام عليهم الحجة عندكم مرجئة، وعند بعضكم كفار.
والذين يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة مرجئة، وهذا حكم خبيث جائر على كل أهل السنة.
إنكم أيها الحداديون لتخالفون أهل السنة المكفرين لتاركي الصلاة في عدهم لإخوانهم الذين لا يكفرون تاركي الصلاة من إخوانهم ومن أهل السنة والجماعة؛ فأنتم ضد الجميع، بل تخالفونهم في عدد من الأصول.
6- وقولك عن ربيع: "إنه يفسرها([3]) هو على معنى يفهم منه الإرجاء، ثم ينسب إلى هؤلاء الأئمة القول بالإرجاء!".
أقول:
إن هذا الكلام منك أيها الخارجي الحدادي لينطوي على البهت الشديد؛ فأنا لم أفسر أقوال الأئمة على معنى يفهم منه الإرجاء، وأبرأ إلى الله من هذا التفسير الذي يفتريه علي هذا الخارجي الذي يخيل له منهجه الباطل كل قول حق من أقوال أهل السنة أنه في هذا الباب يوافق قول المرجئة وأنه إرجاء؛ فهو لمذهبه الخارجي وغبائه يتخيل أنَّ قول أهل السنة: (إن الإيمان أصل والعمل كمال) أنه إرجاء.
وأن ربيعًا الذي أخذ بهذا القول مرجئ ومحرِّف لأقوال الأئمة؛ فهذا هو الكذب القائم على الجهل والهوى والحقد على أهل السنة.
7- وقوله: "ثم يبني على ذلك أمرين فيهما تلبيس شديد على القُراء:
أحدهما: أنه مسنود فيما يقرره بهؤلاء الأئمة الذين حرَّف أقوالهم على المعنى الذي يريده هو.
والثاني: أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة، ثم يكثر من التشنيع عليه بهذه المخالفة، ويستعمل معه أشد العبارات حتى يخيل إلى القارئ وطالب العلم الذي لا يحسن معرفة هذه المسائل أن خصوم الشيخ ربيع المدخلي في هذه المسائل هم جماعة من المارقين الذين خالفوا أئمة الإسلام".
أقول:
نعوذ بالله من هذا البهت الذي يرتكبه هذا الخارجي الحاقد على الحق وأهله؛ فأنا لم أنسب -والعياذ بالله- إلى الأئمة شيئًا لم يصرحوا بهِ، بل أنقل أقوالهم الصريحة الواضحة المنطلقة من الكتاب والسنة، أنقلها بكل دقة وأمانة، وأنقل النصوص التي استندوا إليها من الكتاب والسنة.
وهذا الخارجي المسفسط المحرِّف يسير على طريقة السفسطائية في رد الحق وجعله باطلًا، ثم يزيد على ذلك: الطعن والاتهام الباطل لمن يقول الحق انطلاقًا من الكتاب والسنة ومن منهج السلف الصالح وأخذًا بأقوالهم السديدة المنطلقة من الكتاب والسنة.
8- وقوله: "أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة".
أقول:
أنا أُبين حالَ من يخالف الحق القائم على الأدلة والبراهين ويخالف العلماء الآخذين بهذا الحق، وهذا من النصيحة.
وأقول:
إن منكَر هذا الخارجي وحزبه في نظره من المعروف، وإن المعروف الواضح القائم على البراهين من الكتاب والسنة والذي أخذ به وسار عليه السلف، وصدعوا به هو من المنكرات، ويجب أن يحارب من يرفع رأسه بهذا الحق والمعروف الذي قرره الله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
9- قوله: "وهذا الأسلوب يستعمله في أكثر من مسألة من مسائل الإيمان كمسألة الإيمان أصل وفرع".
أقول:
ما قال ربيع ولا العلماء إن الإيمان أصل وفرع.
بل إنما قال ربيع بقول العلماء: الإيمان أصل والعمل كمال.
ويقول بعضهم: الإيمان أصل والعمل فرع.
ويزيد شيخ الإسلام قوله: الإيمان أصل والعمل تمام.
10- وقوله: "وهذه الجملة التي قالها بعض العلماء قصدوا بها أن العمل ثمرة للإيمان الذي يكون في القلب، فهي تعني التلازم بين الظاهر والباطن".
أقول:
1- إن القول بأن الإيمان أصل والعمل كمال هو قول أهل السنة جميعًا لا خلاف بينهم؛ لأنه قول مأخوذ من الكتاب والسنة.
وكلمة (كمال) أقوى من كلمة (ثمرة)، وسواء قالوا: إن العمل كمال للإيمان. أو قالوا: إنه فرع للإيمان. أو: ثمرة للإيمان. فإن في ذلك ردًّا على المرجئة الذين يقولون: الإيمان هو المعرفة بالقلب أو الذين يقولون: هو النطق باللسان. أو الذين يقولون: هو تصديق بالقلب ونطق باللسان.
