تنبيه العِبَاد إلى أنَّ
منهج أبي الحسن المصري مغاير
لمنهج الشيخ العَبَّاد
بقلم :
أبي عبد الله عبد الرحمن بن محمد آل عميسان
-وفقه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ,وعلى اله وصحبه ومن والاه وبعــد : فلقد اطلعت على شريط بعنوان ( جلسة في جدة 28/6/1423هـ ) لأبي الحسن فيه ما يدمي القلب حزناً أن يتصدر للدعوة من مثل هؤلاء ولكن كما قيل ( إن البغاث بأرضنا يستنسر ) وكان السبب الرئيس هو أنه ذهب إلى منطقة نائية وبث فيها سمومه وفرخ فيها من يدافع عن المبتدعة اليوم, ويقدح في أهل السنة ليس هذا فحسب بل يؤيد كلامه بكلام العلماء الكبار ليدلس على الناس كما فعل قديماً في شريط جلسة عدن وكذلك فعاله حديثاً, وهذه هي من حيل المبتدعة.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- تحت فصل قبول التأويل له أسباب وذكر منها (( السبب الثالث : أن يعزوا المتأول إلى جليل القدر نبيل الذكر من العقلاء أو من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, أو من حصل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ,ليحليه بذلك في قلوب الجهال. فإنه من شأن الناس تعظيم كلام من يعظم قدره في نفوسهم..... ثم نفقوا باطلهم بنسبته إليهم فلا إله إلا الله, كم من زندقة وإلحاد وبدعة قد نفقت في الوجود بسبب ذلك وهم برآء منها)) ا.هـ (مختصر الصواعق ص 79).
قال العلامة الشوكاني – رحمه الله- (( وقد جرت قاعدة أهل البدع – في سابق الدهر ولاحقه-بأنهم يفرحون بصدور الكلمة الواحدة عن عالم من العلماء ويبالغون في إشهارها وإذاعتها فيما بينهم , ويجعلونها حجة لبدعتهم ويضربون بها وجه من أنكر عليهم)) (أدب الطلب ومنتهى الأرب ص 43 للشوكاني ).
ولذلك لما سمعت هذا الشريط, أعانني الله -عزوجل-فوجدت عليه ملحوظات فادحة كان لا بد من إعلاء الحق على الباطل,وبيان (((أن لكل قوم وارث))) .
قال العلامة ابن الوزير – رحمه الله- (( ولو أنّ العلماء – رضي الله عنهم- تركوا الذب عن
الحق , خوفاً من كلام الخلق , لكانوا قد أضاعوا كثيراً , وخافوا حقيراً)) (العواصم والقواصم 1/ 223).
وقال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن آل الشيخ – رحمه الله- (( والتساهل في رد الباطل , وقمع الداعي إليه , يترتب عليه قلع أصول الدين , وتمكين أعداء الله من الملة والدين )) (عيون الرسائل 1/441).
قال الإمام ابن قتيبة -رحمه الله- (( وسيوافق قولي هذا من النـــاس ثلاثة :
- رجلاً منقاداً سمع قوماً يقولون فقال كما قالوا فهو لا يرعوي ولا يرجع لأنه لم يعتقد الأمر بنظر
فيرجع عنه بنظر.
- ورجلاً تطمح به عزة الرياسة وطاعة الإخوان وحب الشهرة فليس يرد عزته ولا يثني عنانه إلا الذي خلقه إن شاء الله , لأن في رجوعه إقراره بالغلط واعترافه بالجهل وتأبى عليه الأنفة وفي ذلك أيضاً تشتت جمع وانقطاع نظام واختلاف إخوان عقدتهم له النحلة , والنفوس لا تطيب بذلك إلا من عصمه الله ونجاه.
- ورجلاً مسترشداً يريد الله بعلمه لا تأخذه فيه لومة لائم ولا تدخله من مفارق وحشة ولا تلفته عن الحق أنفة فإلى هذا بالقول قصدنا وإياه أردنا.)) ((الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة ص 20-21)).
