"قياس أخطاء علي حسن الحلبي بأخطاء أبي حنيفة و ابن كثير و ابن حجر"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
الردّ على أهل البدع وجرحهم والتحذير منهم أصل من أصول الإسلام ,فالردّ على المخالفين سواء أكانوا من الكافرين أو المبتدعة أو المنافقين أو غيرهم نوع من الجهاد في سبيل الله تعالى بل هو أفضل من الذبّ بالسيوف في سبيله تعالى ،وهو من أفضل القربات وأعظم الطاعات1 .
قال يحيى بن يحيى شيخ البخاري ومسلم: الذّبُّ عن السُّنّة أفضلُ من الجهاد في سبيل الله، وقال محمد بن يحيى الذهلي: قلتُ ليحيى: الرجلُ ينفِقُ مالَه ويُتْعِبُ نفسَه ويجاهد، فهذا أفضلُ منه؟! قال: نعم بكثير!.
وقال الحميدي شيخ البخاري : والله! لأن أغزو هؤلاء الذين يَرُدُّون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إلي من أن أغزو عِدَّتهم من الأتراك" يعني بالأتراك الكفار.2
وقال ابن هبيرة في حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ في قتال الخوارج: وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين؛ والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح؛ وحفظ رأس المال أولى.3
وقال ابن القيم: والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسيف والسنان.4
وهو من أهمّ أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } [آل عمران:110]
والردّ على المخالفين لايكون عملا صالحا مقبولا إلا إذا أريد به وجه الله تعالى ،وبيان الحق وإظهاره ، ورحمة الخلق وهدايتهم ، قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضرّ عليهم .5
وقال ابن تيمية - رحمه الله -:ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً.6
ومن الشبهات الباطلة التي أثارها بعض من تصدّر للدعوة ـ أصلحه الله ـ تلبيسا وتدليسا -وقد نوصح في أن يتراجع عنها لكن أبى إلا العناد والإستكبار- وهي قوله : "أما قضية أخطائه –أي: علي حسن الحلبي- فهي كأخطاء بقية أهل العلم مثل أبي حنيفة والحافظ ابن حجر وابن كثير"
قلت : لنا وقفات مع هذه الشبهة الماكرة :
أولا :
رحم الله امرأً عرف قدر نفسه ،قلّ علمُك فتجرأت وقعّدت، وقلّ ورعك فتكلّمت ولبّست ودلّست ،وهذا فرق بين الثرى والثّريا وبين البعرة والبعير ،فهناك فروق كثيرة بين الصنفين وشتان بين مشرق ومغرب ، وقياسك بينهما من الظلم الذي حرمه الله تعالى ،فالأئمة الذين ذكرتهم هم أئمة هدى يقتدى بهم ، وكل من أتى بعدهم فهم عيال عليهم ، فهم كرّسوا حياتهم لخدمة هذا الدين علما وعملا وتعليما وتحقيقا وتنقيحا، وخصّصوا أوقاتهم في محاربة أهل البدع وتصفية هذا الدين من شوائب الشرك والبدع وغير ذلك، فالذي يتجرّأ عليهم بالتجهيل والتضليل أو التبديع والتكفير دليل على نقص عقله وقلّة علمه وضعف إيمانه،وأما علي حسن عبد الحميد الحلبي حاله الآن أنه من أحطّ أهل البدع كما وسمه بذلك شيخنا ربيع بن هادي ـ حفظه الله ـ، فهو في مسائل الإيمان مخبّط ومخلّط ومخربط على عقيدة الإرجاء كما بين ذلك مشايخنا صالح الفوزان وعبد الله الغديان وعبد العزيز الراجحي وغيرهم ،وأما في المسائل المنهجية فهو ضائع مسكين وأكثر من ثلاثة عقود من الزمن وهو يؤصّل أصولا فاسدة كاسدة ضد منهج السلف في الجرح والتعديل،7 وغيرها من الضلالات وأقواله المستهجنة.
