أجاب عنه الشيخ عبدالله العبيلان حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
يجري هذه الأيام الحديث عن نقل إجازة يوم الخميس إلى يوم السبت فتكون الإجازة يوم الجمعة والسبت فهل في هذا موافقة أو تشبه بأهل الكتاب نرجو من فضيلتكم الإيضاح؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد واله وصحبه أجمعين, وبعد:
أولاً : ينبغي أن يعلم أنه لا يوجد في شريعة الإسلام يوما يعطل الناس فيه عن أعمالهم, لا يوم الجمعة ولا غيره, قال تعالى: [فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ], {الجمعة:10} ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: "ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب يوم السبت, والأحد."(1)
ثانيا: أن تحريم العمل يوم السبت على اليهود منسوخ, "ومما يوضح ذلك أنك تجد عامة علماء النصارى فضلا عن عامتهم لا يعرفون ما نسخه المسيح من شريعة التوراة, مما أقره مع اتفاقهم على أن المسيح لم ينسخها كلها, ولم يقرها كلها, بل أخبرهم أنه إنما جاء ليتمها لا ليبطلها, وقد أحل بعض ما حرم فيها كالعمل في السبت."(2)
ثالثا : أن اليهود يعتقدون تخصيصه تعبدا, والمسلمون نهوا عن تخصيصه بعبادة "كما أن يوم السبت كان عيدا في شريعة موسى عليه السلام ثم نسخ في شريعة محمد بيوم الجمعة فليس للمسلمين أن يخصوا يوم السبت ويوم الأحد بعبادة, كما تفعل اليهود."(3)
وعليه فالنهي في شريعتنا عن تخصيصه, وإلا جاز "وقد يقال: يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام العجمية التي لا تعرف بحساب العرب, بخلاف ما جاء في الحديثين من يوم السبت والأحد, لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية أو الجاهلية كانت ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام, وأحياء أمرها وإظهار حالها, بخلاف السبت والأحد, فإنهما من حساب المسلمين, فليس في صومهما مفسدة فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي توفيقا بين الآثار والله أعلم."(4)
فالأقسام ثلاثة: فإنه إما أن يكون هذا القول موافقا لقول الرسول أو لا يكون, وإما أن يكون موافقا لشرع غيره, وإما أن لا يكون, فهذا الثالث المبدل, كأديان المشركين والمجوس, وما كان شرعا لغيره وهو لا يوافق شرعه, فقد نسخ كالسبت, وتحريم كل ذى ظفر, وشحم الثرب والكليتين, فإن اتخاذ السبت عيدا, وتحريم هذه الطيبات قد كان شرعا لموسى ثم نسخ, بل قد قال المسيح : [وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ], {آل عمران:50} فقد نسخ الله على لسان المسيح بعض ما كان حراما في شرع موسى."(5)
"فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته, ولهذا شرع الله لبني إسرائيل السبت ثم نسخ ذلك, وشرع لنا الجمعة, فكان الاجتماع يوم السبت واجبا, إذ ذاك ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة وحرم الاجتماع يوم السبت."(6)
رابعا: ثبت عن النبي عليه السلام أنه " كان يصلى يوم الجمعة في مسجده, ويوم السبت, يذهب إلى قباء كما في الصحيحين عن بن عمر رضى الله عنهما أن النبي كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا فيصلى فيه ركعتين."(7)
فهذا فيه المداومة على هذه العبادة في يوم السبت, وليس من التشبه لأنه كان يفعل ذلك بعد الجمعة فلا يظهر التخصيص.
خامسا: أن يوم الجمعة وهو يوم عيد المسلمين يجوز إحداث عبادة فيه إذا لم يخص فقد روى الشيخان عن جويرية رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة, وهي صائمةٌ, فقال لها: أصمت أمس, قالت: لا, قال: تريدين أن تصومي غداً قالت: لا قال فأفطرى." متفق عليه,( فجاء صيام السبت بعد الجمعة.
