بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه:
أما بعد؛ فقد وقفت على مقال للدكتور محمد عبدالستار البدري نشرته جريدة الشرق الأوسط في إحدى صفحاتها يوم الأربعاء الموافق (11) من شهر ذي الحجة لهذا العام (1434) وعنوان هذا المقال: "أرسطو مؤسس العلم والعلوم"، وهذا العنوان باطل والمقال أشد بطلانًا من العنوان لا يقبله الإسلام ولا المسلمون الصادقون.
1. أولاً قال الكاتب: "إذا كانت الثقافة اليونانية تعد بداية مرحلة التنوير الشامل للإنسانية، فإن الفيلسوف أرسطو يعد بكل المقاييس إحدى [كذا] أهم الشخصيات العلمية على الإطلاق في التاريخ اليوناني أو الإنساني على حد سواء، ليس لأنه أول الفلاسفة اليونانيين، فهو لم يكن كذلك، بل إنه ثالث العظماء بعد سقراط وأفلاطون، ولكن قيمته تنبع من كونه المؤسس الحقيقي لعدد من العلوم الإنسانية والطبيعية، فهو مؤسس علم المنطق والعلوم السياسية والأخلاق والزراعة إلخ..".
قلت: ما هي الأخلاق التي أسَّسها أرسطو؟
الأخلاق الكريمة شرعها الله في كتبه وعلى ألسنة رسله، فمنها بعد التوحيد: الصبر والصدق والأمانة والبر والرحمة والكرم والتواضع وخفض الجناح للمؤمنين والحياء والرفق والعطف على الضعفاء والمساكين والرفق بالحيوان، وغيرها من مكارم الأخلاق.
والله يقول في الثناء على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وسئلت عائشة أم المؤمنين عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان خلقه القرآن"، والقرآن مليء بالأوامر بالأخلاق الكريمة، منها ما ذكرناه.
وعن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ، وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ"، أخرجه البخاري (603.
وأخرجه مسلم (2309) بلفظ: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين فما أعلمه قال لي قط، لم فعلت كذا وكذا ولا عاب علي شيئا قط".
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط فقال: لا، أخرجه البخاري في الأدب، ومسلم في الفضائل.
وقد أُلِّفت مؤلفات في الآداب الإسلامية، منها: الأدب المفرد للإمام البخاري، والشمائل المحمدية للإمام الترمذي، عدا عقد أبواب وكتب أثناء المؤلفات في الأحاديث النبوية.
فكان عليك أن تشيد بالإسلام وبما جاء به من العقائد العظيمة والمناهج السديدة والأخلاق العالية، وما جاء في النهي عن الشرك والبغي والظلم والعدوان والبخل والشح والجبن والخيانة والكذب والغش والزنا والعقوق والربا وأكل أموال الناس بالباطل ولعن الراشي والمرتشي.
فهل هذه المزايا توجد في الأخلاق التي أسَّسها أرسطو الكافر الضال الجهول الذي ينكر حدوث العالم ويقول بقدمه، وأن الله لم يخلقه ويعبد هو وقومه الأوثان والكواكب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الفلاسفة وأهل المنطق –وعلى رأسهم أرسطو-: "وكان ما نفوه أحق بالإثبات مما أثبتوه إذ كانوا معرضين عن الله ومعرفته وعبادته جاهلين بما يجب له ويستحقه يعبدون المخلوقات ويعظمونها ويعرفون من كمالها ما يتخذونها به آلهة إشراكا منهم بالله ويدعون رب العالمين لا يعرفونه ولا يعبدونه ولا يعرفون ما يستحقه من الكمال الذي به يجب أن يعبد بل الذي يعلم به أنه لا يستحق العبادة إلا هو وهذا كله مبسوط في مواضعه
وأرسطو وأصحابه القدماء لم يثبتوا له فعلاً ولا جعلوه مبدعًا لبعدهم عن معرفته ولهذا كان في قولهم من الفساد ما يطول وصفه.." [الرد على المنطقيين (ص:217)].
فمن هذا حاله يقال فيه مؤسس العلم والعلوم؟ ويقال فيه أحد أهم الشخصيات العلمية على الإطلاق إلى آخر الإشادات الباطلة، أقول: فأرسطو تحت مشركي العرب وغيرهم بمراحل قد قال الله مخبرًا عن واقعهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
2. { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، ولكنهم يكفرون بالأنبياء وبالتوحيد وباليوم الآخر، فحكم الله عليهم بالكفر والشرك والخلود في النار.
