بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اتبع هداه .
مند وقت كبير ، كنت أفكر في كتابة هذا المقال لحاجة ملحة في نفسي هي
بيان قدر عالم كبير من علماء المسلمين المصونين ، ومنزلته في قلوب
الناس عامة وعند أتباعه ومحبيه النعومين . مع الاشارة الضمنية لمنهجه
رحمه الله في نقد الحديث .
ولايخفى على القارئ الكريم أننا نلمس في الوقت الحاضر انتعاشة علمية
تشمل مجالات متعددة على رأسها علم الحديث النبوي الشريف ، فهو علم
تهرع له النفوس وتعقد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ميراث
علم النبوة ، فالأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، علم
يغبطنا عليه المستشرقون الغربيون لأنه صان للمسلمين ثراثا أخده كل
جيل عن سابقه وفق ضوابط وقواعد محكمة رصينة ، تنم على عبقرية
علمائنا الأكابر . فالطريق ناخ له أبو زرعة وأبو حاتم والخطيب وكابده
أحمد والبخاري والذهبي وابن حجر وابن رجب وابن عبد الهادي ،ولاقى
لأجله الدارقطني وابن تيمية وابن كثير أصنافا من الأدى والضر.
فحري بنا طويلبوا هذا العلم الشريف أن نعرف قدر نفوسنا ، ونعرف قدر
الثقل المنوط بنا للنهوض به ، ونتوقف عن هذه المهاترات التي أصبحنا
نشاهدها بكرة وعشيا ، في الغدوة والروحة ، من شباب المنتديات و
الرسائل الهدامات ، من أبو البركات وأبو السعادات وأبو النظارات ، من
سعيد وتعيس ، من المتعالمين المتلونين . قال البشير الابراهيمي رحمه
الله ( من سنن العرب أنهم يجعلون الاسم سمة للطفولة والكنية عنوانا
على الرجولة ، لذلك كانوا لايكتنون إلا بنتاج الأصلاب وثمرات الأرحام
من بنين وبنات ، لأنها الامتداد الطبيعي لتاريخ الحياة بهم ، ولا يرضون
بهذه الكنى والألقاب الرخوة إلا لعبيدهم ، فما راجت هذه الكنى والألقاب
المهلهلة بين المسلمين إلا تراخت العرى الشاذة لمجتمعهم فراج فيهم
التخنت في الشمائل والتأنث في الطباع والارتخاء في العزائم والنفاق
في الدين ، ويوم نسي المسلمون أنفسهم فأضاعوا الأعمال التي يتمجد
بها الرجال وأخدوا بالسفاسف التي يتلهى بها الأطفال وفاتتهم العظمة
الحقيقية فالتمسوها في الأسماء والكنى والألقاب ، ولقد كان العرب
صخورا وجنادل يوم كان من أسمائهم صخر وجندلة وكانوا غصصا
وسموما يوم كان فيهم مرة وحنظلة وكانةا أشواكا وأحساكا يوم كان فيهم
قتادة وعوسجة ، فانظر ماهم اليوم؟ وانظر أي أثر تتركه الأسماء في
المسميات واعتبر ذلك في كلمة سيدي وأنها ما راجت بيننا وشاعت فينا
إلا يوم أضعنا السيادة وأفلتت من أيدينا القيادة ولماذا لم تشع في
المسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة ولو قالها قائل لعمر لهاجث
شرته ولبادرت بالجواب ذرته) .
العلم إخواني كان كريما بملاقاة الرجا ل فلما صار في الكتب صرت تجده
عند العامي الهامي ، والأعرابي الجافي . ما الصعب في هذا ؟ تجمع
وتقمش أقوالا ومقاطع وفقرات وتخرج بموضوع مركب وترفقه في
المنتدى المشترك فيه ، وبعد ذلك طب نفسا بالدعوات المباركات
والتمجيدات ، هنيئا لقد صرت شيخ الاسلام في الشبكة العنكبوتية ( دعوى
متسعة) صفاقة ,وعندما تفاتحه في النقاش يوسعك لوما وقدحا . فخبطبوا
في الرواية والتصحيح والتضعيف خبط عشواء مع مستكره الفهم و
التأويل وسرعة الحكم بلا استقراء ، والنفي بلا إحاطة فإلى الله المشتكى
من تطاول أهل زماني .
ومن السماجة البدار إلى مقارعة العلماء بل نطحهم في أوائل الطلب مع
التأليف المخرخر غير المحرر ، ثم هو يرسم على طرته ( تصنيف أبي
السعادات غفر الله له ولولديه ومشايخه) . ياحبيبي وليس له شيوخ غير
الصحف والجرائد والمجلات [ صحفي] وقديما قيل لاتأخد العلم عن
صحفي ولا القرآن من مصحفي .
إذا رأيت مفتيا مكور العمامة وعندك سؤال وأردت أخد الجواب كاملا مع
الانبساط في الوجه ،فقبل يده وابتدأ الحديث بعبارة ( ياسيدي الشيخ) فإن
لم تفعل فانقباظ في الجبين والجواب ( في المسألة قولان) . ما الفرق بين
الركن والشرط ؟ في المسألة قولان . أفي الله شك ؟ في المسألة قولان .
وهذا الضرب يستفتون بالشكل لابالفضل ، وبالمناصب لابالأهلية ، يسارع
إليهم من هو أجهل منهم ( كان العلم في الصدور والآن صار في الثياب).
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لاعلم عنده صغير إذا التفت إليه المحافل
قال الخطيب في مقدمة كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(
وقد رأيت خلقا من أهل هذا الزمان ينتمون إلى الحديث ويعدون أنفسهم
من أهله المتخصصين بسماعه ونقله وهم أبعد الناس مما يدعون وأقلهم
معرفة بما إليه ينسبون يرى الواحد منهم إذا كتب عددا قليلا من الأجزاء
واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر أنه صاحب حديث على الاطلاق
ولما يجهد نفسه ويتعبها في طلابه ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه
وأبوابه وهم مع قلة كنبهم له وعدم معرفتهم به أعظم الناس كبرا وأشد
الخلق تيها وعجبا لايراعون لشيخ حرمة ولا يوجبون لطالب ذمة يخرقون
بالراوين ويعنفون على المتعلمين خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه
وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه..) .
إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ( الصحيحة 695)
ألم تجالسوا متعالما في علم الحديث إذا سألته عن درجة حديث قال أخرجه
فلان وفلان وعند الثوتيق تجد أن الحديث لم يخرجه أحد ممن ذكر ؟ ألم
تجالسوا مفتيا يأنف من صرف المستفتي بلا جواب فيقول على الله تعالى
بلا علم ، بل يبدأ بالجواب قبل كمال السؤال ؟ وتراه يحف ويرف يمينا
وشمالا على الحضور وينشر يديه كأنه يطارد الذباب . يفتي فيما يتوقف
فيه شيوخ الإسلام كأبي القتاد الداعي إلى قتل النسوان وفلذات الأكباد .
ألم تجالسوا فقهاء الدجاج والحمام [ هم كثر في بلدي] ياسيدي الفقيه
مات رجل وترك أب وأم وثلاث بنات ومبلغ مالي قدره كذا ، فيجيب
الله الله مسألة كبيرة وثمنها قليل . إذن خد هذا ، ما هذا ؟ فرخة .
فتوى بفرخة . وهل ينال العلم إلا بالدجاج والفراخ .
أصبحنا أضحوكة ، الحق والحق أقول إن بعض من يفتي
أحق بالحبس من السراق ، وحجر المتعالمين الجهال
لاستصلاح الدين أهم من الحجر على المريض العيان
لاستصلاح الأبدان . كأبو قتادة وأبو بصير وابن لادن
والظواهري وسعد الفقيه وعصام البرقاوي وحسن السقاف
وعبد الحبشي والغماري أحمد وعبد الله والجفري
والقرضاوي والصاوي وحمزة المليباري من حطاب الليل.
قال الطانزون له فقيه فصعد حاجبيه وتاها
وأطرق للسائل أي بأني ولا يدري لعمرك ما طحاها
وأختم المقدمة بحكاية لطيفة رواها لي صديق ساعاتي ، مضمونها أنه
كان متوجها لعمله في الصباح وفي الطريق وجد قريب له جالس في
الجانب الخارجي لمقهى وبيديه أوراق يكتب فيها ، فسأله صديقي
عما يفعل فأجابه ( أنه يؤلف تفسير للقرآن الكريم ) وهو عامي .
