بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و أصحابه ومن اقتفى أثره و اتبع خطاه .
أما بعد :
فقد وقفت على كلام للشيخ محمد بن عمر بازمول يذب فيه عن محدث الوقت ناصر السنة و الدين قامع البدع في شرحه على كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم فأحببت أن أنقله نشرا للعلم وذبا عن الشيخ رحمه الله تعالى دون تصرف مني وستكون إن شاء الله تعالى على حلقات وبالله التوفيق .
سميتها الذب المأمول عن العلامة المحدث الفقيه الإمام الألباني للعلامة محمد بن عمر بازمول حفظه الله تعالى
الحلقة الأولى:
قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله تعالى :
مقدمة التعريف بالمصنف و الكتاب و موضوعه
الشيخ العلامة المحدث الإمام أبوعبدالرحمن محمد ناصر الدين ابن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرناؤوطي.
ولد بأشقودرة مدينة ألبانية على بحيرة شقودر في الثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري 1332 هـ ، ثم هاجر به أبوه إلى الشام ، و استقر بها .
فهو ألباني الأصل شامي المنشأ و الحياة .
توفي بعمان عام 1420هـ رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته.
حبب الله إلى قلبه علم الحديث ، بعد مقالات قرأها للسيد محمد رشيد رضا في (( مجلة المنار)) فأقبل على دراسة الحديث و علومه ، و ترسم منهج أهل الحديث حتى خالط مشاشته ، فما عاد يعرف إلا بالحديث و طريقته و أهله مذهبا و منهجا ، فهو رجل الحديث و إمامه السائر على منهج السلف الصالح !
تميز في فقهه بالإتباع للآثار ؛ بل إنه صرح أنه لا يقول بقول في مسألة إلا و له فيها سلف .
هذا الرجل هو شيخ الحديث في هذا العصر ، يلقب بمحدث الشام ، ولو قيل محدث الدنيا ، لاستحق ذلك ، و لا أزكي على الله أحدا .
و قد تعرض كحال غيره من أئمة الدين ، لعداوات و خصومات و رمي بأمور وخلاصة ما رموه به أن قالوا عنه :
o مرجيء
o محدث ليس بفقيه .
o لا علم له بالأصول .
o لا شيوخ له .
o شاذ منفرد مخالف .
o لا يحترم العلماء و لا يعرف قدرهم .
o ظاهري المذهب .
o متساهل في التصحيح .
o متناقض في أحكامه على الحديث .
o لا يهتم بنقد المتن .
وهذه الأمور في الغالب ما يرمى به أهل الحديث في كل عصر ، و قد رأيت عرضها و ردها ، ذبا عنهم وعنه :
أما قولهم مرجيء :
فإن عمدتهم في هذا أمور هي :
· أن الشيخ قال في بعض الأشرطة المسجلة : إن الإيمان هو التصديق . و قرر أن الأعمال شرط كمال .
· أن الشيخ لا يرى التكفير إلا بالإعتقاد .
· أن الشيخ لا يكفر تارك الصلاة .
و الرد على ذلك في النقاط التالية :
أولا : لا أزكي على الله أحدا ، ولكن الذي أعلمه و أتيقنه أن الشيخ رحمه الله تعالى رجل من أهل السنة وعلم من أعلامها ، مشهود له بذلك من أئمة كبار ، وهو مع هذا غير معصوم عن الخطأ .
ثانيا : الشيخ بريء من الإرجاء و يدل على ذلك :
أن الطحاوي رحمه الله تعالى لما قال في عقيدته : (( و الإيمان هو الإقرار باللسان و التصديق بالجنان )) اهـ.
علق الألباني بقوله رحمه الله تعالى : (( هذا مذهب الحنفية و الماتريدية ، خلافا للسلف وجماهير الأئمة كمالك و الشافعي و أحمد و الأوزاعي و غيرهم ، فإن هؤلاء زادوا على الإقرار و التصديق : العمل بالأركان .
و ليس الخلاف بين المذهبين اختلافا صوريا كما ذهب إليه الشارح – رحمه الله تعالى – بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان ، و أنه في مشيئة الله ، إن شاء عذبه و إن شاء عفا عنه ، فإن هذا الاتفاق و إن كان صحيحا ، فإن الحنفية وإن كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان ، لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد و ينقص ، و أن زيادته بالطاعة و نقصه بالمعصية ، مع تضافر أدلة الكتاب و السنة و الآثار السلفية على ذلك ، و قد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (342-344) و لكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة و النقصان ، و تكلفوا في تأويلها تكلفا ظاهرا ، بل باطلا ، ذكر الشارح (342) نموذجا منها ، بل حكى عن أبي معين النسفي أنه طعن في صحة الحديث { الإيمان بضع و سبعون ..........} مع احتجاج كل أئمة الحديث به ، منهم البخاري و مسلم في صحيحيهما وهو مخرج في (( الصحيحة ))(1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم !.