سادسا: وعليه فإن إتخاذ يوم الجمعة والسبت إجازة هو مثل إتخاذ يوم الخميس والجمعة إذا لم يخص لعدة أوجه:
1- قال الشيخ: "فإن الشيطان قد سول لكثير ممن يدعى الإسلام فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى, وهو الخميس الحقير من الهدايا والافراح, والنفقات وكسوة الأولاد وغير ذلك, مما يصير به مثل عيد المسلمين, وهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى, فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات فمن ذلك خروج النساء, وتبخير القبور ووضع الثياب على السطح وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب, واتخاذه موسما لبيع الخمور وشرائها, ورقى البخور مطلقا في ذلك الوقت, أو غيره, أو قصد شراء البخور المرقى, فإن رقى البخور واتخاذه قربانا هو دين النصارى والصابئين, وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه كما يتطيب بسائر الطيب, وكذلك تخصيصه بطبخ الأطعمة وغير ذلك من صبغ البيض."(9)
فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم, لم تجب دعوته, ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات لم تقبل هديته, خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان به على التشبه بهم, مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد, وإهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم, وهو الخميس الحقير, ولا منهم انها من دين النصارى الملعون هو وأهله, وقد بلغني أنهم يخرجون في الخميس الحقير الذي قبل ذلك, أو السبت أو غير ذلك إلى القبور, وكذلك يبخرون في هذه الأوقات, وهم يعتقدون أن في البخور بركة, ودفع مضرة, ويعدونه من القرابين مثل الذبائح, ويرقونه بنحاس يضربونه كأنه ناقوس صغير, وبكلام مصنف, ويصلبون على أبواب بيوتهم إلى غير ذلك من الأمور المنكرة حتى إن الأسواق تبقى مملوءة أصوات النواقيس الصغار, وكلام الرقايين من المنجمين وغيرهم بكلام أكثره باطل, وفيه ما هو محرم, أو كفر, وقد ألقى إلى جماهير العامة, أو جميعهم إلا من شاء الله."(10) ولا يُقال إننا بجعلنا الخميس إجازة وافقنا النصارى لأننا لم نفرده.
2-أن هدي النبي عليه السلام هو المخالفة لليهود والنصارى ما أمكن والمخالفة حاصلة بالإجتماع يوم الجمعة تعبدا وإتخاذه عيدا.
3-أن الحاجة قائمة لذلك: "والضابط في هذا والله أعلم أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة, إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه, فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه المسلمون مصلحة نظر في السبب المحوج إليه, فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه,"(11)
4-"لأن النهى عن الصلاة إنما كان سدا للذريعة إلى التشبه بالكفار, وما كان منهيا عنه للذريعة فإنه يفعل لأجل المصلحة الراجحة كالصلاة التي لها سبب تفوت بفوات السبب, فإن لم تفعل فيه وإلا فاتت المصلحة, والتطوع المطلق لا يحتاج إلى فعله وقت النهى, فإن الإنسان لا يستغرق الليل والنهار بالصلاة فلم يكن في النهى تفويت مصلحة, وفى فعله فيه مفسدة بخلاف التطوع الذي له سبب يفوت كسجدة التلاوة, وصلاة الكسوف, ثم أنه إذا جاز ركعتا الطواف مع إمكان تأخير الطواف فما يفوت أولى أن يجوز."(12)
وهذا أصل لأحمد وغيره في أن ما كان من باب سد الذريعة إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه, وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به, وقد ينهى عنه ولهذا يفرق في العقود بين الحيل, وسد الذرائع, فالمحتال يقصد المحرم فهذا ينهى عنه وأما الذريعة فصاحبها لا يقصد المحرم لكن إذا لم يحتج إليها نهى عنها, وأما مع الحاجة فلا."(13)
" يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ إنَّمَا كان سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ, وما حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ أُبِيحَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ, كما أُبِيحَتْ الْعَرَايَا من رِبَا الْفَضْلِ وَكَمَا أُبِيحَتْ ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ من الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ, وَكَمَا أُبِيحَ النَّظَرُ لِلْخَاطِبِ وَالشَّاهِدِ وَالطَّبِيبِ وَالْمُعَامِلِ من جُمْلَةِ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ, وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ على الرِّجَالِ حُرِّمَ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ التَّشْبِيهِ بِالنِّسَاءِ الْمَلْعُونِ فَاعِلُهُ, وَأُبِيحَ منه ما تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ."(14)
