قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1 / 539-54:
270 - (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ).
الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " ( 6 / 1 ) حدثنا الحسن بن عثمان التستري : ثنا أحمد بن أبي سريج الرازي : ثنا يزيد بن هارون : ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين مرفوعا به ، و زاد في آخره : " قال يزيد بن هارون : إن لم يكونوا أصحاب الحديث ؛ فلا أدري من هم ؟ " .
قلت : وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات من رجال الصحيح ، غير التستري، وليس بثقة ، فاتهم بالكذب وسرقة الحديث ، لكن يظهر أن للحديث أصلا من غير طريقه ؛ فقد ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 341 / 1 ) من رواية ابن قانع وابن عساكر والضياء المقدسي في " المختارة " عن قتادة عن أنس ، ثم قال : " قال البخاري : هذا خطأ ، إنما هو قتادة عن مطرف عن عمران " .
قلت : فهذا نص من البخاري على أن الحديث محفوظ من حديث عمران ابن حصين ، وسيأتي تخريجه برقم (1959) .
واعلم أن الحديث صحيح ثابت مستفيض أو متواتر ، ورد عن جماعة من الصحابة :
1 - معاوية بن أبي سفيان . عند الشيخين وأحمد ، وسيأتي برقم (195.
2 - المغيرة بن شعبة . عندهما ، وسيأتي (1955) .
3 - ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- . عند مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد ( 5 / 278 و 279 ) وأبي داود في " الفتن " والحاكم ( 4 / 449 ) وسيأتي (1957) .
4 - عقبة بن عامر . عند مسلم .
5 - قرة المزني . في " سنن ابن ماجة" (رقم6) ، و" المسند " ( 3 / 436 و5 / 34 ) ، بسند صحيح ، وصححه الترمذي ، وسيأتي لفظه أتم مما هنا برقم (403) .
6 - أبو أمامة . في " المسند " ( 5 / 269 ) .
7 - عمران بن حصين . عند أحمد ( 4 / 429 و437) من طرق أخرى عن حماد
ابن سلمة به دون الزيادة ، وكذا رواه أبو داود في أول " الجهاد " والحاكم ( 4 / 450 ) وصححه ووافقه الذهبي ، وسيأتي برقم (1959) .
8 - عمر بن الخطاب . في " المستدرك " ( 4 / 449 ) وصححه ووافقه الذهبي ، وسيأتي (1956) .
9 - جابر . عند مسلم وغيره بزيادات في متنه (رقم 1960) . 10
10 – سلمة بن نفيل . رواه النسائي وغيره بزيادات كثيرة في متنه ، وسنده صحيح ، وسيأتي برقم (1935) .
وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب ، سيأتي تخريج أحاديثهم مع ألفاظها في المجلد الرابع بإذنه تعالى ، وقد أشرت إلى أرقامها .
فالحديث صحيح قطعا ، وإنما أوردته من أجل هذه الزيادة عن يزيد بن هارون ، وقد عرفت أن سندها إليه ضعيف .
وبهذا الإسناد رواه أبو بكر الخطيب في كتابه " شرف أصحاب الحديث " ( ق / 34 / 1 ) ، وقد عزاها الحافظ في " الفتح "( 13 / 249 بولاق ) إلى الحاكم في " علوم الحديث" ، وما أظنه إلا وهما ، فإني قد بحثت عنها فيه فلم أجدها ، وإنما وجدت عنده ما يأتي عن الإمام أحمد .
بيد أن هذه الزيادة معروفة وثابتة عن جماعة من أهل الحديث من طبقة يزيد بن هارون وغيرها ، وهم :
1 - عبد الله بن المبارك ( 118 - 181 ) ، فروى الخطيب بسنده عن سعيد ابن يعقوب الطالقاني أو غيره قال :
" ذكر ابن المبارك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تزال طائفة ... قال ابن المبارك : هم عندي أصحاب الحديث " .
2 - علي بن المديني ( 161 - 234 ) ، وروى الخطيب أيضا من طريق الترمذي وهذا في " سننه " ( 2 / 30 ) ، وقد ساق الحديث من رواية المزني المتقدمة ( رقم 5 ) ، ثم قال : " قال محمد بن إسماعيل ( هو البخاري ) : قال علي بن المديني : هم أصحاب الحديث".