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريا وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول إيماني كإيمان أبي بكر الصديق ! بل كإيمان الأنبياء و المرسلين و جبريل و ميكائيل – عليهم الصلاة و السلام ؟ !
كيف وهم بناءا على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم – مهما كان فاجرا فاسقا – أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى ، بل يقول : أنا مؤمن حقا ! و الله عز وجل يقول { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } [ الأنفال:2-4] ،{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122].
وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر ! وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتجوز بالمرأة الشافعية ! و تسامح بعضهم – زعموا – فأجاز ذلك دون العكس ، و علل ذلك بقوله : تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب !
و أعرف شخصا من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية ، فأبى قائلا ....لولا أنك شافعي ! فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي ؟
ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (الإيمان) فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع .اهـ.
و قول الألباني في كتابه ( الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ) يبدو لي و الله أعلم من مجموع كلامه ( يعني عبد القدوس الهاشمي صاحب المقالة ) المتقدم بصورة عامة ومن قوله في هذه الفقرة بصورة خاصة (يعني قول الهاشمي المذكور) عن القطيعي راوية المسند ( وهذا الرجل كان فاسد العقيدة من أشرار الناس ) أن الرجل حنفي المذهب ماتريدي المعتقد ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب و السنة و آثار الصحابة ، من التصريح بإن الإيمان يزيد و ينقص و أن الأعمال من الإيمان و عليه جماهير العلماء سلفا و خلفا ، ما عدى الحنفية فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة و كفر ، و العياذ بالله تعالى فقد جاء( في باب الكراهة ) من ( البحر الرائق) لأبن نجيم الحنفي ما نصه ( 8/ 205) (( و الإيمان لا يزيد و لا ينقص لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال ، )) اهـ ، و يعلق الألباني على هذا القطع عند طبع الكتاب عام 1420 هـ ، و قد بلغه رمي بعضهم له بالإرجاء (( أقول هذا ما كنت كتبته منذ أكثر من عشرين عاما مقررا مذهب السلف و عقيدة أهل السنة و الحمد لله في مسائل الإيمان ، ثم يأتي اليوم بعض الجهلة الأغمار و الناشئة الصغار فيرموننا بالإرجاء ، فإلى الله المشتكى من سوء ماهم عليه من جهالة وضلالة و غثاء ....)) اهـ .
قلت : فهذا كلام صريح واضح من الألباني في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الإيمان فهو يقرر :
· أن الإيمان تصديق بالجنان و قول باللسان و عمل بالجوارح و ليس مجرد تصديق .
· أن العمل من الإيمان .
· أن الإيمان يزيد و ينقص .
· يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية .
· و أن يقول المسلم : أنا مؤمن إن شاء الله .
· و أن هذا الإستثناء ليس بشك في الإيمان .
وفي كلامه السابق يصيح الشيخ بالبراءة من الإرجاء والمرجئة ، و يلزمهم بقولهم و مخالفتهم لأهل السنة والجماعة .
ثالثا : من أين جاءت تهمة الإرجاء إلى الشيخ ؟.
أقول : وقعت عبارات للشيخ توهم عند بعض ممن يريد طعنا في الشيخ أن هذه العبارات توهم بالإرجاء في فهمهم و نظرهم القاصر ، و الحق أن الشيخ لم ترد في عباراته حتى ما يوهم الإرجاء في فهمهم القاصر وهو في الحقيقة براء من الإرجاء و المرجئة ، بدليل كلامه السابق .
و يتأكد هذا إذا علمت أن أغلب تلك الألفاظ جرت من الشيخ في حال البحث و المناقشة مع آخرين ، و سجلت تلك الجلسات ، و فيها جاءت تلك العبارات و معلوم أن مجلس البحث و النظر ليس كمجلس التقرير !.
رابعا : ما جرى على لسانه من أن الإيمان هو التصديق دون أن يذكر باقي أركانه من العمل و الجوارح و القول باللسان إذ الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان و عمل بالأركان ( الجوارح ) ، .