5- أن النبي عليه السلام قال فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رض الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت, وكان للنصارى يوم الأحد, فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة, فجعل الجمعة والسبت والأحد, وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة, نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم يوم القيامة قبل الخلائق))."(15)
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "قال بن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد, أن يترك ما فرض الله عليه, وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة, وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة, ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا, وقال النووي: يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر, فاجتهدوا في ذلك فاخطؤا انتهى."(16)
وهذا كله قبل النسخ, فلم يبق يوم عيد شرعي سوى يوم الجمعة, والبقية منسوخة, وفيه إشارة إلى أن أول يوم في الأسبوع هو الجمعة خلاف المتعارف عليه أن السبت أول أيام الأسبوع, وانظر فتح الباري فتح الباري: ج2/ص356
6- أن الله تعالى قال: [يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ], {البقرة:185} وكذلك معظم الناس يودون لو كانت العطلة الجمعة والسبت إجازة, لأن هذا أيسر لهم, وأعون للإستفادة من الوقت في الجمعة في التبكير إليها والإنشغال بالذكر والدعاء في عصرها, ونحو ذلك, وذكر ابن القيم ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية, وفيها أنها يوم عيد, ولا يصام منفردا, وقراءة ألم تنزيل, وهل أتى في صبيحتها, والجمعة والمنافقين فيها, والغسل لها, والطيب, والسواك, ولبس أحسن الثياب, وتبخير المسجد, والتبكير, والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب والخطبة, والإنصات وقراءة الكهف, ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء ومنع السفر قبلها, وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة, ونفي تسجير جهنم في يومها, وساعة الإجابة, وتكفير الآثام, وأنها يوم المزيد, والشاهد المدخر لهذه الأمة وخير أيام الأسبوع الخ،(17) , بل وحتى على قضاء حاجاتهم.
7- وعلى كل حال فالسبت يوم من أيام الله وليس خاصا باليهود، بخلاف ماهو من أيامهم الخاصة بهم, وكذا النصارى.
قال ابن كثير: " منه عيد الشعانين ويزعمون أن هو اليوم الذي نزل فيه عيسى بن مريم عليه السلام من الجبل, ودخل بيت المقدس وبعده بأربعة أيام عيد الفصح, وهو اليوم الذي خرج فيه موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر, وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة, وهو اليوم الذي يزعمون أن عيسى عليه السلام خرج من قبره بعد ما قتل ودفن, وبعده بثمانية أيام عيد الجديد, ويزعمون أنه اليوم الذي ظهر فيه عيسى لتلامذته بعد ما خرج من القبر وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق, ويزعمون أنه اليوم الذي صعد فيه عيسى إلى السماء, ولهم أعياد سوى ما ذكرنا عيد الصليب, وهو اليوم الذي وجدوا فيه خشبة الصليب, وإنما علموا ذلك أنه وضع على ميت فحيي بزعمهم وعيد الدنح وعيد الميلاد."(1)
"ولليهود أعياد منها الفصح خامس عشر من نيسانهم عيد كبير أول أيام الفطير السبعة يحرمون فيها الخمير, وآخرها الحادي والعشرون من الشهر المذكور والفصح يدور من ثاني عشر آذار إلى خامس عشر نيسان, وسببه أن بني إسرائيل لما تخلصوا من فرعون وحصلوا في التيه اتفق ذلك ليلة الخامس عشر من نيسان اليهود والقمر تام الضوء والزمان ربيع, فأمروا بحفظ هذا اليوم وفي آخر هذه الأيام غرق فرعون في بحر الشعب, وهو القلزم, ولهم عيد العنصرة بعد الفطير بخمسين يوما في السادس من شيون فيه حضر مشايخ بني إسرائيل إلى طور سيناء مع موسى مع موسى, فسمعوا كلام اللَّهِ من الوعد والوعيد فاتخذوه عيدا, ومنها عيد الحنكة: معناه التنظيف وهو ثمانية أيام أولها الخامس والعشرون من بسليو يسرجون في الليلة الأولى سراجا وفي الثانية اثنين, وكذا في الثامنة ثمانية سرج وذلك تذكار أصغر ثمانية إخوة قتل بعض ملوك اليونان, فإنهم كان قد تغلب عليهم ملك من اليونان ببيت المقدس, كان يفترع البنات قبل الإهداء إلى أزواجهن وله سرداب قد أخرج منه حبلين عليهما جلجلان فإن احتاج إلى امرأة حرك الأيمن فتدخل عليه فإذا فرغ منها حرك الأيسر, فيخلي سبيلها, وكان في بني إسرائيل رجل له ثمانية بنين وبنت واحدة تزوجها إسرائيلي, وطلبها فقال أبوها: إن أهديتها افترعها الملعون, ودعا بنيه لذلك فأنفوا ووثب الصغير منهم فلبس ثياب النساء وخبأ خنجرا وأتى باب الملك على أنه أخته, فحرك الجرس فأدخل عليه فحين خلا به قتله وأخذ رأسه, وحرك الحبل الأيسر وخرج فخلى سبيله, فأفرح ذلك بني إسرائيل واتخذوه عيدا تذكارا بالإخوة الثمانية.