فإلى الله تعالى أشكوا غربة هذا الدين .
فأهل السنة أعرف الناس بالحق وأرحمهم بالخلق وغيرهم ممن ليس على
نهجهم وهديهم يفسقون ويظللون ويبدعون ويوجهون التهم المغلظة
لعلماء الأمة بغير وجه شرعي صحيح ، قصدهم من ذلك انتقاصهم والحط
من مكانتهم العلمية ، لحسد ، أو البحث عن الشهرة والذكر أو لعصبية
عقائدية أو مذهبية وقد يجتمعون وقد يفترقون ، والناجي من سلمه الله
تعالى . لذا أنصح إخواني القراء الكرام أن يتلقوا العلم عمن يتقون بهم
من الأعلام الكبراء مثل الامام ناصر وابن باز وابن عثيمين وغيرهم فإن
هذا العلم دين فانظروا عمن تأخدون دينكم .
الشيخ الإمام ناصر الدين علم متفنن جعله المولى سبحانه حجة في هذا
الزمان المتأخر ، ترك لنا قيمة علمية تستحق أن تدرس وتطالع وتقرأ
وتبحث من كل محب لهذا العلم ولأجل تقريب منهجه الحديثي للقارئ
الحبيب ،سأبرز ما امتاز به في الكثير من تحقيقاته رحمه الله .
1 [ رأيه في تدليس قتادة بن دعامة السدوسي]
قال في الصحيحة حديث رقم 3347( وضعفه المعلق على المنتخب
- يقصد الشيخ بالمعلق مصطفى العدوي وتعليقه على منتخب بن حميد-
بعنعنة قتادة غير مبال بجريان العمل على الاحتجاج به عند الأئمة
الستة وغيرهم ، ومنهم الشيخان فقد مشيا عنعنته في أحاديث كثيرة
وهذا منها على ما سأبينه وذلك لقلة تدليسه في جملة أحاديثه الكثيرة
فقد كان من الحفاظ الأثباث وقد أشار إلى ذلك الحافظ في مقدمة الفتح
بقوله ص 436 التابعي الجليل أحد الأثباث المشهورين كان يضرب به
المثل في الحفظ إلا أنه ربما دلس ، احتج به الجماعة) ولذلك اقتصر
في التقريب على قوله فيه ثقة ثبت فمثله يغتفر تدليسه والله أعلم
وبخاصة إذا عنعن عمن سمع منه كثيرا كأنس ، فلا يعل حديثه عنه
إلا إذا ضاق الأمر وكان هناك ما يؤكد تدليسه ) .
مع هذا يطل علينا أصحاب المنهج الفاسد ، منهج التفريق بين
المتقدمين والمتأخرين في الحديث بسيل من التهم ، يأتون فيها بالجرة
وأذن البرة ، المتأخرين يعلون حديث المدلس بمجرد العنعنة دون
الالتفات لما يحفه من قرائن كأن يكون المدلس مقل ، أو لايدلس إلا
عن ثقة ، أو عمن أكثر من الرواية عنه ، أو صرح بالتحديث والراوي
عنه لم يضبطه ، أو أو .
وتولى تأصيل وتحرير بعض جوانب هذا الفكر السيد حمزة المليباري
وكنصيحة مني وأنا طويلب علم صغير لإخواني أرشد ملزما لكتب
الشيخ ربيع بن هادي في الرد عليه سواء ( الرد المفحم و التنكيل
ومنهج مسلم في صحيحه) .
2[ رأيه في تدليس الحسن البصري]
قال في الصحيحة رقم 834 ( لكن الظاهر أن المراد من تدليسه إنما
هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم لأن الحافظ في
التهذيب أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم
وكلهم من الصحابة ، فلم يذكروا ولو رجلا واحدا من التابعين روى
عنه الحسن ولم يلقه ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعا على الاحتجاج
بروايتة الحسن عن غيره من التابعين ، بحيث إني لا أذكر أن أحدا أعل
حديثا ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه ، هذا ما ظهر لي
في هذا المقام )
وأنبه لما ذكره الأستاذ الحويني في كتابه بدل الإحسان بتقريب سنن
النسائي أبي عبد الرحمان ، بعدما نقل الكلام السابق قال ( قول الشيخ
عمن لم يلقهم وكلهم من الصحابة فيه نظر لأن الحسن إذا روى عمن لم
يلقه أخد حكم المنقطع كما قال الذهبي في الميزان في ترجمة الحسن
) قلت نعم يأخد حكم المنقطع وهذا لايخفى على الشيخ لكن صنيعه يدل
أنه يرى مذهب ابن الصلاح والحاكم أنه لايشترط اللقي في التدليس
إن وردت الرواية بصيغة موهمة للسماع ، فتدليس الحسن البصري
غالبه عمن لم يلقه من الصحابة بصيغة موهمة لأن المترجمون له
وجدوا أن غالب من روى عنه ولم يلقه كان من الصحابة ، أما إذا
روى عن تابعي فلا يكاد يدلس ، ولا يخرم هذه القاعدة وجود أمثلة
دلس فيها الحسن عن التابعين .
ثم قال الأستاد الحويني وفقه الله للخير ( أما ذكر إجماع العلماء فإني
أفرقه ولم أقف على أحد من السالفين ذكر الإجماع مع رسوخ قدم
شيخنا في هذا العلم ) .
أقول جزاك الله خيرا على هذه المحمدة والشيخ ناصر عبارته كالتالي (
ويشهد لذلك إطباق العلماء على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره
من التابعين ) ولايفهم من العبارة الاجماع فإطباقهم غير إجماعهم
وقصده تتابعهم على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره من
التابعين وفرق كبير بينها وبين الاحتجاج ، فتبين أن الشيخ دقيق
جدا في التعبير وهو الذي نبه مرارا أن الإجماعات التي يطلقها
بعض العلماء محل تتبع قال في رسالة ( صلاة التراويح) ص83
( وادعاء مثل هذا الإجماع مما يحمل المحققين على أن لايتسرعوا
في قبول كل إجماع يرد ذكره في بعض الكتب فقد تبث بالتتبع أنه
لايصح كثير مما يذكر فيها ومن الأمثلة أيضا على ذلك الإجماع
الذي نقله بعضهم في أن الوتر ثلاث ركعات مع أنه ثبث عن غير واحد
من الصحابة الايتار بركعة واحدة فقط ) .
3[تحسين أو تصحيح حديث محتمل الضعف بشواهد من القرآن ]
قال في رسالة ( تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجرص 27
( هذا ومن المعلوم عند المشتغلين بالسنة أن الحديث الذي ورد من طريق
فيه ضعف غير شديد أنه يقوى بمجيئه من طريق أخرى أو بوجود شاهد
له ولو مثله في الضعف فكيف إذا كان الحديث صحيح الإسناد وكان له
شاهد من القرآن الكريم فضلا عن السنة المطهرة فإنه والحالة هذه لايشك
من له أدنى إلمام بهذا العلم في صحة الحديث ولو كان ضعيف الإسناد
فكيف إذا كان صحيح الإسناد لذاته فلا ريب أنه بدلك يزداد قوة على قوة
وحديثنا هذا هو من هذا القبيل فإنه صحيح الأسناد كما أتبثنا ذلك بتحكيم
قواعد أهل العلم عليه مع الاستئناس بأقوال العلماء الذين سبق ذكرهم
ممن صححوه وله شواهد من القرآن الكريم والسنة).
وقال في الصحيحة (5/596) تحت حديث( من وعده الله على عمل ثوابا
فهو منجزه له ومن أوعده عقابا فهو فيه بالخيار) .. والحديث مع ضعف
سنده فهو ثابث المتن عندي فإن شطره الأول يشهد له آيات كثيرة في
القرآن الكريم كقوله تعالى ( لايخلف الله وعده) وقوله ( ونتجاوز عن
سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) وأما الشطر
الآخر فيشهد له حديث عبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ( ومن عبد الله
وسمع وعصى فإن الله عن أمره بالخيار إن شاء رحمه وإن شاء عذبه)
أخرجه أحمد وغيره بسند حسن.