ثانيا:
أبو حنيفة و ابن حجر و ابن كثير لم يدعوا الناس إلى أخطائهم، ولم يدعوا إلى التحزّب المقيت ، وتوحيد الصف على طريقة الإخوان المسلمين بقواعد فاسدة "منهج أفيح " "نصحح ولا نجرح" وجعل أهل البدع جلّهم في خندق واحد يفتكون في صفوف السلفيين فتك السهام بلا قوس ولا وتر كصنيع علي الحلبي في موقعه المسمَّى بهتانا وزوراً بــ"كل السلفين" والأولى أن يسمى"موقع الضرار" لأنه قد جمع فيه أشكالا وأصنافا من أهل الأهواء والبدع و الذي يسعى جاهدا ـ خيّب الله سعيه ـ في تخريب أصول أهل السنة والجماعة.
ثالثا:
الحافظ ابن حجر وغيره الذين ساويتهم وقارنتهم بعلي حسن الحلبي لم تقم عليهم الحجة فهم -عليهم رحمه الله- معذورون فيما وقعوا فيه وذلك لأسباب كثيرة منها:
1 ـ إن أصولهم أصول سلفية ويقرّرون ذلك في كتبهم لكن في بعض المواطن زلت بهم القدم لظنّهم أن قولهم هو الحق وذلك تقليدا لغيرهم.
2 ـ كان المذهب الأشعري أشدّهم انتشارا في تلك الحقبة.
3 ـ ظنوا أن أبا حسن الأشعري قاله بعد توبته وهو مما كان عليه قديماً.
4 ـ تأولوا بعض المسائل تأويلا خاطئا،وبين العلماء خطأهم في ذلك.
5 ـ بذّلوا ما في وسعهم في معرفة الحق والعمل به.
6 ـ ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنة ،وإنما أدّى ذلك باجتهاد منهم وهم أهل لذلك.
7 ـ لو أقيمت عليهم الحجة وبيّنت لهم المحجّة ثم عاندوا واستكبروا وركبوا رؤوسهم فإنهم يلحقون بأهل الأهواء ويحذّر منهم ولا كرامة.
بخلاف من تدافع عنهم من أهل البدع كأبي إسحاق الحويني وعلي الحلبي ومحمد حسان ومن على شاكلتهم ،فإنهم قد أقيمت عليهم الحجة وعاندوا واستكبروا وركبوا طريقة أهل الضلال والانحراف.
قال شيخنا صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ: من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره كابن حجر والنووي، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات لا يحكم عليه بأنه مبتدع، ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما إمامان جليلان موثوقان عند أهل العلم .
وسئل حفظه الله ـ ما نصه : ما نصيحتكم لمن يبدع الإمامين ابن حجر والإمام النووي رحمهما الله ؟
فأجاب بقوله :
هذا هو المبتدع هذا هو المبتدع أما الإمام بن حجر والإمام النووي فهما إمامان جليلان محدّثان ولهما مؤلفات عظيمة استفاد منها المسلمون ولازال المسلمون يستفيدون منها هم من علماء الحديث فلا يجوز تبديع هذين الإمامين،نعم. .
وسئل الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله ـ ما نصه: أنتم تنكرون علينا على الترابي والتلمساني والغزالي والقرضاوي وتبدعونهم وتنكرون عليهم وتغتابونهم وتتركون ذكر محاسنهم مع أن هناك أئمة وقعوا في بدعة أمثال ابن حجر والنووي، لكن تذكرون المتقدمين بالخير وتتكلمون عن المتأخرين ؟
فأجاب بقوله :
أقول أولا: هذا التمثيل من هذا القائل يدل على جهله، كيف يقارن الحافظ ابن حجر والنووي بأمثال الترابي والغزالي والقرضاوي أين الثرى من الثريا، وأين البعرة من البعير، فأولئك مُحبّون لسنة شارحون لها مبيّنون لها، وما تأوّلوه ووقعوا فيه قليل بالنسبة إلى مابيّنوه من أمور الاسلام، فلم يزل أهل العلم ينتفعون بكلامهم بل ويفهمون نصوص الكتاب والسنة على ما بيّنوه، لأنهم كانوا أهل العلم بحقّ.
