بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
إنَّ الباطلَ لا يَرُوج - في الغالب - إلاَّ إذا كان مَشُوبًا بحقِّ، وذلك أنّ الباطلَ إذا كان باطلاً محضًّا لم نختلف فيه.
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: (وَلَا يُنْفَقُ الْبَاطِلُ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِشَوْبِ مِنْ الْحَقِّ؛ كَمَا أَنَّ أَهْل الْكِتَابِ لَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ بِسَبَبِ الْحَقِّ الْيَسِيرِ الَّذِي مَعَهُمْ يُضِلُّونَ خَلْقًا كَثِيرًا عَنْ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَدَّعُونَهُ إلَى الْبَاطِلِ الْكَثِيرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ. وَكَثِيرًا مَا يُعَارِضُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يُحْسِنُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَا يُقِيمُ الْحُجَّةَ الَّتِي تُدَحِّضُ بَاطِلَهُمْ وَلَا يُبَيِّنُ حُجَّةَ اللَّهِ الَّتِي أَقَامَهَا بِرُسُلِهِ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةٌ). اهـ ["مجموع الفتاوى" 35/190]
إنَّ شَوْبَ الحقِّ بالباطل هو صفةُ المغضوب عليهم ، قال -تعالى-: ﴿وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة : 42]
قال الحافظ (ابن كثير) - رحمه الله - : (يقول - تعالى - ناهيًا لليهود عمَّا كانوا يتَعمَّدونَه من تلبيسِ الحقِّ بالباطل وتَمويه به، وكتمانِهم الحقَّ وإظهارِهم الباطلَ ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ فنهاهم عن الشَّيئَين معًا، وأمرهم بإظهارِ الحقِّ والتَّصريح به، لهذا قال الضَّحاك ، عن ابن عبَّاسٍ ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ ﴾ لا تخلطوا الحقَّ بالباطل ، والصِّدق بالكذب .
وقال أبو العالية ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ ﴾ يقول : ولا تخلطوا الحقَّ بالباطل ، وأدُّوا النَّصيحة لعباد الله من أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم). اهـ [ "تفسير ابن كثير" 1/150 ].
قلتُ:
لقد قام (أبو الفتن) بِلَبْسِ الحقِّ بالباطل، والصِّدق بالكذب؛ فراحَ يُؤصِّلُ الأصولَ الفاسدةَ في الخروج على الحاكم الجائر مُستشهدًا بأقوال بعض المخالفين لمنهج أهل السُّنة والجماعة.
ولكنّ (أبا الفتن) -وكما قال فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان-: "من شرِّ أهل البدع!! ماكرٌ!!، خبيثٌ!!، كثيرُ التلبيس والتأويلات الفاسدة!!، لعّابٌ!!" فمن أجل أن يُروِّج لباطله هذا، ويخدع العوام المساكين الذين يشاهدونه على شاشة قناة "النقمة"؛ فقد شَابَهُ ببعض الحقِّ، فراح ينقل عن الأئمة الأعلام، من أمثال إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن باز، والعلامة صالح الفوزان، وغيرهم وراح يحكي عنهم أنهم إنما حرَّموا الخروج على الحاكم الجائر؛ لعلَّة أنّ مفسدة الخروج عليه أعظم من مفسدة بقائه، أي: أنهم يقارنون بين المصلحة والمفسدة!!، أي أنّ حُكم الخروج على الحاكم الجائر منوطٌ بالمصلحة والمفسدة!! ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾.
أجل، إنها محاولاتٌ قذرة من (أبي الفتن) للعبث بأصلٍ من أصول أهل السُّنة والجماعة، وإجماع السلف على هذا الأصل من حرمة الخروج على الحاكم المسلم بَرًّا كان أم فاجرًا.
وأنا هنا لن أتعرض لكل أكاذيب (أبي الفتن) على هؤلاء الأعلام، فقد دلّس وحرّف وبتر كلامهم ليوافق هواه، وسأكتفي ببيان كذبه على الإمامين: أحمد، وابن باز -رحمهما الله-، والرجاء من مشايخنا الفضلاء الرد المفصّل على هذا الضال المُضل -عليه من الله ما يستحقه-.
أولاً: كذب (المأربي) على الإمام أحمد:
قال (أبو الفتن): ((الإمام (أحمد) -رحمه الله- لما استُفتي في الخروج على (الواثِق)، أو ذُكِرَ له أنّ جماعة يريدون أن يخرجوا على (الواثِق) في بغداد..
والإمام أحمد لم يُكفِّر أمراء بني العباس مع أنهم قالوا بخلق القرآن، وهذه المسألة سنجيب بها على طائفة أخرى التي ترى تكفير الناس بكل مَن فعل كُفرًا فيكون كافرًا، أو قال كُفرًا يكون كافرًا دون النظر في استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، هذا فريق آخر يحتاج إلى كلام معه.
لكن (خَلِّينا) في هذا، الإمامُ (أحمد) يرى صحة ولاية (الواثِق): يرى أنه مسلمٌ، أباح مَن عَذَّبه من بني العباس كما قال شيخُ الإسلام (ابن تيمية)، ولو كانوا عنده كُفّارًا ما أباحهم - أباحهم، يعني: سامحهم، على لغتنا في مصر، سامحهم -.