قلت على أي لامشكل في الشواهد التي تشهد لغيرها بتمامها ، ويبقى
الإشكال عندي على الأقل في الأمثلة التي تتكون من فقرات فنجد لها
شواهد متفرقة ، هل بهذه الطريقة تتقوى ؟ المسألة ليست هينة
فرحم الله عبدا قال بما علم ولم يتكلف القول فيما لاعلم له به ، فأرجوا
من الله سبحانه أن يوفقني للوقوف على كتاب ( مناهج المحدثين
في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة ) لمرتضى الزين أحمد لأنظر
فيه طرائق أهل الصنعة . بالجملة الحديث التي يتكون من فقرات
وسنده محتمل الضعف ، فيجد الباحث له شواهد متفرقة من
أحاديث مخارجها مختلفة ، وكل حديث يشهد لفقرة في الحديث الأول
فهل يتقوى بهذا الشكل ؟ نصف العلم لاأدري فنظرة إلى ميسرة .
-4 [ تلميذ المدلس الراوي عنه إذا كان في حفظه شئ فلا نأمن أن يقلب
العنعنة تصريحا بالسماع].
قال في الضعيفة ج5 ص 425 حديث رقم ( 2404) ( إن أطيب الكسب
كسب التجار الدين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا
لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا ..) ضعيف ... عن هشام بن عبد الملك
أبي التقى ثنا بقية ثني ثور بن يزيد عن حالد بن معدان عن معاذ بن جبل
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ، وقال ابن أبي حاتم ( قال
أبي هذا حديث باطل ولم يضبط أبو تقى عن بقية ، وكان بقية لايذكر الخبر
في مثل هذا) قلت وأبو تقى هذا مختلف فيه ، وقال الحافظ صدوق ربما
وهم . ومراد أبي حاتم بقوله ( لايذكر الخبر أن بقية كان لايصرح
بالتحديث عن ثور وإنما يرويه بالعنعنة وهو مدلس فرواه أبو التقى
عنه بالتحديث وهما منه وقلة ضبط .
وقال في الضعيفة ج1ص 1097 [ ومن دونه لم أعرفهم غير بقية
وهو ابن الوليد وهو مدلس وما أظن تصريحه بالتحديث محفوظا
لأن القرشي الراوي عنه غير معروف ومن الممكن أن يكون عبد
الجبار والزبيدي من شيوخ بقية المجهولين وقد أسقطه بعضهم
من الإسناد).
وقال في الإرواء ج1 ص 295-296 حديث رقم ( 269) في حديث
علي ( لاتبرز فخدك ولا تنظر إلى فخد حي ولا ميت ) ضعيف جدا ..
فبعدما ذكر من أخرجه قال وعلة الرواية الثانية أحمد بن منصور
هذا لم يوثقه أحد إلا ما قاله أبو حاتم فيه ( صدوق) كما في كتاب ابنه
( 1/1/7لكن الصدوق قد يخطئ وقد ذكر ابن أبي حاتم في باب
درجات رواة الآثار أن الراوي الذي قيل فيه ( صدوق) أو ( محله
الصدق) أو ( لابأس به ) فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه .
قلت وقد نظرنا في روايته لهذا الحديث مصرحا بسماع ابن جريج من
روايته عن روح ، قد خالف في ذلك كل من وقفنا على روايته لهذا
الحديث عن روح من الثقات مثل بشر بن آدم عند ابن ماجه ، والحارث
بن أبي أسامة عند الحاكم ، ومحمد بن سعد العوفي عند البيهقي
فإنهما قالا عن روح عن ابن جريج عن حبيب كما تقدم .الأولان
ثقتان ، الأول احتج به البخاري والثاني حافظ صدوق ، والآخر
قال الدارقطني (لابأس به ) وكذلك فإنه خالف أيضا رواية
الآخرين عن ابن جريج ، فلم يصرح أحد منهم بالسماع فدل ذلك
على نكارة روايته أو شذوذها على الأقل ..)
5[ تدليس يحي بن أبي كثير يخالف ما عهد من باقي المدلسين]
قال رحمه الله في رسالة ( الرد على رسالة إباحة الذهب المحلق
لإسماعيل الأنصاري ) وهي ضمن كتاب ( الألباني حياته وآثاره)
لإبراهيم الشيباني .
( وإنه ليلقى في نفسي أن يحي بن أبي كثير وإن كان مدلسا فإن
رواية حسين عنه وما تقدم عن أحمد فيه ، كل ذلك يشعر بأن تدليسه
ليس من النوع الذي لابد لتلافيه من التصريح بالتحديث ، بل تدليسه
يعرف بالنظر إلى صورة روايته فإن قال ( بلغني عن فلان) أو ( حدث
فلان) فهذا دليل على الإنقطاع وأنه لم يسمعه من فلان ، وأما إذا قال
( عن فلان) فهو محمول على السماع بخلاف المعهود عن المدلسين
الدين لايقبل حديثهم إلا إذا صرحوا بالسماع والدليل على ذلك قول
أحمد ورواية حسين المشار إليها ، ولعل هذا هو السر في إكثار
الصحيحين من الرواية عن يحي بن أبي كثير عن شيوخه بصيغة
(عن) ، وهذه فائدة هامة ما رأيت من سبقني لتوضيخها والتنبيه
عليها فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ).
6 [ فائدة لم ينتبه لها الشيخ إلا مؤخرا والتزم بها ]
وهو ما ذكره ابن حجر في المقدمة من أن ماجئ من رواية أهل الحدق
كابن معين والخاري وأبو زرعة وأبي حاتم عن أبي صالح كاتب الليث
فهو من صحيح حديثه ، وما جئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه.
قال الشيخ قدس الله روحه في الجنة كما في ( أسئلة أبي العينين)
ص36 ( ونخن نأسف أننا لم ننتبه له إلا أخيرا فذهبنا نحذوا حذوهم
فنفرق بين حديث كاتب الليث . فما رواه عنه إمام من الأئمة المذكورين
يميزون بين صحيح حديث مشايخهم عن غيره ).
قال أخوكم ومن الكتب التي التزم فيها ما ذكر ( النصيحة..) ص 220
فانظره لتعلم أن العلم لاقرار له ، وعسى أن يكون في هذا موعظة
لمحبي الظهور ، فاللهم معلم إبراهيم علمني.
[7براءة بقية من تدليس التسوية]
قال الشيخ ناصر في الضعيفة ج 12 حديث رقم 5557 ( إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة والصيام والجهاد – حتى ذكر سهام الخير- وما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله ) باطل ثم ذكر تخريجه .. وقال ثم إن بقية بن الوليد قد اتهم بالتدليس في هذا الحديث( قلت أشرف يرجى مراجعة التخريج) تدليس التسوية فقد قال ابن أبي حاتم في العلل أيضا2/154 سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه اسحاق بن راهويه عن بقية قال حدثني أبو وهب الاسدي قال حدثنا نافع عن ابن عمر [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] ( لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه ) قال أبي هذا الحديث له علة قل من يفهمها رواه عبيد الله بن عمرو عن اسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم , وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدي فكأن بقية كنى عبيد الله بن عمرو ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن له حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لايهتدى له وكان بقية من أفعل الناس لهذا وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية عن أبي وهب حدثنا نافع فهو وهم غير أن وجهه عندي أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث ولم يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط وتكنيته عبيد الله بن عمرو فلم يتفقد لفظهة بقية في قوله حدثنا نافع أو عن نافع ) .
قلت يتلخص من كلامه أمران
1- أن بقية كان يدلس تدليس الشيوخ والأسماء .
2- اتهامه بأنه كان يدلس تدليس التسوية كالوليد بن مسلم . أما الأول فهو من المسلم به فقد ذكر ذلك عنه كثيرممن ترجم له من الأئمة القدامى منهم والمحدثين لكن في شيوخه وليس في شيوخهم منهم الحافظ يعقوب الفسوي فقال في المعرفة والتاريخ 2/424 ( وبقية يقارب اسماعيل والوليد في حديث الشاميين وهو ثقة إذا حدث عن ثقة فحديثه يقوم مقام الحجة , يذكر بحفظ إلا أنه يشتهي الملح والطرائف من الحديث من الحديث ويروي عن شيوخ فيهم ضعف وكان يشتهي الحديث فيكني الضعيف النعروف بالاسم ويسمي المعروف بالكنية باسمه وسمعت اسحاق بن راهويه قال قال ابن المبارك أعياني بقية كان يكني الأسامي ويسمي الكنى قال حدثني أبو سعيد الوحاطي فإذا هو عبد القدوس . وقد قال اهل العلم بقية إذا لم يسم الذي يروي عنه وكناه فلا يسوى حديثه شيئا) ورواه عنه الخطيب في تاريخ بغداد 7/124 وابن عساكر في تاريخ دمشق 10/208-209- 212- 213 وتجد عندهما روايات أخرى في ذلك عن ابن معين وغيره .