فإن هذه الأقوال الثلاثة باطلة ومخالفة لنصوص كثيرة من الكتاب والسنة؛ لأن قائليها كلهم لا يدخلون العمل في الإيمان، ويصرحون بأن العمل ليس من الإيمان.
فمن أظلم وأكذب ممن يسوي بين أقوال ربيع الصريحة الصادعة بالحق والمنطلقة من الكتاب والسنة ومنهج السلف وبين هذه الأقوال الباطلة؟!
وقول أهل السنة: (الإيمان أصل والعمل كمال أو فرع) مثل قولهم: (الإيمان قول وعمل) لا يشغب بهما أو بأحدهما إلا صاحب فتن وهوى.
2- أعجب لهذا المسكين؛ حيث يفسر الفرع بالثمرة، وأنهم قصدوا بها الرد على المرجئة، فهل قولهم: (إن العمل كمال للإيمان)، وقولهم: (العمل فرع للإيمان) إرجاء، وتفسيره بالثمرة ليس بإرجاء؟!
أليس هذا التصرف ناشئ عن السفسطة؟
3- وأعجب لقوله:
"ولكن –مع الأسف- فسرها الشيخ ربيع المدخلي بتفسير موافق لقول المرجئة حيث جعل معناها أن العمل فرع أي كمال في الإيمان وهذا ظاهر من عنوان مقالته السابقة".
أقول:
تأمل هذا الكلام المتهافت الدال على أن قائله لا يدري ما يقول.
ثم إن المؤسف كل الأسف أن يسلك هذه المسالك الظالمة؛ حيث يرى أن كلامي مخالف لكلام العلماء الذين صرحوا بأن الإيمان أصل والعمل كمال. وأحيانًا يقولون: فرع.
وأنا أنقل هذا الكلام بنصه وفَصِّه لم أغير منها حرفًا، ولا أخالفه معنى، ومع هذا فكلام العلماء عندك فيه رد على المرجئة، وكلامي الذي هو عين كلامهم في نظرك يوافق المرجئة!.
ألا يرى العقلاء المنصفون أن هذا الحكم من أشد الأحكام ظلمًا وفجورًا وسفسطة؟
ثم أكد هذا الظلم والكذب بقوله:
"ثم نسب هذا التفسير إلى هؤلاء الأئمة القائلين بهذه الكلمة فارتكب بذلك خطأين جسيمين:
أحدهما: تفسير الكلمة بتفسير يؤيد مذهب المرجئة.
الثاني: نسبة هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء، وبنى عليه أنهم موافقون له في قوله الذي وافق فيه المرجئة، والله المستعان".
أقول:
يدعي هذا المفلس أنني ارتكبت خطأين جسيمين، وذكر هذين التفسيرين اللذين يدعي أنهما جسيمين.
فأين هو تفسيري لهذه الكلمة الذي يؤيد مذهب المرجئة ويخالف أقوال العلماء؟
وأين نسبت هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء؟
وأين دعواي أن العلماء يوافقون قولي الموافق لقول المرجئة؟
أنا نقلت أقوال العلماء بحروفها لم أغير منها شيئًا؛ فأنا متابع للعلماء في أقوالهم الصحيحة القائمة على نصوص الكتاب والسنة، ولم أقل إنهم موافقون لي، بل أنا موافق لهم، وهم سلفي ولست أنا سلفًا لهم.
11- قال الجهني في (ص8-9):
"ثم إذا خلص من هذا دبَّج المقالات في التشنيع على خصومه بمقتضى الفهم الخاطئ الذي فهمه هو من هذه العبارة، وهكذا فعل في أحاديث الشفاعة، وفي أحاديث فضل التوحيد، ونحوها من النصوص العامة، حيث فهم منها فهما خاصًّا به موافقًا لفهم المرجئة، فصار يلزم المخالفين له بهذا الفهم وإلَّا لم يؤمنوا بهذه النصوص وبأحاديث الشفاعة، ولم يستسلموا لها على حد قوله! كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وهكذا فإن الإشكال عند الشيخ ربيع المدخلي في فهمه للنصوص وأقوال العلماء، فهو دائمًا يفسرها على مقتضى القول الذي يقول به، فيجرُّه هذا إلى تحريف معانيها.
ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول، لذهبت كل هذه التفسيرات والتأويلات التي يقول بها الشيخ ربيع أدراج الرياح، وأراح نفسه وغيره من هذه الخصومة التي كلَّفتنا الكثير من الوقت والجهد، والله المستعان".
أقول:
قولك: "ثم إذا خلص من هذا دبَّج المقالات في التشنيع على خصومه بمقتضى الفهم الخاطئ الذي فهمه هو من هذه العبارة".
أقول: هل تريد أن أمدحكم وأمدح ضلالاتكم ومخالفاتكم البدعية الشنيعة لنصوص الكتاب والسنة ولمنهج السلف الصالح ولأقوالهم السديدة المنطلقة من الكتاب والسنة؟
أنا على طريقة السلف، أشنع عليكم بعد البيان الواضح لضلالاتكم.