فعلى كل حال، هنا في كتاب (السُّنة) لأبي بكر الخلال يقول: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ - [الإسنادُ صحيحٌ] - قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمْرٍ كَانَ حَدَثَ بِبَغْدَادَ، وَهَمَّ قَوْمٌ بِالْخُرُوجِ، فَقُلْتُ: " يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي الْخُرُوجِ مَعَ هَؤُلَاءِ؟، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وقالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، الدِّمَاءَ، الدِّمَاءَ، - [بيُعَلِّل بإيش الإمام (أحمد)؟!] - لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ، الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الْأَمْوَالُ، وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ، أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ؟، يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ - [أيام فتنة (الأمين) و(المأمون)، وما ظهر من قتلٍ وهَرْجٍ وكذا، فالإمام (أحمد) لا زالَ يستحضر حادثةً وقعت، حصلَ فيها استباحة لأهل بغداد ولنساء بغداد ورجال بغداد، فالإمام (أحمد) يستحضر هذه القضية التي لم تبعد من مخيلته بعد، وعَلَّلَ بها، وعَلَّلَ بها] - أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ؟، يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَالنَّاسُ الْيَوْمَ، أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ؟ - [يعني: القولَ بخلق القرآن فتنة في الدين] - قَالَ: وَإِنْ كَانَ، فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ - [بمعنى أنها نازلت على طبقة العلماء فقط] - فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ - [إذًا لما تيجي الفتنة التي تُخَرِّب الأسواق، وتُقْطَعُ السُّبُل، إلى غير ذلك؛ فهو يُقارن!!، يقول: صحيح العلماء يُبتلون، ويُؤذون، ويُعذَّبون.. قال هذا (أحمد) وقد عُذِّب!! ما قال هذا (أحمد) وهو في بُرج عاجي، أو أنه تأتيه أموالٌ، أو أنه ذيلُ بغلة السلطان، أو أنه يحمي البلاط الملكي -كما يُقال- لأ، الإمام (أحمد) قال هذا، ولا زالت آثارُ السياطِ في جسده، ولكن هو ينظر إلى أنّ المفسدةَ تكون أكبر، خرجَ الناسُ قبل ذلك: (الأمين)، و(المأمون)، وحصلت فتنة أيام (الأمين)، و(المأمون)، وما جنى الناسُ منها إلا الشر؛ فهو ينظرُ إلى هذا] - قالَ: فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ: الصَّبْرُ عَلَى هَذَا - [أو الصبرَ على هذا، أي: الزمْ الصبرَ على هذا] -، وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ، قال: وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ: الدِّمَاءَ، لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ).
هذا تعليلٌ!! لكنه تعليلٌ مُجْمَلٌ، ما قال: لو كان كذا يكون كذا، سنأتي ببقية الكلام)). اهـ
اضغط هنا لتحميل المقطع الصوتي.
رابط بديل:
اضغط هنا للتحميل.
المصدر:
قناة (الرَّحمة) - برنامج (إلى غُلاة التجريح!!) - الحلقة الخامسة: "حُكم الخروج على الحاكم الجائر".
بتاريخ: 7 من ربيع الثاني 1433 هـ، الموافق 29-02-2012 م.
قلتُ:
إنّ (أبا الفتن) يدَّعي الإنصافَ وهو منه بريء، والصِّدقَ وهو منه عارٍ؛ فقد زعم أنّ الإمام أحمد إنما منع فقهاء بغداد من الخروج على الخليفة الواثق بسبب ما يترتب على ذلك الخروج من فسادٍ؛ فهو يُقارن بين المصلحة والمفسدة!!
أي أنه يريد القول: إن حُكم الخروج على الحاكم الجائر منوطٌ بالمصلحة والمفسدة، وها هو الإمام أحمد -إمام أهل السُّنة والجماعة- يُقرِّر ذلك!!!
والحقُّ أنّ سبب منع الإمام أحمد للفقهاء من الخروج، لم يكن بسبب ما يترتب على ذلك الخروج من فسادٍ فحسب، بل إنّ هذه عِلَّة ثانوية -إنْ صحَّ التعبير-.
والعلَّة الأساسية في منع الإمام أحمد من الخروج على الخليفة الواثق مذكورة في الرواية التالية مباشرةً للرواية التي حكاها (أبو الفتن)، والتي حاول إخفاءها، لكنّ أهلَ السُّنة له لبالمرصاد.
قال الإمام أبو بكر ابن الخَلَّال: "وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْبَلًا يَقُولُ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ: اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ، وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ، فَجَاءُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا الْأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ، وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً، وَقَالَ لَهُمْ: «عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ [ص:134] وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ، انْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» ، وَدَارَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ أَحْفَظْهُ وَمَضَوْا، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَمَا مَضَوْا، فَقَالَ أَبِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَمَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، وَقَالَ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا عِنْدَكَ صَوَابٌ، قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِالصَّبِرِ "، ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ. . . وَإِنْ فَاصْبِرْ» ، فَأَمَرَ بِالصَّبِرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَذَكَرَ كَلَامًا لَمْ أَحْفَظُهْ ". اهـ [ "السُّنة" 1 /133 ].
فسبب المنع لم يكن المقارنة بين المصلحة والمفسدة!! -كما يكذب (أبو الفتن)- بل لأنّ ذلك الخروج مخالفٌ للآثار التي أُمرنا فيها بالصبر.