3 - أحمد بن حنبل ( 164 - 241 ) ، روى الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 2 )و الخطيب بإسنادين ، صحح أحدهما الحافظ ابن حجر عن الإمام أحمد أنه سئل عن معنى هذا الحديث فقال : " إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث ؛ فلا أدري من هم " .
وروى الخطيب ( 33 / 3 ) مثل هذا في تفسير الفرقة الناجية .
4 - أحمد بن سنان الثقة الحافظ ( ... - 259 ) ، روى الخطيب عن أبي حاتم قال : سمعت أحمد بن سنان وذكر حديث : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق " ، فقال : "هم أهل العلم وأصحاب الآثار ".
5 - البخاري محمد بن إسماعيل ( 194 - 256 ) ، روى الخطيب عن إسحاق بن أحمد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، وذكر حديث موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال طائفة من أمتي " ، فقال البخاري : يعني أصحاب الحديث .
وقال في " صحيحه " وقد علق الحديث وجعله بابا : " وهم أهل العلم " .
ولا منافاة بينه وبين ما قبله كما هو ظاهر ؛ لأن أهل العلم هم أهل الحديث ، وكلما كان المرء أعلم بالحديث ؛ كان أعلم في العلم ممن هو دونه في الحديث ؛ كما لا يخفى . وقال في كتابه " خلق أفعال العباد " ( ص 77 - طبع الهند ) وقد ذكر بسنده حديث أبي سعيد الخدري في قوله تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) [البقرة : 143]؛ قال البخاري: " هم الطائفة التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فذكر الحديث )".
وقد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث ، ولا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي :
أولا : أن أهل الحديث هم - بحكم اختصاصهم في دراسة السنة وما يتعلق من معرفة تراجم الرواة وعلل الحديث وطرقه - أعلم الناس قاطبة بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم- وهديه وأخلاقه وغزواته وما يتصل به - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيا : أن الأمة قد انقسمت إلى فرق ومذاهب لم تكن في القرن الأول، ولكل مذهب أصوله وفروعه وأحاديثه التي يستدل بها ويعتمد عليها ، وأن المتمذهب بواحد منها يتعصب له ويتمسك بكل ما فيه ، دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى ، وينظر لعله يجد فيها من الأحاديث ما لا يجده في مذهبه الذي قلده ؛ فإن من الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السنة والأحاديث ما لا يوجد في المذهب الآخر ، فالمتمسك بالمذهب الواحد يضل ولابد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى المذاهب الأخرى ، وليس على هذا أهل الحديث فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده ، في أي مذهب كان ، ومن أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة ، حتى لو كان شيعيا أو قدريا أو خارجيا ، فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك ، وقد صرح بهذا الإمام الشافعي - رضي الله عنه - حين خاطب الإمام أحمد بقوله : " أنتم أعلم بالحديث مني ، فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبرني به حتى أذهب إليه، سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا " (في الهامش : انظر مقدمة كتابنا صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ) .
فأهل الحديث - حشرنا الله معهم – لا يتعصبون لقول شخص معين مهما علا وسما حاشا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ؛ بخلاف غيرهم ممن لا ينتمي إلى الحديث والعمل به؛ فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم - وقد نهوهم عن ذلك - كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم ! ! فلا عجب بعد هذا البيان أن يكون أهل الحديث هم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية ، بل والأمة الوسط ، الشهداء على الخلق .
ويعجبني بهذا الصدد قول الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه " شرف أصحاب الحديث" انتصارا لهم وردا على من خالفهم :
" ولو أن صاحب الرأي المذموم شغل بما ينفعه من العلوم ، وطلب سنن رسول رب العالمين ، واقتفى آثار الفقهاء والمحدثين ؛ لوجد في ذلك ما يغنيه عن سواه ، واكتفي بالأثر عن رأيه الذي يراه ؛ لأن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد ، وصفات رب العالمين - تعالى عن مقالات الملحدين - والإخبار عن صفة الجنة والنار ، وما أعد الله فيها للمتقين والفجار ، وما خلق الله في الأرضين والسماوات ، وصنوف العجائب وعظيم الآيات ، وذكر الملائكة المقربين ، ونعت الصافين والمسبحين .