ومنها: المظال سبعة أيام أولها خامس عشر تشرين الأول, يستظلون فيها بالخلاف والقصب وغيره فريضة على المقيم تذكارا لإظلالهم بالغمام في التيه, وآخرها وهو حادي عشر تشرين يسمى عرابا تفسيره شجر الخلاف, وعرعراب وهو الثاني والعشرون من الخميس يسمى التبريك تبطل فيه الأعمال ويتبركون فيه بالتوراة وفيه استتم نزولها بزعمهم.
وليس في صومهم فرض غير صوم الكبور عاشر تشرينهم وابتداء الصوم من التاسع قبل الغروب بنصف ساعة إلى بعد غروب العشاء من العاشر بنصف ساعة تمام خمس وعشرين ساعة, وكذلك صياماتهم النوافل والسنن."(19)
وفي مثلها جاء قوله عليه السلام: ((هل كان فيها عِيدٌ من أَعْيَادِهِمْ قالوا لَا قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْفِ بِنَذْرِكَ فإنه لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ ولافيما لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ )), رواه أهل السنن(20)
ومن هنا يتبين معنى قول أهل العلم يجوز فعل العبادة فيه أعني السبت من غير تخصيص سدا لذريعة المشابهة, فإذا لم يخص لم تحصل المشابهة, وقد ثبت عن رسول الله عليه السلام أنه كان يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين, ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس, رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وفي العادات الأمر ظاهر ، فإن رأى ولي الأمر أن في ذلك تحصيل مصالح للمسلمين أو دفع مفاسد عنهم فعل, وإلا بقي الناس على ماهم عليه ، هذا ماظهر لي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان واستغفر الله وأتوب إليه ، والحمد لله رب العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
1_ انظر اقتضاء الصراط: (1/135).
2_ انظر الجواب الصحيح: (5/55).
3_انظر اقتضاء الصراط: (1/456 ).
4_ انظر اقتضاء الصراط: (1/266 ).
5_ انظر مجموع الفتاوى: (27/381).
6_ انظر اقتضاء الصراط: (1/264).
7_ انظر مجموع الفتاوى: (27/381).
8_ أخرجه البخاري في صحيحه: (2/701), والحاكم في صحيحه: (1/601), وأبو داود في سننه: (2/321).
9_ انظر مجموع الفتاوى: (25/31.
10_ انظر مجموع الفتاوى: (25/320).
11_ انظر اقتضاء الصراط: (1/27.
12_ انظر مجموع الفتاوى: (22/299).
13_ انظر مجموع الفتاوى: (23/214).
14_ إعلام الموقعين (2/161).
15_ أخرجه مسلم: (2/586),و النسائي في سننه الكبرى: (1/514), و ابن ماجه في سننه: (1/344).
16_ انظر فتح الباري: (2/355).
17_ انظر زاد المعاد: (1/60).
18_ انظر البدء والتاريخ: (4/47).
19_ انظر تاريخ ابن الوردي: (1/76).
20_ أخرجه ابو داود في سننه: (3/23, و البيهقي في السنن الكبرى: (10/83), وصححه الألباني في سنن أبي داود.