أقول : إنما مراده بذلك أن الإيمان تصديق مخصوص و قد عبر بهذا الإمام ابن تيمية رحمه الله و الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله .
قال ابن تيمية عن الإيمان (( ليس هو مطلق التصديق بل هو تصديق خاص ، مقيد بقيود اتصل اللفظ بها ، و ليس هذا نقلا للفظ و لا تغييرا فإن الله لم يأمرنا بإيمان مطلق ، بل بإيمان خاص و صفة و بينـــــــه .)) اهـ.
و قال رحمه الله :(( القول المجرد عن اعتقاد الإيمان ليس إيمانا باتفاق المسلمين ، فليس مجرد التصديق بالباطن هو الإيمان عند عامة المسلمين ، إلا من شذ من أتباع جهم و الصالحي و في قولهم من السفسطة العقلية و المخالفة في الأحكام الدينية أعظم مما في قول ابن كرام إلا من شذ من أتباع ابن كرام .
و كذلك تصديق القلب الذي ليس معه حب الله و لا تعظيم بل فيه بغض و عداوة لله و رسله ليس إيمانا باتفاق المسلمين )) اهـ.
و قال أيضا رحمه الله : ( الإيمان في القلب لا يكون إيمانا بمجرد تصديق ليس معه عمل القلب و موجبه من محبة الله و رسوله ونحو ذلك ، كما أنه لا يكون إيمانا بمجرد ظن وهوى بل لابد في أصل الإيمان من قول القلب و عمل القلب ) اهـ.
و قال الإمام محمد بن عبدالوهاب ) و أما ما سئلتم عنه : من حقيقة الإيمان ؟ فهو التصديق و أنه يزيد بالأعمال الصالحة و ينقص بضدها قال الله تعالى : { و يزداد الذين ءامنوا إيمانا } [ المدثر : 31] ، و قوله { فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } [ التوبة : 124] ، و قوله تعالى { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } [ الأنفال : 2 ] ، وغير ذلك من الآيات ، قال الشيباني رحمه الله ) و إيماننا قول و فعل و نية و يزداد بالتقوى و ينقص بالردى ، وقوله صلى الله عليه و سلم (( الإيمان بضع و سبعون شعبة ، أعلاها قول لا إله إلا الله ، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق )) و قوله صلى الله عليه و سلم (( فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان )) اهـ.
فالإيمان تصديق مخصوص يدخل فيه العمل و القول أو يسلتزمه ، أما مجرد التصديق فإنه لا يرادف الإيمان و لا يطابقه .
و من تأمل كلام الشيخ الألباني في هذا المحل من التسجيل الصوتي فهم أنه يريد ذلك قطعا وعلى كل حال أقول : لو سلمنا أنه لا يوجد في كلامه ما يبين أنه يريد بقوله : الإيمان هو التصديق يعني تصديقا مخصوصا ، فإننا نقول : هذا خطأ منه رحمه الله في التعبير ، الصواب في هذا ما قرره هو نفسه في مواطن أخرى من كلامه المكتوب و المسموع ومنه ما أوردته في البند الأول هنا من أن الإيمان تصديق في القلب و قول باللسان وعمل بالجوارح والله الموفق .
خامسا :إ طلاقه : أن العمل شرط كمال في الإيمان أقول : هذه العبارة توهم أن العمل ليس من الإيمان و أن الإيمان يثبت بدون عمل و هذا ليس بقول أهل السنة .
و الذي يظهر من سياق كلامه رحمه الله أنه إنما يريد أن التقصير في الأعمال الصالحة لا يبطل الإيمان فهو يريد بهذه العبارة الرد على الذين يشترطون لصحة الإيمان ألا يعمل معصية و ألا يقع صاحبه في تقصير لا إنه يريد أن الإيمان يثبت بدون عمل أصلا .
و قد قرر الألباني أن العمل لابد منه في ثبوت الإيمان كما رأيت فيما سبق في الفقرة الثانية ، وأزيد هنا كلاما آخر في المسألة حيث قال رحمه الله : ( وعلى هذا فإذا قال المسلم ( لا إله إلا الله ) بلسانه فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل فإذا عرف و صدق و آمن فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفا ، ومنها قوله صلى الله عليه و سلم مشيرا إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفا : ( من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره ) أي : كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار ، وهذا أكرره لكي يرسخ في الأذهان وقد لا يكون قد قام بقتضاها من كمال العمل الصالح و الإنتهاء عن المعاصي و لكنه سلم من الشرك الأكبر و قام بما يقتضيه و يستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية و الظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه ).اهـ .