3. وأرسطو وأتباعه شرٌّ منهم، وأشد كفرًا وضلالاً، واقرأ عنهم كتاب الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ثانيًا: قال: "ولو طالعنا أي كتاب حول المسيرة البشرية لوجدنا أرسطو يتصدر المقدمة فيها بلا منازع".
أقول: إن في هذا الكلام من الغلو الشنيع في هذا الملحد الذي لا يعرف الله، ولا يعرف جنةً ولا نارًا ولا الرسل ولا الكتب الإلهية.
هذا الغلو يرفضه الإسلام والمسلمون جميعًا حتى جهالهم وعصاتهم؛ لأنهم يعتبرون أن أنبياء الله ورسله يتصدرون المقدمة في المسيرة البشرية.
ولا يجوز الاعتداد بمؤلّفاته القائمة على الفلسفة الهدّامة والمنطق الباطل، وإنما يجب على المسلم حربها والتحذير بشدة منها، ومما تحويه من الكفر والضلال.
من شر أرسطو أنه لما قربه الأسكندر غرس في عقله الكفر والضلال، وتقديس الفكر اليوناني القائم على الكفر والشرك والإلحاد.
ويعتبر هذا الرجل الفكر اليوناني الهدَّام مركز الكون؛ فأي غلو هذا؟!
ثالثًا: قال الكاتب: "ولد أرسطو في مقدونيا عام 361 قبل الميلاد لأب يعمل بمهنة الطب، حيث أخذ منه حب المعرفة والمنهج المبني على الملاحظة واستخدام الحواس في فهم المسائل الطبية والطبيعية، وكان لهذا أكبر الأثر في تطوير فكره الشخصي. وقد تدرب أرسطو في كنف أستاذه أفلاطون، وتعلم على يديه كل أفكاره التي ارتكزت على مفاهيم ما وراء الطبيعية، لكنه لم يسلك الدرب الفكري نفسه، بل إنه وضع لنفسه منهجا مختلفا مبنيا على فكرة الطبيعة ودراسة الظاهرة وليس افتراض وجود المثل الأعلى لمفهومها في مكان بعيد عن متناول فكرنا، بالتالي لجأ لاستخدام الحواس في فهم الأمور وهو ما كان له أكبر الأثر في ميلاد مفهوم المنهج التجريبي الذي أصبح هو أساس دراسة العلوم الإنسانية وغير الإنسانية على حد سواء".
قلت: إن هذا الكلام فيه مبالغة شديدة في الإشادة بأرسطو وعلمه.
وأشد هذه المبالغة قوله: "وقد تدرب أرسطو في كنف أستاذه أفلاطون وتعلَّم على يديه كل أفكاره التي ارتكزت على مفاهيم الطبيعة".
قلت: كيف تقول هذا القول فهل قرأت قول الله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ}، وقوله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}.
فالله لا يظهر على غيبه أحدًا إلا الرسل فإنه يطلعهم على ما شاء من غيبه بواسطة الوحي الذي ينزله عليهم لا بدراستهم ولا بفكرهم.
قال تعالى لأفضل رسله: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}.
فتكلف أرسطو وشيخه أفلاطون ما وراء الطبيعة فيه ادعاء علم الغيب، فكيف تشيد بهذا الضلال الكبار والإفك العظيم الذي يحاربه القرآن والسنة، ويكفران مدعيه؛ لأنه من القول على الله بغير علم؟
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}، فالقول على الله بغير علم أعظم من ارتكاب الفواحش والبغي والظلم.
أقول: هكذا يقول هذا الشخص الغريب إذا كانت الثقافة اليونانية تعد بداية مرحلة التنوير الشامل للإنسانية، والواقع أن الثقافة اليونانية ظلمات بعضها فوق بعض، وقائمة على الشرك والكفر وعبادة الأصنام والكواكب.
ثم أين وضعت مكانة الرسل الكرام الذين أرسلهم الله لهداية البشر؟ وأين كتبهم كتب الهداية والنور؟ ولا سيما أولو العزم منهم؟ وأين وضعت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين وإلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الظلمات التي كان يرسفون فيها الثقافة اليونانية القائمة على الشرك والإلحاد.
2. ثم جاء بطامة أخرى، وهي قوله: "فإن الفيلسوف أرسطو يعد بكل المقاييس إحدى أهم الشخصيات العلمية في التاريخ اليوناني أو الإنساني على حد سواء".
فلا ندري هل هذه المقاييس كلها يدخل فيها مقاييس الرسل كلهم، فيكون أرسطوا الزنديق الملحد بهذه المقاييس الشاملة لكل المقاييس أفضل من الرسل، ومن أتباعهم المؤمنين؟
ما هي براهينك على هذه الدعوى وتلك؟!