أما هؤلاء المعاصرون من أمثال الترابي والغزالي والقرضاوي وأمثالهم والتلمساني وأمثالهم فهؤلاء رؤوس دعوا الناس الى عدم الالتزام بالسنة وإلى نبذها، فالحال مختلف، من يخطأ ويجانب الصواب في مسألة أو في فرع من الفروع، أو في مسألة عقدية أو اثنتين، ومن يخالف في الأصل، فهؤلاء لا يقيمون لتوحيد مقاماً ولا يرفعون رأساً، بل قد نال أهل التوحيد منهم أكبر الأذية كما هو مشاهد، فالترابي حاله معروف يرى أنه يلزم تجديد أصول الاسلام، وتجديد في أصول الفقه، وأن أصول الفقه اصطلح العلماء على أن تفهم النصوص على هذه الأصول، وهذا لا يعني أننا ملزمون بها، فيقول يجب أن نضع أصولا جديدة للفقه نفهم بها الكتاب والسنة بما يناسب هذا العصر، والغزالي يرد السنة إذا خالفت عقله وإذا خالفت فهمه، والقرضاوي على نفس المنهاج يسير وإن لم يظهر ذلك إظهار الغزالي، والتلمساني لا يعرف توحيد العبادة، ولا السنة، وإنما هو يخلط فيها أكبر الخلط. ولا عجب فهؤلاء الأربعة ومن شاكلهم، هؤلاء متخرجون من مدرسة واحدة، ألا وهي مدرسة الإخوان المسلمين، والمدرسة معروفة في أصولها وفي مناهجها فلا عجب أن تخرج أمثال هؤلاء في المستقبل، ولا عجب أن يكون أمثال هؤلاء موجودين في مثل هذا الزمان ما دام أنهم تربوا على أصول تلك المدرسة، فالإنكار عليهم وعلى ما هم فيه من تأصيل متعين، لأنهم يضلون الشباب باسم الدعوة، والشباب يعظمونهم باسم أنهم دعاة إلى الاسلام.
وأما الحافظ ابن حجر والنووي فما سمعنا يوماً من الأيام أن أحدا صار ينافح عن قضية من القضايا العقدية التي أخطؤوا فيها بحجة أن ابن حجر قالها أو النووي قالها، وإنما مضت أخطاؤهم في وقتهم، وبقي انتفاع الناس بعلومهم الغزيرة وأفهامهم المستنيرة، وأما أولئك فلا يقارنون ولا يجوز أن يجعلوا في مصافّ هؤلاء ولا أن يقاس الثّرى على الثّرياَ.
رابعا:
نعم العالم السلفي إذا أخطأ خطأً مما لايسوغ الخلاف فيه فإنه يردّ عليه كائنا من كان فإن كان معروفا بالسنة والذبّ عنها وعن أهلها ، ولم يعاند ويوالي ويعادي على ذلك الخطأ ولم تقم عليه الحجة ،فهذا لا يتابع على زلّته ،وتحفظ كرامته ،مع التأدّب معه والتلطّف في الردّ وعدم التشنيع عليه ، ولا يقاس بأهل البدع الداعين إليها، المخالفين لمنهج السلف قلبًا وقالبًا، كعلي الحلبي والحويني وغيرهم من أهل الضلال الذين تدافع عنهم وتحاول ربط الناس بهم.
ونحن نقرّ أن ابن حجر والنووي وغيرهم عندهم بعض الأخطاء العقدية، ونَبَّه على ذلك العلماء، وتعليقات الإمام ابن باز على " فتح الباري " معروفة مشهورة، ولكن لا نجعل من هذه الأخطاء مجالاً للتشهير بهم فهذا مسلك مشين ،وقد أثنى العلماء على ابن حجر، والنووي، وكتابيهما " الفتح " و " شرح مسلم "، وهما من الكتب المعتبرة عند أهل السنة، واعتمدوا أقوالهما المصيبة للحق، وهي كثيرة، وتجنّبوا أخطاءهما مع بيانها والردّ عليها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
وكتبه :
أبو عبد الله الهضابي
11/ 10 / 1433
الحواشي :
1 ـ قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: " المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله
2 ـ ذمّ الكلام " (22).
3 ـ "فتح الباري " لابن حجر (12/301).
4 ـ شرح القصيدة النونية"لمحمد خليل هراس (1/12)، وانظر:" الجواب الصحيح " لابن تيمية(1/237).
5 ـ "السير" ( 7/364 )، و"تهذيب الكمال" ( 6/182 ).2
6 ـ "مجموع الفتاوى "( 28 / 231 - 232 ) .
7 ـ للمزيد من الفائدة انظر مقال الشيخ ربيع الذي عنونه بــ" الحلبي يؤصل من قبل ثلاثين عاماً أصولاً ضد منهج السلف في الجرح والتعديل".