وهذه هي العلَّة الأساسية التي من أجلها منع العلماء -علماء أهل السُّنة والجماعة- من الخروج على حكام المسلمين، ولا يُنازع في هذا الأصل إلا مبتدع.
وفي كلام الإمام أحمد هذا ردٌ وصفعةٌ قوية لكل تأصيلات (أبي الفتن) ومحاولاته الفاشلة للعبث بهذا الأصل.
ثانيًا: كذب (أبي الفتن) على الإمام ابن باز:
قال (أبو الفتن) -في نفس الحلقة المشار إليها-: ((هنا كلامٌ لسماحة الشيخ (ابن باز) -رحمه الله- نقرأه.. عن سماحة الشيخ -رحمةُ الله عليه- فإنّ له كلامًا في هذه المسألة...
هذا في مجموع فتاواه، الجزء الثامن، مائتين واثنين: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيتُ تقديمها لإخواني المسلمين للاستفادة منها، وأسأل الله أن ينفع بها عباده، وأن يتقبل منا جهدنا، سماحة الشيخ .. المهم بدأ إيش؟ يسأله الأسئلة، أنا يهمني إيه في النهاية، أن أقرأ .. الأسئلة كثيرة..
قال هنا في مجموع الفتاوى، الجزء الثامن، ثلاثة ومائتين: (فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرًا بَواحًا عندهم من الله فيه برهان - [ وأنا أريدُ أن أقول: هل يلزم من رؤية الكُفر البواح أن يكونَ الحاكمُ كافرًا؟!
مقدِّم البرنامج -المدعو علاء سعيد-: لأ.
أبو الفتن: [ نحن نفرِّق بين الفعل والفاعل، نعم ] - (وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسببُ - [ سنحملُ كلامَه هنا على الكافر] - فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نَصْر المظلوم، وتختل السُّبُل ولا تأمن، ويترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كُفرًا بَواحًا عندهم فيه من الله برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًا أكبر فليس لهم الخروج؛ رعايةً للمصالح العامة).
قال: (والقاعدة الشرعية المجمع عليها: "أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه - [ عدد الشاهد سيأتي ] - بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه" . أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كُفرًا بَواحًا - [ الآن ظاهرُه أنه يتكلم عن مَن أتى الكفرَ البواح، لكنْ سترى بقية كلامه أنه يتكلّم على الحاكم الظالم الجائر أو الفاسق، وكأنه يرى أنّ مجرد فعل الكفر البواح لا يكونُ كُفرًا ] - قال: فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كُفرًا بَواحًا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إمًامًا صالحًا طيبًا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه - [ شوف الضمير هنا لا زال على الحاكم الأول ] - فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال مَن لا يستحق الاغتيال ... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز - [ سنعرف كيف نتعامل بعد ذلك إذا كان لا يجوز ] - بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير - [ هل الآن هو يتكلم عن الحاكم الكافر؟! يقول: والدعوة لهم بالخير، هل هو يتكلم عن الحاكم الكافر، أو هذا الكلام في الحاكم المسلم الظالم الذي أهلُ السُّنة ذكروا الإجماع كما ذكر البربهاري: "والدعاء لهم بالصلاح"، وكما دعا الفضيل بن عياض لهم بالصلاح: "لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للأمير.
مقدِّم البرنامج -المدعو علاء سعيد-: تقصد أنّ كلمة الدعوة هنا تدل على أنه لا يقصد الحاكم الكافر؟
أبو الفتن: قال هنا: (بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف): الكافر نحن لا نعتقد السمع والطاعة له أصلاً، لكن نفعل هذا من ديننا؛ لا لأنه سمع وطاعة له، (ومناصحة ولاة الأمور): هو ليس ولي أمر لنا، الكافر ليس ولي أمر لنا، أنا أقول هذا كلامه الأخير يدل على أنه يتكلم عن الحاكم الفاسق، ليس عن الحاكم الكافر، و(الدعوة لهم بالخير): وهذا لا يكون لكافر.. فهمتَ قصدي؟
علاء سعيد: نعم، فهمت.
أبو الفتن: (والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يُسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق). اهـ
هذا كلامه -رحمه الله-)). اهـ
اضغط هنا لتحميل المقطع الصوتي.
رابط بديل:
اضغط هنا للتحميل.
قلتُ:
إنّ الذي ذكرته يا (أبا الفتن) حُجة عليكَ وليس لك!!
لقد حملَ (أبو الفتن) -زَورًا وتدليسًا- كلامَ الإمام ابن باز: "وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير". على الحاكم الكافر، وهذا كذبٌ أبلق له قرنان!!
ولبيان ذلك فلنضع أمامكم أيها الإخوة كلام الإمام ابن باز -رحمه الله- كاملاً، والذي حاول (أبو الفتن) كعادته إخفاءه: تارةً بذكر رواية وعدم ذكر الأخرى، وتارة ببتر الكلام ونزعه من سياقه، وتارة .. وتارة .. والله حسيبُه.
في "مجموع فتاوى ابن باز"، الجزء الثامن، الصفحة 201:
(نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيت تقديمها لإخواني المسلمين للاستفادة منها، وأسأل الله أن ينفع بها عباده، وأن يتقبل منا جهدنا، وأن يضاعف لنا الأجر، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح أحوال المسلمين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
س1: سماحة الشيخ: هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير، وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟ .
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم: الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد: طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف، لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة (1) » ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة (3) » .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم (4) » ، «قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (5) » .
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) . أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال ... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية..)). اهـ
قلتُ:
إنّ الناظر المدقق في كلام الإمام (ابن باز) -رحمه الله- يستخلص منه عدة أمور واضحات:
الأمر الأول: سُئل الشيخُ عن حُكم الخروج على الحاكم الجائر -وهذا يظهر بجلاء في نص السؤال-، فبماذا كانت الإجابة؟!
كانت الإجابة واضحة كالشمس في رائعة الضحى في أنه لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها، وذكر الشيخ -رحمه الله- الآثار المانعة من ذلك الخروج، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة ».
فالعلة في منع الخروج على الحاكم الجائر هي أنّ ذلك مخالفٌ للآثار، ولم يذكر الشيخ من قريب أو بعيد أنّ الأمرَ منوطٌ بالمصلحة والمفسدة، أو القدرة والعجز!!
الأمرُ الثاني: بل إنّ الشيخ -رحمه الله- قرن بين الخروج والمفسدة، فقال: ((وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير)).
وهنا حاول (أبو الفتن) الكذب على الشيخ بأنّه يتحدث عن الحاكم الكافر، وسياق الكلام وسباقه ولحاقه دالٌ على أنه كان يتكلم عن الحاكم الجائر، ألا تراه بعد أن ساق الأحاديث في حرمة الخروج على الحاكم الجائر، قال: ((فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرا بواحًا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان)). اهـ
فذكر الشيخ لهذه المفاسد من باب إظهار حكمة الله -عز وجل- في منع الخروج على حكام الجور، وإلا فإنّ العلة الأساسية في المنع هي أنّ ذلك مخالفٌ للآثار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الأمر الثالث: عندما أراد الإمام ابن باز -رحمه الله- الحديث عن الحاكم الكافر -بقوله: (إلا إذا رأى المسلمون كُفرًا بواحًا)- علَّق الشيخ الخروج بالقدرة، والمصلحة والمفسدة، فقال: ((إلا إذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة)). اهـ
ومما يؤكد ما ذكرته لكم هو السؤال الثاني التالي مباشرة لهذه السؤال، والذي كان نصه كالآتي:
((س2: سماحة الوالد: نعلم أن هذا الكلام أصل من أصول أهل السنة والجماعة، ولكن هناك - للأسف - من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكرًا انهزاميًا، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام؛ لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير.
ج2: هذا غلط من قائله، وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي، وإنما تحملهم الحماسة والغيرة لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كفروا المسلمين بالمعاصي كما فعلت الخوارج، أو خلدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة.
فالخوارج كفروا بالمعاصي، وخلدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة، وأنهم في النار مخلدون فيها، ولكن قالوا: إنهم في الدنيا بمنزلة بين المنزلتين، وكله ضلال.
والذي عليه أهل السنة - وهو الحق - أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها، فإذا زنا لا يكفر، وإذا سرق لا يكفر، وإذا شرب الخمر لا يكفر، ولكن يكون عاصيا ضعيف الإيمان فاسقا تقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك إلا إذا استحل المعصية وقال: إنها حلال، وما قاله الخوارج في هذا باطل، وتكفيرهم للناس باطل؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه، يقاتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان (1) » . هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم، فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة، بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فيقفوا مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، وبالجدال بالتي هي أحسن، حتى ينجحوا، وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير. هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (1)
فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا حدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور، بالكلام الطيب، والحكمة، والأسلوب الحسن، حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم الله الأمر بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم بظهر الغيب: أن الله يهديهم، ويوفقهم، ويعينهم على الخير، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها وعلى إقامة الحق.
هكذا يدعو المؤمن الله ويضرع إليه: أن يهدي الله ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل، وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن وبالتي هي أحسن، وهكذا مع إخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكرهم حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، وبهذا يكثر الخير، ويقل الشر، ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه، وتكون العاقبة حميدة للجميع.. )). اهـ
قلتُ:
تأمّل -رحمكَ الله- قوله: ((وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، وبالجدال بالتي هي أحسن، حتى ينجحوا، وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير. هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)). اهـ
فالشيخ يؤكد على أن العلَّة في منع الخروج على الحاكم الجائر هي أنّ ذلك لم تأتِ به النصوص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يُشر الشيخ إلى أي علَّةٍ أخرى، أو قال: يُقارن بين المصلحة والمفسدة!!
ومما يزيد هذا بيانًا ووضوحًا: السؤال الثالث التالي مباشرة للسؤال السابق:
((س3: لو افترضنا أن هناك خروجًا شرعيًا لدى جماعة من الجماعات، هل هذا يبرر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في حكومته مثل الشرطة والأمن وغيرهم؟ .
ج3: سبق أن أخبرتك: أنه لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين:
أحدهما: وجود كفر بواح عندهم من الله فيه برهان.
والشرط الثاني: القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شر أكبر منه، وبدون ذلك لا يجوز..)). اهـ
قلتُ:
إنّ الشيخَ -رحمه الله- لم يربط الخروج بالمصلحة والمفسدة إلا في حالة الخروج على الحاكم الكافر.