3. قوله: "أرسطو ثالث العظماء بعد سقراط وأفلاطون".
قلت: وهذا تمجيد لهؤلاء الثلاثة الكفار الزنادقة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.
4. ويقول عن سقراط: "ولكن قيمته تنبع من كونه المؤسس الحقيقي لعدد من الإنسانية والطبيعية، فهو مؤسس علم المنطق والعلوم السياسية والأخلاق والزراعة" إلخ..
أقول: أين براهينك على هذه الدعاوى؟!
أما المسلمون المؤمنون بالقرآن والرسالات فإنهم يؤمنون بقول الخلاق العليم الخبير: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، فكم من الأمم التي لا يعلمها إلا الله من بعد نوح إلى عهد أرسطو يخبر الله أن عندهم بعض علوم الدنيا فكيف يكون أرسطو هو المؤسس الحقيقي للعلوم؟ يمكن أن يعد المؤسس الحقيقي للمنطق الإلحادي الذي يقول –أعرف الناس بمخازيه- ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية في أول كتابه في الرد على المنطقيين (ص3): "فَإِنِّي كُنْت دَائِمًا أَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْطِقَ الْيُونَانِيَّ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الذَّكِيُّ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَلِيدُ".
وقال –رحمه الله- كما في (ص530): "والقائلون بقدم العالم كلهم لابد لهم من إثبات غير الله فاعلاً، أما أرسطو وأتباعه فإن الفلك عندهم بحركته هو المحدث للحركات وما يتولد عنها".
وعند مَن أصبح مفهوم المنهج التجريبي أساس دراسة العلوم الإنسانية، وغير الإنسانية؟ والذين جعلوا منهج أرسطو أساسًا لدراساتهم الإنسانية وغير الإنسانية، هل قادهم هذا المنهج إلى الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر والجنة والنار، أو أن معظمهم ما زادوا إلا ضلالاً واستكبارًا وعلوًّا في الأرض وكفرًا بالله ورسله إلخ؟
رابعًا: قال الكاتب: "تعد الزراعة والسياسة والأخلاق من أهم ما اعتنى به أرسطو، وقد استنبط الرجل وجود الإله الواحد الأحد فاطر العالم من خلال الممارسة العقلية بنظريته المعروفة بالمحرك الأول".
والثابت أن أرسطو كان مؤسس علم المنطق الذي نعرفه اليوم.
أقول: لقد فطر الله الإنس والجن بل وجميع المخلوقات على الإيمان بوجوده وجلاله وعظمته بما فيهم المشركون كما نصَّ سبحانه على هذا في الآيات القرآنية، ومنها: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، وآيات أخر في هذا الباب.
فأرسطو وإن كدَّ نفسه لم يصل إلى ما وصل إليه الكفَّار المشركون، بل حتى الحيوانات والجمادات تؤمن بالله وتسبحه وتقدسه.
قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}، فحتى الجمادات والحيوانات تسبح الله، وأرسطو ما وصل إلى مستوى الحيوانات والجمادات في هذا الباب؛ لأنه لا يعتقد أن الله خالق هذا الكون ومنظمه ومدبره، ويقول بقدم العالم؛ لأن فلسفته الكفرية ومنطقه الكفري قاداه إلى هذا الكفر والضلال، ولا أستبعد أنه وصلته دعوات الرسل إلى توحيد الله والإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار فأبى واستكبر عن الإيمان بهؤلاء والرسل ودعوتهم اعتدادًا بنفسه وبفلسفته ومصنَّفه الباطلين القائمين على الفرضيات والخيالات لا على الأدلة والبراهين الربانية التي أوحاها الله إلى رسله الكرام.
خامسًا: قال الكاتب: "وعلى الرغم من أننا كثيرا ما نؤمن بأن المصدر الوحيد للأخلاق هو الأديان السماوية أو الوضعية، فإن هذا ليس بالضرورة صحيحا، فهناك مصادر أخرى للأخلاق ومفاهيمها، فأرسطو هو أبو علم الأخلاق، وفكره في هذا الصدد جاءنا من خلال كتابه الشهيرة «أخلاقيات نيكومانشيان» (نسبة إلى ابنه)، وقد وصل الرجل إلى قناعة بأن سعادة البشر تتأتي بالأخلاق من خلال التوازن بين ثلاثة أنواع من السعادة، أولها حياة المتعة والسعادة، وثانيها حياة المواطن والمسؤول، وثالثها حياة المفكر والفيلسوف. فالتوازن بين هذه الأركان الثلاثة هو مبتغى أي إنسان عادي، كما أنه صاحب فكرة التوازن في الفضائل وبينها، وهو ما جسدته الحكمة العربية القائلة بأن الفضيلة هي وسط بين الرذيلتين، وإليه ترجع أهمية التفرقة الشديدة بين الأخلاق من ناحية والسياسة من ناحية أخرى".