وإنما كان هذا الرد على أبي الحسن من باب قول الإمام السيوطي- رحمه الله- في مقدمة كتابه مفتاح الجـنة في الاعتصام بالسنة (( اعلموا- يرحمكم الله- أن من العلم كهيئة الدواء , ومن الآراء كهيئة الخلاء , لا تذكر إلا عند داعية الضرورة )) ص 15.
(((الوقفة الأولى)))
الوقفة الأولى من شريط بعنوان( جلسة في جدة 28/6/1423هـ) :
قال أبو الحسن –عامله الله بعدله- ((ناظر الإمام الشافعي رجل فمشى من عنده ثم التقى فيه في اليوم الثاني فقال ألا يمكن أن نختلف ونحن أخوة قال: بلى قال: هذا الذي نريده ,يمكن أن نختلف ونحن إخوة ونتحاب مع وجود الخلاف ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحابة اختلفوا في مسائل عقدية اختلفوا في مسألة هل رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة المعراج أم لا ؟؟ واختلفوا في سماع الميت كلام الحي اختلفوا في هذا أيضاً , اختلفوا في أمور كثيرة عقدية وعملية ومع ذلك هموا هموا كانوا يجاهدون عدواً واحداً , ويحمون حوزة الإسلام , ويقفون على ثغرٍ واحد للدفاع عن هذا الدين بارك الله فيكم فنعوذ بالله يا إخوان نعوذ بالله من هوى النفوس الذي يجعل الخلاف والعياذ بالله سبباً أنك ترى أخاك الذي على منهج السنة أنه والعياذ بالله أضر على الإسلام من اليهود والنصارى وأنه كذا, وأنه أضر أهل البدع , وأن فيه ,وأن فيه ,سبحان الله يجب علينا بارك الله فيكم أن نعرف كيف كان السلف يختلفون نحب أن نكون سلفيين في الوفاق وفي الفراق , وفي الإجماع وفي النزاع ....) ا.هـ
على هذا الكلام عدة ملحوظات:
الملحوظة الأولى:
قوله ((ناظر الإمام الشافعي رجل فمشى من عنده ثم التقى فيه في اليوم الثاني فقال ألا يمكن أن نختلف ونحن أخوة قال: بلى قال: هذا الذي نريده ونتحاب مع وجود الخلاف )).
أراد أبو الحسن- عامله الله بعدله- أن يبين أن الشافعي اختلف مع هذا الرجل ومع ذلك لم يؤثِّر ذلكَ على الشافعي , بأن اتخذه عدواً, وما حصل منه إلا أنه نبذ الخلاف وراءه بل زاد على ذلك أن أحبه , كما يزعم أن الصحابة فعلوا ذلك عندما اختلفوا في أمور كثيرة في العقيدة –بحد زعمه- أعوذ بالله من هذا الافتراء والبهتان .
وهذا الكلام باطل من عدة وجوه :
الوجه الأول: أن الذي ناظره هنا الإمام الشافعي هو إمام من أئمة أهل السنة هو (((يونس بن عبد الأعلى الصَّدَفي))) كما ذكر هذه القصة الإمام الذهبي – رحمه الله- (( قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي, ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا, ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى , ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة)) انظر السير (10/16)و انظر (تاريخ ابن عساكر 51/ 302) ويونس الصدفي قال عنه الذهبي- رحمه الله-: (الإمام شيخ الإسلام أبو موسى الصَّدَفي المصري المقرئ الحافظ... وكان من كبار علماء زمانه...وحدث عن: سفيان ابن عيينة , وعبد الله ابن وهب المصري , والشافعي , ونُعَيْمِ بن حماد وقد روى عنه: الإمام مسلم , والنسائي , وابن ماجة , وأبو حاتم , وأبو زرعة , و ابن خزيمة , و أبو عوانة الإسفراييني....) (سير أعلام النبلاء (12/34 ((قال ابن ناصر الدين كان ركنا من أركان الإسلام)) شذرات الذهب (1/149) .