وأنتم تشنعون علينا بالباطل والكذب؛ لصد الناس عن الحق ولجذبهم إلى باطلكم.
وقولك: "وهكذا فعل في أحاديث الشفاعة، وفي أحاديث فضل التوحيد، ونحوها من النصوص العامة، حيث فهم منها فهما خاصًّا به موافقًا لفهم المرجئة".
أقول:
إن وصفه لأحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد ونحوها بأنها عامة إنما يريد بذلك وصفها بأنها من المتشابه، وهو يكثر من وصفها بالمتشابه، وهذا العمل من الفجور في الخصومة، ووالله إنها لنصوص واضحة غاية الوضوح، مفصلة تفصيلاً رائعاً.
انظر إلى حديث أبي سعيد حيث يبدأ بالشفاعة:
1- للمصلين المزكين.
2- ثم الشفاعة لمن في قلبه مثقال دينار من خير.
3- ثم من في قلبه مثقال نصف دينار من خير.
4- ثم الشفاعة فيمن في قلبه مثقال ذرة من خير.
5- ثم بعد هذه المراحل الواضحة:
" يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ...إلخ.
انظر "صحيح مسلم" حديث (183)، وانظر "صحيح البخاري" حديث (7439).
وفيه هذه المراحل إلى قوله: "أخرجوا من في قلبه مثقال ذرة من إيمان".
ثم ذكر شفاعة الملائكة وشفاعة النبيين والمؤمنين.
ثم يقول الله: "بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل ...إلى آخر الحديث.
فهل يوجد في الكلام أوضح من هذا الكلام؟
وهل يوجد تفصيل أروع وأوضح من هذا التفصيل؟
فإذا كان هذا النص الواضح المفصل هذا التفصيل الرائع وأمثاله عند الحدادية من المتشابه فيكون عندهم جميع نصوص الكتاب والسنة من المتشابه، وكلام العلماء الواضح عندهم من المتشابه من باب أولى، وعلى مذهبهم هذا لا يقال: إن لله ثم لرسوله حجة على أحد من الجن والإنس. ونعوذ بالله من الأقوال الباطلة المخزية.
12- قال الجهني الحدادي:
"وهكذا فإن الإشكال عند الشيخ ربيع المدخلي في فهمه للنصوص وأقوال العلماء، فهو دائمًا يفسرها على مقتضى القول الذي يقول به، فيجرُّه هذا إلى تحريف معانيها".
أقول:
إن الأدواء القاتلة والإشكالات المزيفة لفي تصوراتكم الباطلة وأحكامكم الجائرة على النصوص القرآنية والنبوية بأنها من المتشابه.
تلكم التصورات التي لم يسبقكم إليها إلا غلاة أهل البدع والضلال من الخوارج وغيرهم، فمن هنا نشأ تحريفكم لهذه النصوص الجلية الواضحة والبريئة مما تلصقونه بها من أنها من المتشابه، وترمون من يحترم هذه النصوص ويؤمن بدلالاتها الواضحة ويقررها على أحسن الوجوه على طريقة تقريرات السلف الصالح بيانًا وتوضيحًا، ترمونه بالإرجاء.
فلا ترموا الأبرياء النزهاء بأدوائكم المهلكة ومنها التشويه للنصوص القرآنية والنبوية الواضحة التي ترمونها وتصمونها بأنها من المتشابه.
وقال الجهني: "ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول، لذهبت كل هذه التفسيرات والتأويلات التي يقول بها الشيخ ربيع أدراج الرياح، وأراح نفسه وغيره من هذه الخصومة التي كلَّفتنا الكثير من الوقت والجهد، والله المستعان".
أقول:
إن قولك "ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل ، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول".
إن قولك هذا ليوهم الجهلاء أن السلف الصالح مجمعون على هذا القول، وهذا من الباطل.
والواقع أن الذي يقول بهذا القول أو ما في معناه هم قلة، أما جماهير السلف فيقولون: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما نقل ذلك الإمامان: أبو حاتم، وأبو زرعة عن علماء البلدان الإسلامية: الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، واليمن.
ونقل الإمام البخاري عن ألف عالم من شتى البلدان أن الإيمان قول وعمل.
وسيأتي كلام أبي عبيد الذي نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع في الحلقة الثانية
كتبه
ربيع بن هادي عمير
(13 ربيع الثاني/1437هـ)
-----------------------------
([1]) كذا.
([2]) مع اعتقادهم أنهم يستحقون العذاب الشديد بالنار.
([3]) أي: أقوال العلماء.
المسمَّى زورًا بالرد العلمي
(الحلقة الأولى)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه،
أما بعد:
فقد صدر في هذا العام (1437هـ) كتاب لعبد الحميد الجهني سماه زورًا [الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع].