بسم الله الرحمن الرحيم
يجري هذه الأيام الحديث عن نقل إجازة يوم الخميس إلى يوم السبت فتكون الإجازة يوم الجمعة والسبت فهل في هذا موافقة أو تشبه بأهل الكتاب نرجو من فضيلتكم الإيضاح؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد واله وصحبه أجمعين, وبعد:
أولاً : ينبغي أن يعلم أنه لا يوجد في شريعة الإسلام يوما يعطل الناس فيه عن أعمالهم, لا يوم الجمعة ولا غيره, قال تعالى: [فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ], {الجمعة:10} ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: "ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب يوم السبت, والأحد."(1)
ثانيا: أن تحريم العمل يوم السبت على اليهود منسوخ, "ومما يوضح ذلك أنك تجد عامة علماء النصارى فضلا عن عامتهم لا يعرفون ما نسخه المسيح من شريعة التوراة, مما أقره مع اتفاقهم على أن المسيح لم ينسخها كلها, ولم يقرها كلها, بل أخبرهم أنه إنما جاء ليتمها لا ليبطلها, وقد أحل بعض ما حرم فيها كالعمل في السبت."(2)
ثالثا : أن اليهود يعتقدون تخصيصه تعبدا, والمسلمون نهوا عن تخصيصه بعبادة "كما أن يوم السبت كان عيدا في شريعة موسى عليه السلام ثم نسخ في شريعة محمد بيوم الجمعة فليس للمسلمين أن يخصوا يوم السبت ويوم الأحد بعبادة, كما تفعل اليهود."(3)
وعليه فالنهي في شريعتنا عن تخصيصه, وإلا جاز "وقد يقال: يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام العجمية التي لا تعرف بحساب العرب, بخلاف ما جاء في الحديثين من يوم السبت والأحد, لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية أو الجاهلية كانت ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام, وأحياء أمرها وإظهار حالها, بخلاف السبت والأحد, فإنهما من حساب المسلمين, فليس في صومهما مفسدة فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي توفيقا بين الآثار والله أعلم."(4)
فالأقسام ثلاثة: فإنه إما أن يكون هذا القول موافقا لقول الرسول أو لا يكون, وإما أن يكون موافقا لشرع غيره, وإما أن لا يكون, فهذا الثالث المبدل, كأديان المشركين والمجوس, وما كان شرعا لغيره وهو لا يوافق شرعه, فقد نسخ كالسبت, وتحريم كل ذى ظفر, وشحم الثرب والكليتين, فإن اتخاذ السبت عيدا, وتحريم هذه الطيبات قد كان شرعا لموسى ثم نسخ, بل قد قال المسيح : [وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ], {آل عمران:50} فقد نسخ الله على لسان المسيح بعض ما كان حراما في شرع موسى."(5)
"فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته, ولهذا شرع الله لبني إسرائيل السبت ثم نسخ ذلك, وشرع لنا الجمعة, فكان الاجتماع يوم السبت واجبا, إذ ذاك ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة وحرم الاجتماع يوم السبت."(6)
رابعا: ثبت عن النبي عليه السلام أنه " كان يصلى يوم الجمعة في مسجده, ويوم السبت, يذهب إلى قباء كما في الصحيحين عن بن عمر رضى الله عنهما أن النبي كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا فيصلى فيه ركعتين."(7)
فهذا فيه المداومة على هذه العبادة في يوم السبت, وليس من التشبه لأنه كان يفعل ذلك بعد الجمعة فلا يظهر التخصيص.
خامسا: أن يوم الجمعة وهو يوم عيد المسلمين يجوز إحداث عبادة فيه إذا لم يخص فقد روى الشيخان عن جويرية رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة, وهي صائمةٌ, فقال لها: أصمت أمس, قالت: لا, قال: تريدين أن تصومي غداً قالت: لا قال فأفطرى." متفق عليه,( فجاء صيام السبت بعد الجمعة.