الوجه الثاني : أن المسألة التي تناظرا لأجلها هي مسألة فقهية لا كما أوهم أبو الحسن السامع أنها
مسألة عقدية وأن الخلاف فيها جائز .
الوجه الثالث : ورد عن الإمام الشافعي ما يرد هذا الفهم السقيم ذكر ابن عساكر في كتابه ( تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري ص 340) بعد ما ساق إسناده إلى الشافعي قال: ما نصه (( قال الشافعي: ما ناظرت أحداً أحببت أن يخطئ إلا صاحب بدعة فإني أحب أن ينكشف أمره للناس)) , وأيضاً قال (ما ناظرت أحداً علمت أنه مقيم على بدعة) قال البيهقي تعليقاً على هذا: وهذا لأن المقيم على البدعة قلما يرجع بالمناظرة عن بدعته وإنما كان يناظر من يرجو رجـوعه إلى الحق إذا بينه له ,و بالله التوفيق) مناقب الشافعي للبيهقي (1/175) وكذلك قال البيهقي ( كان الشافعي رحمه الله شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع , مجاهراً ببغضهم وهجرتهم ) المناقب للبيهقي (1/469) .
فأين أنت يا أبا الحسن من هذا ؟؟؟.
الملحوظة الثانية : قال أبو الحسن – عامله الله بعدله- (( ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحابة اختلفوا في مسائل عقدية اختلفوا في مسألة هل رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة المعراج أم لا ؟؟)) ا.هـ
قلت: ولنــنظر مــاذا يقــول شيـــخ الإســـلام عمَّا نســبَ إليه:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- (( وهكذا الفقه إنما وقع فيه الخلاف لما خفي عليهم بيان صاحب الشرع , ولكن هذا إنما يقع النزاع في الدقيق منه , وأما الجليل فلا يتنازعون فيه. والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك ولم يتنازعوا في العقائد , ولا في الطريق إلى الله التي يصيبها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين )).
أ.هـ مجموع الفتاوى (19/274).
وقال أيضاً (( وكذلك تنازع الصحابة في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء والمعراج , فهناك انفكاك في الجهة , فمن أثبت الرؤية أراد القلبية , ومن نفى أراد البصرية , والقولان متفقان )) منهاج السنة النبوية (6/32.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله-: (( وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي , في كتاب الرد له , إجماع الصحابة على أنه - صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة المعراج , وبعضهم استثنى ابن عباس من ذلك , وشيخنا يقول: ( أي ابن تيمية) ليس ذلك بخلاف في الحقيقة. فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه ) اجتماع الجيوش الإسلامية ص48.
وقال الإمام الشاطبي-رحمه الله-(( فإن الخلاف من زمان الصحابة إلى الآن واقعٌ في المسائل الاجتهادية)) ( الاعتصام 2/191).
وقد سئل الشـيخ العلامـة عبد المحـسن العـباد-حفـظه الله- في درس السبت ( 20/8/1423هـ) في درس السنن هل يجوز أن يقال أن الصحابة اختلفوا في أمور العقيدة؟؟ فأجاب فضيلة (( وجد الاختلاف بين الصحابة في الفروع ولم يوجد اختلاف في الأصول البتة وإلا أيش الفرق بين أهل السنة والمبتدعة إذاً)) ا.هـ
وهناك فتاوى كثيرة يخالفك الشيخ فيها في أصولك وفروعك ستأتي في مظـانها إن شاء الله.