قال الجهني في مقدمة هذا الكتاب -البعيد عن العلم والقائم على المكابرات والقائم على الأصول الباطلة، والأساليب السفسطائية الواضحة، والمغالطات، ورد النصوص النبوية، ورد أقوال العلماء الجلية- (ص3- 5):
"بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد ه ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فهذا رد علمي على بعض مقالات الشيخ ربيع المدخلي، سوف يكون البحث فيها([1]) بمشيئة الله تعالى حول المسائل التالية:
أولاً: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان.
ثانيًا: رده للإجماع الذي حكاه الشافعي رحمه الله في هذه المسألة.
ثالثًا: احتجاجه بأحاديث الشفاعة في هذه المسألة.
رابعًا: دعواه أن أئمة السلف لا يقولون: إن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
خامسًا: تضعيفه لأثر عبد الله بن شقيق رحمه الله في إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا.
سادسًا: دعواه أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لا يُكفِّر تارك العمل؛ لأنه سلَّم بزعمه لأحاديث الشفاعة!
سابعًا: دعواه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لا يُكفِّر تارك العمل، وكذا ينسب هذا القول إلى أئمة الدعوة! كما نسبه قبل ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله!
ثامنًا: دعواه أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لم يقل عمن لا يكفر تارك العمل بأنه مرجئ.
تاسعًا: عدم تفريقه بين مذهب السلف وبين قول المرجئة في منزلة العمل من الإيمان.
عاشرًا: دعواه أن العذر بالجهل يشمل عُبَّاد القبور والأضرحة.
الحادي عشر: تفريقه لطلاب العلم إلى حداديّ وسلفي، فمن وافقه في أقواله جعله سلفيًّا، ومن خالفه وأنكر عليه جعله حداديًّا خارجيًّا!
فهذه (إحدى عشرة مسألة)، سوف أناقش فيها الشيخ ربيع بن هادي المدخلي نقاشًا علميًّا هادئًا، بغية الوصول إلى الحق إن شاء الله تعالى.
علمًا بأن الشيخ ربيعًا قد أكثر من الكتابة في هذه المسائل، وبثَّ كثيرًا من الشُّبه والأقوال الضعيفة، ما يحتاج في ردِّها وتفنيدها إلى مجلدٍ أو مجلدين. ولعل ما في هذه الرسالة ما يكفي طالب الحق إن شاء الله تعالى، وقد سميتها: (الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع).
وأُذكِّر كلَّ أخٍ مُنتسبٍ إلى السنة بالأصل الذي اتفق عليه أهل السُّنة والجماعة وما زالوا يعلمونه الناس في كل مناسبة، وهو قولهم: الحق لا يُعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
فمن عرف هذا الأصل الأصيل وعمل به وجعله منهجًا له في حياته؛ وقاه الله شرَّ التعصُّب الذميم الذي يُعمي صاحبه عن الحقِّ، ويحمله على معاداة أهله. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".اهـ
أقول:
نعوذ بالله من الفجور في الخصومة التي هي من علامات النفاق، وإن أقوال هذا الرجل في هذه المقدمة وفي كتابه هذا لقائمة على الفجور، وإذا رجع القارئ المنصف إلى مقالاتي التي يرجف عليها هذا الرجل في كتابه هذا وفي مقدمته يتبين له ظلمه ورده للحق والحقائق الواضحة كالشمس.
خذ أيها القارئ الكريم هذه الإضاءة على أقواله في هذه المقدمة:
1- قوله: "أولا دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان".
أقول:
نعم، أنا أقول بقول السلف: إن الإيمان أصل والعمل كمال، وأحيانًا يقولون: فرع، وقولهم هذا مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأنت وحزبك التكفيري لا تستسلمون لنصوص الكتاب والسنة، وتخالفون أقوال السلف المستمدة من الكتاب والسنة؛ فأنتم من أشبه الناس بالروافض.
قال هذا السُّفْسطائي في كتابه هذا (ص7):
"المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان ..." إلخ.
أقول:
هذا الجهني يَرُد عليَّ بكلام باطل قائم على المغالطات والتمويهات على طريقة عتاة السفسطائية؛ فهو يغالط ويكابر في حقائق جلية واضحة وضوح الشمس.
ثم قال:
"المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان
ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان، وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح، وهذه المسألة قرَّرها الشيخ ربيع في عدة مقالات له، كما في مقاله: (هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: إنَّ الإيمان أصل والعملَ كمال (فرعٌ)؟)، وكما في مقاله: (متعالم مغرور)، ومقاله: (أحاديث الشفاعة الصحيحة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية) وغير ذلك. ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة وبأقوال لأئمة الإسلام لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم، فيفسرها هو على معنى يفهم منه الإرجاء، ثم ينسب إلى هؤلاء الأئمة القول بالإرجاء! ثم يبني على ذلك أمرين فيهما تلبيس شديد على القُراء:
أحدهما: أنه مسنود فيما يقرره بهؤلاء الأئمة الذين حرَّف أقوالهم على المعنى الذي يريده هو.