و لعل من المهم أن أنبه هنا :
أن على المسلم أن يحرص في كلامه في أمور الشرع ما استطاع على اتباع الألفاظ الواردة في القرآن العظيم و السنة النبوية وما ورد عن السلف الصالح و أنت ترى هنا مثالا لذلك ، فإن مسألة الإيمان استعملت فيها ألفاظ غير واردة و لا مأثورة ، سببت إيهاما و وهما غير مقصود ، من ذلك قولهم : ( الأعمال شرط كمال في الإيمان ) ، و قولهم : ( الأعمال شرط صحة في الإيمان ) ، فإن إطلاق هذه العبارة أو تلك يوهم بمذاهب أهل البدع ، فالأولى توهم عند إطلاقها بمذهب المرجئة وأن العمل ليس من الإيمان ، و أن الإيمان يثبت دون عمل ، و الأخرى توهم عند إطلاقها بمذهب الخوارج وأن من قصر في العمل لا يصح إيمانه .
و الحقيقة أن هذه الألفاظ مجملة لابد فيها من بيان فلا تقبل و لا ترد إلا بعد الإستفصال عن مراد أصحابها .
فإن أراد من قال : الأعمال شرط كمال ، أن التقصير في العمل سبب في نقص الإيمان فهو يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، و قد ينقص حتى يزول إذا ترك العمل بالكلية مع القدرة و عدم المانع فهذا معنى قول أهل السنة والجماعة ، ولكن الخطأ في العبارة !
و إن أراد أن الإيمان يثبت في أصله بغير عمل و أن العمل ليس من حقيقة الإيمان فهذا قول المرجئة .
ومن قال : الأعمال شرط في صحة الإيمان ، إذا كان مراده أن أصل الإيمان لا يثبت إلا بعمل ، فلا إيمان إلا بعمل ، ومن قصر في العمل أنقص من إيمانه ؛ فإن هذا هو قول أهل السنة و الجماعة ، إذ الظاهر و الباطن متلازمان ! فالأعمال شرط في صحة ثبوت الإيمان و هي شرط في كمال الإيمان بعد ثبوته !
و إن أراد أن من أنقص العمل ذهب إيمانه ، لأن الإيمان إذا نقص بعضه ذهب كله ، فلا يصح إيمان مع نقص العمل ، فهذا قول الخوارج .
هل رأيت مقدار التفصيل و التطويل في الشرح و مقدار الوهم و الإيهام الذي يحصل بسبب هذه العبارات ؟!
و يغني عن ذلك جميعه أن تقول كما قال السلف : الإيمان تصديق بالقلب و قول باللسان و عمل بالجوارح يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، و قد ينقص حتى يصير مثل الهباء و يعدم .
و أختم هذه القضية بهذا النقل :
قال ابن أبي زيد القيرواني ( ث 386هـ) رحمه الله : ( و أن الإيمان قول باللسان و إخلاص بالقلب وعمل بالجوارح ، و يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، نقصا عن حقائق الكمال لا محبطا للإيمان ، ولا قول إلا بعمل ، ولا قول وعمل إلا بنية ، و لا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ، وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب و إن كان كبيرا و لا يحبط الإيمان غير الشرك بالله كما قال سبحانه :{ لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين } [ الزمر : 65] ، و إن الله تبارك وتعالى { لا يغفر أن يشرك به و يغفر مادون ذلك لمن يشاء } [النساء :48] اهـ.
قال ابن تيمية رحمه الله : ( أصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله وهو إقرار بالتصديق و الحب والإنقياد ، وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه و مقتضاه على الجوارح ، و إذا لم يعمل بموجبه و مقتضاه دل على عدمه أو ضعفه ؛ ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب و مقتضاه وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه و شاهد له ، و هي شعبة من مجموع الإيمان المطلق و بعض له ، لكن مافي القلب هو الأصل لما على الجوارح ، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه : ( إن القلب ملك والأعضاء جنوده ن فإن طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملك خبثت جنوده ) اهـ .
و في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ، ألا وهي القلب ) اهـ.
يتبع إن شاء الله تعالى
الحلقة الثانية من قوله سادسا:
قوله (( أن الذي يخرج من الملة هو الكفر الإعتقادي ))
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و أصحابه ومن اقتفى أثره و اتبع خطاه .