وفي الحديث قصص الأنبياء ، وأخبار الزهاد والأولياء ، ومواعظ البلغاء، وكلام الفقهاء ، وسير ملوك العرب والعجم ، وأقاصيص المتقدمين من الأمم ، وشرح مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه ، وجمل أحكامه وقضاياه ، وخطبه وعظاته ، وأعلامه ومعجزاته ، وعدة أزواجه وأولاده ، وأصهاره وأصحابه ، وذكر فضائلهم ومآثرهم، وشرح أخبارهم ومناقبهم ، ومبلغ أعمارهم ، وبيان أنسابهم .
وفيه تفسير القرآن العظيم ، وما فيه من النبأ والذكر الحكيم ، وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم ، وتسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم ، من الأئمة الخالفين ، والفقهاء المجتهدين .
وقد جعل الله أهله أركان الشريعة ، وهدم بهم كل بدعة شنيعة ، فهم أمناء الله في خليقته ، والواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، والمجتهدون في حفظ ملته ، أنوارهم زاهرة ، وفضائلهم سائرة ، وآياتهم باهرة ، ومذاهبهم ظاهرة ، وحججهم قاهرة ، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه ، وتستحسن رأيا تعكف عليه ، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم ، والرسول فئتهم ، وإليه نسبتهم ، لا يعرجون على الأهواء ، ولا يلتفتون إلى الآراء ، يقبل منهم ما رووا عن الرسول ، وهم المأمونون عليه العدول ، حفظة الدين وخزنته ، وأوعية العلم وحملته ، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع ، فما حكموا به فهو المقبول المسموع .
منهم كل عالم فقيه ، وإمام رفيع نبيه ، وزاهد في قبيلة ، ومخصوص بفضيلة ، وقاريء متقن ، وخطيب محسن ، وهم الجمهور العظيم ، وسبيلهم السبيل المستقيم ، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر ، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر ، من كادهم ؛ قصمه الله ، ومن عاندهم ؛ خذله الله ، لا يضرهم من خذلهم ، ولا يفلح من اعتزلهم ، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير ".
ثم ساق الحديث من رواية قرة ، ثم روى بسنده عن علي بن المديني أنه قال : "هم أهل الحديث ، والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ، ويذبون عن العلم ، لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن" .
قال الخطيب : " فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين ، وصرف عنهم كيد المعاندين ؛ لتمسكهم بالشرع المتين ، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين ، فشأنهم حفظ الآثار ، وقطع المفاوز والقفار ، وركوب البراري والبحار ، في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى ، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى ، قبلوا شريعته قولا وفعلا ، وحرسوا سنته حفظا ونقلا ، حتى ثبتوا بذلك أصلها ، وكانوا أحق بها وأهلها ، وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها ، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها ، فهم الحفاظ لأركانها ، والقوامون بأمرها وشأنها ، إذا صدف عن الدفاع عنهم (كذا قال ، ولعلها عنها)، فهم دونها يناضلون ، أولئك حزب الله ، ألا إن حزب الله هم المفلحون " .
ثم ساق الخطيب - رحمه الله تعالى- الأبواب التي تدل على شرف أصحاب الحديث وفضلهم ، ولا بأس من ذكر بعضها ، وإن طال المقال ؛ لتتم الفائدة ، لكني أقتصر على أهمها وأمسها بالموضوع :
1 - قوله - صلى الله عليه وسلم- : "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه".
2 - وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بإكرام أصحاب الحديث .
3 - قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله".
4 - كون أصحاب الحديث خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التبليغ عنه .
5 - وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - إيمان أصحاب الحديث .
6 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالرسول - صلى الله عليه وسلم- لدوام صلاتهم عليه .
7 - بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بكون طلبة الحديث بعده واتصال
الإسناد بينهم وبينه .
8 - البيان أن الأسانيد هي الطريق إلى معرفة أحكام الشريعة .
9 - كون أصحاب الحديث أمناء الرسول - صلى الله عليهم وسلم- لحفظهم السنن وتبيينهم لها .
10 - كون أصحاب الحديث حماة الدين بذبهم عن السنن .
11 - كون أصحاب الحديث ورثة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ما خلفه من السنة وأنواع الحكمة .