والثاني: أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة، ثم يكثر من التشنيع عليه بهذه المخالفة، ويستعمل معه أشد العبارات حتى يخيل إلى القارئ وطالب العلم الذي لا يحسن معرفة هذه المسائل أن خصوم الشيخ ربيع المدخلي في هذه المسائل هم جماعة من المارقين الذين خالفوا أئمة الإسلام.
وهذا الأسلوب يستعمله في أكثر من مسألة من مسائل الإيمان، كمسألة أن الإيمان أصل وفرع، هذه الجملة التي قالها بعض العلماء وقصدوا بها أن العمل ثمرة للإيمان الذي يكون في القلب فهي تعني التلازم بين الظاهر والباطن، فهي رد على مذهب المرجئة، ولكن –مع الأسف- فسرها الشيخ ربيع المدخلي بتفسير موافق لقول المرجئة حيث جعل معناها أن العمل فرع أي كمال في الإيمان وهذا ظاهر من عنوان مقالته السابقة، ثم نسب هذا التفسير إلى هؤلاء الأئمة القائلين بهذه الكلمة فارتكب بذلك خطأين جسيمين:
أحدهما: تفسير الكلمة بتفسير يؤيد مذهب المرجئة.
الثاني: نسبة هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء، وبنى عليه أنهم موافقون له في قوله الذي وافق فيه المرجئة، والله المستعان.".انتهى.
قوله:
"المسألة الأولى دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان
ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان".
أقول:
1- إن القول بأن الإيمان أصل والعمل كمال هو قول أهل السنة، وعلى رأسهم العلماء الذين نقلت تصريحاتهم بذلك، ومستندهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن أقوال شيخ الإسلام في هذا الأمر: "ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة".
فهذا الحدادي المسفسط لا يعترف بأقوال أهل السنة وعلمائهم ولا بما استندوا عليه من الكتاب والسنة، وهذا أمرٌ خطير جدًّا يدل على ضلال بعيد.
ومن مكره أنه لا يذكر نصوص العلماء الواضحة التي نقلتها عنهم بكل دقة، ولم أخالفها قيد شعرة.
2- قولك: "وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح".
هذا الإلزام موجه إلى أهل السنة وعلمائهم الذين صرحوا وصرحوا بأن الإيمان أصل والعمل فرع، وأحيانًا يقولون: كمال.
يقولون ذلك مستندين إلى ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- وقولك: "ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة".
أقول:
إن أقوالي لبعيدة كل البعد عن موافقة قول المرجئة، بل هي ضده؛ لأنها صريحة في إثبات أن العمل من الإيمان؛ لأن كمال الشيء منه عند من يعقل، أما الحدادية الخوارج فلهم منهج آخر.
المرجئة يا هذا يقررون أن العمل ليس من الإيمان ولا يزيد ولا ينقص، مخالفين في قولهم هذا نصوصًا كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومخالفين ما عليه أهل السنة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وهم لا يقولون: إن الإيمان أصل والعمل كمال أو فرع؛ لأن هذا ينقض قولهم المشهور عنهم.
فكيف تجعل قولين متضادين أحدهما حق دل عليه الكتاب والسنة، ويعتقده أهل السنة والجماعة.
والآخر قول باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وما عليه أهل السنة والجماعة.
كيف يقول عاقل في هذين القولين المتضادين: إن معناهما واحد؟! لا يقول هذا إلا فاجر مسفسط.
4- وقولك عن أدلة أهل السنة التي بنوا عليها: إن الإيمان أصل والعمل كمال. بأنها عامة ومشتبهة قولٌ باطل، لا بل هي أدلة جلية واضحة صريحة رغم أنف الخوارج الجدد.
وما هي أدلتك الواضحة التي تدل أن العمل ليس كمالًا للإيمان؟!
إنك لتسلك مسالك غلاة أهل البدع في رد الحق الواضح الجلي بدعاوى باطلة، ومنها: دعواك على النصوص الواضحة بأنها مشتبهة.
5- وقولك عن أقوال الأئمة: "لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم".
يعتبر اعترافًا ماكرًا تضحك به على الأغبياء، ولو كنت صادقًا في هذا الاعتراف لما أقمت الدنيا وأقعدتها على هذه الأقوال السديدة موهمًا الجهال أن ربيعًا قد حرفها لتوافق قول المرجئة، مع أن ربيعًا موافق للعلماء في أقوالهم ومقاصدهم المضادة لعقيدة المرجئة الباطلة.