سادسا: وعليه فإن إتخاذ يوم الجمعة والسبت إجازة هو مثل إتخاذ يوم الخميس والجمعة إذا لم يخص لعدة أوجه:
1- قال الشيخ: "فإن الشيطان قد سول لكثير ممن يدعى الإسلام فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى, وهو الخميس الحقير من الهدايا والافراح, والنفقات وكسوة الأولاد وغير ذلك, مما يصير به مثل عيد المسلمين, وهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى, فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات فمن ذلك خروج النساء, وتبخير القبور ووضع الثياب على السطح وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب, واتخاذه موسما لبيع الخمور وشرائها, ورقى البخور مطلقا في ذلك الوقت, أو غيره, أو قصد شراء البخور المرقى, فإن رقى البخور واتخاذه قربانا هو دين النصارى والصابئين, وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه كما يتطيب بسائر الطيب, وكذلك تخصيصه بطبخ الأطعمة وغير ذلك من صبغ البيض."(9)
فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم, لم تجب دعوته, ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات لم تقبل هديته, خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان به على التشبه بهم, مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد, وإهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم, وهو الخميس الحقير, ولا منهم انها من دين النصارى الملعون هو وأهله, وقد بلغني أنهم يخرجون في الخميس الحقير الذي قبل ذلك, أو السبت أو غير ذلك إلى القبور, وكذلك يبخرون في هذه الأوقات, وهم يعتقدون أن في البخور بركة, ودفع مضرة, ويعدونه من القرابين مثل الذبائح, ويرقونه بنحاس يضربونه كأنه ناقوس صغير, وبكلام مصنف, ويصلبون على أبواب بيوتهم إلى غير ذلك من الأمور المنكرة حتى إن الأسواق تبقى مملوءة أصوات النواقيس الصغار, وكلام الرقايين من المنجمين وغيرهم بكلام أكثره باطل, وفيه ما هو محرم, أو كفر, وقد ألقى إلى جماهير العامة, أو جميعهم إلا من شاء الله."(10) ولا يُقال إننا بجعلنا الخميس إجازة وافقنا النصارى لأننا لم نفرده.
2-أن هدي النبي عليه السلام هو المخالفة لليهود والنصارى ما أمكن والمخالفة حاصلة بالإجتماع يوم الجمعة تعبدا وإتخاذه عيدا.
3-أن الحاجة قائمة لذلك: "والضابط في هذا والله أعلم أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة, إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه, فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه المسلمون مصلحة نظر في السبب المحوج إليه, فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه,"(11)
4-"لأن النهى عن الصلاة إنما كان سدا للذريعة إلى التشبه بالكفار, وما كان منهيا عنه للذريعة فإنه يفعل لأجل المصلحة الراجحة كالصلاة التي لها سبب تفوت بفوات السبب, فإن لم تفعل فيه وإلا فاتت المصلحة, والتطوع المطلق لا يحتاج إلى فعله وقت النهى, فإن الإنسان لا يستغرق الليل والنهار بالصلاة فلم يكن في النهى تفويت مصلحة, وفى فعله فيه مفسدة بخلاف التطوع الذي له سبب يفوت كسجدة التلاوة, وصلاة الكسوف, ثم أنه إذا جاز ركعتا الطواف مع إمكان تأخير الطواف فما يفوت أولى أن يجوز."(12)
وهذا أصل لأحمد وغيره في أن ما كان من باب سد الذريعة إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه, وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به, وقد ينهى عنه ولهذا يفرق في العقود بين الحيل, وسد الذرائع, فالمحتال يقصد المحرم فهذا ينهى عنه وأما الذريعة فصاحبها لا يقصد المحرم لكن إذا لم يحتج إليها نهى عنها, وأما مع الحاجة فلا."(13)
" يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ إنَّمَا كان سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ, وما حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ أُبِيحَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ, كما أُبِيحَتْ الْعَرَايَا من رِبَا الْفَضْلِ وَكَمَا أُبِيحَتْ ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ من الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ, وَكَمَا أُبِيحَ النَّظَرُ لِلْخَاطِبِ وَالشَّاهِدِ وَالطَّبِيبِ وَالْمُعَامِلِ من جُمْلَةِ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ, وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ على الرِّجَالِ حُرِّمَ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ التَّشْبِيهِ بِالنِّسَاءِ الْمَلْعُونِ فَاعِلُهُ, وَأُبِيحَ منه ما تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ."(14)