فكيف ستحرِّف هذا الكلام الواضح المبين يا (أبا الفتن)؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
إنَّ الباطلَ لا يَرُوج - في الغالب - إلاَّ إذا كان مَشُوبًا بحقِّ، وذلك أنّ الباطلَ إذا كان باطلاً محضًّا لم نختلف فيه.
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: (وَلَا يُنْفَقُ الْبَاطِلُ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِشَوْبِ مِنْ الْحَقِّ؛ كَمَا أَنَّ أَهْل الْكِتَابِ لَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ بِسَبَبِ الْحَقِّ الْيَسِيرِ الَّذِي مَعَهُمْ يُضِلُّونَ خَلْقًا كَثِيرًا عَنْ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَدَّعُونَهُ إلَى الْبَاطِلِ الْكَثِيرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ. وَكَثِيرًا مَا يُعَارِضُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يُحْسِنُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَا يُقِيمُ الْحُجَّةَ الَّتِي تُدَحِّضُ بَاطِلَهُمْ وَلَا يُبَيِّنُ حُجَّةَ اللَّهِ الَّتِي أَقَامَهَا بِرُسُلِهِ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةٌ). اهـ ["مجموع الفتاوى" 35/190]
إنَّ شَوْبَ الحقِّ بالباطل هو صفةُ المغضوب عليهم ، قال -تعالى-: ﴿وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة : 42]
قال الحافظ (ابن كثير) - رحمه الله - : (يقول - تعالى - ناهيًا لليهود عمَّا كانوا يتَعمَّدونَه من تلبيسِ الحقِّ بالباطل وتَمويه به، وكتمانِهم الحقَّ وإظهارِهم الباطلَ ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ فنهاهم عن الشَّيئَين معًا، وأمرهم بإظهارِ الحقِّ والتَّصريح به، لهذا قال الضَّحاك ، عن ابن عبَّاسٍ ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ ﴾ لا تخلطوا الحقَّ بالباطل ، والصِّدق بالكذب .
وقال أبو العالية ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ ﴾ يقول : ولا تخلطوا الحقَّ بالباطل ، وأدُّوا النَّصيحة لعباد الله من أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم). اهـ [ "تفسير ابن كثير" 1/150 ].
قلتُ:
لقد قام (أبو الفتن) بِلَبْسِ الحقِّ بالباطل، والصِّدق بالكذب؛ فراحَ يُؤصِّلُ الأصولَ الفاسدةَ في الخروج على الحاكم الجائر مُستشهدًا بأقوال بعض المخالفين لمنهج أهل السُّنة والجماعة.
ولكنّ (أبا الفتن) -وكما قال فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان-: "من شرِّ أهل البدع!! ماكرٌ!!، خبيثٌ!!، كثيرُ التلبيس والتأويلات الفاسدة!!، لعّابٌ!!" فمن أجل أن يُروِّج لباطله هذا، ويخدع العوام المساكين الذين يشاهدونه على شاشة قناة "النقمة"؛ فقد شَابَهُ ببعض الحقِّ، فراح ينقل عن الأئمة الأعلام، من أمثال إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن باز، والعلامة صالح الفوزان، وغيرهم وراح يحكي عنهم أنهم إنما حرَّموا الخروج على الحاكم الجائر؛ لعلَّة أنّ مفسدة الخروج عليه أعظم من مفسدة بقائه، أي: أنهم يقارنون بين المصلحة والمفسدة!!، أي أنّ حُكم الخروج على الحاكم الجائر منوطٌ بالمصلحة والمفسدة!! ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾.
أجل، إنها محاولاتٌ قذرة من (أبي الفتن) للعبث بأصلٍ من أصول أهل السُّنة والجماعة، وإجماع السلف على هذا الأصل من حرمة الخروج على الحاكم المسلم بَرًّا كان أم فاجرًا.
وأنا هنا لن أتعرض لكل أكاذيب (أبي الفتن) على هؤلاء الأعلام، فقد دلّس وحرّف وبتر كلامهم ليوافق هواه، وسأكتفي ببيان كذبه على الإمامين: أحمد، وابن باز -رحمهما الله-، والرجاء من مشايخنا الفضلاء الرد المفصّل على هذا الضال المُضل -عليه من الله ما يستحقه-.
أولاً: كذب (المأربي) على الإمام أحمد:
قال (أبو الفتن): ((الإمام (أحمد) -رحمه الله- لما استُفتي في الخروج على (الواثِق)، أو ذُكِرَ له أنّ جماعة يريدون أن يخرجوا على (الواثِق) في بغداد..
والإمام أحمد لم يُكفِّر أمراء بني العباس مع أنهم قالوا بخلق القرآن، وهذه المسألة سنجيب بها على طائفة أخرى التي ترى تكفير الناس بكل مَن فعل كُفرًا فيكون كافرًا، أو قال كُفرًا يكون كافرًا دون النظر في استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، هذا فريق آخر يحتاج إلى كلام معه.
لكن (خَلِّينا) في هذا، الإمامُ (أحمد) يرى صحة ولاية (الواثِق): يرى أنه مسلمٌ، أباح مَن عَذَّبه من بني العباس كما قال شيخُ الإسلام (ابن تيمية)، ولو كانوا عنده كُفّارًا ما أباحهم - أباحهم، يعني: سامحهم، على لغتنا في مصر، سامحهم -.