أيها المسكين، لقد عرف أهل السنة حقًّا أنكم ضد أهل السنة السابقين واللاحقين، وأنكم ترمونهم بالإرجاء؛ فالذين لا يكفرون تارك الصلاة منهم عندكم مرجئة، وإن فسَّقوا تارك الصلاة، وحكموا عليه بالنكال والقتل.([2])
والذين يعذرون الجهال بالجهل حتى تقام عليهم الحجة عندكم مرجئة، وعند بعضكم كفار.
والذين يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة مرجئة، وهذا حكم خبيث جائر على كل أهل السنة.
إنكم أيها الحداديون لتخالفون أهل السنة المكفرين لتاركي الصلاة في عدهم لإخوانهم الذين لا يكفرون تاركي الصلاة من إخوانهم ومن أهل السنة والجماعة؛ فأنتم ضد الجميع، بل تخالفونهم في عدد من الأصول.
6- وقولك عن ربيع: "إنه يفسرها([3]) هو على معنى يفهم منه الإرجاء، ثم ينسب إلى هؤلاء الأئمة القول بالإرجاء!".
أقول:
إن هذا الكلام منك أيها الخارجي الحدادي لينطوي على البهت الشديد؛ فأنا لم أفسر أقوال الأئمة على معنى يفهم منه الإرجاء، وأبرأ إلى الله من هذا التفسير الذي يفتريه علي هذا الخارجي الذي يخيل له منهجه الباطل كل قول حق من أقوال أهل السنة أنه في هذا الباب يوافق قول المرجئة وأنه إرجاء؛ فهو لمذهبه الخارجي وغبائه يتخيل أنَّ قول أهل السنة: (إن الإيمان أصل والعمل كمال) أنه إرجاء.
وأن ربيعًا الذي أخذ بهذا القول مرجئ ومحرِّف لأقوال الأئمة؛ فهذا هو الكذب القائم على الجهل والهوى والحقد على أهل السنة.
7- وقوله: "ثم يبني على ذلك أمرين فيهما تلبيس شديد على القُراء:
أحدهما: أنه مسنود فيما يقرره بهؤلاء الأئمة الذين حرَّف أقوالهم على المعنى الذي يريده هو.
والثاني: أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة، ثم يكثر من التشنيع عليه بهذه المخالفة، ويستعمل معه أشد العبارات حتى يخيل إلى القارئ وطالب العلم الذي لا يحسن معرفة هذه المسائل أن خصوم الشيخ ربيع المدخلي في هذه المسائل هم جماعة من المارقين الذين خالفوا أئمة الإسلام".
أقول:
نعوذ بالله من هذا البهت الذي يرتكبه هذا الخارجي الحاقد على الحق وأهله؛ فأنا لم أنسب -والعياذ بالله- إلى الأئمة شيئًا لم يصرحوا بهِ، بل أنقل أقوالهم الصريحة الواضحة المنطلقة من الكتاب والسنة، أنقلها بكل دقة وأمانة، وأنقل النصوص التي استندوا إليها من الكتاب والسنة.
وهذا الخارجي المسفسط المحرِّف يسير على طريقة السفسطائية في رد الحق وجعله باطلًا، ثم يزيد على ذلك: الطعن والاتهام الباطل لمن يقول الحق انطلاقًا من الكتاب والسنة ومن منهج السلف الصالح وأخذًا بأقوالهم السديدة المنطلقة من الكتاب والسنة.
8- وقوله: "أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة".
أقول:
أنا أُبين حالَ من يخالف الحق القائم على الأدلة والبراهين ويخالف العلماء الآخذين بهذا الحق، وهذا من النصيحة.
وأقول:
إن منكَر هذا الخارجي وحزبه في نظره من المعروف، وإن المعروف الواضح القائم على البراهين من الكتاب والسنة والذي أخذ به وسار عليه السلف، وصدعوا به هو من المنكرات، ويجب أن يحارب من يرفع رأسه بهذا الحق والمعروف الذي قرره الله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
9- قوله: "وهذا الأسلوب يستعمله في أكثر من مسألة من مسائل الإيمان كمسألة الإيمان أصل وفرع".
أقول:
ما قال ربيع ولا العلماء إن الإيمان أصل وفرع.
بل إنما قال ربيع بقول العلماء: الإيمان أصل والعمل كمال.
ويقول بعضهم: الإيمان أصل والعمل فرع.
ويزيد شيخ الإسلام قوله: الإيمان أصل والعمل تمام.
10- وقوله: "وهذه الجملة التي قالها بعض العلماء قصدوا بها أن العمل ثمرة للإيمان الذي يكون في القلب، فهي تعني التلازم بين الظاهر والباطن".
أقول:
1- إن القول بأن الإيمان أصل والعمل كمال هو قول أهل السنة جميعًا لا خلاف بينهم؛ لأنه قول مأخوذ من الكتاب والسنة.
وكلمة (كمال) أقوى من كلمة (ثمرة)، وسواء قالوا: إن العمل كمال للإيمان. أو قالوا: إنه فرع للإيمان. أو: ثمرة للإيمان. فإن في ذلك ردًّا على المرجئة الذين يقولون: الإيمان هو المعرفة بالقلب أو الذين يقولون: هو النطق باللسان. أو الذين يقولون: هو تصديق بالقلب ونطق باللسان.