أما بعد :
فقد وقفت على كلام للشيخ محمد بن عمر بازمول يذب فيه عن محدث الوقت ناصر السنة و الدين قامع البدع في شرحه على كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم فأحببت أن أنقله نشرا للعلم وذبا عن الشيخ رحمه الله تعالى دون تصرف مني وستكون إن شاء الله تعالى على حلقات وبالله التوفيق .
سميتها الذب المأمول عن العلامة المحدث الفقيه الإمام الألباني للعلامة محمد بن عمر بازمول حفظه الله تعالى
الحلقة الأولى:
قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله تعالى :
مقدمة التعريف بالمصنف و الكتاب و موضوعه
الشيخ العلامة المحدث الإمام أبوعبدالرحمن محمد ناصر الدين ابن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرناؤوطي.
ولد بأشقودرة مدينة ألبانية على بحيرة شقودر في الثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري 1332 هـ ، ثم هاجر به أبوه إلى الشام ، و استقر بها .
فهو ألباني الأصل شامي المنشأ و الحياة .
توفي بعمان عام 1420هـ رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته.
حبب الله إلى قلبه علم الحديث ، بعد مقالات قرأها للسيد محمد رشيد رضا في (( مجلة المنار)) فأقبل على دراسة الحديث و علومه ، و ترسم منهج أهل الحديث حتى خالط مشاشته ، فما عاد يعرف إلا بالحديث و طريقته و أهله مذهبا و منهجا ، فهو رجل الحديث و إمامه السائر على منهج السلف الصالح !
تميز في فقهه بالإتباع للآثار ؛ بل إنه صرح أنه لا يقول بقول في مسألة إلا و له فيها سلف .
هذا الرجل هو شيخ الحديث في هذا العصر ، يلقب بمحدث الشام ، ولو قيل محدث الدنيا ، لاستحق ذلك ، و لا أزكي على الله أحدا .
و قد تعرض كحال غيره من أئمة الدين ، لعداوات و خصومات و رمي بأمور وخلاصة ما رموه به أن قالوا عنه :
o مرجيء
o محدث ليس بفقيه .
o لا علم له بالأصول .
o لا شيوخ له .
o شاذ منفرد مخالف .
o لا يحترم العلماء و لا يعرف قدرهم .
o ظاهري المذهب .
o متساهل في التصحيح .
o متناقض في أحكامه على الحديث .
o لا يهتم بنقد المتن .
وهذه الأمور في الغالب ما يرمى به أهل الحديث في كل عصر ، و قد رأيت عرضها و ردها ، ذبا عنهم وعنه :
أما قولهم مرجيء :
فإن عمدتهم في هذا أمور هي :
· أن الشيخ قال في بعض الأشرطة المسجلة : إن الإيمان هو التصديق . و قرر أن الأعمال شرط كمال .
· أن الشيخ لا يرى التكفير إلا بالإعتقاد .
· أن الشيخ لا يكفر تارك الصلاة .
و الرد على ذلك في النقاط التالية :
أولا : لا أزكي على الله أحدا ، ولكن الذي أعلمه و أتيقنه أن الشيخ رحمه الله تعالى رجل من أهل السنة وعلم من أعلامها ، مشهود له بذلك من أئمة كبار ، وهو مع هذا غير معصوم عن الخطأ .
ثانيا : الشيخ بريء من الإرجاء و يدل على ذلك :
أن الطحاوي رحمه الله تعالى لما قال في عقيدته : (( و الإيمان هو الإقرار باللسان و التصديق بالجنان )) اهـ.
علق الألباني بقوله رحمه الله تعالى : (( هذا مذهب الحنفية و الماتريدية ، خلافا للسلف وجماهير الأئمة كمالك و الشافعي و أحمد و الأوزاعي و غيرهم ، فإن هؤلاء زادوا على الإقرار و التصديق : العمل بالأركان .
و ليس الخلاف بين المذهبين اختلافا صوريا كما ذهب إليه الشارح – رحمه الله تعالى – بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان ، و أنه في مشيئة الله ، إن شاء عذبه و إن شاء عفا عنه ، فإن هذا الاتفاق و إن كان صحيحا ، فإن الحنفية وإن كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان ، لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد و ينقص ، و أن زيادته بالطاعة و نقصه بالمعصية ، مع تضافر أدلة الكتاب و السنة و الآثار السلفية على ذلك ، و قد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (342-344) و لكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة و النقصان ، و تكلفوا في تأويلها تكلفا ظاهرا ، بل باطلا ، ذكر الشارح (342) نموذجا منها ، بل حكى عن أبي معين النسفي أنه طعن في صحة الحديث { الإيمان بضع و سبعون ..........} مع احتجاج كل أئمة الحديث به ، منهم البخاري و مسلم في صحيحيهما وهو مخرج في (( الصحيحة ))(1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم !.