وسئل أيضاً شيخنا عبد المحسن-حفظه الله تعالى- يوم الثلاثاء 15/1/1424هـ بعد صلاة الظهر (( هل يجوز أن يقال أن الصحابة اختلفوا في أمور العقيدة ؟؟ كما في مسألة رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة اُسري به , وكذلك مسألة سماع الأموات للأحياء؟؟ أجاب الشيخ أطال الله في عمره وأحسن في عمله بقوله: الصحابة لم يختلفوا في أمور العقيدة , وأما ما جاء عنهم في هل رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- ربه أم لم يره في الإسراء والمعراج فهذا ليس خلاف في العقيدة لأنهم متفقين أن الله يُرى يوم القيامة والرؤية ثابتة وهذه هي العقيدة , أما الخلاف في هل النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى ربه أم لم يره ليلة المعراج فهذا ليس خلاف في العقيدة , والراجح أنه لم يره ليلة المعراج , أما مسألة سماع الأموات للأحياء فلا أعلم خلاف بين الصحابة والراجح في هذه المسألة أن نثبت ما أثبته الله ورسوله كما في سماعهم قرع النعال عن الفراغ من الدفن وغير ذلك مما ثبت , وأن نسكت عن ما سكت عنه الله و رسوله)) ا.هـ
أقول يا أبا الحسن من الأمور العقدية توقير الصحابة ,وعدم الافتراء عليهم , وتقويلهم ما لم يقولوا قال الإمام الطحاوي-رحمه الله- (( ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ولا نفرط في حب أحد منهم , ولا نتبرأ من أحد منهم. ونبغض من يبغضهم , وبغير الخير يذكرهم. ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان, وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ))(انظر الطحاوية ص 467 مع الشرح) .
الملحوظة الثالثة: قال أبو الحسن –عامله الله بعدله- ((واختلفوا في سماع الميت لكلام الحي اختلفوا في هذا أيضاً)).
أقول وبالله التوفيق : إن هذه الدعوى عارية من البرهان والدليل وقد سقتُ لك كلام العلامة عبد المحسن – حفظه الله- وهاهو الشيخ نعمان الألوسي في كتابه "الآيات البينات في عدم سماع الأموات" تحقيق الإمام الألباني –رحمه الله- لم يذكر خلافاً بل الذي ذكره هو أن عائشة أنكرت ذلك فقالت: ((ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إنهم ليسمعون الآن ما أقول)) إنما قال: ((ليعلمون الآن ما أقول لهم أنه حق )) , ثم قرأت قول الله تعالى: (إنك لا تسمع الموتى), (وما أنت بمسمع من في القبور)ا.هـ( أخرجه البخاري (7/242-243) انظر (الآيات البينات ص 6.
والذي يظهر لي من كلام العلماء والله أعلم أن الصحابة لم يختلفوا في هل الميت يسمع قرع النعل بعد الفراغ من الدفن ولم يختلفوا في أن الله إذا شاء أسمعهم فعل ذلك , وإنما الخلاف في أهل القليب هل سمعوا النبي لما-صلى الله عليه وسلم- تكلم أم لم يسمعوه أم كانت تلك معجزة؟؟ فالخلاف ليس في أنهم لا يسمعون مطلقاً فالحاصل إذاً ليس هو خلاف عقدي إنما هو من باب الاختلاف في الرؤية كما قال العلامة عبد المحسن العباد في اختلافهم هل رأى ربه أم لم يره إنها ليست مسألة عقدية .
قلت: ولكن قد وقع الخلاف في سماع الأموات مطلقاً عند المتأخرين لا المتقدمين .