فإن هذه الأقوال الثلاثة باطلة ومخالفة لنصوص كثيرة من الكتاب والسنة؛ لأن قائليها كلهم لا يدخلون العمل في الإيمان، ويصرحون بأن العمل ليس من الإيمان.
فمن أظلم وأكذب ممن يسوي بين أقوال ربيع الصريحة الصادعة بالحق والمنطلقة من الكتاب والسنة ومنهج السلف وبين هذه الأقوال الباطلة؟!
وقول أهل السنة: (الإيمان أصل والعمل كمال أو فرع) مثل قولهم: (الإيمان قول وعمل) لا يشغب بهما أو بأحدهما إلا صاحب فتن وهوى.
2- أعجب لهذا المسكين؛ حيث يفسر الفرع بالثمرة، وأنهم قصدوا بها الرد على المرجئة، فهل قولهم: (إن العمل كمال للإيمان)، وقولهم: (العمل فرع للإيمان) إرجاء، وتفسيره بالثمرة ليس بإرجاء؟!
أليس هذا التصرف ناشئ عن السفسطة؟
3- وأعجب لقوله:
"ولكن –مع الأسف- فسرها الشيخ ربيع المدخلي بتفسير موافق لقول المرجئة حيث جعل معناها أن العمل فرع أي كمال في الإيمان وهذا ظاهر من عنوان مقالته السابقة".
أقول:
تأمل هذا الكلام المتهافت الدال على أن قائله لا يدري ما يقول.
ثم إن المؤسف كل الأسف أن يسلك هذه المسالك الظالمة؛ حيث يرى أن كلامي مخالف لكلام العلماء الذين صرحوا بأن الإيمان أصل والعمل كمال. وأحيانًا يقولون: فرع.
وأنا أنقل هذا الكلام بنصه وفَصِّه لم أغير منها حرفًا، ولا أخالفه معنى، ومع هذا فكلام العلماء عندك فيه رد على المرجئة، وكلامي الذي هو عين كلامهم في نظرك يوافق المرجئة!.
ألا يرى العقلاء المنصفون أن هذا الحكم من أشد الأحكام ظلمًا وفجورًا وسفسطة؟
ثم أكد هذا الظلم والكذب بقوله:
"ثم نسب هذا التفسير إلى هؤلاء الأئمة القائلين بهذه الكلمة فارتكب بذلك خطأين جسيمين:
أحدهما: تفسير الكلمة بتفسير يؤيد مذهب المرجئة.
الثاني: نسبة هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء، وبنى عليه أنهم موافقون له في قوله الذي وافق فيه المرجئة، والله المستعان".
أقول:
يدعي هذا المفلس أنني ارتكبت خطأين جسيمين، وذكر هذين التفسيرين اللذين يدعي أنهما جسيمين.
فأين هو تفسيري لهذه الكلمة الذي يؤيد مذهب المرجئة ويخالف أقوال العلماء؟
وأين نسبت هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء؟
وأين دعواي أن العلماء يوافقون قولي الموافق لقول المرجئة؟
أنا نقلت أقوال العلماء بحروفها لم أغير منها شيئًا؛ فأنا متابع للعلماء في أقوالهم الصحيحة القائمة على نصوص الكتاب والسنة، ولم أقل إنهم موافقون لي، بل أنا موافق لهم، وهم سلفي ولست أنا سلفًا لهم.
11- قال الجهني في (ص8-9):
"ثم إذا خلص من هذا دبَّج المقالات في التشنيع على خصومه بمقتضى الفهم الخاطئ الذي فهمه هو من هذه العبارة، وهكذا فعل في أحاديث الشفاعة، وفي أحاديث فضل التوحيد، ونحوها من النصوص العامة، حيث فهم منها فهما خاصًّا به موافقًا لفهم المرجئة، فصار يلزم المخالفين له بهذا الفهم وإلَّا لم يؤمنوا بهذه النصوص وبأحاديث الشفاعة، ولم يستسلموا لها على حد قوله! كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وهكذا فإن الإشكال عند الشيخ ربيع المدخلي في فهمه للنصوص وأقوال العلماء، فهو دائمًا يفسرها على مقتضى القول الذي يقول به، فيجرُّه هذا إلى تحريف معانيها.
ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول، لذهبت كل هذه التفسيرات والتأويلات التي يقول بها الشيخ ربيع أدراج الرياح، وأراح نفسه وغيره من هذه الخصومة التي كلَّفتنا الكثير من الوقت والجهد، والله المستعان".
أقول:
قولك: "ثم إذا خلص من هذا دبَّج المقالات في التشنيع على خصومه بمقتضى الفهم الخاطئ الذي فهمه هو من هذه العبارة".