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريا وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول إيماني كإيمان أبي بكر الصديق ! بل كإيمان الأنبياء و المرسلين و جبريل و ميكائيل – عليهم الصلاة و السلام ؟ !
كيف وهم بناءا على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم – مهما كان فاجرا فاسقا – أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى ، بل يقول : أنا مؤمن حقا ! و الله عز وجل يقول { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } [ الأنفال:2-4] ،{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122].
وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر ! وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتجوز بالمرأة الشافعية ! و تسامح بعضهم – زعموا – فأجاز ذلك دون العكس ، و علل ذلك بقوله : تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب !
و أعرف شخصا من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية ، فأبى قائلا ....لولا أنك شافعي ! فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي ؟
ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (الإيمان) فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع .اهـ.
و قول الألباني في كتابه ( الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ) يبدو لي و الله أعلم من مجموع كلامه ( يعني عبد القدوس الهاشمي صاحب المقالة ) المتقدم بصورة عامة ومن قوله في هذه الفقرة بصورة خاصة (يعني قول الهاشمي المذكور) عن القطيعي راوية المسند ( وهذا الرجل كان فاسد العقيدة من أشرار الناس ) أن الرجل حنفي المذهب ماتريدي المعتقد ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب و السنة و آثار الصحابة ، من التصريح بإن الإيمان يزيد و ينقص و أن الأعمال من الإيمان و عليه جماهير العلماء سلفا و خلفا ، ما عدى الحنفية فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة و كفر ، و العياذ بالله تعالى فقد جاء( في باب الكراهة ) من ( البحر الرائق) لأبن نجيم الحنفي ما نصه ( 8/ 205) (( و الإيمان لا يزيد و لا ينقص لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال ، )) اهـ ، و يعلق الألباني على هذا القطع عند طبع الكتاب عام 1420 هـ ، و قد بلغه رمي بعضهم له بالإرجاء (( أقول هذا ما كنت كتبته منذ أكثر من عشرين عاما مقررا مذهب السلف و عقيدة أهل السنة و الحمد لله في مسائل الإيمان ، ثم يأتي اليوم بعض الجهلة الأغمار و الناشئة الصغار فيرموننا بالإرجاء ، فإلى الله المشتكى من سوء ماهم عليه من جهالة وضلالة و غثاء ....)) اهـ .
قلت : فهذا كلام صريح واضح من الألباني في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الإيمان فهو يقرر :
· أن الإيمان تصديق بالجنان و قول باللسان و عمل بالجوارح و ليس مجرد تصديق .
· أن العمل من الإيمان .
· أن الإيمان يزيد و ينقص .
· يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية .
· و أن يقول المسلم : أنا مؤمن إن شاء الله .
· و أن هذا الإستثناء ليس بشك في الإيمان .
وفي كلامه السابق يصيح الشيخ بالبراءة من الإرجاء والمرجئة ، و يلزمهم بقولهم و مخالفتهم لأهل السنة والجماعة .
ثالثا : من أين جاءت تهمة الإرجاء إلى الشيخ ؟.
أقول : وقعت عبارات للشيخ توهم عند بعض ممن يريد طعنا في الشيخ أن هذه العبارات توهم بالإرجاء في فهمهم و نظرهم القاصر ، و الحق أن الشيخ لم ترد في عباراته حتى ما يوهم الإرجاء في فهمهم القاصر وهو في الحقيقة براء من الإرجاء و المرجئة ، بدليل كلامه السابق .
و يتأكد هذا إذا علمت أن أغلب تلك الألفاظ جرت من الشيخ في حال البحث و المناقشة مع آخرين ، و سجلت تلك الجلسات ، و فيها جاءت تلك العبارات و معلوم أن مجلس البحث و النظر ليس كمجلس التقرير !.
رابعا : ما جرى على لسانه من أن الإيمان هو التصديق دون أن يذكر باقي أركانه من العمل و الجوارح و القول باللسان إذ الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان و عمل بالأركان ( الجوارح ) ، .