12 - كونهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
13 - كونهم خيار الناس .
14 - من قال : إن الأبدال والأولياء أصحاب الحديث .
15 - من قال : لولا أهل الحديث لاندرس الإسلام .
16 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالنجاة في الآخرة ، وأسبق الخلق إلى الجنة.
17 - اجتماع صلاح الدنيا و الآخرة في سماع الحديث وكتبه .
18 - ثبوت حجة صاحب الحديث .
19 - الاستدلال على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث .
20 - الاستدلال على المبتدعة ببغض الحديث وأهله .
21 - من جمع بين مدح أصحاب الحديث وذم أهل الرأي والكلام الخبيث.
22 - من قال : طلب الحديث من أفضل العبادات .
23 - من قال : رواية الحديث أفضل من التسبيح .
24 - من قال : التحديث أفضل من صلاة النافلة .
25 - من تمنى رواية الحديث من الخلفاء ورأى أن المحدثين أفضل العلماء .
هذه هي أهم أبواب الكتاب وفصوله ، أسأل الله تعالى أن ييسر له من يقوم بطبعه من أنصار الحديث وأهله ، حتى يسوغ لمثلي أن يحيل عليه من شاء التفصيل في معرفة ما جاء في هذه الفصول الرائعة من الأحاديث والنقول عن الأئمة الفحول !
وأختم هذه الكلمة بشهادة عظيمة لأهل الحديث من عالم من كبار علماء الحنفية في الهند ، ألا وهو أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي ( 1264 - 1304 ) ، قال - رحمه الله - : " ومن نظر بنظر الإنصاف ، وغاص في بحار الفقه والأصول متجنبا الاعتساف ، يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها ؛ فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم ، وإني كلما أسير في شعب الاختلاف ؛ أجد قول المحدثين فيه قريبا من الإنصاف ، فلله درهم ، وعليه شكرهم ( كذا ) ؛ كيف لا وهم ورثة النبي - صلى الله عليه وسلم - حقا ، ونواب شرعه صدقا ، حشرنا الله في زمرتهم ، وأماتنا على حبهم وسيرتهم " .
سلسلة الأحاديث الصحيحة (1 / 539-54
270 - (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ).
الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " ( 6 / 1 ) حدثنا الحسن بن عثمان التستري : ثنا أحمد بن أبي سريج الرازي : ثنا يزيد بن هارون : ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين مرفوعا به ، و زاد في آخره : " قال يزيد بن هارون : إن لم يكونوا أصحاب الحديث ؛ فلا أدري من هم ؟ " .
قلت : وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات من رجال الصحيح ، غير التستري، وليس بثقة ، فاتهم بالكذب وسرقة الحديث ، لكن يظهر أن للحديث أصلا من غير طريقه ؛ فقد ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 341 / 1 ) من رواية ابن قانع وابن عساكر والضياء المقدسي في " المختارة " عن قتادة عن أنس ، ثم قال : " قال البخاري : هذا خطأ ، إنما هو قتادة عن مطرف عن عمران " .
قلت : فهذا نص من البخاري على أن الحديث محفوظ من حديث عمران ابن حصين ، وسيأتي تخريجه برقم (1959) .
واعلم أن الحديث صحيح ثابت مستفيض أو متواتر ، ورد عن جماعة من الصحابة :
1 - معاوية بن أبي سفيان . عند الشيخين وأحمد ، وسيأتي برقم (195.
2 - المغيرة بن شعبة . عندهما ، وسيأتي (1955) .
3 - ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- . عند مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد ( 5 / 278 و 279 ) وأبي داود في " الفتن " والحاكم ( 4 / 449 ) وسيأتي (1957) .
4 - عقبة بن عامر . عند مسلم .
5 - قرة المزني . في " سنن ابن ماجة" (رقم6) ، و" المسند " ( 3 / 436 و5 / 34 ) ، بسند صحيح ، وصححه الترمذي ، وسيأتي لفظه أتم مما هنا برقم (403) .
6 - أبو أمامة . في " المسند " ( 5 / 269 ) .
7 - عمران بن حصين . عند أحمد ( 4 / 429 و437) من طرق أخرى عن حماد
ابن سلمة به دون الزيادة ، وكذا رواه أبو داود في أول " الجهاد " والحاكم ( 4 / 450 ) وصححه ووافقه الذهبي ، وسيأتي برقم (1959) .