الملحوظة الثالثة: قال أبو الحسن- عامله الله بعدله- ((اختلفوا في أمور كثيرة عقدية وعملية)) أقول والله أعلم إن هذه الجرأة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناتجة من عدم معرفة حقهم , لم تكتفِ بأن تقول إنهم اختلفوا في ((أمور عقدية)) بل صدرت ذلك بقولك ((كثيرة)) سبحانك هذا بهتانٌ عظيم اللهم ارزقنا حب أصحاب نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
وأذكر يا أبالحسن الكلمة التي قالها لك الشيخ عبد المحسن في بيته بعد العصر يوم الخميس الموافق 4/3/1423هـ فإن كنت قد نسيت فلم أنسَ مقالة العلامة عبد المحسن العباد-حفظه الله-لك (( ينبغي أن تصفي قلبك ولسانك من النيل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )) , فإن أنكرت فيامن تدعوا إلى المباهلة فإنا اليوم ندعوك إليها ليعلم الله الصادق من الكاذب ومن المعلوم أنك لن تستطيع وستفر من ذلك كما فررت من طلب أبي عمر العتيبي- حفظه الله- .
الملحوظة الرابعة: قال أبو الحسن-عامله الله بعدله- " ومع ذلك هموا هموا كانوا يجاهدون عدواً واحداً , ويحمون حوزة الإسلام , ويقفون على ثغرٍ واحد للدفاع عن هذا الدين بارك الله فيكم فنعوذ بالله يا إخوان نعوذ بالله من هوى النفوس الذي يجعل الخلاف والعياذ بالله سبباً أنك ترى أخاك الذي على منهج السنة أنه والعياذ بالله أضر على الإسلام من اليهود والنصارى وأنه كذا, وأنه أضر أهل البدع , وأن فيه ,وأن فيه ,سبحان الله يجب علينا بارك الله فيكم أن نعرف كيف كان السلف يختلفون نحب أن نكون سلفيين في الوفاق وفي الفراق , وفي الإجماع وفي النزاع ".
وهذه الكلام باطل من عدة أوجه:
الوجه الأول : إذا كان الخلاف سائغاً في العقيدة!!, فماذا جاهد الصحابة إذاً؟؟!! , وماذا حموا من الدين؟؟!! , هل تقصد أن الصحابة لم يجاهدوا إلا الكفار فقط؟؟!! ولم يقاتلوا أهل البدع؟؟!! فأين قتالهم الخوارج؟؟!! يا أبالحسن هل أنت مدرك لحقيقة ما تتفوه به ؟؟!! اللهم لك الحمد على نعمة العقل.
الوجه الثاني: أن الصحابة حاربوا أهل البدع وتكلموا عليهم وكانوا أشدةً , وهي الشدة المحمودة لا كما فهمها أبو الحسن وأتباعه أن الشدة على أهل البدع مذمة ولمزيد من الفائدة ارجع إلى كتاب أخينا الفاضل خالد الظفيري-حفظه الله تعالى- ( إجماع العلماء في هجر أهل الأهواء) فقد أفرد فصلاً كاملاً وسماه ( الشدة على أهل البدع منقبة وليست مذمة) ذكر فيه قرابة الثلاثين من الآثار عن الصحابة ومن تبعهم بإحسان في شدتهم على أهل البدع, ومدح أهل السنة لهم بأنهم كانوا أشدةً على أهل البدع.
ولا يخفى ذلك على طلاب العلم , فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- شجّ رأس صبيغ لما كان يسأل عن المتشابه , وهذا ابن عباس كان شديداً على القدرية كما ذكر ذلك ابن القيم, هذا وقد سبق الكلام عن الشافعي الذي صورته بأنه مُمَيِّع , وهذا عثمان الدارمي قال عنه الذهبي: ((كان لهجاً بالسنة , بصيراً بالمناظرة , جذعاً في أعين المبتدعة)) (السير 13/322), أتعلم أن الإمام ابن المديني -رحمه الله- تُرِكَ حديثه لأنه مال إلى أحمد بن أبي دؤاد لأنه كان محسناً إليه وممن ترك حديثه إبراهيم الحربي ومسلم وكذلك أحمد ) راجع ميزان الاعتدال (3/13. وغيرهم كثير , فهذه هي سنة الأولين والآخرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهم على ذلك لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
الوجه الثالث: في قول أبي الحسن- عامله الله بعدله- (( نعوذ بالله من هوى النفوس الذي يجعل الخلاف والعياذ بالله سبباً أنك ترى أخاك الذي على منهج السنة أنه والعياذ بالله أضر على الإسلام من اليهود والنصارى وأنه كذا, وأنه أضر أهل البدع , وأن فيه ,وأن فيه)) فنكرر لك يا أبا الحسن المقالة: (( أين عقلك ؟؟)) فإن كنت لا تعقل؛ فإن ممن يسمع كلامك أناس يعقلون , نقول أولاً: ((( أثبت العرش ثم انقش ))) من هو السني عندك أهو بمنظور أهل السنة ((السلفيين)) أم بمنظور أهل السنة بمفهومك الخلفي وهو يشمل حتى المبتدع كما قلتَ في جلسة عدن وفي ردك على الجناية للشيخ ربيع-حفظه الله- أن هناك ((سني مبتدع)) وهذا لأنك لم تدرس العقيدة على أيدي العلماء.