أقول : إنما مراده بذلك أن الإيمان تصديق مخصوص و قد عبر بهذا الإمام ابن تيمية رحمه الله و الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله .
قال ابن تيمية عن الإيمان (( ليس هو مطلق التصديق بل هو تصديق خاص ، مقيد بقيود اتصل اللفظ بها ، و ليس هذا نقلا للفظ و لا تغييرا فإن الله لم يأمرنا بإيمان مطلق ، بل بإيمان خاص و صفة و بينـــــــه .)) اهـ.
و قال رحمه الله :(( القول المجرد عن اعتقاد الإيمان ليس إيمانا باتفاق المسلمين ، فليس مجرد التصديق بالباطن هو الإيمان عند عامة المسلمين ، إلا من شذ من أتباع جهم و الصالحي و في قولهم من السفسطة العقلية و المخالفة في الأحكام الدينية أعظم مما في قول ابن كرام إلا من شذ من أتباع ابن كرام .
و كذلك تصديق القلب الذي ليس معه حب الله و لا تعظيم بل فيه بغض و عداوة لله و رسله ليس إيمانا باتفاق المسلمين )) اهـ.
و قال أيضا رحمه الله : ( الإيمان في القلب لا يكون إيمانا بمجرد تصديق ليس معه عمل القلب و موجبه من محبة الله و رسوله ونحو ذلك ، كما أنه لا يكون إيمانا بمجرد ظن وهوى بل لابد في أصل الإيمان من قول القلب و عمل القلب ) اهـ.
و قال الإمام محمد بن عبدالوهاب ) و أما ما سئلتم عنه : من حقيقة الإيمان ؟ فهو التصديق و أنه يزيد بالأعمال الصالحة و ينقص بضدها قال الله تعالى : { و يزداد الذين ءامنوا إيمانا } [ المدثر : 31] ، و قوله { فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } [ التوبة : 124] ، و قوله تعالى { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } [ الأنفال : 2 ] ، وغير ذلك من الآيات ، قال الشيباني رحمه الله ) و إيماننا قول و فعل و نية و يزداد بالتقوى و ينقص بالردى ، وقوله صلى الله عليه و سلم (( الإيمان بضع و سبعون شعبة ، أعلاها قول لا إله إلا الله ، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق )) و قوله صلى الله عليه و سلم (( فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان )) اهـ.
فالإيمان تصديق مخصوص يدخل فيه العمل و القول أو يسلتزمه ، أما مجرد التصديق فإنه لا يرادف الإيمان و لا يطابقه .
و من تأمل كلام الشيخ الألباني في هذا المحل من التسجيل الصوتي فهم أنه يريد ذلك قطعا وعلى كل حال أقول : لو سلمنا أنه لا يوجد في كلامه ما يبين أنه يريد بقوله : الإيمان هو التصديق يعني تصديقا مخصوصا ، فإننا نقول : هذا خطأ منه رحمه الله في التعبير ، الصواب في هذا ما قرره هو نفسه في مواطن أخرى من كلامه المكتوب و المسموع ومنه ما أوردته في البند الأول هنا من أن الإيمان تصديق في القلب و قول باللسان وعمل بالجوارح والله الموفق .
خامسا :إ طلاقه : أن العمل شرط كمال في الإيمان أقول : هذه العبارة توهم أن العمل ليس من الإيمان و أن الإيمان يثبت بدون عمل و هذا ليس بقول أهل السنة .
و الذي يظهر من سياق كلامه رحمه الله أنه إنما يريد أن التقصير في الأعمال الصالحة لا يبطل الإيمان فهو يريد بهذه العبارة الرد على الذين يشترطون لصحة الإيمان ألا يعمل معصية و ألا يقع صاحبه في تقصير لا إنه يريد أن الإيمان يثبت بدون عمل أصلا .
و قد قرر الألباني أن العمل لابد منه في ثبوت الإيمان كما رأيت فيما سبق في الفقرة الثانية ، وأزيد هنا كلاما آخر في المسألة حيث قال رحمه الله : ( وعلى هذا فإذا قال المسلم ( لا إله إلا الله ) بلسانه فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل فإذا عرف و صدق و آمن فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفا ، ومنها قوله صلى الله عليه و سلم مشيرا إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفا : ( من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره ) أي : كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار ، وهذا أكرره لكي يرسخ في الأذهان وقد لا يكون قد قام بقتضاها من كمال العمل الصالح و الإنتهاء عن المعاصي و لكنه سلم من الشرك الأكبر و قام بما يقتضيه و يستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية و الظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه ).اهـ .