وأما الآخر – وهو اتهامه بأنه كان يدلس تدليس التسوية- فما أعتقد أن ذلك صح عنه وذلك لأمور أولا أن استدلال أبي حاتم برواية إسحاق بن راهويه عن بقية – إن كانت محفوظة- لاتنهض بذلك لأن فيها تصريح أبي وهب – شيخ بقية- بالتحديث عن نافع وكذلك صرح بقية بالتحديث عن أبي وهب فهي رواية مسلسلة بالتحديث فأين التدليس المدعى ؟ والمدلس إذا أسقط من الإسناد راويا – سواء كان شيخه أو شيخ شيخه- رواه بصيغة توهم السماع كأن يقول قال فلان أو عن فلان ونحوه فلو قال مكان ذلك سمعت أو حدثني أو نخو ذلك مما هو صريح في الاتصال كان كذبا وسقطت به عدالته , وبقية صدوق اتفاقا وقد قال أبو زرعة ( ما لبقية عيب إلا كثرت روايته عن المجهولين فأما الصدق فلا يؤتى من الصدق وإذا حدث عن الثقاث فهو قة ) كما رواه عنه ابن أبي حاتم 1/420 وتقدم نحوه عن يعقوب الفسوي . ولذلك اضطر ابو حاتم إلى توهيم الامام اسحاق بن راهويه في الإسناد ( حدثنا نافع) لتصوره الانقطاع بين أبي وهب ونافع التاتج من اسقاط بقية لابن أبي فروة من بينهما ، وإذا جاز مثل هذا التوهيم منه أفلا يجوز لغيره أن يقول لعل الاسقاط المذكور كان من أبي حاتم مجرد دعوى فإن بقية قد ذكر ابن أبي فروة في اسناد الحديث كما تقدم في رواية موسى بن سليمان على مافيها من الكلام الذي سبق بيانه . وعلى افتراض سقوطه في رواية ابن راهويه عن بقية فليس هناك دليل على أنه كان مقصودا من بقية فيمكن أن يكون وهما منه كما تقدم مثله في أول التخريج من منصور بن صقير وذلك لايبرر اتهامه بتدليس التسوية كما لا يخفى على الناقد البصير بهذا الفن الشريف بل ويمكن أن يكون الاسقاط المدعى من غير بقية فقد أشار إلى ذلك الحافظ في النكت عللا ابن الصلاح فقال2/622
( تنبيه آخر ذكر شيخنا ممن عرف بالتسوية جماعة وفاته أن ابن حبان قال في ترجمة بقية إن أصحابه كانوا يسوون حديثه) . قلت ذكر ذلك ابن حبان في الضعفاء 1/200-201 وبعد ان صرح بأن بقية كان مدلسا يسقط الضعفاء من شيوخه بينه وبين شيوخهم الثقات فقال ( فرأيته ثقة مأمونا ولكنه كان مدلسا سمه من عبيد الله بن عمرووشعبة ومالك مثل المجاشع بن عمرو والسري بن عبد الحميد وعمر بن موسى الميتمي وأشباههم واقوام لا يعرفون إلا بالكنى فروى عن أولئك الثقاث الذين رآهم بالتدليس ماسمع من هؤولاء الضعفاء وكان يقول قال عبيد الله عمر عن نافع وقال مالك عن نافع فحملوا عن بقية عن عبيد الله وبقية عن مالك وأسقط الواهي بينهما فالتزق الموضوع ببقية وتخلص الواضع من الوسط وإنما ابتلي بقية بتلاميد له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فالتزق كله به ) قلت هذا كله كلام ابن حبان رحمه الله وهو صريح في تبرئته من تدليس التسوية وان ذلك كان من بعض تلاميذه , ولعل هذا هو سبب إعراض كل كل من ترجم عن رميه بهذا النوع من التدليس وبخاصة المتأخرين منهم الدين احاطو بكل ما قيل فيه من مدح وقدح من الأئمة المتقدمين واقتصروا على وصفه بتدليس شيوخه فقط فقال الذهبي في كتابه ( الكاشف) ( وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقاث وقال النسائي إذا قال ثنا ونا فهو ثقة وهذا الحافظ ابن حجر لما أورده في طبقات المدلسين لم يزد على قوله ( وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين وصفه الأئمة بذلك ) أورده في المرتبة الرابعة وهي التي يورد فيها ( من اتفق على أنه لا يحتج بشئ من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد ) كما قال في مقدمة الرسالة ، قلت فلم يرمه لاهو ولا الذهبي بتدليس التسوية
[قلت أشرف أعتذر منك شيخي الحبيب فصنيع الحافظ يدل على أنه يرى أن بقية يدلس تدليس التسوية مثاله ماجاء في التلخيص 2/40 قال الحافظ ( إن سلم من وهم بقية ففيه تدليسه تدليس التسوية لأنه عنعن لشيخه) فالخلاصة تدليس بقية تدليس التسوية نادر جدا كما صرح بذلك الأستاذ السعد فإن وجدنا حديث فيه شبهة تدليسه التسوية فنأخد بالاعتبار الاحتمالين اللذين ذكرهم إمام السنة النبوية وفقيهها ناصر الدين 1- عدم التعمد كما حصل مع منصور بن صقير 2- أو أنه من عمل تلاميده .] .
وقله فيما تقدم نقله عنه في النكت ( ذكر شيخنا) إنما يعني به الحافظ العراقي فإنه لما ذكر في كتابه ( التقييد والايضاح) ص 78 الحلبية تدليس التسوية ضرب على ذلك مثالا هذا الحديث نقلا عن عن العلل لابن أبي حاتم وكان نقله عنه باختصار تبعه عليه السيوطي في التدريب 1/224- 225 وذلك أنهما لم ينقلا عنه قوله المتقدم ( وأما ما قال اسحاق في روايته..) وبناء على ذلك تصرفا فيما نقلاه عنه فقالا ( عن نافع) بدل ( حدثنا نافع) وهو تصرف غير مرضي لأنه خلاف ما وقع في رواية ابن راهويه عند أبي حاتم فلا يجوز تغييره إلا بالبيان كما فعل أبو حاتم في تمام كلامه فاختصارهما إياه من الاختصار المخل كما هو ظاهر ويكفي العاقل دليلا على ذلك أن هذا التحقيق الذي أجريناه على كلامه ماكان بإمكاننا ذلك لو لم نقف عليه في العلل واعتمدنا فقذ على ما نقلاه عنه ولذلك انطلى الأمر على بعض الطلاب في العصر الحاظر وأخدوا يعللون بعض أحاديث بقية التي صرخ فيها بالتحديث عن شيخه بتدليس التسوية كحديث( وكاء السه العينان فمن نام فليتوظأ) وهو مخرج في صحيح أبي داود 198 وأوردته في صحيح الجامع 4025 فلم يعجب ذلك بعضهم اغترارا بان فيه تدليس التسوية . ونحوه تعليق بعضهم على ترجمة بقية في سير أعلام النبلاء بقوله 8/458 ( بل قد وصفوه بأخبث أنواع التدليس وهو تدليس التسوية وهو أن يحذف من سنده غير شيخه .. ) واستند في ذلك على التدريب وقد خفي عليه ما ذكرته من التحقيق زد على ذلك أن أحدا من علماء التخريج لم يجر على اعلال حديث بقية بتدليس التسوية فيما علمت وإنما يعللونه بعنعنته عن شيخه فإذا صرح بالتحديث عنه صححوه فهو دليل عملي
منهم على عدم الاعتداد بقول من اتهمه بتدليس التسوية ولا نذهب بك بعيدا في ضرب الأمثلة فهذا هو الامام مسلم قد ذكر في مقدمة صحيحه ص 4 200 بقية بالتدليس ثم روى في النكاح من صحيحه 4/152 بسنده عن بقية حدثنا الزبيدي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ( من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب) ولما أخرجه الذهبي في السير 8/467 من طريق إبي عوانة الحافظ بسنده عن جمع قالوا حثنا بقية حدثنا الزبيدي به قال المعلق المشار إليه آنفا (إسناده صحيح فقد صرح بقية بالتحديث) وقد فاته إخراج مسلم إياه كما غفل عن اتهامه بتدليس التسوية كما تقدم نقله عنه فإن شيخ بقية الزبيدي لم يصرح بالتحديث .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اتبع هداه .