وقد سئل العلامة المحدث عبد المحسن العباد-حفظه الله تعالى- وذلك يوم الأحد بعد صلاة العشاء 15/7/1423هـ (( هل يجوز أن يقال فلان سني مبتدع لكونه يقول بقول أهل السنة في الأسماء والصفات وفي الربوبية والألوهية ولكنه يؤذن في القبر عند دفن الميت؟؟ أجاب فضيلة : لا يقال سني مبتدع بل يقال إما سني أو مبتدع لان قولنا سني مبتدع هذا فيه الجمع بين الضدين يقال عنده بدعه أو مخالفة كما في الحديث قال- صلى الله عليه وسلم-: (إنك امرؤٌ فيك جاهلية ) ولم يقل إنك جاهلي ))ا.هـ
الوجه الرابع: أن هذا هو منهج الموازنات الذي تسير عليه منذ فترة طويلة وهو أيضا العمل بقاعدة ((المعذرة والتعاون)) وهاتان القاعدتان قد بُيِّنَ عوارهما من كلام السلف ومن تبعهم بإحسان , قال ابن طاهر المقدسي الحافظ: سمعت الإمام أبا إسماعيلَ عبدا لله بن محمد الأنصاريَّ –بهراة- يقول: عُرِضْتُ على السيف خمس مراتٍ , لا يقال لي: ارجع عن مذهبك!! لكن يقـال لي: اسكـت عمن خالفك, فأقول: لا أسـكت.. ) ا.هـ الآداب الشرعية (1/207) لابن مفلح المقدسي.
وقد قدم الشيخ عبد المحسن العباد- حفظه الله- لكتاب (( زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون )) قال في تقديمه (( وكان اللائق – بل المتعين – على أتباع هذا الداعية (حسن البنا ) بدلاً من التوسع في إعمال مقولته هذه لتستوعب الفرق الضالة , حتى لو كانت أشدها ضلالاً , كالرافضة- أن يُعْنَوا بتطبيق قاعدة الحب في الله والبغض في الله , والموالاة فيه والمعاداة فيه- التي لا مجال فيها لأن يعذر أهل الزيغ و الضلال فيما خالفوا فيه أهل السنة والجماعة)) ا.هـ.
وبعدما سبق ذكره بدأ أبو الحسن يقعد للنتيجة بعد أن أتى بالمقدمات التي هي فرية عظيمة تشيب من هولها الولدان في شأن الصحابة الكرام وكما يقال:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً *** وآفتهُ من الفهمِ السقيمِ
المقدمة : أن الصحابة ومن تبعهم وقع بينهم الخلاف في الأصول فيجوز الخلاف فيما اختلفوا فيه - أي الأصول- فمن باب أولى جواز الاختلاف في الفروع .