أقول: إن المؤمنين بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار إلخ، يؤمنون أن مصدر العقائد والمناهج والأخلاق والسياسة إنما هو ما جاء به أفضل الرسل صلى الله عليه وسلم من الكتاب الحكيم الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ومن السنة المطهرة- التي هي الوحي الثاني، ومن تطبيق الرسول لهما فعلاً بأقواله وأفعاله وتقريراته ومن فقه وتطبيق صحابته الكرام رضوان الله عليهم وعلى أتباعهم بإحسان، ولا يقبلون ما تمليه الأديان الوضعية، ولا ما اخترعه الفلاسفة، ومنهم أرسطو الذين لو كان عندهم شيء من الأخلاق الصحيحة لدان أوائلهم بما جاءت به الرسل، ولدان أواخرهم بالإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، وما جاء به في غاية الكمال من كل النواحي، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
فمن لم يقتنع بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بكماله حق الإيمان، ويمجد ما جاء به أرسطو فالإسلام بريء منه.
وسعادة البشر فيما جاء به الرسل الكرام من عقائد وعبادات وسياسة وأخلاق، وبعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم تكمن السعادة فيما جاء به محمد صلى الله عليه عقيدة وعبادة وسياسة وأخلاقًا.
والشقاوة والدمار والهلاك في الدنيا والآخرة فيما يقرره أعداء الله ورسله من عقائد وعبادات وسياسة وأخلاق، ولا سيما فلاسفة الإلحاد من أمثال أرسطو الذي يمجده هذا الكاتب الذي لا يعتز بالإسلام، وما تضمنه من أسس السعادة التي ذكرناها، فما أتفه وأحط هذا الفكر! أين الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالجنة والنار، والتزام ما جاءت به الرسل من التوحيد والإخلاص والأعمال الصالحة إلى آخر ما جاءت به الرسل من عند الله من الهدى والنور.
وكل هذه الأمور العظيمة الجليلة التي هي أسباب السعادة في الدنيا والآخرة لا يؤمن بها أرسطو وأمثاله، فهم واقعون في أشد أنواع الشقاء والهلاك الأبدي.
سادسًا: مضى الكاتب يتحدث عن السياسة التي قررها أرسطو وأنواعها من الديمقراطية والدكتاتورية والاستقراطية، ويتمنى أن يتحقق التطبيق الديمقراطي الوسطي، ولعله لم يخطر بباله تطبيق الإسلام والسياسة الإسلامية القائمة على العلم والعدل، وأن الحكم بسواها كفر وظلم وفسق، قال تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}، وقال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله، فإن هذه الآيات تنطبق عليه، فأين هذا الكاتب من القرآن والسنة، ومن هذه الآيات؟
وهو يتحدث عن السياسة ويشيد بمنهج وفلسفة أرسطو.
وأقول للكاتب: أنا لا أعرفك لكني أدركت من هذا المقال أنك بعيد عن فهم وتطبيق الإسلام عقيدة ومنهجًا وسياسة، فأنصحك بالتوبة إلى الله وبدراسة وفهم الإسلام والتزامه وتطبيقه عقيدة ومنهجًا وأخلاقًا وسياسة وولاء وبراء، وأن تقف من أعداء الله –وما أكثرهم، وعلى رأسهم أرسطو وأمثاله من فلاسفة الكفر والإلحاد- أن تقف منهم الموقف الإسلامي الصحيح، وأن تحذر منهم ومن مناهجهم وعقائدهم وأخلاقهم، وسائر ما يدينون به من الضلال والباطل.
وأنصح المسئولين عن جريدة الشرق الأوسط بتقوى الله والالتزام بالإسلام عقيدة ومنهجًا وأخلاقًا، وأن لا تنشر جريدتهم شيئًا من الضلال والباطل، وأن لا تنشر إلا ما يرضاه الله ويدعو إليه الإسلام.
وأن تتوب إلى الله من نشر الصور، ولا سيما الصور الخليعة –صور الماجنات والمنحلات- التي دأبت على نشرها، فالإسلام حرّم التصوير أشد التحريم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ"، أخرجه البخاري (5950)، ومسلم (2109) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ"، أخرجه البخاري (2105)، ومسلم (2107) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
وكتب
ربيع بن هادي عمير المدخلي
ليلة الأربعاء 18 من ذي الحجة لعام 1434هـ