مقدمة الشيخ حسن بن عبدالوهاب -حفظه الله-
على "القول الأمين في كشف حقيقة المتعالم أبي اليمين" للشيخ
أبي عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان
إن الحمد لله نحمده .... إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار
أما بعد،،،
فهذه عجالة أكتبها درءً للفتن بين أهل العلم وطلبة العلم السلفيين؛ لأن أمرهم عظيم وهم في امتحان بين بقية المسلمين، وبعض المسلمين يكرهونهم لأنهم يكشفون بدعهم، فالبدعيون يشوهون منظرهم أمام بقية المسلمين، ومِمَّا لا شك فيه أن هذا الأمر يجعل السلفيين في حيرة من أمرهم، ويعيشون غرباء في مجتمع المسلمين، وهم بلا شك قليلون بالنسبة للجموع الحاشدة من أهل البدع، والذين يركزون سهامهم على السلفيين، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
لهذا فإني أوجه النصيحة الخالصة لنفسي أولاً، ثم لإخواني أهل العلم وطلاب العلم الذين وفقهم الله واختارهم لحمل هذا المذهب الأوحد للمسلمين باختيار الله تعالى له، وهدايتهم إليه؛ فأقول مستعينًا بالله تعالى:
إن الخلاف بين الناس من سنن الله في خلقه، كما ذُكر في آيات القرآن العظيم، وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}.
فليس في هذا شك، ولكن المشكلة هي في نوع الخلاف، وهل هو معتبر عند أهل السنة أو غير معتبر عندهم، هذا أولاً،
وثانيًا: ما هو الأسلوب السوي في معالجة الخلاف بين المسلمين، والذي يرضاه الله لعباده المؤمنين:
قال الله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
وقدمنا بهذه المقدمة كي نؤكد لكل أخ سلفي أن تفرق أمة الإسلام إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قدر كوني، لا يدفع إلا بالالتزام بالأحكام الشرعية.
وأهل هذه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم مَن كان على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ومن ثَمَّ يجب سلوك السبيل السوي في رد المسلمين إلى الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ردًّا حميدًا؛ كي تتحقَّق لهم سعادة الدنيا والآخرة.
فهذا الأمر يهم كل مسلم ومسلمة بصفة عامة، ويهم كل من أحب السلفية وتشرف بالانتساب إليها والعمل بمقتضاها بصفة خاصة.
فلماذا هذه الضجة بين طلاب العلم خصوصًا الحدثاء منهم؟!!
فكما ذكرنا أن الخلاف من سنة الله في خلقه حتى تقوم الساعة، والمؤمنون –رحمهم الله- يردون الخلاف إلى الكتاب والسنة بفقه سلف الأمة.
وليسمح لي إخواني في الله من أهل السنة أن أجلِّي لهم -بتوفيق الله- حقيقة الخلاف الذي شبَّ بين الشيخ خالد محمد عثمان (أبي عبدالأعلى) وأبي اليمين المنصوري.
فأقول: إن أبا اليمين المنصوري -كما علمت- هو الذي بدأ بالإثارة، فأرسل رسائل تهديد إلى أبي عبدالأعلى بأسلوب لا يليق بأهل السنة بأي حال، بل هو أسلوب العوام الذين ليس لديهم الضوابط الشرعية، ولا يُعذر في ذلك؛ لأنه منسوب إلى طلبة العلم.
ثم أرسل رسالة تهديد لي عن طريق ولدي الابن عبدالوهّاب، وأرسل رسائل لغيرنا من طلاب العلم يعلمهم فيها بتهديده لأبي عبدالأعلى وإنذاره بالسوء.
وعقب هذا قام أبو اليمين بإنزال مقالات على مواقع بالإنترنت، فيها تهديدات وتعقبات منه على أبي عبدالأعلى فيما يتعلق ببعض الأحكام والألفاظ الشرعية، وتخلَّل هذه المقالات القدح والطعن والمنابذة بالألقاب، مع إساءات واتهامات.
وأنا أسأل الله أن يوفق الجميع إلى الرفق في الأمر كله، فيحسن كل مسلم في استخدام هذه الأجهزة والمواقع؛ لتكون معول بناء ورقي لا معاول هدم وبذر الشقاق بين أهل العلم وطلاب العلم.
ولذا فإني أنصح أبا اليمين أن يبادر بالاعتذار لأبي عبدالأعلى إذ أن الفتنة بدأت من طرفه، وأنصح الجميع بالكف عن هذه المجادلات.
وأنا دعوت الشيخ أبا عبدالأعلى إلى أن يرد عن دين الله، ثم عن نفسه بالضوابط الشرعية، ولا حرج عليه في ذلك.
وقد طلبت منه أن يفرد الأخطاء العلمية لأبي اليمين ويرد عليه، ثم يذيل هذا بنصيحة وعتاب بالضوابط الشرعية.
ثم لنسأل سؤالاً: ألا وهو لمصلحة مَن هذا الشقاق؟!
والجواب: لمصلحة الشيطان وحزبه.
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر يسعى لعلاج هذا الأمر بالطريقة والضوابط الشرعية، وهذا لا يتأتى إلا بالنقد العلمي النزيه الذي يتحرى فيه الباحث توثيق الكلام، مع تمحيص الأدلة، والإنصاف دون إجحاف، وأن يرجع المخطئ عن خطئه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وكل الأمور التي ذكرها أبو اليمين في حق أبي عبدالأعلى -لو صحت-، فإنها لا تقتضي تبديعًا له ولا تجهيلاً، فكيف ولا دليل على صحتها !!
وهذا ليس معناه أن أبا عبدالأعلى لم يوف الأمر حقَّه من جهة الردود العلمية، بل أنا أشهد له بأن ردوده علمية وموضوعية، وهو ليس بمعصوم.
وقد قرأت ردَّه على أبي اليمين الذي يسمَّى بـ"القول الأمين"، فوجدته وُفِّق في بيان أخطاء
أبي اليمين في عدد من المسائل العلمية نحو مسألة اصطلاح الترمذي في الحديث الحسن، ومسألة درجات ومراتب الحديث الصحيح، والتفصيل في مقولة: "والله على ما يشاء قدير".
وبيَّن أيضًا بالبينة الظاهرة تقول أبي اليمين عليه في عدد من المسائل بغير دليل.
وقد ساءني كثيرًا ما قد يكون صدر من أبي اليمين المنصوري من إظهار لبعض المبتدعة والدفاع عنهم كما وصل إلينا، وأنا أدعوه أن يتبرأ من هؤلاء المبتدعة بكلام واضح لا لبس فيه.
وأيضًا ساءني ما قد قاله أمامي في مجلس جمعني وإياه منذ سنوات، والذي تضمن الغمز والطعن الخفي في علم الجرح والتعديل.
وأنا أدعوه أن يتراجع عن هذا الكلام تراجعًا صريحًا.
وأخيرًا نذكِّر أنفسنا بقول الله تعالى: { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}، أي يفسد ويهيِّج الشر والمراء، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}.
وقوله تعالى: { وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ}، أي: نزغاتهم ووساوسهم ودفعهم إلى الإغواء، {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".
وهذه أمور قد تحدث بين الأخوة السلفيين، ولتعالج بالمسارعة إلى الأخذ بالضوابط الشرعية حتى ترد الأمور إلى نصابها بإذن الله.
هذه نصيحتي الخالصة لإخواني جميعًا، وأسأل الله تعالى أن يهدينا وإياهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
والله من وراء القصد.
وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
حسن بن عبدالوهاب البنا
5 شوال 1433
أول سبتمبر 2012