8 - عمر بن الخطاب . في " المستدرك " ( 4 / 449 ) وصححه ووافقه الذهبي ، وسيأتي (1956) .
9 - جابر . عند مسلم وغيره بزيادات في متنه (رقم 1960) . 10
10 – سلمة بن نفيل . رواه النسائي وغيره بزيادات كثيرة في متنه ، وسنده صحيح ، وسيأتي برقم (1935) .
وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب ، سيأتي تخريج أحاديثهم مع ألفاظها في المجلد الرابع بإذنه تعالى ، وقد أشرت إلى أرقامها .
فالحديث صحيح قطعا ، وإنما أوردته من أجل هذه الزيادة عن يزيد بن هارون ، وقد عرفت أن سندها إليه ضعيف .
وبهذا الإسناد رواه أبو بكر الخطيب في كتابه " شرف أصحاب الحديث " ( ق / 34 / 1 ) ، وقد عزاها الحافظ في " الفتح "( 13 / 249 بولاق ) إلى الحاكم في " علوم الحديث" ، وما أظنه إلا وهما ، فإني قد بحثت عنها فيه فلم أجدها ، وإنما وجدت عنده ما يأتي عن الإمام أحمد .
بيد أن هذه الزيادة معروفة وثابتة عن جماعة من أهل الحديث من طبقة يزيد بن هارون وغيرها ، وهم :
1 - عبد الله بن المبارك ( 118 - 181 ) ، فروى الخطيب بسنده عن سعيد ابن يعقوب الطالقاني أو غيره قال :
" ذكر ابن المبارك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تزال طائفة ... قال ابن المبارك : هم عندي أصحاب الحديث " .
2 - علي بن المديني ( 161 - 234 ) ، وروى الخطيب أيضا من طريق الترمذي وهذا في " سننه " ( 2 / 30 ) ، وقد ساق الحديث من رواية المزني المتقدمة ( رقم 5 ) ، ثم قال : " قال محمد بن إسماعيل ( هو البخاري ) : قال علي بن المديني : هم أصحاب الحديث".
3 - أحمد بن حنبل ( 164 - 241 ) ، روى الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 2 )و الخطيب بإسنادين ، صحح أحدهما الحافظ ابن حجر عن الإمام أحمد أنه سئل عن معنى هذا الحديث فقال : " إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث ؛ فلا أدري من هم " .
وروى الخطيب ( 33 / 3 ) مثل هذا في تفسير الفرقة الناجية .
4 - أحمد بن سنان الثقة الحافظ ( ... - 259 ) ، روى الخطيب عن أبي حاتم قال : سمعت أحمد بن سنان وذكر حديث : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق " ، فقال : "هم أهل العلم وأصحاب الآثار ".
5 - البخاري محمد بن إسماعيل ( 194 - 256 ) ، روى الخطيب عن إسحاق بن أحمد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، وذكر حديث موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال طائفة من أمتي " ، فقال البخاري : يعني أصحاب الحديث .
وقال في " صحيحه " وقد علق الحديث وجعله بابا : " وهم أهل العلم " .
ولا منافاة بينه وبين ما قبله كما هو ظاهر ؛ لأن أهل العلم هم أهل الحديث ، وكلما كان المرء أعلم بالحديث ؛ كان أعلم في العلم ممن هو دونه في الحديث ؛ كما لا يخفى . وقال في كتابه " خلق أفعال العباد " ( ص 77 - طبع الهند ) وقد ذكر بسنده حديث أبي سعيد الخدري في قوله تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) [البقرة : 143]؛ قال البخاري: " هم الطائفة التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فذكر الحديث )".