5- أن النبي عليه السلام قال فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رض الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت, وكان للنصارى يوم الأحد, فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة, فجعل الجمعة والسبت والأحد, وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة, نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم يوم القيامة قبل الخلائق))."(15)
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "قال بن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد, أن يترك ما فرض الله عليه, وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة, وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة, ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا, وقال النووي: يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر, فاجتهدوا في ذلك فاخطؤا انتهى."(16)
وهذا كله قبل النسخ, فلم يبق يوم عيد شرعي سوى يوم الجمعة, والبقية منسوخة, وفيه إشارة إلى أن أول يوم في الأسبوع هو الجمعة خلاف المتعارف عليه أن السبت أول أيام الأسبوع, وانظر فتح الباري فتح الباري: ج2/ص356
6- أن الله تعالى قال: [يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ], {البقرة:185} وكذلك معظم الناس يودون لو كانت العطلة الجمعة والسبت إجازة, لأن هذا أيسر لهم, وأعون للإستفادة من الوقت في الجمعة في التبكير إليها والإنشغال بالذكر والدعاء في عصرها, ونحو ذلك, وذكر ابن القيم ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية, وفيها أنها يوم عيد, ولا يصام منفردا, وقراءة ألم تنزيل, وهل أتى في صبيحتها, والجمعة والمنافقين فيها, والغسل لها, والطيب, والسواك, ولبس أحسن الثياب, وتبخير المسجد, والتبكير, والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب والخطبة, والإنصات وقراءة الكهف, ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء ومنع السفر قبلها, وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة, ونفي تسجير جهنم في يومها, وساعة الإجابة, وتكفير الآثام, وأنها يوم المزيد, والشاهد المدخر لهذه الأمة وخير أيام الأسبوع الخ،(17) , بل وحتى على قضاء حاجاتهم.
7- وعلى كل حال فالسبت يوم من أيام الله وليس خاصا باليهود، بخلاف ماهو من أيامهم الخاصة بهم, وكذا النصارى.
قال ابن كثير: " منه عيد الشعانين ويزعمون أن هو اليوم الذي نزل فيه عيسى بن مريم عليه السلام من الجبل, ودخل بيت المقدس وبعده بأربعة أيام عيد الفصح, وهو اليوم الذي خرج فيه موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر, وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة, وهو اليوم الذي يزعمون أن عيسى عليه السلام خرج من قبره بعد ما قتل ودفن, وبعده بثمانية أيام عيد الجديد, ويزعمون أنه اليوم الذي ظهر فيه عيسى لتلامذته بعد ما خرج من القبر وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق, ويزعمون أنه اليوم الذي صعد فيه عيسى إلى السماء, ولهم أعياد سوى ما ذكرنا عيد الصليب, وهو اليوم الذي وجدوا فيه خشبة الصليب, وإنما علموا ذلك أنه وضع على ميت فحيي بزعمهم وعيد الدنح وعيد الميلاد."(1)
"ولليهود أعياد منها الفصح خامس عشر من نيسانهم عيد كبير أول أيام الفطير السبعة يحرمون فيها الخمير, وآخرها الحادي والعشرون من الشهر المذكور والفصح يدور من ثاني عشر آذار إلى خامس عشر نيسان, وسببه أن بني إسرائيل لما تخلصوا من فرعون وحصلوا في التيه اتفق ذلك ليلة الخامس عشر من نيسان اليهود والقمر تام الضوء والزمان ربيع, فأمروا بحفظ هذا اليوم وفي آخر هذه الأيام غرق فرعون في بحر الشعب, وهو القلزم, ولهم عيد العنصرة بعد الفطير بخمسين يوما في السادس من شيون فيه حضر مشايخ بني إسرائيل إلى طور سيناء مع موسى مع موسى, فسمعوا كلام اللَّهِ من الوعد والوعيد فاتخذوه عيدا, ومنها عيد الحنكة: معناه التنظيف وهو ثمانية أيام أولها الخامس والعشرون من بسليو يسرجون في الليلة الأولى سراجا وفي الثانية اثنين, وكذا في الثامنة ثمانية سرج وذلك تذكار أصغر ثمانية إخوة قتل بعض ملوك اليونان, فإنهم كان قد تغلب عليهم ملك من اليونان ببيت المقدس, كان يفترع البنات قبل الإهداء إلى أزواجهن وله سرداب قد أخرج منه حبلين عليهما جلجلان فإن احتاج إلى امرأة حرك الأيمن فتدخل عليه فإذا فرغ منها حرك الأيسر, فيخلي سبيلها, وكان في بني إسرائيل رجل له ثمانية بنين وبنت واحدة تزوجها إسرائيلي, وطلبها فقال أبوها: إن أهديتها افترعها الملعون, ودعا بنيه لذلك فأنفوا ووثب الصغير منهم فلبس ثياب النساء وخبأ خنجرا وأتى باب الملك على أنه أخته, فحرك الجرس فأدخل عليه فحين خلا به قتله وأخذ رأسه, وحرك الحبل الأيسر وخرج فخلى سبيله, فأفرح ذلك بني إسرائيل واتخذوه عيدا تذكارا بالإخوة الثمانية.
