مَنْظُومَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّةَ الْهَجْرِ
لِلعَلاَّمَةِ
سُلَيْمَانَ بْنِ سَحْمَانَ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
قَالَ عَفَا اللهُ عَنْهُ رَدًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّةَ الْهَجْرِ،وَحَصَلَ بِهَذَا الرَّدِّ مِحَنٌ وَبَلْوَى ممكن كَانَ فِي قَلْبِهِ ضَغَائِنوَحَسَدٌ وَزُورٌ وَبُهْتَانٌ وَحِقْدٌ فَقَالَ:
عَلَى قِلَّةِ الدَّاعِي وَقِلَّةِ ذِي الْفَهْمِ **** وَكَثْرَةِ مَنْ يَعْمَى عَنِ الْحَقِّ بَلْ يَصْمِي
أَبْكِي وَمَا مِثْلِي يَضِنُّ بِدَمْعِهِ **** فَوَا غُرْبَةَ الإسْلامِ وَا قِلَّةَ الْعِلْمِ ([1])
أَرُكْنٌ مِنَ الأَرْكَانِ يَا قَوْمَنَا اجْتَرَا **** عَلَى هَدِّهِ أَعْمَى وَبَالَغَ فِي الْهَدْمِ([2])
وَأَنْتُمْ سُيُوفُ اللهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ **** لَكُمْ عَلَمٌ يَهْدِيكُمُ لاحَ كَالنَّجْمِ
فَصُولُوا بَوَحْيِ اللهِ وَاحْتَمِلُوا الأَذَى **** فَمَا بَعْدَ هَذَا لِلْمُخَالِفِ مِنْ سَلْمِ
أَيُنْكِرُ أَقْوَامٌ عَلَيْنَا بِزَعْمِهِمْ **** مُهَاجَرَةَ الْعَاصِينَ قُبِّحَ مِنْ زَعْمِ
وَذَاكَ لأَغْرَاضٍ وَذُو الْعَرْشِ عَالِمٌ **** كَسَاهُمْ رِدَاها فِي الْبَرِيَّةِ مِنْ قِدْمِ
فَحِرْفَتُهُمْ زُورٌ وَبُهْتٌ وَمَا لَهُمْ **** سِوَى الطَّعْنِ فِي الإخْوَانِ يَا قَوْمِ مِنْ سَهْمِ
نَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ **** عَلَيْنَا بِسُوءٍ قَدْ تَهَوَّرَ فِي الإثْمِ
مَتَى جَادَلُوا فَاللهُ مُوهِنُ كَيْدِهِمْ **** فَكَمْ قَدْ ظَفِرْتُمْ بَالدَّلِيلِ عَلَى الْخَصْمِ
فَقُولُوا لَهُمْ رَدُّ التَّنَازُعِ بَيْنَنَا **** إلَى اللهِ وَالْمَبْعُوثِ خَيْرِ أُولِي الْعَزْمِ
فَأَهْلاً بِهِ أَهْلاً وَسَمْعًا لِحُكْمِهِ **** فَفِيهِ شِفَا عَيِّي وَفِيهِ جِلا فَهْمِي([3])
أَمَا هَجَرَ الْمَعْصُومُ كَعْبًا وَصَحْبَهُ **** وَقَدْ صَدَقُوا فِيمَا ادَّعَوْهُ بِلا كَتْمِ؟!