وقد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث ، ولا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي :
أولا : أن أهل الحديث هم - بحكم اختصاصهم في دراسة السنة وما يتعلق من معرفة تراجم الرواة وعلل الحديث وطرقه - أعلم الناس قاطبة بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم- وهديه وأخلاقه وغزواته وما يتصل به - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيا : أن الأمة قد انقسمت إلى فرق ومذاهب لم تكن في القرن الأول، ولكل مذهب أصوله وفروعه وأحاديثه التي يستدل بها ويعتمد عليها ، وأن المتمذهب بواحد منها يتعصب له ويتمسك بكل ما فيه ، دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى ، وينظر لعله يجد فيها من الأحاديث ما لا يجده في مذهبه الذي قلده ؛ فإن من الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السنة والأحاديث ما لا يوجد في المذهب الآخر ، فالمتمسك بالمذهب الواحد يضل ولابد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى المذاهب الأخرى ، وليس على هذا أهل الحديث فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده ، في أي مذهب كان ، ومن أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة ، حتى لو كان شيعيا أو قدريا أو خارجيا ، فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك ، وقد صرح بهذا الإمام الشافعي - رضي الله عنه - حين خاطب الإمام أحمد بقوله : " أنتم أعلم بالحديث مني ، فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبرني به حتى أذهب إليه، سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا " (في الهامش : انظر مقدمة كتابنا صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ) .
فأهل الحديث - حشرنا الله معهم – لا يتعصبون لقول شخص معين مهما علا وسما حاشا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ؛ بخلاف غيرهم ممن لا ينتمي إلى الحديث والعمل به؛ فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم - وقد نهوهم عن ذلك - كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم ! ! فلا عجب بعد هذا البيان أن يكون أهل الحديث هم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية ، بل والأمة الوسط ، الشهداء على الخلق .
ويعجبني بهذا الصدد قول الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه " شرف أصحاب الحديث" انتصارا لهم وردا على من خالفهم :
" ولو أن صاحب الرأي المذموم شغل بما ينفعه من العلوم ، وطلب سنن رسول رب العالمين ، واقتفى آثار الفقهاء والمحدثين ؛ لوجد في ذلك ما يغنيه عن سواه ، واكتفي بالأثر عن رأيه الذي يراه ؛ لأن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد ، وصفات رب العالمين - تعالى عن مقالات الملحدين - والإخبار عن صفة الجنة والنار ، وما أعد الله فيها للمتقين والفجار ، وما خلق الله في الأرضين والسماوات ، وصنوف العجائب وعظيم الآيات ، وذكر الملائكة المقربين ، ونعت الصافين والمسبحين .
وفي الحديث قصص الأنبياء ، وأخبار الزهاد والأولياء ، ومواعظ البلغاء، وكلام الفقهاء ، وسير ملوك العرب والعجم ، وأقاصيص المتقدمين من الأمم ، وشرح مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه ، وجمل أحكامه وقضاياه ، وخطبه وعظاته ، وأعلامه ومعجزاته ، وعدة أزواجه وأولاده ، وأصهاره وأصحابه ، وذكر فضائلهم ومآثرهم، وشرح أخبارهم ومناقبهم ، ومبلغ أعمارهم ، وبيان أنسابهم .
وفيه تفسير القرآن العظيم ، وما فيه من النبأ والذكر الحكيم ، وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم ، وتسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم ، من الأئمة الخالفين ، والفقهاء المجتهدين .
وقد جعل الله أهله أركان الشريعة ، وهدم بهم كل بدعة شنيعة ، فهم أمناء الله في خليقته ، والواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، والمجتهدون في حفظ ملته ، أنوارهم زاهرة ، وفضائلهم سائرة ، وآياتهم باهرة ، ومذاهبهم ظاهرة ، وحججهم قاهرة ، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه ، وتستحسن رأيا تعكف عليه ، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم ، والرسول فئتهم ، وإليه نسبتهم ، لا يعرجون على الأهواء ، ولا يلتفتون إلى الآراء ، يقبل منهم ما رووا عن الرسول ، وهم المأمونون عليه العدول ، حفظة الدين وخزنته ، وأوعية العلم وحملته ، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع ، فما حكموا به فهو المقبول المسموع .
منهم كل عالم فقيه ، وإمام رفيع نبيه ، وزاهد في قبيلة ، ومخصوص بفضيلة ، وقاريء متقن ، وخطيب محسن ، وهم الجمهور العظيم ، وسبيلهم السبيل المستقيم ، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر ، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر ، من كادهم ؛ قصمه الله ، ومن عاندهم ؛ خذله الله ، لا يضرهم من خذلهم ، ولا يفلح من اعتزلهم ، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير ".