مند وقت كبير ، كنت أفكر في كتابة هذا المقال لحاجة ملحة في نفسي هي
بيان قدر عالم كبير من علماء المسلمين المصونين ، ومنزلته في قلوب
الناس عامة وعند أتباعه ومحبيه النعومين . مع الاشارة الضمنية لمنهجه
رحمه الله في نقد الحديث .
ولايخفى على القارئ الكريم أننا نلمس في الوقت الحاضر انتعاشة علمية
تشمل مجالات متعددة على رأسها علم الحديث النبوي الشريف ، فهو علم
تهرع له النفوس وتعقد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ميراث
علم النبوة ، فالأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، علم
يغبطنا عليه المستشرقون الغربيون لأنه صان للمسلمين ثراثا أخده كل
جيل عن سابقه وفق ضوابط وقواعد محكمة رصينة ، تنم على عبقرية
علمائنا الأكابر . فالطريق ناخ له أبو زرعة وأبو حاتم والخطيب وكابده
أحمد والبخاري والذهبي وابن حجر وابن رجب وابن عبد الهادي ،ولاقى
لأجله الدارقطني وابن تيمية وابن كثير أصنافا من الأدى والضر.
فحري بنا طويلبوا هذا العلم الشريف أن نعرف قدر نفوسنا ، ونعرف قدر
الثقل المنوط بنا للنهوض به ، ونتوقف عن هذه المهاترات التي أصبحنا
نشاهدها بكرة وعشيا ، في الغدوة والروحة ، من شباب المنتديات و
الرسائل الهدامات ، من أبو البركات وأبو السعادات وأبو النظارات ، من
سعيد وتعيس ، من المتعالمين المتلونين . قال البشير الابراهيمي رحمه
الله ( من سنن العرب أنهم يجعلون الاسم سمة للطفولة والكنية عنوانا
على الرجولة ، لذلك كانوا لايكتنون إلا بنتاج الأصلاب وثمرات الأرحام
من بنين وبنات ، لأنها الامتداد الطبيعي لتاريخ الحياة بهم ، ولا يرضون
بهذه الكنى والألقاب الرخوة إلا لعبيدهم ، فما راجت هذه الكنى والألقاب
المهلهلة بين المسلمين إلا تراخت العرى الشاذة لمجتمعهم فراج فيهم
التخنت في الشمائل والتأنث في الطباع والارتخاء في العزائم والنفاق
في الدين ، ويوم نسي المسلمون أنفسهم فأضاعوا الأعمال التي يتمجد
بها الرجال وأخدوا بالسفاسف التي يتلهى بها الأطفال وفاتتهم العظمة
الحقيقية فالتمسوها في الأسماء والكنى والألقاب ، ولقد كان العرب
صخورا وجنادل يوم كان من أسمائهم صخر وجندلة وكانوا غصصا
وسموما يوم كان فيهم مرة وحنظلة وكانةا أشواكا وأحساكا يوم كان فيهم
قتادة وعوسجة ، فانظر ماهم اليوم؟ وانظر أي أثر تتركه الأسماء في
المسميات واعتبر ذلك في كلمة سيدي وأنها ما راجت بيننا وشاعت فينا
إلا يوم أضعنا السيادة وأفلتت من أيدينا القيادة ولماذا لم تشع في
المسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة ولو قالها قائل لعمر لهاجث
شرته ولبادرت بالجواب ذرته) .
العلم إخواني كان كريما بملاقاة الرجا ل فلما صار في الكتب صرت تجده
عند العامي الهامي ، والأعرابي الجافي . ما الصعب في هذا ؟ تجمع
وتقمش أقوالا ومقاطع وفقرات وتخرج بموضوع مركب وترفقه في
المنتدى المشترك فيه ، وبعد ذلك طب نفسا بالدعوات المباركات
والتمجيدات ، هنيئا لقد صرت شيخ الاسلام في الشبكة العنكبوتية ( دعوى
متسعة) صفاقة ,وعندما تفاتحه في النقاش يوسعك لوما وقدحا . فخبطبوا
في الرواية والتصحيح والتضعيف خبط عشواء مع مستكره الفهم و
التأويل وسرعة الحكم بلا استقراء ، والنفي بلا إحاطة فإلى الله المشتكى
من تطاول أهل زماني .
ومن السماجة البدار إلى مقارعة العلماء بل نطحهم في أوائل الطلب مع
التأليف المخرخر غير المحرر ، ثم هو يرسم على طرته ( تصنيف أبي
السعادات غفر الله له ولولديه ومشايخه) . ياحبيبي وليس له شيوخ غير
الصحف والجرائد والمجلات [ صحفي] وقديما قيل لاتأخد العلم عن
صحفي ولا القرآن من مصحفي .
إذا رأيت مفتيا مكور العمامة وعندك سؤال وأردت أخد الجواب كاملا مع
الانبساط في الوجه ،فقبل يده وابتدأ الحديث بعبارة ( ياسيدي الشيخ) فإن
لم تفعل فانقباظ في الجبين والجواب ( في المسألة قولان) . ما الفرق بين
الركن والشرط ؟ في المسألة قولان . أفي الله شك ؟ في المسألة قولان .
وهذا الضرب يستفتون بالشكل لابالفضل ، وبالمناصب لابالأهلية ، يسارع
إليهم من هو أجهل منهم ( كان العلم في الصدور والآن صار في الثياب).
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لاعلم عنده صغير إذا التفت إليه المحافل
قال الخطيب في مقدمة كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(
وقد رأيت خلقا من أهل هذا الزمان ينتمون إلى الحديث ويعدون أنفسهم
من أهله المتخصصين بسماعه ونقله وهم أبعد الناس مما يدعون وأقلهم
معرفة بما إليه ينسبون يرى الواحد منهم إذا كتب عددا قليلا من الأجزاء
واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر أنه صاحب حديث على الاطلاق
ولما يجهد نفسه ويتعبها في طلابه ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه
وأبوابه وهم مع قلة كنبهم له وعدم معرفتهم به أعظم الناس كبرا وأشد
الخلق تيها وعجبا لايراعون لشيخ حرمة ولا يوجبون لطالب ذمة يخرقون
بالراوين ويعنفون على المتعلمين خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه
وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه..) .
إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ( الصحيحة 695)
ألم تجالسوا متعالما في علم الحديث إذا سألته عن درجة حديث قال أخرجه
فلان وفلان وعند الثوتيق تجد أن الحديث لم يخرجه أحد ممن ذكر ؟ ألم
تجالسوا مفتيا يأنف من صرف المستفتي بلا جواب فيقول على الله تعالى
بلا علم ، بل يبدأ بالجواب قبل كمال السؤال ؟ وتراه يحف ويرف يمينا
وشمالا على الحضور وينشر يديه كأنه يطارد الذباب . يفتي فيما يتوقف
فيه شيوخ الإسلام كأبي القتاد الداعي إلى قتل النسوان وفلذات الأكباد .
ألم تجالسوا فقهاء الدجاج والحمام [ هم كثر في بلدي] ياسيدي الفقيه
مات رجل وترك أب وأم وثلاث بنات ومبلغ مالي قدره كذا ، فيجيب
الله الله مسألة كبيرة وثمنها قليل . إذن خد هذا ، ما هذا ؟ فرخة .
فتوى بفرخة . وهل ينال العلم إلا بالدجاج والفراخ .
أصبحنا أضحوكة ، الحق والحق أقول إن بعض من يفتي
أحق بالحبس من السراق ، وحجر المتعالمين الجهال
لاستصلاح الدين أهم من الحجر على المريض العيان
لاستصلاح الأبدان . كأبو قتادة وأبو بصير وابن لادن
والظواهري وسعد الفقيه وعصام البرقاوي وحسن السقاف
وعبد الحبشي والغماري أحمد وعبد الله والجفري
والقرضاوي والصاوي وحمزة المليباري من حطاب الليل.
قال الطانزون له فقيه فصعد حاجبيه وتاها
وأطرق للسائل أي بأني ولا يدري لعمرك ما طحاها
وأختم المقدمة بحكاية لطيفة رواها لي صديق ساعاتي ، مضمونها أنه
كان متوجها لعمله في الصباح وفي الطريق وجد قريب له جالس في
الجانب الخارجي لمقهى وبيديه أوراق يكتب فيها ، فسأله صديقي
عما يفعل فأجابه ( أنه يؤلف تفسير للقرآن الكريم ) وهو عامي .