فعلى كل حال، هنا في كتاب (السُّنة) لأبي بكر الخلال يقول: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ - [الإسنادُ صحيحٌ] - قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمْرٍ كَانَ حَدَثَ بِبَغْدَادَ، وَهَمَّ قَوْمٌ بِالْخُرُوجِ، فَقُلْتُ: " يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي الْخُرُوجِ مَعَ هَؤُلَاءِ؟، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وقالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، الدِّمَاءَ، الدِّمَاءَ، - [بيُعَلِّل بإيش الإمام (أحمد)؟!] - لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ، الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الْأَمْوَالُ، وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ، أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ؟، يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ - [أيام فتنة (الأمين) و(المأمون)، وما ظهر من قتلٍ وهَرْجٍ وكذا، فالإمام (أحمد) لا زالَ يستحضر حادثةً وقعت، حصلَ فيها استباحة لأهل بغداد ولنساء بغداد ورجال بغداد، فالإمام (أحمد) يستحضر هذه القضية التي لم تبعد من مخيلته بعد، وعَلَّلَ بها، وعَلَّلَ بها] - أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ؟، يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَالنَّاسُ الْيَوْمَ، أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ؟ - [يعني: القولَ بخلق القرآن فتنة في الدين] - قَالَ: وَإِنْ كَانَ، فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ - [بمعنى أنها نازلت على طبقة العلماء فقط] - فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ - [إذًا لما تيجي الفتنة التي تُخَرِّب الأسواق، وتُقْطَعُ السُّبُل، إلى غير ذلك؛ فهو يُقارن!!، يقول: صحيح العلماء يُبتلون، ويُؤذون، ويُعذَّبون.. قال هذا (أحمد) وقد عُذِّب!! ما قال هذا (أحمد) وهو في بُرج عاجي، أو أنه تأتيه أموالٌ، أو أنه ذيلُ بغلة السلطان، أو أنه يحمي البلاط الملكي -كما يُقال- لأ، الإمام (أحمد) قال هذا، ولا زالت آثارُ السياطِ في جسده، ولكن هو ينظر إلى أنّ المفسدةَ تكون أكبر، خرجَ الناسُ قبل ذلك: (الأمين)، و(المأمون)، وحصلت فتنة أيام (الأمين)، و(المأمون)، وما جنى الناسُ منها إلا الشر؛ فهو ينظرُ إلى هذا] - قالَ: فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ: الصَّبْرُ عَلَى هَذَا - [أو الصبرَ على هذا، أي: الزمْ الصبرَ على هذا] -، وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ، قال: وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ: الدِّمَاءَ، لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ).
هذا تعليلٌ!! لكنه تعليلٌ مُجْمَلٌ، ما قال: لو كان كذا يكون كذا، سنأتي ببقية الكلام)). اهـ
اضغط هنا لتحميل المقطع الصوتي.
رابط بديل:
اضغط هنا للتحميل.
المصدر:
قناة (الرَّحمة) - برنامج (إلى غُلاة التجريح!!) - الحلقة الخامسة: "حُكم الخروج على الحاكم الجائر".
بتاريخ: 7 من ربيع الثاني 1433 هـ، الموافق 29-02-2012 م.
قلتُ:
إنّ (أبا الفتن) يدَّعي الإنصافَ وهو منه بريء، والصِّدقَ وهو منه عارٍ؛ فقد زعم أنّ الإمام أحمد إنما منع فقهاء بغداد من الخروج على الخليفة الواثق بسبب ما يترتب على ذلك الخروج من فسادٍ؛ فهو يُقارن بين المصلحة والمفسدة!!
أي أنه يريد القول: إن حُكم الخروج على الحاكم الجائر منوطٌ بالمصلحة والمفسدة، وها هو الإمام أحمد -إمام أهل السُّنة والجماعة- يُقرِّر ذلك!!!
والحقُّ أنّ سبب منع الإمام أحمد للفقهاء من الخروج، لم يكن بسبب ما يترتب على ذلك الخروج من فسادٍ فحسب، بل إنّ هذه عِلَّة ثانوية -إنْ صحَّ التعبير-.
والعلَّة الأساسية في منع الإمام أحمد من الخروج على الخليفة الواثق مذكورة في الرواية التالية مباشرةً للرواية التي حكاها (أبو الفتن)، والتي حاول إخفاءها، لكنّ أهلَ السُّنة له لبالمرصاد.
قال الإمام أبو بكر ابن الخَلَّال: "وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْبَلًا يَقُولُ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ: اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ، وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ، فَجَاءُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا الْأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ، وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً، وَقَالَ لَهُمْ: «عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ [ص:134] وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ، انْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» ، وَدَارَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ أَحْفَظْهُ وَمَضَوْا، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَمَا مَضَوْا، فَقَالَ أَبِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَمَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، وَقَالَ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا عِنْدَكَ صَوَابٌ، قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِالصَّبِرِ "، ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ. . . وَإِنْ فَاصْبِرْ» ، فَأَمَرَ بِالصَّبِرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَذَكَرَ كَلَامًا لَمْ أَحْفَظُهْ ". اهـ [ "السُّنة" 1 /133 ].
فسبب المنع لم يكن المقارنة بين المصلحة والمفسدة!! -كما يكذب (أبو الفتن)- بل لأنّ ذلك الخروج مخالفٌ للآثار التي أُمرنا فيها بالصبر.