أَمَا ضَرَبَ الْفَارُوقُ مُدَّةَ هَجْرِهِ **** صَبِيغًا بِعَامٍ آخِذًا ذَاكَ عَنْ عِلْمِ؟
وَلَيْسَ لإنْسَانٍ يَقُولُ بِرَأْيِهِ **** وَذَا عَمَلُ الْفَارُوقِ مَا الْحُكْمُ كَالْحُكْمِ
وَقُولُوا لَهُمْ إنَّ الْبُخَارِي مُحَمَّدًا **** يُصَرِّحُ أَنَّ الْحَدَّ خَمْسُونَ مَعْ عَزْمِ
عَلَى تَوْبَةٍ لا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ مُدَّةٍ **** إلَى أَنْ يَزُولَ الرَّيْبُ فَالْوَيْلُ لِلْبُكْمِ
حَكَى الْبَغَوِي هَذَا فَسَلْ مُتَجَاهِلاً **** عَنِ الْحَقِّ وَلْيَرْشُدْ إذَا كَانَ ذَا فَهْمِ
فَإنْ قَالَ بِالتَّخْصِيصِ فَهْوَ مُكَابِرٌ **** يُقَالُ لَهُ هَذَا هَوًى وَالْهَوَى يُعْمِي
فَأَبْدِ دَلِيلاً وَاضِحًا بِخِلافِ مَا **** بِهِ تَرْجَمَ النِّحْرِيرُ لا زَعْمَ ذِي الْوَهْمِ([4])
فَإنَّ ضَعِيفَ الرَّأْيِ لا يَسْتَطِيعُهُ **** وَلَيْسَ لَهُ ذَوْقٌ وَلَمْ يَكُ ذَا شَيْمِ
وَلَكِنَّهُ وَاللَّهُ يَهْدِيهِ دَأْبُهُ **** بِجَحْدِ وُجُوبِ الدَّعْوَةِ الْبُرءَ قَدْ يَرْمِي
وَيَحْلِفُ مَعْ هَذَا يَمِينًا وَإنَّهُ **** لأَكْذَبُ فِيهَا مِنْ سَجَاحٍ وَمَا تَنْمِي ([5])
وَيَشْكُو إلَى السُّلْطَانِ حِرْفَةَ مَنْ مَضَى **** وَحَاشَاهُ أَنْ يُؤْوِي الْمُخَالِفَ أَوْ يَحْمِي
وَمَا أَنْكَرَ الإخْوَانُ وَاللهِ دَعْوَةً **** إلَى اللهِ بَلْ هُمْ عَارِفُونَ وَذَوُو فَهْمِ
يَقُولُونَ حَاشَا مَا نُثَرِّبُ دَاعِيًا **** إذَا مَا دَعَا يَوْمًا إلَى اللهِ ذَا جُرْمِ([6])
وَبَاعَدَهُ حَتَّى تَبَيَّنَ حَالَهُ **** وَلَمْ يَتَوَصَّلْ كَالْغَبِيِّ إلَى إثْمِ
فَإنْ صَدَقَ الْمَهْجُورُ فَهْوَ مُقَدَّمٌ **** عَلَى غَيْرِهِ مِنْ صَاحِبٍ وَذَوِي رَحْمِ
وَحَقُّ امْرِئٍ للهِ هَاجَرَ نَحْوَنَا **** أَكِيدٌ وَفِي الأَمْوَالِ إنْ عَالَ ذُو سَهْمِ([7])
فَهَذَا الَّذِي قُلْنَا وَهَذَا اعْتِقَادُنَا **** فَمَنْ كَانَ ذَا رَدٍّ فَلا يَكُ ذَا كَتْمِ
فَإنْ كَانَ حَقًّا فَالرَّشَادُ قَبُولُهُ **** وَإلاَّ مَعَ الْمَنْثُورِ تَرْمِيهِ بِالنَّظْمِ([8])
وَصَلِّ عَلَى الْهَادِي أَمين إلهه**** وَأَصْحَابِهِ وَالآلِ مَا ضَاءَ مِنْ نَجْمِ
انتَهَت بِحَمدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
([1]) يضن : يبخل.
([2]) اجترا: اجترأ.
([3])العي : العجز عن التعبير اللفظي بما يفيد المعنى المقصود , أو عدم الاهتداء لوجه المراد.
([4]) النحرير : العالم الحاذق في علمه .
([5]) سجاح : ادَّعت النبوة , وهي صاحبة مسيلمة .
([6]) ثربه :لامه وعيَّره بذنبه .
([7])عال الأمر فلاناً : مال عليه وثقل واشتد.
([8]) أي سنردُّ عليه بالشعر والنثر .