ثم ساق الحديث من رواية قرة ، ثم روى بسنده عن علي بن المديني أنه قال : "هم أهل الحديث ، والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ، ويذبون عن العلم ، لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن" .
قال الخطيب : " فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين ، وصرف عنهم كيد المعاندين ؛ لتمسكهم بالشرع المتين ، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين ، فشأنهم حفظ الآثار ، وقطع المفاوز والقفار ، وركوب البراري والبحار ، في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى ، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى ، قبلوا شريعته قولا وفعلا ، وحرسوا سنته حفظا ونقلا ، حتى ثبتوا بذلك أصلها ، وكانوا أحق بها وأهلها ، وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها ، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها ، فهم الحفاظ لأركانها ، والقوامون بأمرها وشأنها ، إذا صدف عن الدفاع عنهم (كذا قال ، ولعلها عنها)، فهم دونها يناضلون ، أولئك حزب الله ، ألا إن حزب الله هم المفلحون " .
ثم ساق الخطيب - رحمه الله تعالى- الأبواب التي تدل على شرف أصحاب الحديث وفضلهم ، ولا بأس من ذكر بعضها ، وإن طال المقال ؛ لتتم الفائدة ، لكني أقتصر على أهمها وأمسها بالموضوع :
1 - قوله - صلى الله عليه وسلم- : "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه".
2 - وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بإكرام أصحاب الحديث .
3 - قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله".
4 - كون أصحاب الحديث خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التبليغ عنه .
5 - وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - إيمان أصحاب الحديث .
6 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالرسول - صلى الله عليه وسلم- لدوام صلاتهم عليه .
7 - بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بكون طلبة الحديث بعده واتصال
الإسناد بينهم وبينه .
8 - البيان أن الأسانيد هي الطريق إلى معرفة أحكام الشريعة .
9 - كون أصحاب الحديث أمناء الرسول - صلى الله عليهم وسلم- لحفظهم السنن وتبيينهم لها .
10 - كون أصحاب الحديث حماة الدين بذبهم عن السنن .
11 - كون أصحاب الحديث ورثة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ما خلفه من السنة وأنواع الحكمة .
12 - كونهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
13 - كونهم خيار الناس .
14 - من قال : إن الأبدال والأولياء أصحاب الحديث .
15 - من قال : لولا أهل الحديث لاندرس الإسلام .
16 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالنجاة في الآخرة ، وأسبق الخلق إلى الجنة.
17 - اجتماع صلاح الدنيا و الآخرة في سماع الحديث وكتبه .
18 - ثبوت حجة صاحب الحديث .
19 - الاستدلال على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث .
20 - الاستدلال على المبتدعة ببغض الحديث وأهله .
21 - من جمع بين مدح أصحاب الحديث وذم أهل الرأي والكلام الخبيث.
22 - من قال : طلب الحديث من أفضل العبادات .
23 - من قال : رواية الحديث أفضل من التسبيح .
24 - من قال : التحديث أفضل من صلاة النافلة .
25 - من تمنى رواية الحديث من الخلفاء ورأى أن المحدثين أفضل العلماء .
هذه هي أهم أبواب الكتاب وفصوله ، أسأل الله تعالى أن ييسر له من يقوم بطبعه من أنصار الحديث وأهله ، حتى يسوغ لمثلي أن يحيل عليه من شاء التفصيل في معرفة ما جاء في هذه الفصول الرائعة من الأحاديث والنقول عن الأئمة الفحول !
وأختم هذه الكلمة بشهادة عظيمة لأهل الحديث من عالم من كبار علماء الحنفية في الهند ، ألا وهو أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي ( 1264 - 1304 ) ، قال - رحمه الله - : " ومن نظر بنظر الإنصاف ، وغاص في بحار الفقه والأصول متجنبا الاعتساف ، يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها ؛ فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم ، وإني كلما أسير في شعب الاختلاف ؛ أجد قول المحدثين فيه قريبا من الإنصاف ، فلله درهم ، وعليه شكرهم ( كذا ) ؛ كيف لا وهم ورثة النبي - صلى الله عليه وسلم - حقا ، ونواب شرعه صدقا ، حشرنا الله في زمرتهم ، وأماتنا على حبهم وسيرتهم " .
سلسلة الأحاديث الصحيحة (1 / 539-54