و لعل من المهم أن أنبه هنا :
أن على المسلم أن يحرص في كلامه في أمور الشرع ما استطاع على اتباع الألفاظ الواردة في القرآن العظيم و السنة النبوية وما ورد عن السلف الصالح و أنت ترى هنا مثالا لذلك ، فإن مسألة الإيمان استعملت فيها ألفاظ غير واردة و لا مأثورة ، سببت إيهاما و وهما غير مقصود ، من ذلك قولهم : ( الأعمال شرط كمال في الإيمان ) ، و قولهم : ( الأعمال شرط صحة في الإيمان ) ، فإن إطلاق هذه العبارة أو تلك يوهم بمذاهب أهل البدع ، فالأولى توهم عند إطلاقها بمذهب المرجئة وأن العمل ليس من الإيمان ، و أن الإيمان يثبت دون عمل ، و الأخرى توهم عند إطلاقها بمذهب الخوارج وأن من قصر في العمل لا يصح إيمانه .
و الحقيقة أن هذه الألفاظ مجملة لابد فيها من بيان فلا تقبل و لا ترد إلا بعد الإستفصال عن مراد أصحابها .
فإن أراد من قال : الأعمال شرط كمال ، أن التقصير في العمل سبب في نقص الإيمان فهو يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، و قد ينقص حتى يزول إذا ترك العمل بالكلية مع القدرة و عدم المانع فهذا معنى قول أهل السنة والجماعة ، ولكن الخطأ في العبارة !
و إن أراد أن الإيمان يثبت في أصله بغير عمل و أن العمل ليس من حقيقة الإيمان فهذا قول المرجئة .
ومن قال : الأعمال شرط في صحة الإيمان ، إذا كان مراده أن أصل الإيمان لا يثبت إلا بعمل ، فلا إيمان إلا بعمل ، ومن قصر في العمل أنقص من إيمانه ؛ فإن هذا هو قول أهل السنة و الجماعة ، إذ الظاهر و الباطن متلازمان ! فالأعمال شرط في صحة ثبوت الإيمان و هي شرط في كمال الإيمان بعد ثبوته !
و إن أراد أن من أنقص العمل ذهب إيمانه ، لأن الإيمان إذا نقص بعضه ذهب كله ، فلا يصح إيمان مع نقص العمل ، فهذا قول الخوارج .
هل رأيت مقدار التفصيل و التطويل في الشرح و مقدار الوهم و الإيهام الذي يحصل بسبب هذه العبارات ؟!
و يغني عن ذلك جميعه أن تقول كما قال السلف : الإيمان تصديق بالقلب و قول باللسان و عمل بالجوارح يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، و قد ينقص حتى يصير مثل الهباء و يعدم .
و أختم هذه القضية بهذا النقل :
قال ابن أبي زيد القيرواني ( ث 386هـ) رحمه الله : ( و أن الإيمان قول باللسان و إخلاص بالقلب وعمل بالجوارح ، و يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، نقصا عن حقائق الكمال لا محبطا للإيمان ، ولا قول إلا بعمل ، ولا قول وعمل إلا بنية ، و لا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ، وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب و إن كان كبيرا و لا يحبط الإيمان غير الشرك بالله كما قال سبحانه :{ لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين } [ الزمر : 65] ، و إن الله تبارك وتعالى { لا يغفر أن يشرك به و يغفر مادون ذلك لمن يشاء } [النساء :48] اهـ.
قال ابن تيمية رحمه الله : ( أصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله وهو إقرار بالتصديق و الحب والإنقياد ، وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه و مقتضاه على الجوارح ، و إذا لم يعمل بموجبه و مقتضاه دل على عدمه أو ضعفه ؛ ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب و مقتضاه وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه و شاهد له ، و هي شعبة من مجموع الإيمان المطلق و بعض له ، لكن مافي القلب هو الأصل لما على الجوارح ، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه : ( إن القلب ملك والأعضاء جنوده ن فإن طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملك خبثت جنوده ) اهـ .
و في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ، ألا وهي القلب ) اهـ.
يتبع إن شاء الله تعالى
الحلقة الثانية من قوله سادسا:
قوله (( أن الذي يخرج من الملة هو الكفر الإعتقادي ))
تعليق