فإلى الله تعالى أشكوا غربة هذا الدين .
فأهل السنة أعرف الناس بالحق وأرحمهم بالخلق وغيرهم ممن ليس على
نهجهم وهديهم يفسقون ويظللون ويبدعون ويوجهون التهم المغلظة
لعلماء الأمة بغير وجه شرعي صحيح ، قصدهم من ذلك انتقاصهم والحط
من مكانتهم العلمية ، لحسد ، أو البحث عن الشهرة والذكر أو لعصبية
عقائدية أو مذهبية وقد يجتمعون وقد يفترقون ، والناجي من سلمه الله
تعالى . لذا أنصح إخواني القراء الكرام أن يتلقوا العلم عمن يتقون بهم
من الأعلام الكبراء مثل الامام ناصر وابن باز وابن عثيمين وغيرهم فإن
هذا العلم دين فانظروا عمن تأخدون دينكم .
الشيخ الإمام ناصر الدين علم متفنن جعله المولى سبحانه حجة في هذا
الزمان المتأخر ، ترك لنا قيمة علمية تستحق أن تدرس وتطالع وتقرأ
وتبحث من كل محب لهذا العلم ولأجل تقريب منهجه الحديثي للقارئ
الحبيب ،سأبرز ما امتاز به في الكثير من تحقيقاته رحمه الله .
1 [ رأيه في تدليس قتادة بن دعامة السدوسي]
قال في الصحيحة حديث رقم 3347( وضعفه المعلق على المنتخب
- يقصد الشيخ بالمعلق مصطفى العدوي وتعليقه على منتخب بن حميد-
بعنعنة قتادة غير مبال بجريان العمل على الاحتجاج به عند الأئمة
الستة وغيرهم ، ومنهم الشيخان فقد مشيا عنعنته في أحاديث كثيرة
وهذا منها على ما سأبينه وذلك لقلة تدليسه في جملة أحاديثه الكثيرة
فقد كان من الحفاظ الأثباث وقد أشار إلى ذلك الحافظ في مقدمة الفتح
بقوله ص 436 التابعي الجليل أحد الأثباث المشهورين كان يضرب به
المثل في الحفظ إلا أنه ربما دلس ، احتج به الجماعة) ولذلك اقتصر
في التقريب على قوله فيه ثقة ثبت فمثله يغتفر تدليسه والله أعلم
وبخاصة إذا عنعن عمن سمع منه كثيرا كأنس ، فلا يعل حديثه عنه
إلا إذا ضاق الأمر وكان هناك ما يؤكد تدليسه ) .
مع هذا يطل علينا أصحاب المنهج الفاسد ، منهج التفريق بين
المتقدمين والمتأخرين في الحديث بسيل من التهم ، يأتون فيها بالجرة
وأذن البرة ، المتأخرين يعلون حديث المدلس بمجرد العنعنة دون
الالتفات لما يحفه من قرائن كأن يكون المدلس مقل ، أو لايدلس إلا
عن ثقة ، أو عمن أكثر من الرواية عنه ، أو صرح بالتحديث والراوي
عنه لم يضبطه ، أو أو .
وتولى تأصيل وتحرير بعض جوانب هذا الفكر السيد حمزة المليباري
وكنصيحة مني وأنا طويلب علم صغير لإخواني أرشد ملزما لكتب
الشيخ ربيع بن هادي في الرد عليه سواء ( الرد المفحم و التنكيل
ومنهج مسلم في صحيحه) .
2[ رأيه في تدليس الحسن البصري]
قال في الصحيحة رقم 834 ( لكن الظاهر أن المراد من تدليسه إنما
هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم لأن الحافظ في
التهذيب أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم
وكلهم من الصحابة ، فلم يذكروا ولو رجلا واحدا من التابعين روى
عنه الحسن ولم يلقه ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعا على الاحتجاج
بروايتة الحسن عن غيره من التابعين ، بحيث إني لا أذكر أن أحدا أعل
حديثا ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه ، هذا ما ظهر لي
في هذا المقام )
وأنبه لما ذكره الأستاذ الحويني في كتابه بدل الإحسان بتقريب سنن
النسائي أبي عبد الرحمان ، بعدما نقل الكلام السابق قال ( قول الشيخ
عمن لم يلقهم وكلهم من الصحابة فيه نظر لأن الحسن إذا روى عمن لم
يلقه أخد حكم المنقطع كما قال الذهبي في الميزان في ترجمة الحسن
) قلت نعم يأخد حكم المنقطع وهذا لايخفى على الشيخ لكن صنيعه يدل
أنه يرى مذهب ابن الصلاح والحاكم أنه لايشترط اللقي في التدليس
إن وردت الرواية بصيغة موهمة للسماع ، فتدليس الحسن البصري
غالبه عمن لم يلقه من الصحابة بصيغة موهمة لأن المترجمون له
وجدوا أن غالب من روى عنه ولم يلقه كان من الصحابة ، أما إذا
روى عن تابعي فلا يكاد يدلس ، ولا يخرم هذه القاعدة وجود أمثلة
دلس فيها الحسن عن التابعين .
ثم قال الأستاد الحويني وفقه الله للخير ( أما ذكر إجماع العلماء فإني
أفرقه ولم أقف على أحد من السالفين ذكر الإجماع مع رسوخ قدم
شيخنا في هذا العلم ) .
أقول جزاك الله خيرا على هذه المحمدة والشيخ ناصر عبارته كالتالي (
ويشهد لذلك إطباق العلماء على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره
من التابعين ) ولايفهم من العبارة الاجماع فإطباقهم غير إجماعهم
وقصده تتابعهم على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره من
التابعين وفرق كبير بينها وبين الاحتجاج ، فتبين أن الشيخ دقيق
جدا في التعبير وهو الذي نبه مرارا أن الإجماعات التي يطلقها
بعض العلماء محل تتبع قال في رسالة ( صلاة التراويح) ص83
( وادعاء مثل هذا الإجماع مما يحمل المحققين على أن لايتسرعوا
في قبول كل إجماع يرد ذكره في بعض الكتب فقد تبث بالتتبع أنه
لايصح كثير مما يذكر فيها ومن الأمثلة أيضا على ذلك الإجماع
الذي نقله بعضهم في أن الوتر ثلاث ركعات مع أنه ثبث عن غير واحد
من الصحابة الايتار بركعة واحدة فقط ) .
3[تحسين أو تصحيح حديث محتمل الضعف بشواهد من القرآن ]
قال في رسالة ( تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجرص 27
( هذا ومن المعلوم عند المشتغلين بالسنة أن الحديث الذي ورد من طريق
فيه ضعف غير شديد أنه يقوى بمجيئه من طريق أخرى أو بوجود شاهد
له ولو مثله في الضعف فكيف إذا كان الحديث صحيح الإسناد وكان له
شاهد من القرآن الكريم فضلا عن السنة المطهرة فإنه والحالة هذه لايشك
من له أدنى إلمام بهذا العلم في صحة الحديث ولو كان ضعيف الإسناد
فكيف إذا كان صحيح الإسناد لذاته فلا ريب أنه بدلك يزداد قوة على قوة
وحديثنا هذا هو من هذا القبيل فإنه صحيح الأسناد كما أتبثنا ذلك بتحكيم
قواعد أهل العلم عليه مع الاستئناس بأقوال العلماء الذين سبق ذكرهم
ممن صححوه وله شواهد من القرآن الكريم والسنة).
وقال في الصحيحة (5/596) تحت حديث( من وعده الله على عمل ثوابا
فهو منجزه له ومن أوعده عقابا فهو فيه بالخيار) .. والحديث مع ضعف
سنده فهو ثابث المتن عندي فإن شطره الأول يشهد له آيات كثيرة في
القرآن الكريم كقوله تعالى ( لايخلف الله وعده) وقوله ( ونتجاوز عن
سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) وأما الشطر
الآخر فيشهد له حديث عبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ( ومن عبد الله
وسمع وعصى فإن الله عن أمره بالخيار إن شاء رحمه وإن شاء عذبه)
أخرجه أحمد وغيره بسند حسن.