وهذه هي العلَّة الأساسية التي من أجلها منع العلماء -علماء أهل السُّنة والجماعة- من الخروج على حكام المسلمين، ولا يُنازع في هذا الأصل إلا مبتدع.
وفي كلام الإمام أحمد هذا ردٌ وصفعةٌ قوية لكل تأصيلات (أبي الفتن) ومحاولاته الفاشلة للعبث بهذا الأصل.
ثانيًا: كذب (أبي الفتن) على الإمام ابن باز:
قال (أبو الفتن) -في نفس الحلقة المشار إليها-: ((هنا كلامٌ لسماحة الشيخ (ابن باز) -رحمه الله- نقرأه.. عن سماحة الشيخ -رحمةُ الله عليه- فإنّ له كلامًا في هذه المسألة...
هذا في مجموع فتاواه، الجزء الثامن، مائتين واثنين: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيتُ تقديمها لإخواني المسلمين للاستفادة منها، وأسأل الله أن ينفع بها عباده، وأن يتقبل منا جهدنا، سماحة الشيخ .. المهم بدأ إيش؟ يسأله الأسئلة، أنا يهمني إيه في النهاية، أن أقرأ .. الأسئلة كثيرة..
قال هنا في مجموع الفتاوى، الجزء الثامن، ثلاثة ومائتين: (فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرًا بَواحًا عندهم من الله فيه برهان - [ وأنا أريدُ أن أقول: هل يلزم من رؤية الكُفر البواح أن يكونَ الحاكمُ كافرًا؟!
مقدِّم البرنامج -المدعو علاء سعيد-: لأ.
أبو الفتن: [ نحن نفرِّق بين الفعل والفاعل، نعم ] - (وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسببُ - [ سنحملُ كلامَه هنا على الكافر] - فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نَصْر المظلوم، وتختل السُّبُل ولا تأمن، ويترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كُفرًا بَواحًا عندهم فيه من الله برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًا أكبر فليس لهم الخروج؛ رعايةً للمصالح العامة).
قال: (والقاعدة الشرعية المجمع عليها: "أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه - [ عدد الشاهد سيأتي ] - بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه" . أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كُفرًا بَواحًا - [ الآن ظاهرُه أنه يتكلم عن مَن أتى الكفرَ البواح، لكنْ سترى بقية كلامه أنه يتكلّم على الحاكم الظالم الجائر أو الفاسق، وكأنه يرى أنّ مجرد فعل الكفر البواح لا يكونُ كُفرًا ] - قال: فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كُفرًا بَواحًا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إمًامًا صالحًا طيبًا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه - [ شوف الضمير هنا لا زال على الحاكم الأول ] - فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال مَن لا يستحق الاغتيال ... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز - [ سنعرف كيف نتعامل بعد ذلك إذا كان لا يجوز ] - بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير - [ هل الآن هو يتكلم عن الحاكم الكافر؟! يقول: والدعوة لهم بالخير، هل هو يتكلم عن الحاكم الكافر، أو هذا الكلام في الحاكم المسلم الظالم الذي أهلُ السُّنة ذكروا الإجماع كما ذكر البربهاري: "والدعاء لهم بالصلاح"، وكما دعا الفضيل بن عياض لهم بالصلاح: "لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للأمير.
مقدِّم البرنامج -المدعو علاء سعيد-: تقصد أنّ كلمة الدعوة هنا تدل على أنه لا يقصد الحاكم الكافر؟
أبو الفتن: قال هنا: (بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف): الكافر نحن لا نعتقد السمع والطاعة له أصلاً، لكن نفعل هذا من ديننا؛ لا لأنه سمع وطاعة له، (ومناصحة ولاة الأمور): هو ليس ولي أمر لنا، الكافر ليس ولي أمر لنا، أنا أقول هذا كلامه الأخير يدل على أنه يتكلم عن الحاكم الفاسق، ليس عن الحاكم الكافر، و(الدعوة لهم بالخير): وهذا لا يكون لكافر.. فهمتَ قصدي؟
علاء سعيد: نعم، فهمت.
أبو الفتن: (والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يُسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق). اهـ
هذا كلامه -رحمه الله-)). اهـ
اضغط هنا لتحميل المقطع الصوتي.
رابط بديل:
اضغط هنا للتحميل.
قلتُ:
إنّ الذي ذكرته يا (أبا الفتن) حُجة عليكَ وليس لك!!
لقد حملَ (أبو الفتن) -زَورًا وتدليسًا- كلامَ الإمام ابن باز: "وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير". على الحاكم الكافر، وهذا كذبٌ أبلق له قرنان!!
ولبيان ذلك فلنضع أمامكم أيها الإخوة كلام الإمام ابن باز -رحمه الله- كاملاً، والذي حاول (أبو الفتن) كعادته إخفاءه: تارةً بذكر رواية وعدم ذكر الأخرى، وتارة ببتر الكلام ونزعه من سياقه، وتارة .. وتارة .. والله حسيبُه.
في "مجموع فتاوى ابن باز"، الجزء الثامن، الصفحة 201:
(نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيت تقديمها لإخواني المسلمين للاستفادة منها، وأسأل الله أن ينفع بها عباده، وأن يتقبل منا جهدنا، وأن يضاعف لنا الأجر، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح أحوال المسلمين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
س1: سماحة الشيخ: هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير، وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟ .
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم: الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد: طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف، لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة (1) » ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة (3) » .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم (4) » ، «قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (5) » .
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) . أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال ... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية..)). اهـ
قلتُ:
إنّ الناظر المدقق في كلام الإمام (ابن باز) -رحمه الله- يستخلص منه عدة أمور واضحات:
الأمر الأول: سُئل الشيخُ عن حُكم الخروج على الحاكم الجائر -وهذا يظهر بجلاء في نص السؤال-، فبماذا كانت الإجابة؟!
كانت الإجابة واضحة كالشمس في رائعة الضحى في أنه لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها، وذكر الشيخ -رحمه الله- الآثار المانعة من ذلك الخروج، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة ».
فالعلة في منع الخروج على الحاكم الجائر هي أنّ ذلك مخالفٌ للآثار، ولم يذكر الشيخ من قريب أو بعيد أنّ الأمرَ منوطٌ بالمصلحة والمفسدة، أو القدرة والعجز!!
الأمرُ الثاني: بل إنّ الشيخ -رحمه الله- قرن بين الخروج والمفسدة، فقال: ((وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير)).
وهنا حاول (أبو الفتن) الكذب على الشيخ بأنّه يتحدث عن الحاكم الكافر، وسياق الكلام وسباقه ولحاقه دالٌ على أنه كان يتكلم عن الحاكم الجائر، ألا تراه بعد أن ساق الأحاديث في حرمة الخروج على الحاكم الجائر، قال: ((فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرا بواحًا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان)). اهـ
فذكر الشيخ لهذه المفاسد من باب إظهار حكمة الله -عز وجل- في منع الخروج على حكام الجور، وإلا فإنّ العلة الأساسية في المنع هي أنّ ذلك مخالفٌ للآثار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الأمر الثالث: عندما أراد الإمام ابن باز -رحمه الله- الحديث عن الحاكم الكافر -بقوله: (إلا إذا رأى المسلمون كُفرًا بواحًا)- علَّق الشيخ الخروج بالقدرة، والمصلحة والمفسدة، فقال: ((إلا إذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة)). اهـ
ومما يؤكد ما ذكرته لكم هو السؤال الثاني التالي مباشرة لهذه السؤال، والذي كان نصه كالآتي:
((س2: سماحة الوالد: نعلم أن هذا الكلام أصل من أصول أهل السنة والجماعة، ولكن هناك - للأسف - من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكرًا انهزاميًا، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام؛ لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير.
ج2: هذا غلط من قائله، وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي، وإنما تحملهم الحماسة والغيرة لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كفروا المسلمين بالمعاصي كما فعلت الخوارج، أو خلدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة.
فالخوارج كفروا بالمعاصي، وخلدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة، وأنهم في النار مخلدون فيها، ولكن قالوا: إنهم في الدنيا بمنزلة بين المنزلتين، وكله ضلال.
والذي عليه أهل السنة - وهو الحق - أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها، فإذا زنا لا يكفر، وإذا سرق لا يكفر، وإذا شرب الخمر لا يكفر، ولكن يكون عاصيا ضعيف الإيمان فاسقا تقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك إلا إذا استحل المعصية وقال: إنها حلال، وما قاله الخوارج في هذا باطل، وتكفيرهم للناس باطل؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه، يقاتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان (1) » . هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم، فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة، بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فيقفوا مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، وبالجدال بالتي هي أحسن، حتى ينجحوا، وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير. هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (1)
فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا حدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور، بالكلام الطيب، والحكمة، والأسلوب الحسن، حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم الله الأمر بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم بظهر الغيب: أن الله يهديهم، ويوفقهم، ويعينهم على الخير، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها وعلى إقامة الحق.
هكذا يدعو المؤمن الله ويضرع إليه: أن يهدي الله ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل، وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن وبالتي هي أحسن، وهكذا مع إخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكرهم حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، وبهذا يكثر الخير، ويقل الشر، ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه، وتكون العاقبة حميدة للجميع.. )). اهـ
قلتُ:
تأمّل -رحمكَ الله- قوله: ((وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، وبالجدال بالتي هي أحسن، حتى ينجحوا، وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير. هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)). اهـ
فالشيخ يؤكد على أن العلَّة في منع الخروج على الحاكم الجائر هي أنّ ذلك لم تأتِ به النصوص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يُشر الشيخ إلى أي علَّةٍ أخرى، أو قال: يُقارن بين المصلحة والمفسدة!!
ومما يزيد هذا بيانًا ووضوحًا: السؤال الثالث التالي مباشرة للسؤال السابق:
((س3: لو افترضنا أن هناك خروجًا شرعيًا لدى جماعة من الجماعات، هل هذا يبرر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في حكومته مثل الشرطة والأمن وغيرهم؟ .
ج3: سبق أن أخبرتك: أنه لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين:
أحدهما: وجود كفر بواح عندهم من الله فيه برهان.
والشرط الثاني: القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شر أكبر منه، وبدون ذلك لا يجوز..)). اهـ
قلتُ:
إنّ الشيخَ -رحمه الله- لم يربط الخروج بالمصلحة والمفسدة إلا في حالة الخروج على الحاكم الكافر.
فكيف ستحرِّف هذا الكلام الواضح المبين يا (أبا الفتن)؟!