النتيجة : هو عدم الإنكار على أهل البدع , وهي قاعدة ( نصحح ولا نهدم) أو (المعذرة والتعاون) و لكي تعلم ذلك فانظر إلى حال أبي الحسن- عامله الله بعدله-استبدل بعلماء أهل السنة الذين تربوا على السنة منذ نعومة أظفارهم من هم قد انحرفوا وبان أمرهم وشاع باطلهم في وقت جهابذة هذا العصر كابن باز وابن عثيمين والألباني ومقبل –رحمـهم الله –كأمثـال عائـض القرني و عدنــان عـرعور وسـعد البـريك وسعد بن عبد الله آل حميد؛ الذي يتهم الألباني بالإرجاء و متعب الطيار؛ الذي قال فيه العلامة ابن باز-رحمه الله ((داعية فتنة)) وغيرهم فالله المستعان .
أفبعد هذا كله تصف أهل الحق بأنهم يتكلمون بهوى؟؟نعوذ بالله من الهوى وأهله , أما قولك (( يجب علينا بارك الله فيكم أن نعرف كيف كان السلف يختلفون نحب أن نكون سلفيين في الوفاق وفي الفراق )) فهاكَ منهج سلفنا الصالح في هذا الباب حتى يستبين لك باطلك وتدليسك القبيح؛ وكما يقال: ((على نفسها جنت براقش)).
قال الإمام ابن بطة-رحمه الله- كما في الإبانة الصغرى ص 309 (( ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك , ولا ترافقه في سفرك , وإن أمكنك أن لا تقاربه في جوارك , ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه , وهجرانه والمقت له , وهجران من والاه , ونصره وذب عنه وصاحبه , وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنة )) ا.هـ وكتب السنة كلها على هذا المنوال.
قال الفضيل ابن عياض – رحمه الله- (( كيف بك إذا بقيت إلى زمان شاهدت فيه ناساً لا يفرقون بين الحق والباطل , ولا بين المؤمن والكافر , ولا بين الأمين والخائن , ولا بين الجاهل والعالم , ولا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً )) , وقال الإمام ابن بطة- رحمه الله- تعليقاً على كلام الفضيل (( فإنا لله وإنا إليه راجعون , فإنا قد بلغنا ذلك وسمعناه وعلمنا أكثره وشاهدناه فلو أن رجلاً ممن وهب الله عقلاً صحيحاً وبصراً نافذاً فأمعن نظره وردد فكره وتأمَّل أمر الإسلام وأهله وسلك بأهله الطريق الأقصد والسبيل الأرشد لتبين له أن ألأكثر و الأعم الأشهر من الناس قد نكصوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم فحادوا عن المحجة وانقلبوا عن صحيح الحجة ولقد أضحى كثير من الناس يستحسنون ما كانوا يستقبحون ويستحلون ما كانوا يحرمون ويعرفون ما كانوا ينكرون وما هذه رحمكم الله أخلاق المسلمين ولا فعال من كانوا على بصيرة في هذا الدين ولا من أهل الإيمان به واليقين)) (الإبانة الكبرى كتاب الإيمان 1/18.
سُئِلَ شيخنا عبد المحسن العباد – حفظه الله تعالى (( هل يجوز مدح أهل الأهواء ؟؟ فقال- حفظه الله-(( إن كان يمدحهم للشر الذي عندهم فهذا أمره خطير والعياذ بالله, أما لو مدحهم للخير الذي عندهم فهذا لا ينبغي لكي لا يضيع التحذير من باطلهم والذي ينبغي التحذير لا المدح ))ا.هـ درس السنن يوم السبت 14/7/1423هـ
ونختم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- (( والقلب خُلِقَ يحب الحق ويريده ويطلبه )) مجموع الفتاوى ( 10/8.
((فالحمد لله يا أبالحسن كنا على منهج السلف تجاهك وفاقاً وفراقاً))
((والله أسأل أن يكفي الدعوة السلفية شرور أعدائها ))
وكتب :
((أبو عبد الله عبد الرحمن بن محمد آل عميسان))
((المدينة النبوية - حرسها الله-)) 17/1/1424هـ
تعليق