قلت على أي لامشكل في الشواهد التي تشهد لغيرها بتمامها ، ويبقى
الإشكال عندي على الأقل في الأمثلة التي تتكون من فقرات فنجد لها
شواهد متفرقة ، هل بهذه الطريقة تتقوى ؟ المسألة ليست هينة
فرحم الله عبدا قال بما علم ولم يتكلف القول فيما لاعلم له به ، فأرجوا
من الله سبحانه أن يوفقني للوقوف على كتاب ( مناهج المحدثين
في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة ) لمرتضى الزين أحمد لأنظر
فيه طرائق أهل الصنعة . بالجملة الحديث التي يتكون من فقرات
وسنده محتمل الضعف ، فيجد الباحث له شواهد متفرقة من
أحاديث مخارجها مختلفة ، وكل حديث يشهد لفقرة في الحديث الأول
فهل يتقوى بهذا الشكل ؟ نصف العلم لاأدري فنظرة إلى ميسرة .
-4 [ تلميذ المدلس الراوي عنه إذا كان في حفظه شئ فلا نأمن أن يقلب
العنعنة تصريحا بالسماع].
قال في الضعيفة ج5 ص 425 حديث رقم ( 2404) ( إن أطيب الكسب
كسب التجار الدين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا
لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا ..) ضعيف ... عن هشام بن عبد الملك
أبي التقى ثنا بقية ثني ثور بن يزيد عن حالد بن معدان عن معاذ بن جبل
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ، وقال ابن أبي حاتم ( قال
أبي هذا حديث باطل ولم يضبط أبو تقى عن بقية ، وكان بقية لايذكر الخبر
في مثل هذا) قلت وأبو تقى هذا مختلف فيه ، وقال الحافظ صدوق ربما
وهم . ومراد أبي حاتم بقوله ( لايذكر الخبر أن بقية كان لايصرح
بالتحديث عن ثور وإنما يرويه بالعنعنة وهو مدلس فرواه أبو التقى
عنه بالتحديث وهما منه وقلة ضبط .
وقال في الضعيفة ج1ص 1097 [ ومن دونه لم أعرفهم غير بقية
وهو ابن الوليد وهو مدلس وما أظن تصريحه بالتحديث محفوظا
لأن القرشي الراوي عنه غير معروف ومن الممكن أن يكون عبد
الجبار والزبيدي من شيوخ بقية المجهولين وقد أسقطه بعضهم
من الإسناد).
وقال في الإرواء ج1 ص 295-296 حديث رقم ( 269) في حديث
علي ( لاتبرز فخدك ولا تنظر إلى فخد حي ولا ميت ) ضعيف جدا ..
فبعدما ذكر من أخرجه قال وعلة الرواية الثانية أحمد بن منصور
هذا لم يوثقه أحد إلا ما قاله أبو حاتم فيه ( صدوق) كما في كتاب ابنه
( 1/1/7لكن الصدوق قد يخطئ وقد ذكر ابن أبي حاتم في باب
درجات رواة الآثار أن الراوي الذي قيل فيه ( صدوق) أو ( محله
الصدق) أو ( لابأس به ) فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه .
قلت وقد نظرنا في روايته لهذا الحديث مصرحا بسماع ابن جريج من
روايته عن روح ، قد خالف في ذلك كل من وقفنا على روايته لهذا
الحديث عن روح من الثقات مثل بشر بن آدم عند ابن ماجه ، والحارث
بن أبي أسامة عند الحاكم ، ومحمد بن سعد العوفي عند البيهقي
فإنهما قالا عن روح عن ابن جريج عن حبيب كما تقدم .الأولان
ثقتان ، الأول احتج به البخاري والثاني حافظ صدوق ، والآخر
قال الدارقطني (لابأس به ) وكذلك فإنه خالف أيضا رواية
الآخرين عن ابن جريج ، فلم يصرح أحد منهم بالسماع فدل ذلك
على نكارة روايته أو شذوذها على الأقل ..)
5[ تدليس يحي بن أبي كثير يخالف ما عهد من باقي المدلسين]
قال رحمه الله في رسالة ( الرد على رسالة إباحة الذهب المحلق
لإسماعيل الأنصاري ) وهي ضمن كتاب ( الألباني حياته وآثاره)
لإبراهيم الشيباني .
( وإنه ليلقى في نفسي أن يحي بن أبي كثير وإن كان مدلسا فإن
رواية حسين عنه وما تقدم عن أحمد فيه ، كل ذلك يشعر بأن تدليسه
ليس من النوع الذي لابد لتلافيه من التصريح بالتحديث ، بل تدليسه
يعرف بالنظر إلى صورة روايته فإن قال ( بلغني عن فلان) أو ( حدث
فلان) فهذا دليل على الإنقطاع وأنه لم يسمعه من فلان ، وأما إذا قال
( عن فلان) فهو محمول على السماع بخلاف المعهود عن المدلسين
الدين لايقبل حديثهم إلا إذا صرحوا بالسماع والدليل على ذلك قول
أحمد ورواية حسين المشار إليها ، ولعل هذا هو السر في إكثار
الصحيحين من الرواية عن يحي بن أبي كثير عن شيوخه بصيغة
(عن) ، وهذه فائدة هامة ما رأيت من سبقني لتوضيخها والتنبيه
عليها فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ).
6 [ فائدة لم ينتبه لها الشيخ إلا مؤخرا والتزم بها ]
وهو ما ذكره ابن حجر في المقدمة من أن ماجئ من رواية أهل الحدق
كابن معين والخاري وأبو زرعة وأبي حاتم عن أبي صالح كاتب الليث
فهو من صحيح حديثه ، وما جئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه.
قال الشيخ قدس الله روحه في الجنة كما في ( أسئلة أبي العينين)
ص36 ( ونخن نأسف أننا لم ننتبه له إلا أخيرا فذهبنا نحذوا حذوهم
فنفرق بين حديث كاتب الليث . فما رواه عنه إمام من الأئمة المذكورين
يميزون بين صحيح حديث مشايخهم عن غيره ).
قال أخوكم ومن الكتب التي التزم فيها ما ذكر ( النصيحة..) ص 220
فانظره لتعلم أن العلم لاقرار له ، وعسى أن يكون في هذا موعظة
لمحبي الظهور ، فاللهم معلم إبراهيم علمني.
[7براءة بقية من تدليس التسوية]
قال الشيخ ناصر في الضعيفة ج 12 حديث رقم 5557 ( إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة والصيام والجهاد – حتى ذكر سهام الخير- وما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله ) باطل ثم ذكر تخريجه .. وقال ثم إن بقية بن الوليد قد اتهم بالتدليس في هذا الحديث( قلت أشرف يرجى مراجعة التخريج) تدليس التسوية فقد قال ابن أبي حاتم في العلل أيضا2/154 سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه اسحاق بن راهويه عن بقية قال حدثني أبو وهب الاسدي قال حدثنا نافع عن ابن عمر [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] ( لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه ) قال أبي هذا الحديث له علة قل من يفهمها رواه عبيد الله بن عمرو عن اسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم , وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدي فكأن بقية كنى عبيد الله بن عمرو ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن له حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لايهتدى له وكان بقية من أفعل الناس لهذا وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية عن أبي وهب حدثنا نافع فهو وهم غير أن وجهه عندي أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث ولم يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط وتكنيته عبيد الله بن عمرو فلم يتفقد لفظهة بقية في قوله حدثنا نافع أو عن نافع ) .
قلت يتلخص من كلامه أمران
1- أن بقية كان يدلس تدليس الشيوخ والأسماء .
2- اتهامه بأنه كان يدلس تدليس التسوية كالوليد بن مسلم . أما الأول فهو من المسلم به فقد ذكر ذلك عنه كثيرممن ترجم له من الأئمة القدامى منهم والمحدثين لكن في شيوخه وليس في شيوخهم منهم الحافظ يعقوب الفسوي فقال في المعرفة والتاريخ 2/424 ( وبقية يقارب اسماعيل والوليد في حديث الشاميين وهو ثقة إذا حدث عن ثقة فحديثه يقوم مقام الحجة , يذكر بحفظ إلا أنه يشتهي الملح والطرائف من الحديث من الحديث ويروي عن شيوخ فيهم ضعف وكان يشتهي الحديث فيكني الضعيف النعروف بالاسم ويسمي المعروف بالكنية باسمه وسمعت اسحاق بن راهويه قال قال ابن المبارك أعياني بقية كان يكني الأسامي ويسمي الكنى قال حدثني أبو سعيد الوحاطي فإذا هو عبد القدوس . وقد قال اهل العلم بقية إذا لم يسم الذي يروي عنه وكناه فلا يسوى حديثه شيئا) ورواه عنه الخطيب في تاريخ بغداد 7/124 وابن عساكر في تاريخ دمشق 10/208-209- 212- 213 وتجد عندهما روايات أخرى في ذلك عن ابن معين وغيره .