ومنها: المظال سبعة أيام أولها خامس عشر تشرين الأول, يستظلون فيها بالخلاف والقصب وغيره فريضة على المقيم تذكارا لإظلالهم بالغمام في التيه, وآخرها وهو حادي عشر تشرين يسمى عرابا تفسيره شجر الخلاف, وعرعراب وهو الثاني والعشرون من الخميس يسمى التبريك تبطل فيه الأعمال ويتبركون فيه بالتوراة وفيه استتم نزولها بزعمهم.
وليس في صومهم فرض غير صوم الكبور عاشر تشرينهم وابتداء الصوم من التاسع قبل الغروب بنصف ساعة إلى بعد غروب العشاء من العاشر بنصف ساعة تمام خمس وعشرين ساعة, وكذلك صياماتهم النوافل والسنن."(19)
وفي مثلها جاء قوله عليه السلام: ((هل كان فيها عِيدٌ من أَعْيَادِهِمْ قالوا لَا قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْفِ بِنَذْرِكَ فإنه لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ ولافيما لَا يَمْلِكُ بن آدَمَ )), رواه أهل السنن(20)
ومن هنا يتبين معنى قول أهل العلم يجوز فعل العبادة فيه أعني السبت من غير تخصيص سدا لذريعة المشابهة, فإذا لم يخص لم تحصل المشابهة, وقد ثبت عن رسول الله عليه السلام أنه كان يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين, ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس, رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وفي العادات الأمر ظاهر ، فإن رأى ولي الأمر أن في ذلك تحصيل مصالح للمسلمين أو دفع مفاسد عنهم فعل, وإلا بقي الناس على ماهم عليه ، هذا ماظهر لي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان واستغفر الله وأتوب إليه ، والحمد لله رب العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
1_ انظر اقتضاء الصراط: (1/135).
2_ انظر الجواب الصحيح: (5/55).
3_انظر اقتضاء الصراط: (1/456 ).
4_ انظر اقتضاء الصراط: (1/266 ).
5_ انظر مجموع الفتاوى: (27/381).
6_ انظر اقتضاء الصراط: (1/264).
7_ انظر مجموع الفتاوى: (27/381).
8_ أخرجه البخاري في صحيحه: (2/701), والحاكم في صحيحه: (1/601), وأبو داود في سننه: (2/321).
9_ انظر مجموع الفتاوى: (25/31.
10_ انظر مجموع الفتاوى: (25/320).
11_ انظر اقتضاء الصراط: (1/27.
12_ انظر مجموع الفتاوى: (22/299).
13_ انظر مجموع الفتاوى: (23/214).
14_ إعلام الموقعين (2/161).
15_ أخرجه مسلم: (2/586),و النسائي في سننه الكبرى: (1/514), و ابن ماجه في سننه: (1/344).
16_ انظر فتح الباري: (2/355).
17_ انظر زاد المعاد: (1/60).
18_ انظر البدء والتاريخ: (4/47).
19_ انظر تاريخ ابن الوردي: (1/76).
20_ أخرجه ابو داود في سننه: (3/23, و البيهقي في السنن الكبرى: (10/83), وصححه الألباني في سنن أبي داود.