أقول: هل تريد أن أمدحكم وأمدح ضلالاتكم ومخالفاتكم البدعية الشنيعة لنصوص الكتاب والسنة ولمنهج السلف الصالح ولأقوالهم السديدة المنطلقة من الكتاب والسنة؟
أنا على طريقة السلف، أشنع عليكم بعد البيان الواضح لضلالاتكم.
وأنتم تشنعون علينا بالباطل والكذب؛ لصد الناس عن الحق ولجذبهم إلى باطلكم.
وقولك: "وهكذا فعل في أحاديث الشفاعة، وفي أحاديث فضل التوحيد، ونحوها من النصوص العامة، حيث فهم منها فهما خاصًّا به موافقًا لفهم المرجئة".
أقول:
إن وصفه لأحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد ونحوها بأنها عامة إنما يريد بذلك وصفها بأنها من المتشابه، وهو يكثر من وصفها بالمتشابه، وهذا العمل من الفجور في الخصومة، ووالله إنها لنصوص واضحة غاية الوضوح، مفصلة تفصيلاً رائعاً.
انظر إلى حديث أبي سعيد حيث يبدأ بالشفاعة:
1- للمصلين المزكين.
2- ثم الشفاعة لمن في قلبه مثقال دينار من خير.
3- ثم من في قلبه مثقال نصف دينار من خير.
4- ثم الشفاعة فيمن في قلبه مثقال ذرة من خير.
5- ثم بعد هذه المراحل الواضحة:
" يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ...إلخ.
انظر "صحيح مسلم" حديث (183)، وانظر "صحيح البخاري" حديث (7439).
وفيه هذه المراحل إلى قوله: "أخرجوا من في قلبه مثقال ذرة من إيمان".
ثم ذكر شفاعة الملائكة وشفاعة النبيين والمؤمنين.
ثم يقول الله: "بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل ...إلى آخر الحديث.
فهل يوجد في الكلام أوضح من هذا الكلام؟
وهل يوجد تفصيل أروع وأوضح من هذا التفصيل؟
فإذا كان هذا النص الواضح المفصل هذا التفصيل الرائع وأمثاله عند الحدادية من المتشابه فيكون عندهم جميع نصوص الكتاب والسنة من المتشابه، وكلام العلماء الواضح عندهم من المتشابه من باب أولى، وعلى مذهبهم هذا لا يقال: إن لله ثم لرسوله حجة على أحد من الجن والإنس. ونعوذ بالله من الأقوال الباطلة المخزية.
12- قال الجهني الحدادي:
"وهكذا فإن الإشكال عند الشيخ ربيع المدخلي في فهمه للنصوص وأقوال العلماء، فهو دائمًا يفسرها على مقتضى القول الذي يقول به، فيجرُّه هذا إلى تحريف معانيها".
أقول:
إن الأدواء القاتلة والإشكالات المزيفة لفي تصوراتكم الباطلة وأحكامكم الجائرة على النصوص القرآنية والنبوية بأنها من المتشابه.
تلكم التصورات التي لم يسبقكم إليها إلا غلاة أهل البدع والضلال من الخوارج وغيرهم، فمن هنا نشأ تحريفكم لهذه النصوص الجلية الواضحة والبريئة مما تلصقونه بها من أنها من المتشابه، وترمون من يحترم هذه النصوص ويؤمن بدلالاتها الواضحة ويقررها على أحسن الوجوه على طريقة تقريرات السلف الصالح بيانًا وتوضيحًا، ترمونه بالإرجاء.
فلا ترموا الأبرياء النزهاء بأدوائكم المهلكة ومنها التشويه للنصوص القرآنية والنبوية الواضحة التي ترمونها وتصمونها بأنها من المتشابه.
وقال الجهني: "ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول، لذهبت كل هذه التفسيرات والتأويلات التي يقول بها الشيخ ربيع أدراج الرياح، وأراح نفسه وغيره من هذه الخصومة التي كلَّفتنا الكثير من الوقت والجهد، والله المستعان".
أقول:
إن قولك "ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل ، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول".
إن قولك هذا ليوهم الجهلاء أن السلف الصالح مجمعون على هذا القول، وهذا من الباطل.
والواقع أن الذي يقول بهذا القول أو ما في معناه هم قلة، أما جماهير السلف فيقولون: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما نقل ذلك الإمامان: أبو حاتم، وأبو زرعة عن علماء البلدان الإسلامية: الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، واليمن.
ونقل الإمام البخاري عن ألف عالم من شتى البلدان أن الإيمان قول وعمل.
وسيأتي كلام أبي عبيد الذي نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع في الحلقة الثانية
كتبه
ربيع بن هادي عمير
(13 ربيع الثاني/1437هـ)
-----------------------------
([1]) كذا.
([2]) مع اعتقادهم أنهم يستحقون العذاب الشديد بالنار.
([3]) أي: أقوال العلماء.
تعليق