وأما الآخر – وهو اتهامه بأنه كان يدلس تدليس التسوية- فما أعتقد أن ذلك صح عنه وذلك لأمور أولا أن استدلال أبي حاتم برواية إسحاق بن راهويه عن بقية – إن كانت محفوظة- لاتنهض بذلك لأن فيها تصريح أبي وهب – شيخ بقية- بالتحديث عن نافع وكذلك صرح بقية بالتحديث عن أبي وهب فهي رواية مسلسلة بالتحديث فأين التدليس المدعى ؟ والمدلس إذا أسقط من الإسناد راويا – سواء كان شيخه أو شيخ شيخه- رواه بصيغة توهم السماع كأن يقول قال فلان أو عن فلان ونحوه فلو قال مكان ذلك سمعت أو حدثني أو نخو ذلك مما هو صريح في الاتصال كان كذبا وسقطت به عدالته , وبقية صدوق اتفاقا وقد قال أبو زرعة ( ما لبقية عيب إلا كثرت روايته عن المجهولين فأما الصدق فلا يؤتى من الصدق وإذا حدث عن الثقاث فهو قة ) كما رواه عنه ابن أبي حاتم 1/420 وتقدم نحوه عن يعقوب الفسوي . ولذلك اضطر ابو حاتم إلى توهيم الامام اسحاق بن راهويه في الإسناد ( حدثنا نافع) لتصوره الانقطاع بين أبي وهب ونافع التاتج من اسقاط بقية لابن أبي فروة من بينهما ، وإذا جاز مثل هذا التوهيم منه أفلا يجوز لغيره أن يقول لعل الاسقاط المذكور كان من أبي حاتم مجرد دعوى فإن بقية قد ذكر ابن أبي فروة في اسناد الحديث كما تقدم في رواية موسى بن سليمان على مافيها من الكلام الذي سبق بيانه . وعلى افتراض سقوطه في رواية ابن راهويه عن بقية فليس هناك دليل على أنه كان مقصودا من بقية فيمكن أن يكون وهما منه كما تقدم مثله في أول التخريج من منصور بن صقير وذلك لايبرر اتهامه بتدليس التسوية كما لا يخفى على الناقد البصير بهذا الفن الشريف بل ويمكن أن يكون الاسقاط المدعى من غير بقية فقد أشار إلى ذلك الحافظ في النكت عللا ابن الصلاح فقال2/622
( تنبيه آخر ذكر شيخنا ممن عرف بالتسوية جماعة وفاته أن ابن حبان قال في ترجمة بقية إن أصحابه كانوا يسوون حديثه) . قلت ذكر ذلك ابن حبان في الضعفاء 1/200-201 وبعد ان صرح بأن بقية كان مدلسا يسقط الضعفاء من شيوخه بينه وبين شيوخهم الثقات فقال ( فرأيته ثقة مأمونا ولكنه كان مدلسا سمه من عبيد الله بن عمرووشعبة ومالك مثل المجاشع بن عمرو والسري بن عبد الحميد وعمر بن موسى الميتمي وأشباههم واقوام لا يعرفون إلا بالكنى فروى عن أولئك الثقاث الذين رآهم بالتدليس ماسمع من هؤولاء الضعفاء وكان يقول قال عبيد الله عمر عن نافع وقال مالك عن نافع فحملوا عن بقية عن عبيد الله وبقية عن مالك وأسقط الواهي بينهما فالتزق الموضوع ببقية وتخلص الواضع من الوسط وإنما ابتلي بقية بتلاميد له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فالتزق كله به ) قلت هذا كله كلام ابن حبان رحمه الله وهو صريح في تبرئته من تدليس التسوية وان ذلك كان من بعض تلاميذه , ولعل هذا هو سبب إعراض كل كل من ترجم عن رميه بهذا النوع من التدليس وبخاصة المتأخرين منهم الدين احاطو بكل ما قيل فيه من مدح وقدح من الأئمة المتقدمين واقتصروا على وصفه بتدليس شيوخه فقط فقال الذهبي في كتابه ( الكاشف) ( وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقاث وقال النسائي إذا قال ثنا ونا فهو ثقة وهذا الحافظ ابن حجر لما أورده في طبقات المدلسين لم يزد على قوله ( وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين وصفه الأئمة بذلك ) أورده في المرتبة الرابعة وهي التي يورد فيها ( من اتفق على أنه لا يحتج بشئ من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد ) كما قال في مقدمة الرسالة ، قلت فلم يرمه لاهو ولا الذهبي بتدليس التسوية
[قلت أشرف أعتذر منك شيخي الحبيب فصنيع الحافظ يدل على أنه يرى أن بقية يدلس تدليس التسوية مثاله ماجاء في التلخيص 2/40 قال الحافظ ( إن سلم من وهم بقية ففيه تدليسه تدليس التسوية لأنه عنعن لشيخه) فالخلاصة تدليس بقية تدليس التسوية نادر جدا كما صرح بذلك الأستاذ السعد فإن وجدنا حديث فيه شبهة تدليسه التسوية فنأخد بالاعتبار الاحتمالين اللذين ذكرهم إمام السنة النبوية وفقيهها ناصر الدين 1- عدم التعمد كما حصل مع منصور بن صقير 2- أو أنه من عمل تلاميده .] .
وقله فيما تقدم نقله عنه في النكت ( ذكر شيخنا) إنما يعني به الحافظ العراقي فإنه لما ذكر في كتابه ( التقييد والايضاح) ص 78 الحلبية تدليس التسوية ضرب على ذلك مثالا هذا الحديث نقلا عن عن العلل لابن أبي حاتم وكان نقله عنه باختصار تبعه عليه السيوطي في التدريب 1/224- 225 وذلك أنهما لم ينقلا عنه قوله المتقدم ( وأما ما قال اسحاق في روايته..) وبناء على ذلك تصرفا فيما نقلاه عنه فقالا ( عن نافع) بدل ( حدثنا نافع) وهو تصرف غير مرضي لأنه خلاف ما وقع في رواية ابن راهويه عند أبي حاتم فلا يجوز تغييره إلا بالبيان كما فعل أبو حاتم في تمام كلامه فاختصارهما إياه من الاختصار المخل كما هو ظاهر ويكفي العاقل دليلا على ذلك أن هذا التحقيق الذي أجريناه على كلامه ماكان بإمكاننا ذلك لو لم نقف عليه في العلل واعتمدنا فقذ على ما نقلاه عنه ولذلك انطلى الأمر على بعض الطلاب في العصر الحاظر وأخدوا يعللون بعض أحاديث بقية التي صرخ فيها بالتحديث عن شيخه بتدليس التسوية كحديث( وكاء السه العينان فمن نام فليتوظأ) وهو مخرج في صحيح أبي داود 198 وأوردته في صحيح الجامع 4025 فلم يعجب ذلك بعضهم اغترارا بان فيه تدليس التسوية . ونحوه تعليق بعضهم على ترجمة بقية في سير أعلام النبلاء بقوله 8/458 ( بل قد وصفوه بأخبث أنواع التدليس وهو تدليس التسوية وهو أن يحذف من سنده غير شيخه .. ) واستند في ذلك على التدريب وقد خفي عليه ما ذكرته من التحقيق زد على ذلك أن أحدا من علماء التخريج لم يجر على اعلال حديث بقية بتدليس التسوية فيما علمت وإنما يعللونه بعنعنته عن شيخه فإذا صرح بالتحديث عنه صححوه فهو دليل عملي
منهم على عدم الاعتداد بقول من اتهمه بتدليس التسوية ولا نذهب بك بعيدا في ضرب الأمثلة فهذا هو الامام مسلم قد ذكر في مقدمة صحيحه ص 4 200 بقية بالتدليس ثم روى في النكاح من صحيحه 4/152 بسنده عن بقية حدثنا الزبيدي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ( من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب) ولما أخرجه الذهبي في السير 8/467 من طريق إبي عوانة الحافظ بسنده عن جمع قالوا حثنا بقية حدثنا الزبيدي به قال المعلق المشار إليه آنفا (إسناده صحيح فقد صرح بقية بالتحديث) وقد فاته إخراج مسلم إياه كما غفل عن اتهامه بتدليس التسوية كما تقدم نقله عنه فإن شيخ بقية الزبيدي لم يصرح بالتحديث .
منقول